وثيقة:المرأة في المسيحية: مشكلة الجسد والدم
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | كارولين كامل |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مدى مصر |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://madamasrmirror.appspot.com/madamasr.com/ar/2017/07/19/opinion/ثقافة/المرأة-في-المسيحية-مشكلة-الجسد-والدم/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.fo/ywUuw
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدى مصر
في ظل مناخ عام يسيل فيه دم الأقباط بشكل متكرر، وبالتحديد بعد أيام قليلة من اغتيال 26 قبطيًا وإصابة العشرات ممن كانوا في طريقهم لزيارة دير «الأنبا صمويل المعترف»، كان رجال الكنيسة منشغلين بالدم السائل شهريًا من رحم المرأة، حيث اجتمع «المجمع المقدس» للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية في يونيو 2017، ليخرج بتوصيات كانت على رأسها «نجاسة المرأة» بسبب «الحيض».
الاجتماع الذي ضم حوالي 121 أسقفًا، يشكلون قوام «المجمع المقدس»، خرج بتوصيات أقرتها اللجنة الطبية، وجاء فيها: «إن التعليم المسيحى يعلن وبوضوح عدم نجاسة أي إنسان مؤمن، إلا بالخطية، وعليه فإن المرأة طاهرة ومسكن للروح القدس فى كل أيام حياتها. ولكن بسبب التقوى والحرص اللائق بالتناول من الأسرار المقدسة والالتزام بما تسلمناه بالتقليد، يليق بالرجل والمرأة أن يمتنعا عن التناول فى فترات عدم الاستعداد الجسدى». والمقصود هنا بـ«فترات عدم الاستعداد الجسدي» فترات الحيض أو الاحتلام أو ممارسة العادة السرية أو الفترة التالية لممارسة العلاقة الجنسية، بما يتبع كل هذا من إفرازات.
يدعي أغلب رجال الدين، سواء في اليهودية والمسيحية والإسلام، أن المرأة مساوية للرجل، ولكن هذا التساوي دائمًا ما يأتي ملتبسًا، وغالبًا ما تُستثنى منه فترات الدورة الشهرية. وهو ما يدفع للتساؤل عن كيفية تحقق المساواة في حال اشتمالها على استثناءات!
قد يكون موضوع «حيض المرأة» قد طُرح في سياق الصراع المكتوم بين البابا ورجاله الساعين للتجديد وبين رجال الحرس القديم المسيطرين على زمام أمور الكنيسة. وقد يكون ردًا على كتاب الأنبا بفنتيوس أسقف سمالوط الصادر عام 2016، الذي جاء بعنوان «المرأة في المسيحية.. قضايا مثيرة للجدل»، وعبر فيه عن وجهة نظرة بأن المسيحية لا تعترف بنجاسة المرأة في فترة الحيض، وبالتالي يُسمح لها بالتناول.
مع نشر كتابه، واجه الأنبا بفنتيوس عاصفة من الغضب من عدد كبير من أساقفة الكنيسة، وعلى رأسهم الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، الذي أكد في ورقة بحثية من 14 صفحة على عدم جواز تناول الحائض، مشيرًا لكون المسيحية قد توارثت التأكيد على «نجاسة المرأة» من اليهودية، حيث يستند رجال الكنيسة الأرثوذوكسية لآيات وردت في سفر «اللاويين» تنص على أنه: «إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجسًا… فتكون كل أيام سيلان نجاستها كما في أيام طمثها. إنها نجسة. كل فراش… وكل الأمتعة التي تجلس عليها تكون نجسة»، و«كل شئ مقدس لا تمس، وإلي المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها».
«النجاسة» كلمة جارحة بشدة، وارتباط اللفظ، المضاد للفظ «الطهارة»، بالدين، جعل وقعه على النفس أكثر تنفيرًا وترهيبًا، خاصة وإن كان متواتر الاستخدام لوصف المرأة في فترة الدورة الشهرية.
