وثيقة:وباليوم العاشر حررتني الثورة

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

صوت النسوة.png
مقالة رأي
العنوان وباليوم العاشر، حرّرتني الثورة
تأليف ستف الحداد
تحرير غير معيّن
المصدر صوت النسوة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-11-18
مسار الاسترجاع https://www.sawtalniswa.org/article/637
تاريخ الاسترجاع 2020-07-01


النص باللهجة العامية اللبنانية. هذا النص هو واحد من النصوص المنشورة على موقع صوت النسوة في إطار نشر محتوى نسوي مرتبط بانتفاضة لبنان 2019



قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة



طول عمري ب هالبلد بسمع "ممنوع الوقوف هون" و"ممنوع المشي هون" و"ممنوع الدخول هون" و"ممنوع" على أنواعه. والحواجز الأمنية وين ما كان، ما بخلّوني إنسى إنه البلد واقف ع الصوص والنقطة.

مغزى هلْحواجز مش إنها تحمي البلد من حرب أو إرهاب أو تعطي شعور بالأمن يلّي ما حسينا ولا عم منحس فيه. المغزى منها شغلتين: أولا، الفصل بين المحافظات (شمال، جنوب، بقاع...) وثانياً، لتسكير الطرقات يلّي بتوصل لبيت شي وزير او نائب أو حتى مسؤول سابق. مثلا طريق يسوع الملك الفرعية تسكّرت لأكتر من 10 سنين وحتى الناس لي كانت ساكنة بالمنطقة كان كل يوم علْرايح وعلْجايْ بدها توقف ع هلْحاجز وتحط عنده اسمها ورقم التلفون ودفتر السيارة وعنوان سكنها.

هيدا طبعا بالإضافة للأماكن العامة الممنوعة على العامة! يلّي صارت ملك خاص بلا حق, والفساد لي مَنَح مِلكْ كل الناس لبعض ناس. يعني حتى البحر فينا نشوفه بس ما فينا نوصلّه بكتير مطارح.

حاصله... كبرت مع حس إنه الأماكن العامة مش إلي، ووين ما رحت، ما كنت إرتاح لما كون برات غرفتي عند أهلي أو ببيتي لما صار عندي بيت إلي. وحتى لما كنت سافر، كنت جسدياً استفيد من الأماكن العامة بس بيني وبين حالي كنت ديماً أنطر أي ساعة بده يجي هالشرطي أو السيكوريتي يقلي مثلاً: "ممنوع القعدة على شط هالبحر هون" أو "هالجنينة مِلك خاص".

باليوم العاشر من الثورة، كنا عم نمشي برياض الصلح مبسوطين بالناس لي أخدت كل المساحات وعم تعبّر عن حالها بطرق مختلفة: رسم علْحيطان، غنا ورقص، أكشاك بتبيع كعك وعرانيس ومشروبات وسندويشات وغيره، وفي أرغيلة ولعب ورق وتسكُّع. ابتسمت وقتها وفكرت إنه بعمري ما كنت رح أعتقد قبل هلْلحظة إنه الأرغيلة أو لعب الورق هو عمل ثوري. بس لما تكون أبسط الحقوق متل حقّي إني امشي وين ما بدي، أو أقعد وين ما بدي منتهك بيصير أبسط عمل بهلْمساحة المُحرّمة عمل ثوري.

طلعنا على ساحة الشهدا، نفس الجو. ناس معباية الطريق. شي كتير حلو ومفرح. منظر رائع إنه مدينة الأشباح صارت مليانة بشر من كل أنحاء لبنان وناس ولا مرّة كان عندها الجرأة تفكر إنه ممكن شي نهار تقدر تنتمي ويكون مرحّب فيها بهيدي الساحة، متل الخيم لي كانوا عم يجتمعوا فيها الأهالي والأطفال ليرسموا ويلونوا ويعملوا أنشطة مشتركة ببلاش وتاركين وراهن أي انتماءات طائفية ودينية وإجتماعية...إلخ.

قرّرنا نقعد مع العالم المْخيّمة. كان في جو لطيف. خيم منصوبة وسجاد حشيش بلاستيك مريح للقعدة. بس أول فكرة إجت ع راسي كانت: وبركي ممنوع نقعد هون؟ بركي قعدنا وحدا إجا قال إنه هول أماكن خاصة؟

لما قعدنا انتبهت على حالي إنه كل هلْشي لي عم نطالب فيه بهلْثورة: محاربة الفساد، محاسبة الزعامات الفاسدة لي نهبت وسرقت من البلد ومن الشعب، وإستعادة الأماكن العامة، ومطالبة الحق بالتعليم والطبابة وضمان، والحق بمنح الجنسية، وحق بالوجود... وأنا بعدني ما طلعت من الفكرة لي ربيت عليها إنه: ممنوع الوجود بهيدا البلد إلا للناس لي عندها سلطة ومكانة إجتماعية عالية.

بهيدي اللحظة تحديداً تحررت من فكرة إنه أنا ما بنتمي بالأماكن العامة وصرت أفرض حالي فيها أكتر. مش عم بدفع park meter، بمشي بكل الطرقات، الطريق المسكّر بخرقه (إلا الطريق المسكرينها المتظاهرين)، بصف سيارتي وين ما في صفّة علْطريق العام وما برد ع حدا بقلّي هون قدّام محلي، وال-valet parking بخرسهن بس يجو بكل عين وقحة يطلبوا إدفعلهن حق صفّة علْطريق.

مزبوط كنت أعمل كل هول من قبل! بس اليوم بعملهن مع اقتناع إنه ما في حدا يحكيني شي وإذا قررت خبّر عن أي حادثة صارت معي، ما بقى حدا يقلّي: ايه والله ما فينا نعمل شي هيدا البلد هيك ماشي!

هيدا التحرّر من الحدود يلّي انرسمت ع الأرض وحتى بوجداننّا من أهم إنجازات هلْثورة. تحرّري وتحرّر غيري من الخوف، ومن الأخر، يلّي هو سلطة عم تقمعني من إني كون، أو من إني أرتبط بالمكان لي بحبه، أو يلْي بيعجبني، ويلْي حرمتني السلطة لسنين من إني أعمل ذكريات بمدينة خلّوها غريبة عنا.