وثيقة:امرأة في سجن الرجال

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

ترانسات.jpg
مقالة رأي
العنوان امرأة في سجن الرجال
تأليف ملك الكاشف
تحرير مهى محمد
المصدر ترانسات
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-03-19
مسار الاسترجاع https://transatsite.com/2019/09/19/امرأة-في-سجن-الرجال/
تاريخ الاسترجاع 2020-04-06
نسخة أرشيفية http://archive.is/clusw



قد توجد وثائق أخرى مصدرها ترانسات



المكان: سجن طره (رجال) – عنبر الزراعة.

في زنزانة ( 1 ) عنبر ( 2 ) احتجزت امرأة في سجن لا يقطن فيه سوى الرجال، ربما كان الوضع صعب بالنسبة لملك تلك الفتاة النحيفة ذات الشعر الأسود المنسدل على كتفيها، تلك الفتاة التي تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً فقط، لا تذكر الكثير قبل التجربة، أو ربما تذكر، هتاف في تظاهرة بسيطة لمحاكمة مغتصب عام 2017، حاكمو المغتصب، عصير البطيخ في ليلة صيفية، تقديم محاضرة لشرح توعوي عن حقوق الإنسان، إحنا بنعاني، ضحكات متتابعة في إحدى شوارع العاصمة في وقت متأخر من الليل، مهاتفة ليلية من العائلة، آلو! ملك تعالي ماما تعبانة و عايزه تشوفك، مقر أمن الدولة، لا حضرتك أنا مش جماعات إرهابية ولا ليا علاقة بجماعة الإخوان المسلمين لا من قريب ولا من بعيد.

في بداية وصولي لبوابة ضخمة عتيقة كتب عليها ( طره ليمان ) كانت مشاعري مختلطة ما بين الخوف والغضب، القلق والمواجهة، لكن ما كنت أريد فعله حقاً هو المغادرة. المغادرة فوراً.

إيه ده؟! إيه ده ؟! احنا بقينا سجن نسا ولا ايه؟!، كلمات استقبلني بها نائب مأمور السجن في حالة من السخرية والتعجب. أجد نفسي عارية في غرفة بها حارسان و طبيب، عارية بالكامل وأنا لا أفضل التعري أمام الغرباء، يتحسسني بيديه ليتفقد جسدي، وما إن كنت لائقة كرجل فيضعوني مع الرجال حتى وإن كان شكلي “أنثوياً”، يتأكد من التصحيح و يبتسم ثم يعطيني ملابس السجن، بدلة بيضاء كتب عليها بالأزرق (تحقيق)، كانت تذكرة دخولي القبر الذي نستبدل اسمه أحيانا بالسجن، يدخلونني زنزانة مكونة من سرير و مرحاض ذات سقف عال و باب حديدي، لا أعلم إن كانوا يحتجزونني داخله أم احتجزهم أنا خارجه، ومر اليوم ما بين خوف وقلق وما بين إشفاق على تلك الدولة التي تخاف كثيرا من آرائنا الحرة.

في الصباح دخل رئيس المباحث ومأمور السجن ليبديان تعجبهما من كوني متهمة في قضية سياسية، فعلى غير المعتاد أن تأتي إليهم امرأة عابرة جنسيا في قضية بخلاف قضايا “الفجور. قال لي أحدهم: (وإنتو مالكم أنتم و مال السياسة؟! أديكي اتسجنتي آهو)، لم يكن لدي وقتها قوة لأرد عليه وأخبره أنني كيان كامل، يمكنه أن يكون سياسياً أو نسوياً أو حقوقياً أو حتى رئيسة جمهورية. بدأ رئيس المباحث في شرح الحدود التي لا يجب علي تخطيها كأن لا أكتب رسائل لذويّ وأهلي أو حتى المحامين، أن لا أرسم في الغرفة، لم يسمح لي بدخول كراسة الرسم و الأقلام الرصاص، يبدو أن هويتي كرسامة تخيفهم، فربما قد أرسم شخصاً ما بالداخل و كأنني إرهابية متمرسة ترسم الأشخاص لتستهدفهم. منعت من كل شئ، من الرسم من الكتابة من التريض و مداعبة آشعة الشمس، مئة و عشرون يوماً في قبر لا أبارحه سوى في رحلاتي للنيابة، التي كلما رأتني مريضة كافئتني بخمسة عشر يوماً أخرى من الحبس الاحتياطي، أذكر كيف تعاون أهلي والدولة في محاولة منهم لكسري، فمنع رئيس النيابة عني زيارة من هم ليسوا من أقارب الدرجة الأولى، و استكملت عائلتي دورها في محاولات تلقيني دروساً عن كيف استعيد ذكورتي وأطرد شياطين الأنوثة بعيداً، أذكر كيف كانت جميع الأطراف تضرب بكياني عرض الحائط وكأنني مسخ أو خطيئة لابد من تكفيرها.

