وثيقة:المنطق أم المشاعر أم ما بين الفخذتين؟!
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | شادي لاوندي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مجلة شباك |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.shubbakmag.com/articles/43
|
تاريخ الاسترجاع |
|
نُشرت هذه المقالة في العدد 2 من مجلة شباك
قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة شباك
يشغلُ تفكيري هذا التساؤل كثيراً مؤخّراً، فهو متداخلٌ في كلِّ تفاصيل حياتي وحياةِ من حولي من أصغرها لأكبرِها، وتجاهلُه لابدّ وأن تكون له عواقبه؛ من الأصحُّ أن يكونَ في القيادة؟ أهو المنطقُ أم المشاعر أم الغريزة؟ ومن القائدُ في حياتي أنا؟ هل أمَلِّكُ المنطقَ على اختياراتي وقراراتي؟ أم هل تطوِّحني مشاعري حيث يحلو لها؟ أم هل الغريزَةُ هي السيّدُ الذي يفرضُ سيطرتَهُ في نهايةِ المطاف!
يقسّم الفيلسوف أفلاطون _ويتّفقُ معه بقيّةُ الفلاسفة_ النفسَ البشريَّة لثلاثةِ أقسام...
· القسم المنطقيّ أو العقلانيّ، وهو القسمُ الذي يسعى للحقيقة ولا تقنعُهُ إلا الحقائق والمجادلات سواءً مع ذاته أو مع آخرين. فهو القسمُ الذي قد يقودني ألّا آكل الشوكولاتة ليلاً نهاراً لأنّ هذا قد يصيبُني بمرض السُّكري، هو القسمُ الذي سيقنعني بالمنطق ألّا أمضيَ أيامي قافزاً من سرير أحدِهم لسريرِ آخرَ لأن هذا قد يكونُ مدمِّراً لصحّتي النفسيَّة بطرُقٍ شتَّى، هو القسم الذي سيجعلني أبحثُ عن منطقٍ للأمورِ قبل أن أتّخذَ قرار الارتباطِ بشخصٍ ما؛ هل هو فعلاً يناسبُني؟ هل هو فعلاً مستعدٌّ لهذا وهل أنا كذلك؟ هل هذا حبٌّ يدوم أم هل هو مجرّد شغفُ مراهقين؟!
· القسم الروحيُّ أو العاطفيّ، وهنا المشاعرُ هي القائدة، هي التي تتحكَّمُ في القراراتِ والاختياراتِ والأفعال. فهو القسم الذي قد يقودُني ألّا آكلَ الشوكولاتة لأنَّ وزني الزائد يشعرني بالنقص والرّفض، هو القسمُ الذي يدفَعُني لسريرِ أحدِهم فقط لأنّني أحتاجُ حضناُ للمواساة، هو القسمُ الذي قد يدفعُني للارتباطِ بأحدِهم لإحساسي بالوحدةِ أو لإحساسي بالشفقةِ عليه.
· القسمُ الغريزي أو الشهواني، القسمُ الذي يدفعني لآكلَ أو أمارسَ الجنس أو أحميَ نفسي من خطرٍ محدق. هو القسمُ الذي سيجعلُني آكل الشوكولاتة فقط لأنّها تبدو لذيذة ولا تُقاوم، هو القسمُ الذي سيدفعُني لممارسةِ الجنسِ مع أول من أصادِفُه لأنّه أعجبني جسدياً أو لأنّ شهوتي على أحرِّ من نارٍ اللّيلة، هو القسمُ الّذي سيقنِعُني أنَّ انجذابي الجنسيَ الساحر لشخصٍ ما وانسجامُنا فوق الطبيعيّ بين الوسائد، دلالةٌ لا محالة على قدرنا أن نكون معاً!
في رحلتي الشَّخصيَّة مع هذه الأقسام مررتُ بالتأكيد في مرحلةِ سيطرةِ الغريزة، لا تفكيرَ ولا مشاعرَ استطاعا أن يوقفاني عن أن أفعلَ ما اشتهَيتُه. كانت مرحلةً جنونيَّة مليئةً بالعبثِ وتجاهلِ العواقب ولازِلتُ أواجهُ عواقبَها اليوم؛ ولمروري بها في وقتٍ ما أتفهّمُ تماماً ما الّذي قد يقود شخصاً ما للانحصارِ في هذه الحالة وكم هو صعبٌ تخطَّيها، ولكنَّني أيضاً أدرِكُ أنَّ هؤلاء الأشخاص أمامهم طريقٌ طويلٌ من النُّضج واستكشاف الذّات.
