تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انشاء صفحة نص مترجم
{{بيانات ترجمة
|نوع الوثيقة=ورقة بحثية
|مترجم=مي طرّاف
|محرر=
|العنوان الأصلي=Matriarchal Society: Definition and Theory
|النص الأصلي=
|المصدر=Matriarchiv
|لغة الأصل=en
|مؤلف=هايدا جوتنر ابندروث
|تاريخ النشر=2004
|تاريخ الاسترجاع=2018-05-29
|مسار الاسترجاع=http://www.matriarchiv.info/uploads/HGA-E-Matriarchal-Society-Definition-and-Theory.pdf
|ملاحظة=نشرت هذه الورقة البحثية ضمن كتاب "المنْح: تحليل نسوي"، روما 2004 (The Gift, A Feminist Analysis, Athanor book, Meltemi editore, Roma 2004)
|قوالب فرعية=
}}

==نحو تطوير علم اجتماع جديد==
بعد انتهائي من درجة الدكتوراه بجامعة ميونخ في موضوع منطق التفسير، قمت بتدريس فلسفة ونظرية العلم في جامعة ميونخ من 1973 إلى 1983. ثم تركت التدريس بالجامعة لأنني وجدت مهمة أكثر أهمية و اتصالا بالمجتمع. فمنذ عام 1976 أقوم بعمل متفرد مع زميلاتي لتأسيس مساق دراسات المرأة في غرب ألمانيا ومن خلال هذا السياق قدمت الإطار العام لنظريتي في المجتمعات الامومية لأول مرة. بدأت العمل على تطوير هذه النظرية منذ أن كنت طالبة في الخمسة وعشرين من عمري، أقوم بالبحث بجميع المكتبات في مختلف التخصصات، اسافر على مستوى العالم لزيارة المواقع الاثرية، وكانت تلك عبارة عن دراسات غير رسمية بجانب دراستي الرسمية في تحليل فلسفة ونظرية العلم.

عرضت الفكرة علي الملأ لأول مرة في عام 1976، نُشر أول كتاب لي في هذا المجال بعنوان (الربة الأنثى وابطالها) باللغة الألمانية عام 1980 وباللغة الإنجليزية عام 1995. منذ عام 1983 كرست نفسي كليا لهذا العمل والذى كان غير معترف به في أي جامعة بألمانيا ولكن كان له جمهور آخر يهتم له جدا، ولقد كان كتابي بمثابة انطلاقة لأثارة النقاش حول المجتمعات المتمركزة حول النساء والأمومية في الحركة النسوية الجديدة بغرب ألمانيا. كنت واعية تماما ان هذه المناقشة لها تراث طويل في الدول الأوروبية المتحدثة باللغة الألمانية مثل سويسرا والنمسا وألمانيا، يرجع ذلك الى عمل باخوفن الشهير(الأسطورة والدين وحق الأم)، الذي نُشر في عام 1861. استمرت المناقشة على "حق الأم" و"الأمومية" لأكثر من قرن. وقد استخدمت واستغلت كل المدارس الفكرية والأحزاب السياسية هذا الموضوع وكل منهم لديه وجهة نظر مختلفة تماما. أكثر ما أقلقني في تناول أفكار باخوفن كان عدم وجود تعريف واضح لهذا الموضوع من ناحية ومن ناحية أخرى هذا الكم من المشاعر والأيديولوجيات التي انخرطت في المناقشة. هذا المزيج من التعريفات غير الواضحة والعاطفية الزائدة كانت موجودة بالأساس في عمل باخوفن نفسه.

يعد عمل باخوفن والذي يحسب على مجال تاريخ الثقافات، موازيا مثاليا لعمل لويس مورجان في الأنثروبولوجي، حيث أجري باخوفن بحثا على المجتمعات الأمومية عند قبائل الايروكوا من عام 1851 وحتى عام 1871، ولكن قُيمت أعمال كلا من الباحثان بطريقة مختلفة تماما، وهذا الاختلاف يُلقي الضوء على أن كيفية تناول موضوع المجتمع الأمومي في سياق أبوي هو شأن سياسي.
الباحثين في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والذى كان من المفترض ان يكونوا مهتمين بنتائج عمل باخوفن تجاهلوه وسخروا من معظمه، لكن في الوقت ذاته أشادوا بعمل مورجان واطلقوا عليه لقب أبو الاثنولوجيا، لأنه أسس علم الانثروبولوجي والاثنولوجيا في حين قد أسس باخوفن علم المجتمعات غير الأبوية او علم المجتمعات الأمومية ولكن لم يتم تكريمه والاحتفاء به بنفس القدر، السبب بسيط جدا حيث أن لو تم اتخاذ عمل باخوفن بجدية لتسبب ذلك في بدايات كسر الايدلوجية الأبوية ووجهة نظر العالم لها، كانت من الممكن ان تسجل بداية تطوير تاريخ جديد للإنسانية، لهذا كان الأمر خطيرا جدا لان يتم الاعتراف به بشكل كاف!