بالتالي كان كتاب الأنبا بفنتيوس أشبه بالتغريد خارج السرب، حيث يفضح رجعية وذكورية الشريحة الغالبة من رجال الكنيسة الأرثوذوكسية المتمسكين بتراث التوراة التي ينهلون منها ما يخدم غاياتهم متعللين بأن المسيح قال عن نصوصها: «ما جئت لأنقض بل لأكمل»، وهي التوراة ذاتها التي قالت: «العين بالعين.. والسن بالسن»، إلا أنهم يتجاهلونها مرددين أن المسيحية أوصت بأن «من ضربك على خدك الأيمن حوّل له الآخر».
في كتابه، يقول الأنبا بفنتيوس: «كما أنه لا رأي لإنسان في خفقان قلبه… هكذا أيضًا لا رأي للطامث بما يستجد في جسدها كل شهر فهذه أمور لا إرادية… وما هي الخطية أو الدنس في الإفرازات الطبيعية للإنسان؟… لأننا نتدنس إذا أخطأنا، والخطية هي النجاسة الحقيقية.»
في كتابه أيضًا، تجاوز الأنبا بفنتيوس الاحتقار المعهود للجنس، وهو الاحتقار الذي ارتبط بالمرأة أيضًا واعتمدته الكنيسة. برّأ الأنبا بفنتيوس المسيحية من هذه الأفكار، على خلاف غالبية رجال الكنيسة الذين يؤكدون أن غريزة الجنس مستجدة على الإنسان بعد سقوط آدم وحواء في الخطيئة، التي ضعفت أمامها حواء برغباتها، بحجة أنهما لولا سقوطهما لكانا ربما ليتكاثران بالتلقيح الخارجي مثلما يفعل السمك بحسب الكنيسة، ويتناقل أبناء الكنيسة أنه لهذا، ولتكاثره دون تلامس، يعد السمك كائنًا طاهرًا في المسيحية.
هل يمكن تخيل أن أصحاب هذه الأفكار هم من يتحكمون بعقول الملايين؟
نجسة وميتة كذلك!
الضجة التي أثارها كتاب الأنبا بفنتيوس، وجعلت المجمع المقدس يخرج بتوصيات للرد على أفكاره، لم يندلع مثلها مع كتاب «حقوق المرأة في المسيحية»، والصادر في نفس العام، للراهب عزرا بدير الأنبا بيشوي، وقد تجاوز وصف المرأة الحائض بـ«النجاسة»، ليشبّه فترة الحيض بـ«الموت»، حيث قال نصًا: «المرأة أثناء الطمث تكون في حكم الميتة بسبب خروج الدم منها، ولما كان الموت يعتبر نجاسة والميت يعتبر نجسًا، إذن تكون المرأة في هذه الفترة نجسة.»
كتاب الراهب عزرا، والذي قدم له الأنبا سلوانس أسقف ورئيس دير الأنبا باخوميوس الشايب في الأقصر، لا يثير الدهشة لمحتواه فحسب، ولكن لتأكيده على انشغال رجال الدين، وخاصة الرهبان والأساقفة منهم بالتفكير في المرأة وحيضها، بسبب غرابة هذا الموضوع لديهم كرجال، على ما يبدو، بينما لا تقضي المرأة نفسها الوقت ذاته في الانشغال بالتفكير في دورتها الشهرية، بسبب اعتيادها عليها.
الملفت في رجال الدين هو تحايلهم لتطويع العلم في دعم تفسيراتهم، حيث كانت حجتهم طول الوقت لنجاسة المرأة هي فساد الدم الذي يسيل منها في فترة الدورة الشهرية، ولكن الراهب عزرا، في كتابه الصادر عام 2016 جاء بمعلومة جديدة تخالف من سبقوه، حتى وإن لم يقل ذكورية عنهم، إذ قال:
الإنسان يُحكم عليه أنه ميت بعد خروج الروح (المادة الحية) من جسده، وبناء عليه فإن خروج أي مادة حية من الإنسان يعتبر موتًا، وما يحدث للمرأة أثناء الطمث هو خروج دم، والدم يعتبر مادة حية لأن خلايا الدم تعتبر خلايا حية، إذن هي ميتة ونجسة.
