وثيقة:ملك الكاشف: أن تعبر لتكون امرأة في مواجهة كل أطراف السلطة

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Mada Masr Logo.png
شفهي
تأليف ندى عرفات
تحرير غير معيّن
المصدر مدى مصر
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-03-07
مسار الاسترجاع https://madamasr.com/ar/2020/03/07/feature/%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B4%D9%81-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87/
تاريخ الاسترجاع 2020-03-08
نسخة أرشيفية http://archive.is/V8Vg1



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدى مصر



لا تتذكر ملك الكاشف تحديدًا متى شعرت بأنها أنثى وليست ذكرًا. قالت لي لم أكن أدرك حتى معنى ولد أو بنت، ولكنها كانت تشعر دومًا بارتباك وتردد تجاه ذاتها وهويتها الحقيقية. منذ طفولتها كانت تميل لمصادقة البنات، تشعر بالراحة أكثر معهن، ترتدي ملابس تبعد كثيرًا عن شكل ملابس أقرانها -حينها- من الذكور، تتجنب العراك الذي كانوا يسعون إليه إثباتًا لرجولتهم، وفي سن السادسة حلمت بأنها تلبس فستان زفاف. زادها ذلك ارتباكًا.

تقول لي ملك إن الطب يصف ذلك بكونه «عدم انسجام». تراه وصفًا قد يكون مُعبّرًا عن مشاعرها بعض الشيء في هذا الوقت. تحكي معي بوجه بشوش، لكنه لا يخفي توتر الجسد. رحلة عبورها لم تكن فقط صراع شخصي، أو صراعًا مع الأسرة أو مع المجتمع المباشر فحسب، لكن هذا الصراع وضعها في مواجهة السلطة السياسية، حين اختارت ملك أن يتقاطع مسار صراعها مع صراعات الآخرين.



تعالت أصوات الضحكات في منزل صغير بمنطقة «حدائق الأهرام» قبل أن يقطعها صوت أحدهم عند ظهور «ميس انشراح» في أحد مشاهد فيلم «الناظر». «اقلب من على الست دي! دي متحولة جنسيًا» قالت خلود، أخت ملك، في غضب قبل أن تتمتم مستغفرة. وكأن لمبة مضيئة أضاءت فوق رأس «ملك» كأفلام الكارتون، فلأول مرة تسمع هذه الكلمة. كانت «ميس انشراح» أو حنان الطويل، الممثلة العابرة جنسيًا التي توفت في 2004 في ظروف مأساوية، تذكرة عبور ملك لتصل لحقيقة كينونتها.


تحرك قدميها في حركة متوترة وتنفث دخان سيجارتها وهي ترفع وجهها لأعلى، وتتذكر يوم واجهت عائلتها بكونها فتاة، كان سنها 9 سنوات فقط. كانت تجلس مع صديقاتها يارا وسلمى على سُلم المنزل، تُحيك فساتين للعرائس. قالت لهم فجأة إنها ستصعد للمنزل وتعود بعد قليل، لكنها لم تعد. دلفت إلى المنزل بخطوات مترددة إلى المطبخ حيث تقف والدتها لتقول لها بصوت مرتبك: «ماما، أنا بنت مش ولد». لم تنظر لها والدتها واكتفت بالرد: «روح على اوضتك لحد ما أبوك يرجع من الشغل». وبعد عودة والدها انهال عليها بالضرب.

قبل هذا اليوم لم تشعر أسرتها بأي اختلاف في شخصيتها يميزها عن باقي الأولاد في هذا السن. ولكن بعد مواجهة ملك لهم، لجأت أسرتها لعدة طُرق لتعديل سلوكها حتى يناسب ما اعتقدوا أنه هويتها؛ عرضوها على بعض لأطباء والكثير من الشيوخ، وحُجزت بمصحات نفسية لشهور، لتخرج منها بذكريات قاسية، ثم حملت تقريرًا يفيد بأنها «ذكر»، والذي أزاد من تشبث أسرتها أكثر بمحاولاتهم. في هذه الفترة شعرت ملك بخوف وارتباك، حتى أنها توقفت عن ترديد كلامها عن كونها أنثى، وقصت شعرها وقالت لوالدتها في لحظة يأس: «خلاص أنا ولد، أنا راجلك»، فقط لتتجنب الأذى الذي كانت تتعرض له.