بعد كل هذه الأفكار قررت استنادا على أدواتي الفلسفية أن أؤسس للدراسات الأمومية، والتي تهتم بكل أشكال المجتمعات غير الابوية في الماضي والحاضر على أسس علمية حديثة. أقدر تماما هذا المجال البحثي كمجال له أهمية كبيرة لا يمكن إهماله بهذا الشكل، وقد انخرطت كباحثة في بنائه على أسس علمية حديثة، فيما يعني صياغة تعريف يدمج كم كبير من المواد العلمية لتطوير إطار نظري داعم. في ضوء هذا الإطار النظري تم إجراء العديد من الدراسات المتميزة بالفعل في هذا المجال وسنقوم بعرض روابطها المشتركة بمزيد من الوضوح، كما انه من الممكن أن تلهم المزيد من الأبحاث المستقبلية. تطوير نظرية عالمية لا يعني وضعها في نظام ثابت ومحكم بمعنى "اتجاه فلسفي تقليدي، يصبح باليا يوما ما" ولكن تعني ان نعطيها اطار مفتوح ومرن والذى يوضح ويساعد كل عمل بحثي بما فيهم عملي.قضيت عشر سنوات في بداية عملي أطور منهجية بحث الأمومية، التي كانت بالأساس منهجية متعددة التخصصات تعتمد على نقد الأيديولوجية الأبوية.

الجزء الأول من هذا العمل كان ربط مختلف فروع المعرفة المستخدمة في هذا البحث ببعضهم البعض ولعمل ذلك بشكل ممنهج وليس اعتباطيا كما يحدث غالبا. بينما كان الجزء الآخر لتطوير منهجية النقد الأيديولوجي لبحث مختلف جوانب الايدلوجية الابوية وليس فقط إعادة إنتاجها بلا وعي من جديد. طورت إطار منطقي لنظرية الأمومية خطوة بخطوة، أود أن أعرض ملخص لها الأن، بعد ذلك سوف اقدم صورة وصفية للتعريف المنهجي للمجتمع الأمومي والذي هو أساس النظرية الأمومية. كلا التصورين هما نتاج ثلاثون عاما من البحث في مجال المجتمعات الامومية والتي تطورت عبر عملية طويلة من التجارب والأخطاء، هي في أي حال من الأحوال فرضيات استنتاجية ومع ذلك اعرضها هنا بشكل ملخص ومكثف.


الجزء الأول
احب ان ابدأ ببعض الملاحظات الخاصة بـ استخدامي لكلمة "امومية". فبالرغم من صعوبة مفهوم هذة الكلمة ألا أني قد أطلقت على كل المجتمعات غير الأبوية كلمة أمومية لعدة أسباب:

1- اشتهر مصطلح "أمومية" للغاية من النقاشات التي دارت منذ عام 1861 حول عمل باخوفن (حق الأم)، والآن هو مصطلح شائع.

2- يفضل دائما في إعادة التعريفات الفلسفية والعلمية أن نعود بها إلى كلمات معروفة جدا ثم نحاول إعادة وضع تعريف لها، فيستطيع الباحثون التعامل معها لكن لا يتعرضون لخطر فقد الاتصال بلغة المجتمع. في هذه العملية تأخذ الكلمات غالبا معنى جديد ،اوسع، وأوضح حتي في اللغة الشعبية، وهذا متأثر جدا بأنشطة إعادة التعريفات الخاصة بالباحثين. وفي حالة إعادة تعريف مصطلح "الأمومية" سيكون ذلك ميزة عظيمة خاصة للنساء، فتطوير هذا المصطلح سيؤدي بالضرورة إلى تطوير المعرفة بالثقافات والحضارات التي أنشأتها النساء.

3- في رأيي لن يكون مجديا أن ننشأ مصطلحا علميا جديدا مثل : بؤرية الأم، سلطة الأم، مركزية الأم، الجيلنكية، إلى آخره. بعض من هذه المصطلحات مثل بؤرية الأم والجلينيكية مصطنعة تماما وليس لها صلة باللغة الشعبية. والأخرى مثل مركزية الأم وسلطة الأم هي مصطلحات ضعيفة للغاية، مثل هذه المصطلحات تترك انطباع ان المجتمعات غير الابوية لا تعني أي شيء سوى انها تتركز على الأمهات. والتي تنتج نظرة متدنية لهذة المجتمعات من قبل الباحثين وكذلك النقاد تعكس إهمال لشبكة مركبة من العلاقات الاجتماعية وهذه الشبكة الاجتماعية المعقدة هي التي تُميز هذة الثقافة.