وفي خضم التجربة يحيطني الإهمال الطبي من ناحية ومن الناحية الأخرى تحيطني الانتهاكات مما جعلني أكثر وعياً بوضع العابرات جنسيا في السجون والأقسام، حتى وإن لم يكن في قضية سياسية مثلي، حتى وإن كن عاملات بالجنس كالكثيرات ممن يتم حبسهن من العابرات في قضايا “الفجور”، أولئك اللاتي دفعهن المجتمع في البداية لبيع أجسادهن دون رغبة من أغلبهن، ثم جعلهن ضحايا للمرة الثانية عندما لم يكترث بأواضعهن في السجون، لتصبح مصر من وجهة نظري من أكثر البلاد التي يعاني فيها العابرات جنسيا بشكل خاص و العابرين جنسيا بشكل عام، ويصدق على ذلك العابر جنسياً “حسام أحمد”، والذي تم القبض عليه أيضاً في نفس التوقيت، لم نتقابل ولا مرة أنا وحسام في جلساتنا في النيابة، ولكنني استطيع أن أتخيل كم من الأشياء واجهها، كالتنمر والتحرش والانتهاكات المبنية على الجنس، فمثلاً في القسم الذي أمضيت فيه خمسة عشر يوماً قبل أن يتم ترحيلي إلي السجن، كنت أواجه التحرش والتحقير يومياً وكان يصل الأمر إلى أن يتم منعي من دخول المرحاض لمدة وصلت إلى يومين متتابعين، وأتذكر في مأمورية إلى إحدى المستشفيات العامة لتوقيع الكشف الطبي قبل نقلي للسجن أن أحدهم روعني وذكر لي قصة عن شاب في إحدى السجون المصرية تعرض للتشويه بآلة حادة فقط لأنه مثلي الجنس، فكيف سيتم التعامل معي أنا وفي مخيلاتهم ( واد خول، بسكلته، واد بت) و ها أنا اتأكد بناءاً على تجربة، فبعد تعرضي للفحص الشرجي القسري والتحرش على يد أمين شرطة تقدم محاميي بطلب إلى النيابة للتحقيق في الواقعتين، عندها بكل هدوء كان رد وكيل النيابة على المحامي (هو حضرتك مدخلتش الجيش قبل كده يا أستاذ؟!) مشيراً إلى أن الفحص الشرجي هو روتين طبيعي للتأكد من ذكورة المواطنين وعفتهم أحيانا في القضايا المتعلقة بالشرف، وهذا بالرغم من أنني معتقلة سياسية.

والآن، وبعد تلك التجربة التي لم أتعافى من توابعها، وبعد أن أصبحت عقاقير الاكتئاب صديقة لي، استطيع أن أذكر كل انتهاك، أذكر كل قدم وطأتني وأذكر تهميشي و رفضي، وأذكر كذلك غضبي و خوفي. الآن استطيع أن أذكر التحرش والفحص الشرجي والنوم على الأرض في برد الليالي، وعناكب الزنزانة التي لا تزيد عن متر واحد، أذكر السب والضرب وانتهاك حقوقي، أذكر وأدي بسجن الرجال، أذكر حتى محادثاتي الليلية مع السجان، ذلك الذي ما أن قال لي ذات مرة أنه لا يبغضني وأنه مشفق علي لم أراه ثانية، ولا أعلم ماذا حدث له.

وفي النهاية يجب علي أن أقول أن السجون المصرية تعد في حد ذاتها انتهاكاً لنا، نحن كأقلية تعيش في وطنها تطلب الأمن والسلام والحرية، فإن دور الدولة في حماياتنا من الانتهاك يتحول إلى انتهاك من الدولة نفسها لنا، لذلك أنا لست مترددة أن أطلب من السلطات أن تحمينا وأن تشرع قوانين تجرم انتهاكنا، وأن تنظر إلينا كمواطنين للدولة، يملكون حقوق المواطنة، ويملكون هوية قانونية كتبت فيها جنسيتهم، لا أن تعاملنا كمجرمين لمجرد الاختلاف.. وهذا أبسط حقوقنا.