وثيقة:تهديد قيم الأسرة المصرية: كيف تفرض الدولة سيطرتها على الفضاء العام بحبس فتيات التيك توك

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
ورقة موقف
تأليف الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
تحرير غير معيّن
المصدر الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-07-27
مسار الاسترجاع https://egyptianfront.org/ar/2020/07/tiktok/
تاريخ الاسترجاع 2020-09-09



قد توجد وثائق أخرى مصدرها الجبهة المصرية لحقوق الإنسان



“ بعد إذن الأسرة المصرية”، هذه هي الجملة التي تصدرت الدعاوى المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإخلاء سبيل النساء المقبوض عليهن، بدعوى اتهامهن بالاعتداء علي المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري. بدأت حملة استهداف النساء على خلفية استخدامهن لموقع التواصل الاجتماعي تيك توك في 23 أبريل 2020، عند القبض على الطالبة بجامعة القاهرة حنين حسام، واتهامها بتهمة “تهديد قيم الأسرة المصرية وقيم المجتمع المصري والتحريض على الفسق والفجور وممارسة الرذيلة”. تلتها بعد ذلك 8 نساء أخريات، تواجهن الاتهامات نفسها.

“بعد إذن الدولة المصرية”، يمكن أن تكون هذه الجملة مناسبة هي الأخرى، عندما ننادي بحرية نساء في التحكم بأجسادهن، دون وصاية من أحد. فهذه الدولة التي يرأسها الآن عبد الفتاح السيسي، هي نفس الدولة التي تعرضت فيها مواطنات مصريات لكشوف عذرية إجبارية عام 2011، وذلك بإعلان واعتراف من رئيس المخابرات العسكرية آنذاك عبد الفتاح السيسي أيضًا. لم يحاسب أحد على انتهاك أجساد أولئك النساء، ولم يحاسب أيضًا المسئولين عن ما تلاه من انتهاكات. وهو ما قد يتم تكراره مع أحد المتهمات في هذه القضية.

لا يعرف أحد ما هي قيم تلك الأسرة المصرية التي اعتدت عليها النساء التسعة، حيث تعامل المشرع المصري على أن المائة مليون مصري عبارة عن جيش عسكري واحد يخضع للمعايير نفسها ويتبنى نفس القيم ويلتزم بنفس العادات.ونتيجة لذلك استخدمت النيابة العامة مفردات مبهمة وغير محددة لتوسع من صلاحيتها في توجيه الاتهام والقبض على من لا يخضع لمعاييرها، منتهكة بذلك الحقوق التي يكفلها الدستور من حرية الرأي والتعبير. ومن وجهة نظر السلطات المصرية يمكن اعتبار مقطع مصور قصير على موقع التواصل الاجتماعي تيك توك تقوم فيه امرأة بالرقص أو الغناء، دليل إدانة جنائي يستوجب المحاكمة والعقاب بتقييد الحرية. أن تكوني امرأة في الدولة التي لم تصدر قانونًا لمواجهة العنف الأسري حتى الآن، يعني أنك معرضة للخطر معظم الوقت. أن تكوني امرأة في مصر، ولا تنتمين لطبقة اجتماعية ذات امتيازات لتوفر لك الحماية، يعني أنك موضع اشتباه دائم.

تسع نساء كان قد ألقي القبض عليهم على خلفية بلاغات قدمها ضدهن صانعو محتوى رجال، ففي يوم 14 مايو ألقي القبض على مودة الأدهم لتنضم إلى نفس قضية حنين. ويوم 26 مايو، ألقت قوات الأمن القبض على منة عبد العزيز (آية عبد العزيز) بسبب نشرها لمقطع مصور تستنجد فيه بالنيابة العامة، لتساندها أمام شخص اغتصبها وقام بتصوير اعتدائه عليها ليبتزها، لم تتجاوب النيابة مع منة على أنها ضحية، أو على أقل تقدير لم تتعامل معها بوصفها صاحبة بلاغ، بل تعاملت النيابة مع منة على أنها متهمة وتحفظت عليها، تجدر الإشارة إلى أن النائب العام أمر بإحالة 6 متهمين للجنايات بسبب اتهامهم بالاعتداء على منة عبد العزيز “وهتك عرضها بالتهديد، وسرقتها بالإكراه، وانتهاك حرمة حياتها الخاصة على الإنترنت، وضربها، وإتلاف هاتفها، “وتهديدها بإفشاء أمور خادشة بشرفها”.