لكن في قرارة نفسها كانت تقول: «لو كل العالم يرى أني ولد فأنا أعلم جيدًا، في أعماقي بأني فتاة». التزمت ملك بمظهر الشاب الذكر أمام أسرتها داخل المنزل، ولكنها في المقابل بدأت في جمع بعض متعلقات نساء منزلها، كحل، وأحمر شفاه، و«بادي كارينا»، وخلخال ذهبي، وبنطلون ضيق، بالإضافة لبعض أربطة الشعر الملونة لتخفيها في دولابها، وتأخذها في حقيبتها وقت نزولها للشارع. تنزل في السادسة صباحًا لتقف على جانب سلم منزلها في الطابق الخامس والأخير، لتضع المكياج وترتدي الملابس النسائية التي خبأتها، وتغطي رقبتها بكوفية بألوان الطيف.

لكنها في منطقة شبه مغلقة، فمعظم الجيران يعرفون بعضهم البعض، ويسكن بالقرب منها خالاتها وأبنائهن الذين وصلت لهم أخبار ابن خالتهم «الطري»، ما عرضها لعنف مستمر من أسرتها وصل لتجريدها من ملابسها في الشارع من أخيها وأبيها.

خلال هذا الوقت تجنبت ملك الشوارع المزدحمة، واختارت دائمًا الشوارع الجانبية الخالية٬ باحثة عن الأمان، حتى وإن أطال ذلك مدة مشوارها. وحتى ذلك لم يكن كافيًا لبث الطمأنينة في نفسها، فسارت دومًا بخطوات سريعة واسعة، تقطعها التفاتات متوترة خلفها.

وداخل المدرسة، اختارت ملك تجنب زملاءها، لتهرب من كلماتهم القاسية التي تصفها بقلة الرجولة. تعمدت الذهاب للامتحانات المدرسية متأخّرة، ثم تخرج قبل أي شخص. يختنق صوتها وهي تقول لي: «في 3 إعدادي 43 طالب هجموا عليّا وضربونى جوه المدرسة بدون أي سبب».

سمع أحمد والي عن ملك قبل أن يقابلها. كان يسكن في نفس المنطقة بعد عودته من مدينة الغردقة حيث عمل والده لفترة. تناقلت الألسن قصة ملك: «ولد شاذ» يسير في شوارع «حدائق الأهرام» يضع المكياج ويرتدي ملابس النساء. وصلت «القصة» لوالي الذي قرر حينها أن يتحدث لملك بشكل مباشر، مدفوعًا بالفضول.

«ياما انضربنا ببندقية الحمَام في الشارع أنا وملك»، يقول لي والي الذي أصبح زميل دراسة ملك وصديقها الوحيد بالمدرسة وهو يضحك. طردته والدته من المنزل لإصراره على صداقته بملك، لكنه لم يتراجع. وصفه زملاؤه بأنه مثلي، دون أن يهتم. خسر الكثير من الأصدقاء، لكنه يؤمن أنهم لم يكونوا أصدقاء حقيقين.



كانت ملك تائهة في بداية فترة المراهقة، تخبطت كثيرًا حول ميولها الجنسية. اعتقدت لفترة إنها مثلية الجنس، وبعدها بمدة قصيرة ظنت أنها ثنائية الجنس، حتى بلغت 14 عامًا. وخلال هذه الفترة٬ ارتبطت بشاب، وبعد تأكّدها من إصابتها باضطراب الهوية الجنسية٬ صارحته برغبتها في السفر لإجراء عملية عبور جنسي في تايلاند، ليصرخ فيها رافضًا، متعللًا بحرمانية العبور الجنسي.

