وثيقة:عن التحرش وأهمية المحاسبة
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | هدى الصدة |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | الشروق |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=18072019&id=97699694-439b-4025-8f38-7ffd286dfbf3
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.is/Gk7IK
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها الشروق
تداولت وسائل الإعلام مؤخرا خبر فصل أستاذ فى جامعة القاهرة بسبب ثبوت تهمة التحرش بالطالبات، وكان الخبر صادما بل ومفزعا لبعض قطاعات المجتمع التى ما زالت تجد مبررات أو أسبابا لظاهرة التحرش فى المجال العام تبرئ المتحرش وتلوم الضحية لأن «لبسها كان غير مناسب» أو «إيه اللى وداها هناك»، ولأن واقعة التحرش ارتكبت داخل جامعة، أى فى مكان «لا تحدث فيه مثل هذه الأشياء» كما يتصور البعض.
وواقع الأمر أن فصل الأستاذ المتحرش يعد من وجهة نظر أخرى خبرا إيجابيا جدا لأنه يسلط الضوء ليس فقط على ظاهرة التحرش ولكن على وجود آليات وقواعد فعالة داخل الجامعة لمواجهة هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها ومن ثم تصبح الجامعة مكانا آمنا بالفعل وليس بالشعارات.
أزعم أن من أهم العوامل التى أدت إلى محاسبة الأستاذ المتحرش واتخاذ إجراء حاسم فى قضيته وجود وحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة التى تم إنشاؤها فى عام ٢٠١٤. يعود الفضل لإنشاء هذه الوحدة إلى جهود مجموعة من الأكاديميات المهتمات بقضايا النساء اللاتى بادرن بتشكيل مجموعة عمل لصياغة سياسة لمناهضة التحرش فى الجامعة وفقا للمعايير المتعارف عليها عالميا فى تعريف التحرش وسبل الوقاية الواجب اتباعها داخل أماكن العمل والمؤسسات التعليمية، وأيضا فيما يخص سبل المحاسبة لردع ومعاقبة المتحرشين. حرصت مجموعة العمل على دعوة جمعيات أهلية لها باع فى مواجهة العنف ضد النساء بشكل عام، والتحرش فى الأماكن العامة بشكل خاص، ودعت أيضا طلاب وطالبات للانضمام إلى مجموعة العمل. عملت مجموعة العمل على مدار بضعة أشهر اطلعت فيها على سياسات لمناهضة التحرش فى الجامعات فى العالم وخرجت بصياغة محكمة لسياسة تعرف بشكل واضح التحرش وتؤسس لآليات محددة لمساعدة المتحرش بهم ومعاقبة مرتكبى جريمة التحرش داخل الجامعة، كما بلورت المجموعة فكرة إنشاء وحدة لمناهضة التحرش فى جامعة القاهرة.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا تم تأسيس الوحدة فى ٢٠١٤ وليس قبل ذلك، مع العلم بأن معظم الجامعات فى العالم لديها سياسات معتمدة منذ سنوات لمناهضة التحرش؟ والإجابة على هذا السؤال هى أن مصر فى ٢٠١٤ كانت قد شهدت ثورة وحراكا ثوريا على مدار أربع سنوات مما ترتب عليه فتح المجال السياسى لمناقشة مشاكل وتحديات مجتمعية كانت تعد من الموضوعات المحرمة من قبل، وأخص بالذكر قضية العنف ضد النساء. العنف ضد النساء موجود فى كل المجتمعات لكن تختلف المجتمعات فى قدرتها أو استعدادها على الاعتراف بوجوده ومواجهته وتجريمه. الحراك الثورى الذى عم مصر كسر تابوهات كثيرة أحاطت بالعنف ضد النساء وسمح بمناقشة القضية فى الإعلام بشكل حقيقى وذلك بفضل مجموعات أهلية من المهتمات بقضايا النساء وبالشأن العام، وهى المجموعات التى قدمت الدعم للنساء الناجيات من العنف والتحرش فى الأماكن العامة والتى نجحت فى تحويل قضية العنف ضد النساء إلى قضية عامة تناقش فى وسائل الإعلام. سنة ٢٠١٤ أيضا شهدت إقرار دستور يحتوى على مادة تلزم الدولة بمناهضة العنف ضد النساء، مما استدعى إصدار قانون يجرم التحرش فى يونيو ٢٠١٤. ثم حدثت واقعة تحرش فى جامعة القاهرة تم تصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعى الأمر الذى أثار بلبلة وردود أفعال مرتبكة. استفادت مجموعة العمل من كل هذه العوامل وعرضت سياسة مناهضة التحرش على رئيس جامعة القاهرة آنذاك، الدكتور جابر نصار الذى أصبح من أشد أنصار المبادرة ولعب دورا مهما فى تذليل المعوقات البيروقراطية التى واجهت إنشاء الوحدة فى بدايتها.
تتميز وحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة بأنها تعمل على أكثر من مستوى. المستوى الأول هو التوعية ونشر المعلومات الصحيحة عن أسباب الظاهرة وسبل مواجهتها ومسئوليتنا فى التصدى لها كأفراد وكمجتمع وكمؤسسات. المستوى الثانى هو عقد دورات تدريبية لمجموعات مختلفة داخل الجامعة، مسئولى الأمن، العاملين والعاملات فى وحدة مناهضة التحرش، المنسقين والمنسقات التابعين للوحدة فى كليات الجامعة على سبيل المثال، لتعريفهم على أشكال التحرش والسبل المثلى للتعامل مع شكاوى التحرش وتقديم المساعدة والدعم النفسى واللوجيستى. المستوى الثالث متعلق بالشق القانونى أو الإجراءات التى تتبع فى حالة حدوث واقعة تحرش، من أول طرق الإبلاغ عن الواقعة ووصولا إلى العقوبات التى تقررها لجان التحقيق. نجحت وحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة وعلى مدار حوالى خمس سنوات أن تجعل جامعة القاهرة جامعة آمنة للجميع، أى جامعة لا تدفن رأسها فى الرمال ولا تتردد فى محاسبة المخطئين، جامعة بها قنوات معتمدة لتقديم الشكاوى ومحاسبة المتجاوزين، جامعة يعاقب فيها الأستاذ إن ثبت تورطه فى إساءة استخدام سلطته للتحرش بالنساء.
الآن، أصبحت وحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة نموذجا يحتذى به عالميا وذلك بفضل تفانى ومجهودات الهيئة التنفيذية للوحدة وعلى رأسها مديرة الوحدة الدكتورة مها السعيد. لكن ما يميز وحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة هى نقطة البداية: أكاديميات يحملن هموم الشأن العام وقضايا النساء، تعاون مع مجموعات أهلية لديها خبرة وتجارب عملية فى مواجهة التحرش، تعاون مع طلاب وطالبات، وجود إدارة واعية بتحديات المرحلة، فجاءت الوحدة مدعمة بزخم وحماس المبادرات المستقلة وتلبية لمطالب أصحاب وصاحبات المصلحة على أرض الواقع. أستاذة الأدب الإنجليزى والمقارن وعضو اللجنة العليا لوحدة مناهضة التحرش فى جامعة القاهرة