ومن بعدها ازداد عدد النساء اللاتي يواجهن احتمالية العقوبة الجنائية، لحماية الأسرة المصرية منهن، حيث ألقي القبض على شريفة رفعت (شيري هانم) وابنتها نورا هشام (زمردة) يوم 10 يونيو، ثم في 1 يوليو ألقي القبض على منار سامي وريناد عماد، ثم هدير الهادي في يوم 6 يوليو، وانتهت القائمة حتى الآن مع احتمالية الزيادة بالقبض على بسنت محمد في 10 يوليو 2020.

لنتوقف لحظة ونتفحص بشكل أوسع مشهد تحريك الدعوى القضائية وإلقاء القبض على فتيات التيك توك، كل البلاغات التي تلقتها النيابة خوفًا من العبث والاعتداء على قيم الأسرة المصرية التي لا يعرفها أحد، كانت ضد نساء، أما الأمر الذي لا يدعوا للمفاجأة هو أن عدد من أصحاب البلاغات، رجال، والأدهى أنهم رجال صانعوا محتوى آخرين يمكن اعتبارهم منافسين، إذا جازت المنافسة على مواقع التواصل، ما يمكن اعتباره شكلًا من أشكال الكيدية، إلا أن الدولة المصرية لا يمكن أن تغض الطرف عن المساس بقيم الأسرة التي لا يعرفها أحد غيرها، ولا يمكن أن تتساهل مع وجود نساء يقمن بما يحلو لهن في هذا البلد. لم تتعامل الدولة المصرية مع مقدمي البلاغات من صانعي المحتوى الرجال على أنهم محرضين، بل بتحريكها للدعوى القضائية بناءً على بلاغتهم، فإنها تعلن بشكل صريح على دعمها لثقافة تحكم الرجال في النساء وأجسادهن، وتدعم ثقافة الوصاية الذكورية، حيث لا يوجد مشكلة في قيام الرجال باستخدام امتيازاتهم بوصفهم ” ذكور” لمراقبة النساء ومحاسبتهن.


اتهامات غامضة

أقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية ضد حنين حسام ومودة الأدهم وثلاثة رجال آخرين، إلا أن الاتهام المرتبط بقيم الأسرة المصرية طال الفتاتين فقط، حيث لا ترى الدولة خطرًا أو ضررًا سوى من النساء على الأسرة المصرية التي لا نعرف ما هي قيمها بالتحديد، هنا نعرض الاتهامات التي تواجهها حنين حسام والمخالفات الإجرائية التي شابت نزاعها مع القانون. الاتهامات:

  1. الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري.
  2. إنشاء وإدارة حساب خاص علي شبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام.

طلبت النيابة العامة معاقبة حنين حسام وفقًا للمواد 22 – 25 -27 من قانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتتراوح مدد العقوبة علي تلك الجرائم ما بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 50 ألف جنيهًا إلى 300 ألف جنيه مصري.

ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى “وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة ومحددة” إلا أن هذا لا ينطبق على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث تنص الفقرة الأولي من المادة 25 من القانون على أنه “كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين”، و لم يذكر القانون أو يوضح ما هي هذه المبادئ والقيم. يمكن أن يكون التوضيح التفصيلي قد ترك إلى اللائحة التنفيذية للقانون التي لم تصدر حتي الآن علي الرغم من صدور القانون ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 14\8\2018، عدم إصدار اللائحة التنفيذية للقانون لا يترتب عليه وقف العمل به، ولكن هذه الحالة وبسبب غياب التفسير يطغى على المشهد نوع من الغموض يتيح للقاضي أن يحكم وفقًا لرأيه ومبادئه الشخصية في إدانة شخص أو تبرئته دون الرجوع إلى نص واضح ومحدد، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره نوعًا من أنواع العوار في القانون، خاصة لأن عقوبته سالبة للحرية.