ثم وصلت في لحظة ما لحالة التعايش، وهو ما يُطلقه مجتمع «الترانس» أو «العابرون جنسيًا» عندما يعيشون الحياة بشكل طبيعي يناسب ما يشعرون به تجاه أجسادهم. «يعني كنت بلبس باروكة واحط روج» تقول ملك. سارت طريقها منفردة، وفي سن 14 عامًا قررت النزول إلى الشارع لأول مرة كـ«متعايشة» لتبدأ حياة جديدة، بعد أن قاطعتها عائلتها.

خرجت ملك آنذاك من منزلها، مُجردة من كل شيء، إلا ذاتها في رحلة طويلة خاضتها. اضطرت للعمل رغم سنها الصغير حينها، وتنقلت بين منازل بعض الأصدقاء، حتى تعرّفت على نفسها من جديد، وأصبحت أكثر اتساقًا معها. كانت تُرفض من أصحاب بعض الأعمال التي اشتغلت بها بسبب عدم توافق مظهرها مع بطاقتها الشخصية، ولكن في النهاية «العند هو اللي خلاني أقدر أعيش» تقول ملك.

وجدت ملك منزل هناء الدافئ يقبَل بها، ويضمها لمدة عامين. قالت هناء إن ابنتها نانسي أخبرتها عن صديقتها ملك التي طُردت من منزلها. «بنتي مكنتش فاهمة طبيعة ملك، بس كانت متعاطفة معاها. قالتلي هي ولد بس جواه بنت».

وافقت هناء على استضافة ملك بدون تردد وشرحت لابنتها أن هذه حالة طبية، ولا ذنب لملك بها. تعيش هناء بمنزلها مع ابنتها الوحيدة نانسي، بمنطقة ناهيا. سألتها أن خافت من ردود فعل جيرانها على وجود ملك بالمنزل، ولكنها نفت قائلة: «مفكرتش في ده أبدًا». فكرت هناء فقط في كون ملك فتاة طيبة القلب ظلمها المجتمع، وقست عليها أسرتها. «لما كانت ملك بتحكيلي عن قسوتهم عليها مكنتش بصدق، بس شوفتهم بعنيها».


وفي هذه الأثناء، خاضت تجربة العبور كاملة. إجراءات تغيير الجنس في مصر معقدة وطويلة؛ تبدأ من لجنة تصحيح الجنس بنقابة الأطباء، التي تُخضِع طالبي تغيير الجنس للعديد من الفحوصات الطبية، ثم يتم العرض على طبيب مسالك وأمراض تناسلية، وصولًا إلى العلاج النفسي، الذي يستغرق عامين على الأقل. خلال تلك الفترة، يقيّم الطبيب النفسي الحالة لتحديد الحاجة للخضوع لعملية تغيير الجنس من عدمه، ثم يصل طالبو التغيير الجنسي إلى لجنة سُباعية تضمّ أطباء وممثل من الأزهر، وتعتبر هي الخطوة الأخيرة للعملية.


على أرض الواقع٬ تعد هذه الإجراءات أكثر تعقيدًا. قضت ملك أكثر من عامين في مرحلة المتابعة النفسية بمستشفى «الحسين» الجامعي، رفضت خلالها طبيبتان نفسيتان التعامل معها، مرة بحجة التدخين، وأخرى بعد اتهامها بعدم الإيمان، قبل أن توافق طبيبة ثالثة على متابعة حالة ملك، ثم شخصتها بـ«اضطراب الهوية الجنسية» في تقرير رسمي، في منتصف أكتوبر 2017.

توجهت ملك إلى نقابة الأطباء، لتبدأ الإجراءات الرسمية للعملية الجراحية، وبعد 5 أشهر استطاعت تسليم ملفها الطبي، إلا أن مقاطعة مندوب الأزهر لاجتماعات اللجنة للبت في قرارات الموافقة أجَل عمليات ملك والعشرات ممَن في انتظار إجراء العملية منذ خمس سنوات وحتى الآن. هنا قررت ملك تنفيذ العملية في مستشفى خاص، العام الماضي، في عامها الـ 19.