البقاء للأقوى عضليًا
بعيداً عن الحرمان من التناول بسبب الدورة الشهرية، فإن أفكار وأراء هذه الشريحة من رجال الدين المسيحي فيما يخص المرأة تغدو أكثر ابتذالًا، حيث تعود للنصف الأول من القرن الثالث الذي كتُبت فيه «الدسقولية»، التي تعتبر المرجع اللاهوتي والطقسي والاجتماعي للكنيسة الأرثوذوكسية، وهي مجموعة كتابات يقال إنها تقاليد شفوية ترجع إلى الرسل أنفسهم ممن عاشوا زمن المسيح أو تلقوا التعليم من أحد تلامذته.
لا تزال إذن نظرة الكنيسة للمرأة في القرن الحادي والعشرين، هي نفسها منذ القرن الثالث!
يميز تلك النظرة التأكيد على التفوق البدني للرجل، والذي يجعل المرأة أدنى منه، فيقول الأب متى المسكين في كتابه «المرأة.. حقوقها وواجباتها»: «هذا التأخر الذي أصاب المرأة في القيام بالأعمال الشاقة المجهدة، يدوية أم عصبية، جعلها أضعف بكثير من الرجل في تحمل أعباء تلك الأعمال الخاصة، بالنظر إلى جهازها العصبي الذي تكيف بالتوارث ليعمل في جو من العزلة والسكون في المنزل»!
كما أكد الأب على أن خروج المرأة للعمل أثر سلبًا على هذا جهازها العصبي المختل أصلًا، مسترشدًا في هذا بدراسات أمريكية، دون أن يشير لعناوينها أو للجهات التي أجرتها، فيقول:
أظهرت أحدث الدراسات الأمريكية أن دخول المرأة ميدان العمل كان له تأثير كبير على توازنها النفسي.. والإحصائيات الأخيرة تثبت أن 76% من نسبة الأدوية المهدئة تصرف للنساء العاملات، كما كان من نتيجة هذا التوتر ارتفاع نسبة تدخين السجائر بين النساء التي فاقت نسبة الرجال في الولايات المتحدة.
وبالتالي تجاوز الأب متى المسكين موقفه تجاه النساء العاملات، ليشتبك مع من تدخن بينهن أو تتناول أدوية نفسية. وأضاف في موضع آخر:
التقليد الإنجيلي، وخاصة [الموضوع] بواسطة بولس الرسول، بعد ما صب كل الحقوق كلها بالتساوي على نصيب المرأة ليكون مساويًا بالروح وفي الروح مع الرجل في كل شئ، يعود ويضع لها ضوابط ويظهر وكأنه حريص كل الحرص من أن تستغل الحرية خطأ من أجل الجسد ويفلت زمام الكنيسة.
ويتابع الأب متى المسكين: «الحقوق التي منحت للمرأة هي روحية صرف.. حيث يُنظر للمرأة كما ينظر إليها إنسان هذا الدهر، فهي أنثى وموضع التفات ومصدر أعثار خطيرة بصوتها ووجهها وكيان جسدها بل وفي كل حركة وسكنة من حركاتها وسكناتها.»
على غرار هذا، أكد الراهب عزرا في مقدمة كتابه، وبوضوح لا لبس فيه، على أن التفوق البدني للذكر جعله يقود العالم، بمباركة إلهية وحفاظًا على البشرية، فقال نصًا: «حيث أن الرجل هو الطرف الأقوى جسمانيًا وعضليًا، فقد أصبح الرجل يتحكم في مصير الشعوب بسبب قدرته على الحرب والإنتاج، وكان القضاء علي الذكور بمثابة القضاء على الشعوب.»
في النهاية، فحتى لو كان يُعبّر عن الله لغويًا بصيغة المذكر، فلا يجب أن ينسينا هذا أن الله نفسه قال: «خلقنا الإنسان على صورتنا كشبهنا»، معلنًا بوضوح تجاوز ذاته الإلهية للتقسيم البيولوجي، ما لا يعطي الحق للذكور في أن يظنوا في الله ما ليس فيه، من كونه يحابيهم على حساب الإناث، كما لا يعطي الحق لرجال الدين لأن يمضوا في وضع دساتير وتفسيرات لاهوتية توزع الطهارة والنجاسة بناء على إحساسهم بالتفوق البيولوجي كذكور.