أما فيما يخص الفيديو موضوع الاتهام ودليل من أدلة الثبوت فإنه لا يحتوي علي أية ألفاظ خارجة ولا يتضمن اي دعوة للقاءات يعاقب عليها القانون، وبالمحصلة فإن أي تأويل أو إضافة مسميات للفيديو، ليس سوى اجتهاد راجع لمعتقدات غير ملزمة لأي من النساء محل الاتهام، سواء من مقدم البلاغ أو وكيل النيابة أو القاضي الذي يفصل في القضية.

في 27 يوليو 2020، حكمت محكمة الجنح الاقتصادية على حنين حسام ومودة الأدهم وثلاثة آخرين بالحبس لمدة سنتين بالإضافة إلى تغريمهم 300 ألف جنيه على ذمة القضية 1047 لسنة 2020 جنح مالية، حيث أدينت حنين ومودة بالاعتداء على مبادئ الأسرة والقيم الأسرية وإنشاء وإدارة حسابات خاصة على الإنترنت، بينما أدين على القضية ذاتها ثلاثة رجال لكن بسبب إدانتهم بالاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع حنين ومودة فيما هو منسوب إليهما. قضت المحكمة بحبس الفتاتين وتغريمهما بـ 300 ألف جنيه وهو الحد الأقصى الذي ينص عليه القانون، لا نعرف إذا أخذت المحكمة في اعتبارها صغر سن المتهمتين، أو عدم امتلاكهما لهذا المبلغ، ولا نعرف الهدف من الغرامة إن كان عقابًا رادعًا من وجهة نظر المحكمة أم أنه نوع التعسيف؟