علاقة ملك بوالدتها عادت بعد مكالمة طويلة مشحونة بالمشاعر يوم عيد ميلاد ملك الثامن عشر. هاتفت والدتها٬ بكت بشدة، عاتبتها بعدم الشعور بها، وتركها تواجه كل هذا الرعب منفردة. ردت والدتها تشرح لها صعوبة الحياة حين يكون لك ابن «متحول جنسي في مصر»، عن مضايقات الناس لها ولأسرتها، وعدم استيعابها للموقف، واختتمت بالتأكيد بحبها لها سواء كانت ذكر أو أنثى.

رويدًا رويدًا، عادت علاقة ملك بوالدتها في 2018. تزور المنزل مع بعض التوتر في علاقتها بوالدها وأخواتها لتصميمهم مخاطبتها حتى الآن بـ «أنتَ» وهو الأمر الذي تكرهه ملك بشدة. تقول إن أهلها يصفون التغيّر الذي ألمّ بها بـ«تغيير لطبيعة خلق الله»، لكن ملك ترى أن كل ما يزعجهم هو كلام الناس.

ظلت علاقة ملك مع أخواتها معقدة، فهي لها أختان وأخ واحد. «رنا» الأخت الوسطى، ناقشت ملك كثيرا في توجهها محاولة تغيير وجهة نظرها٬ بحسب ما قالته ملك٬ وهو ما كانت تعتبره تسلطًا منها.

أما الاخت الكبرى خلود، فكانت الألطف والأقرب والأكثر تفهمًا لحالة ملك. كان ذلك في البداية فقط.

كانت خلود الوحيدة بالمنزل التي تشاركها شغفها بالرسم. تتذكر مواعيد أدوية ملك الهرمونية التي أجبرتها عائلتها على تناولها، وتواظب على شراء الحلوى لها في طريق رجوعها للمنزل. استمرت العلاقة الجيدة حتى قررت ملك أن تترك المنزل، لتتحول بعدها إلى المقاطعة حتى على مائدة الطعام بعد عودة ملك للمنزل بعد 4 سنوات.

و في الثانية صباحًا في يوم من شهر مارس العام الماضي٬ تلقت ملك اتصالًا من شقيقتها خلود تطلب منها الحضور للمنزل بسبب مرض والدتها. هرولت ملك مذعورة لمنزل عائلتها، لتجد قوة من أمن الدولة في انتظارها، لتلقي القُبض عليها بعد دعوتها للتظاهر على خلفية حادثة قطار محطة مصر.



في 2015 وأثناء فترة عبورها، بدأت ملك بالانخراط في دوائر شبيهة لها، دفعتها للقراءة عن النسوية والجندر والحقوق، واهتمت بانعكاس التضييق السياسي على الحريات والحقوق والذي يؤدي بطبيعة الحال للتضييق الأكثر على مجتمع «الترانس» كأقلية لا يقبَلها المجتمع. اهتمت بقراءة محتوى «نظرة» للدراسات النسوية. وصادقت عابرة جنسيًا مصرية، تعيش حاليًا خارج مصر، كان لها انخراط سياسي منذ ثورة يناير، وأثرت توجهاتها على بداية تطوير أفكار ملك السياسية.

تقول لي ملك: «لو الترانس مهتموش بالسياسة إزاي هيقدروا يعرفوا القوانين اللي بتصعب سير حياتهم بشكل طبيعي وبالتالي يحاولوا يغيروها؟»

محمد علام، صديق لملك، عابر أيضًا، ظهر كثيرًا في الإعلام مطالبًا بحقه في إجراء العمليات الجراحية للعبور الجنسي وتغيير بطاقته الشخصية منذ عام 2013، ونجح في ذلك في النهاية. يكن علام إعجابًا شديدًا لملك لكونها تحاول استكمال تعليمها وتعمل رغم صعوبة تحقيق هذا في مصر. «كل الترانس اللي أعرفهم مبيشتغلوش ومبيتعلموش بحجة أنهم ترانس، ولكن ملك مختلفة».