ثمّ عبرْتُ في مرحلةِ تملِيكِ المشاعر، حيثُ يعلو شعارُ "القلبُ يهوى ما يهوى"، أخذتني هذه المرحلة لآفاقَ جديدةٍ من التعبيرِ عن مشاعري واستكشافِها، وهو شيءٌ أؤمن أنَّه لابدَّ منه في رحلة إنشاء أي شخصٍ صحّيٍّ وناضج، لابدَّ من فهم المشاعر والتواصلِ معها والقدرةِ على التَّعبير عنها وكذلك فهمِ هذهِ المشاعر عند الآخرين. لكنَّ البقاءَ هنا لابُدَّ وأنَّه الذي يدفعُ كثيرين لإنهاءِ حيواتِهم! فالمشاعرُ وحشٌ جامحٌ لا يمكنُ تركهُ طليقاً، المشاعرُ كرياحٍ تهبُّ متى تشاء ومن أين تشاء وستحملُ معها ما تشاء، وتتركني وراءها تائهاً؛ أبحثُ عن شغفٍ قد اختفى، أو عن سعادةٍ ظنَنتُها دائمةً وانتهت، أو في دوّامةِ ما يطلقون عليه عبثاً الوقوع داخل وخارج الحبّ. وجدّتُ أن تمليكَ المشاعرِ هو السّبيلُ فقط لحياةٍ متزعزعةٍ لا ثباتَ فيها، السبيلُ لحياةٍ مليئةٍ بالألمِ والألمِ فقط بدون أيّ تعلُّمٍ منه.
أنا الآن في مرحلةٍ انتقاليّة، أدركتُ أن تمليكَ المنطقِ هو السبيل الأصحّ للتحكُّمِ في المشاعر والغريزة الطَّائِشَين، ولكنَّني مازلتُ أتأرجحُ عودةً لأيٍّ من هذين القسمَيْن، ولابدُّ أنَّني سأبقى هكذا بقيَّة الحياة ولكن سيقلُّ تأرجُحي كلُّما كبرتُ وتعلَّمتُ. فالفرقَ الذي أجدُه في هذا القسم هو التَّعلُّمُ ممّا مضى والتَّعلُّم من تجارُبِ من حولي، فعندما يكون المنطِقُ هو الأعلى أستطيع أن أتحكَّم في مشاعري وغريزتي فلا أقعَ فيما آلمَني قبلاً بدون فائدة وما أثبَت إيلامَهُ لآخرين، أستطيعُ أن أقيِّمَ ما مرَرتُ بِه وأقيَّم ما أنا مقبلٌ عليهِ، أستطيعُ أن أتّخذ قرار ألا آكلَ هذا الطعام أو ذاك لأنّه ضارٌّ لصحّتي، وألّا أُسرعَ لأحضان هذا الشخصِ أو ذاك لأنَّ هذا أضرَّني نفسياً قبلاً، وألّا أتّخذ قرار الارتباطِ بشخصٍ لمجرّد شغفي نحوهُ لعِلمي أنَّه هذا لن يدوم وأنَّ أمثالهُ تركُوني سابقاً.
عودةً لأفلاطون، آمن أفلاطون أن أولَئك الذين يُمَلِّكون الغريزة أو المشاعر هم "أقلُّ بشريَّةً"، فالسبيلُ الوحيد لكبحِ جماحِ الغريزةِ والعاطفةِ هو تمليكُ المنطق. ورغمَ أنَّ بقيَّة الفلاسفة لم يتّفقوا مع تعبير "أقلّ بشريّة"، ولكنّهم جميعاً اتّفقوا أنّ لا حياة ناجحة وناضجة وصحّيّة يمكن أن تُعاش بدون وضع المنطق والعقلانيّة في محلِّ القيادة، حيثُ بإمكانهما إبقاءَ المشاعرِ والغريزةِ تحتَ السَّيطرةِ.
المجتَمعُ باختلافاتِه يزرعُ بنا صراعاتٍ كثيرةً بين هذه الأقسام الثلاثة، فنجدُ أنفُسَنا في توهانٍ بينهم أو في محلِّ دفاعٍ شديدٍ لصالحِ أحدِهم إيماناً منّا بأنّه هكذا الحياة يجبُ أن تُعاش. ولكن لا شيءَ أوصلَني للطريق الذي وجدّتُه الأصحّ لحياتي إلا الفحص لما سبق، ولما أوصلني إليه تمليكُ كل من هذهِ الأقسام من عواقبَ سلبيّةٍ وإيذاءات أو إيجابيّاتٍ أثَّرت في نُموِّي وصحَّتي في كل نواحيها.
أنا منحازٌ بشدّة نحو تمليكِ المنطِقِ لما كان لهُ من تغييرٍ في حياتي وعلاقاتي وبناءِ شخصيَّتي، ولكن أعتقدُ أنَّ لا شيءَ مقنعٌ كالاستكشافِ الذَّاتيّ. استكشف/ي عواقب ونتائجَ كلِّ سيّدٍ من هؤلاء على حياتك ونموّك الشخصي وعلى حياةِ ونموِّ من حولك، واتّخذ/ي المسار الأصحّ. افحص/ي نفسك ومحيطك اليوم وغداً والشهر القادم والعام القادم وعلى الدّوام، فلا سبيل للمضيّ قُدُماً بدونِ التّعلُّمِ ممّا مضى.