إجراءات معيبة

على مدار الفترة التي تعرضت خلالها حنين حسام لتقييد الحرية، خلال التحقيق والحبس الاحتياطي، تعرضت لعدد من الانتهاكات، وتم التعامل معها بما يخالف القانون، وذلك فيما يخص الضبط والإحضار، والإجراءات التي اتبعها مأمور الضبط القضائي، وتعامل النيابة معها. محضر الضبط والإحضار باطل: تنص المادة (127) من قانون الإجراءات الجنائية على الضوابط والشروط اللازم توافرها في محضر الضبط لصحته ” يجب أن يشمل كل أمر على اسم المتهم، ولقبه، وصناعته، ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء القاضي والختم الرسمي” وهذه الأمور لم تتوفر في محضر ضبط وإحضار حنين حسام، حيث غاب عن المحضر أي معلومات عن الشخص المطلوب ضبطه وإحضاره سوى الواقعة بشكل مختصر والاسم الثنائي لها (حنين حسام) الطالبة بكلية الآثار، وتركت باقي المعلومات والتفاصيل لتحريات ومأمور الضبط وبذلك يصبح محضر الضبط والإحضار باطل، حيث كان من الضروري أن تسبق التحريات محضر الضبط حتى يكون صحيحًا. إجراءات مأمور الضبط القضائي: أوضح قانون الإجراءات الجنائية صلاحيات مأمور الضبط القضائي ومهامه ودوره، ولم يعطي القانون له صلاحيات مواجهة المتهم بأي من المضبوطات والأدلة وخاصة التي تكون مختومة او مغلقة بأي طريقة أخرى، ويجب عليهم إخطار النيابة العامة بذلك وعلى النيابة العامة إذا رأت ضرورة ذلك الإجراء أن ترفع الأمر إلى القاضي الجزئي. وفي حالة حنين حسام خالف مأمور الضبط قانون الإجراءات الجنائية وقرر من تلقاء نفسه أن يقوم بفحص هاتف المتهمة الشخصي وجهاز اللاب توب الخاص بها ومواجهتها بما فيهم من أشياء، وهو مايعد مخالفة للقانون، وهذا الإجراء يفتح الباب في التشكيك بمدى سلامة الأدلة، ويوحي باحتمالية العبث بها. استئناف النيابة على استئناف المتهمة: نصت المادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية على ” تكون القرارات الصادرة من غرفة المشورة في جميع الأحوال نهائية” وهو ما يعني أنه لا يجوز الاستئناف على الاستئناف،لكن النيابة قررت إعادة حبس المتهمة بعد إخلاء سبيلها بكفالة مالية استنادا إلى المادة 150 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ” الأمر الصادر بالإفراج لا يمنع قاضي التحقيق من إصدار أمر جديد بالقبض على المتهم واعادة حبسه إذا ظهرت ادلة جديدة ضده” وفي هذه الحالة اشترط القانون لصحة الإجراء ظهور دليل جديد غير موجود بالأوراق، وفي حالة حنين حسام كان الدليل الجديد الذي استندت إليه النيابة هو “الدليل الفني للفيديو الخاص بالمتهمة ومواجهتها به”. وقد سبق للنيابة مواجهة حنين بنفس الفيديو ومناقشتها حوله. وهو ما يوضح أن النيابة خالفت القانون وتحايلت على الوضع لإعادة حبس حنين حسان باستخدام دليل موجود بأوراق القضية منذ البداية. يتعدى الأمر الاشتباه الجنائي وتوجيه الاتهامات إلى التشهير والتحريض، فمنذ أن بدأ الأمر بالقبض على حنين حسام يوم 23 أبريل 2020 وما تلاها من نساء ألقى القبض عليهن على مدار 3 أشهر، تعرضن جميعًا لحملة من التشويه، دون حتى ثبوت إدانتهن إذا سلمنا برجاحة ومعقولية محاكمتهن من الأصل. بيانات مطولة يصدرها النائب العام، تعكس من خلالها عدم حياديته وإدانته لنساء التيك توك، متجاهلًا مبدأ براءة المتهم حتى ثبوت إدانته، ليفرض من خلالها تصوراته عن ما يجب وما لا يجب، لم يحقق النائب العام – الذي أنشأ وحدة كاملة لرصد أداء مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي – في واقعة تسريب صور خاصة لمودة الأدهم وهو ما يعتبر تعدي على الحياة الخاصة، ولم يقم القضاء المصري بتقصي حقيقة الاتهامات، ولم يحاول الوصول لدوافعها إن صحت، ليس ذلك فحسب، بل طالب “محضر مجري التحقيقات” بالكشف على عذريتها، في تأكيد على نظرة الدولة للنساء المصريات، وإصرارها على انتهاك أجسادهن، ما يؤكد على أن نظام العدالة الجنائية في مصر نظام عقابي بالدرجة الأولى، تصدر من خلاله الأحكام لتحسين الصورة الخارجية وتصدير الدولة على أنها تحكم قبضتها على الجميع، في حالة بعيدة كل البعد عن العدالة الجنائية الإصلاحية. ترفض الجبهة المصرية الحكم الصادر ضد حنين وحسام ومودة الأدهم، وتطالب النائب العام بالتوقف عن الانشغال بما تقوم به النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، والالتفات إلى بلاغات التعذيب والاختفاء القسري التي تتراكم في مكتبه دون رد. كما تطالب الجبهة مجلس النواب المصري بأخذ قانون تقنية المعلومات في عين الاعتبار وتعريف قيم الأسرة المبهمة، كما تناشد الجبهة المصرية المجلس القومي للمرأة بالقيام بواجبه وعمله بدعم نساء التيك توك وتوفير الدعم القانوني والمعنوي لهن. تستنكر الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، أداء النيابة العامة في التعامل مع البلاغات وغياب حياديتها، وتسهيلها لاستهداف النساء، خاصة في ظل الحكم على المتهمات في أسرع وقت ممكن على عكس قضايا التحرش على سبيل المثال، والتي تحتاج وقتًا طويلًا في إحالتها والفصل فيها. كما ترفض الجبهة الوضع التشريعي الحالي، الذي يسمح بفرض الرقابة والوصاية خاصة على النساء، وعلى كل من لا يلائم “المعايير الرسمية” لماهية المواطن/ة الصالح/ة. وتطالب الجبهة بالإفراج الفوري غير المشروط عن النساء التسعة المتهمات بممارسة حرياتهن، وحفظ الدعاوى القضائية المقامة ضدهن، فضلًا عن ضرورة فتح نقاش مجتمعي حول مواد القانون التي استخدمت في توجيه الاتهامات لنساء قمن فقط باستخدام الإنترنت.