«نقطة خلافي الأساسية مع ملك أنها تدافع عن حقوق مجتمع الميم بالكامل». بحسب علام٬ فإن قضيته لا يمكن الجمع بينها وبين قضية المثليين أو حتى بعض العابرين الذين يراهم مُدعين للإصابة بـ«اضطراب الهوية الجنسية» على غير الحقيقة، حيث يرى علام الدفاع عنهم إضعاف لقضية العابرين جنسيًا.

ولكن ملك لا تدافع عن حقوق «مجتمع الميم» فقط.

صباح يوم 27 فبراير 2019، اصطدم جرار قطار بالحاجز الخرساني لنهاية رصيف في محطة مصر بالقاهرة، متسببًا في انفجار كبير أودى بحياة 21 شخصًا وإصابة 52 آخرين، بما يُعرف «بحادث محطة رمسيس»، وتصفه ملك بالحادث الأكثر مأساوية الذي شهدته.

تتذكر ملك كل الصور والمقاطع المصورة المتداولة على فيسبوك حينها، لأشخاص تشتعل بهم النيران ويركضون بلا وجهة، استمارات للتبرع بالدم لضحايا الحادث مُلقاة في القمامة، ومنشورات متداولة لأقارب الضحايا. طبيب شاب تنعيه خطيبته، وجدة بحثت عنها أسرتها لأيام قبل اكتشاف موتها بالحادث. قررت ملك وصديق لها بعد الحادث بأيام قليلة تنظيم «فعالية» على فيسبوك للدعوة للتظاهر على خلفية الأحداث في 1 مارس من العام الماضي، وبعد إحدى عشرة ساعة بلغ عدد المتفاعلين مع الدعوة 11 ألف شخص.

لم تكن ملك خائفة من القبض عليها، تقول إن أي شخص يعمل بالعمل العام مُعرض لذلك في أي لحظة، حتى وإن لم يدعوا لمظاهرة أو حتى يشارك بها. توضح أن القضية حينها لم تكن سياسية في المقام الأول، بل إنسانية.

قُبض على بعض المتظاهرين قبل التجمع أمام محطة مصر من أماكن مختلفة، ونُشرت صورة ملك على صفحة «الشرطة المصرية» على فيسبوك، كواحدة من «المخربين الداعين للتظاهر»، فاختبأت في منزل صديقة لها حتى مكالمة أختها التي أدت للقبض عليها. «كل اللي فكرت فيه إني كان ممكن أكون مكانهم، وساعتها أهلى كانوا هياخدوا 80 ألف جنيه، بس أنا تمني مش 80 ألف جنيه، ولا الناس اللي راحت تمنها فلوس».

اليوم، قد تكون ملك من أوائل العابرين جنسيًا المُعتقَلين على ذمة قضايا سياسية في مصر.

سألتها أن تعرضت لعنف داخل القسم عند القبض عليها. فأجابت ساخرة: «اتضربت ترحيب عادي» [يتعرض السجناء إلى الضرب أحيانًا في لحظة دخولهم الحجز وهو ما يُطلق عليه «الترحيب»]. قضت ملك 15 يومًا في حجز انفرادي بقسم الهرم، تلاها 120 يومًا حبس انفرادي بقسم الرجال بسجن طرة، بتهمة «نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها».

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُحتجز فيها ملك، بل الثالثة بعد احتجازات قصيرة في 2017 و2018، إلا أن المرة الأخيرة كانت الأطول، وكانت ممنوعة من أي زيارات لمدة شهر، بعدها سُمح بالزيارات للأقارب من الدرجة الأولى فقط، استغلتها عائلتها مرتين فقط، لتعود في كل مرة لزنزانة ضيقة مساحتها متر ونصف المتر في متر ونصف المتر، تخلو من النوافذ، إلا من واحدة إن جاز تسميتها بذلك، تتوسط تلك النافذة السقف المرتفع، مغطاة بغطاء بلاستيكي كان يمنع الأمطار والضوء أيضًا، وبجانبها مصباح صغير. في جانب الغرفة سرير من المعدن يعلوه مرتبة تُشبه «ورقة البفرة» كما تصفها ملك من فرط خفتها. وفي جانب آخر «دراجة» لحفظ ملابس وملايات السجن، بالإضافة لحوض ومرحاض و«برنيكا» مخصصة لتخزين المياه لتجنب فترات انقطاعها الطويلة. تشاركت ملك زنزانتها الانفرادية مع بعض الحشرات الغريبة، وعنكبوت وحيد ظلت تراقبه حتى خروجها. للزنزانة باب صغير، يتوسطه «نضارة» عبارة عن فتحة متوسطة الحجم، تُفتح من الخارج لتسمح بدخول الطعام، وما إلى ذلك.

على أبواب زنزانات الحبس الإحتياطي، تلصق ورقة تعريفية من الخارج تحمل اسم السجين، وعلى باب زنزانة ملك حملت ورقتها التعريفية اسم «عبد الرحمن [ملك الكاشف] الحالة: متحول جنسيًا». اعتادت ملك عدم الرد على أي شخص يناديها باسم «عبد الرحمن» داخل السجن، الذي يعتبره مجتمع «الترانس» اسمًا ميتًا ومن الوقاحة أن يُنادى/ تُنادى عابر/عابرة جنسيًا به.

ذهبت ملك لكشف طبي في مستشفى «بولاق العام» في يومها الثاني في السجن، وتعرضت لكشف شرجي وتحرش لفظي وجسدي من أمين الشرطة المرافق لها الذي وصفها بأنها «أجمل من زوجته». مُنعت ملك طوال مدة حبسها من التريض، وفي الدقائق القليلة التي قضتها خارجها، يُحبس كل السجناء الآخرين، ويُغطى وجه ملك.

بعد دخولها للسجن بأيام٬ استطاع المحامي الخاص بملك إدخال «سكتش» صغير للرسم، وقلم رصاص لها. ساعدها هذا على تجاوز الأيام الصعبة. انتهت ورقات الاسكتش سريعًا، ولذلك اتجهت للرسم على الحائط والأرض بالقلم الرصاص وأحيانًا بالخضروات. رسمت ملك فتاة بدون شعر وعلى رأسها فراشة، وجناحين لنصف ملاك ونصف شيطان.

أُطلق سراح ملك في شهر يوليو 2019، على ذمة القضية.

تغيّرت ملك كثيرًا بعد تجربة السجن التي استمرت 4 أشهر، كما قالت لي. دخلت مصحة برغبتها للمرة الأولى في حياتها، لحاجتها إلى التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة عقب السجن. في حياتها الشخصية،أصبحت أقل رغبة في الاختلاط، وأشد عندًا مع سياسة الدولة التي أصبحت خصمًا لملك بشكل شخصي على حد وصفها، لتقرر حال خروجها من السجن إقامة دعوى ضد وزير الداخلية تطالب فيها بتخصيص مقار احتجاز للعابرين جنسيًا. ترى ملك رغم كل ما لاقته في السجن أنه دفعها للتفكير في أوضاع «الترانس» في السجون. «أخدت بالي إن فيه حقوق أكبر من مجرد الحقوق الطبيعية زي إني يُعترف بيّا، أو أقدر أغيّر بطاقتي»، فهي الآن تجد صعوبة في تغيير هويتها على البطاقة نظرًا لكونها على ذمة قضية.



عد خروج ملك من السجن نصحها الكثيرون بالهجرة، لتلتحق بالعديد من العابرين جنسيًا. «أنا مش هسافر بره مصر، لأني بدأت وعانيت وحاربت واتهزمت هنا». تحلم ملك باستكمال دراستها في مجال الحقوق وتأسيس أول مؤسسة لمجتمع الميم للمساعدة في طريقهم/هن الطويلة لمعرفة ذواتهم/هن، وتقديم الدعم في استخراج التقارير والأوراق الرسمية، وتوفير فرص عمل لهم/لهن.