4- نحن لسنا مضطرون الأن لتتبع التفسير الحالي المنحاز للذكور لكلمة امومية"matriarchy"، التي يفسرونها على أنها سلطة أعلى للنساء وحسب. السبب الوحيد لتفسيرها على أنها المضاد لكلمة الابوية "patriarchy" هو وجود نفس الكلمة اليونانية "archy" في المصطلحين، وهي تحمل معنيان فهي تعني البداية وتعني كذلك السلطة. ولهذا نستطيع ترجمة الأمومية علي انها (الأمهات منذ البداية ).على صعيد آخر نترجم الأبوية على أنها سلطة الأب.

5- استخدام مصطلح الامومية بمعناه الواضح والمعاد تعريفه يعد أمر ذو أهمية سياسية. فهذا المصطلح لا يتجنب المناقشة الضرورية مع المتخصصين والجمهور المهتم. يحدث ذلك مع المصطلحات الأخرى بسهولة حيث يكون لديها الميل إلى التكتم والاستخفاف. لا يجب أن يخجل الباحثين من الاستدلال الاستفزازي لكلمة أمومية لسببين اولا ان البحث في هذا المجال هام للغاية، و لأن استفزاز السياسات المستمر هو الذى يحدث تغييرا في العقول.


نطاق البحث الحديث في الامومية
بعد النقاشات التي دارت حول عملي الرئيسي (الأمومية)، الذي نشر بشكل متتابع على عدة مراحل.اريد باختصار عرض نظريتي عن المجتمعات الأمومية. فهي توضح نطاق البحث الحديث للأمومية. كبحث هام موجود بالفعل ويتم العمل عليه و تطويره في نطاق هذا الإطار.أعطيت في الخطوة الأولى من تطوير هذه النظرية نظرة عامة على البحوث السابقة في الأمومية وبعد ذلك اتبعت مسار البحث مستخدمة نماذج علمية وسياسية والذى أوضح نقص في تعريف واضح وكامل للأمومية. وضعت في هذا الكتاب ايضا النقد الأيديولوجي بمصطلحات صحيحة. هذه المنهجية ضرورية في نطاق الدراسة لان اغلب الكتابات المبكرة والمعاصرة في هذا الموضوع تحتوي على كم ضخم من الايدلوجيا الأبوية (انظر: الامومية، تاريخ استكشافها، كولمار 1988- 1995)


صغت في الخطوة الثانية من تطوير النظرية تعريف بنيوي كامل للأمومية، نحتاجه بالفعل، يحدد الخصائص الضرورية والملائمة لهذا الشكل المجتمعي، غير مجرد الصياغة ولكن تم صياغته بالكثير من التحرير والتدقيق في المواد العلمية الاثنولوجية. أصبحت الخطوات المنظمة للبحث الإثنولوجي واضحة الآن. كرست العشر أعوام الماضية لهذا البحث، لأننا لا يمكننا وضع تعريف كامل لمصطلح الأمومية فقط من التاريخ الثقافي وحدة، والذى نتعامل فيه مع بقايا وحطام المجتمعات السابقة، هذا غير كافي لصورة شاملة.
لا نستطيع انكار اهمية او كثرة هذه البقايا، لكنها لا تعطينا سوى بعض المعلومات المتناثرة. فالبحث الثقافي وحده لا يمكننا من معرفة كيف كان الأفراد الأموميين يفكرون ويشعرون، كيف كانوا ينظمون أنماطهم الاجتماعية، أو أحداثهم السياسية، والذي يعطينا صورة عن كيف تم تنظيم مجتمعهم ككل. للحصول على المعرفة بهذه الأشياء، ينتج عنها انجاز تعريف كامل لمصطلح الأمومية، لابد ان نبحث نماذج حية من المجتمعات الأمومية ولحسن الحظ مازال موجود نماذج من هذه المجتمعات في جميع القارات عدا قارة أوروبا.
عرضت هذه الثقافات في المرحلة الثانية من النظرية حين كنت أقدم كل المجتمعات الامومية الموجودة في جميع أنحاء العالم.
(انظر: الأمومية 2 المجتمعات القبلية في شرق اسيا , اندونسيا,اوفيانوسيا كولمار 1991\1995)
( انظر أيضا الامومية 2\2 المجتمعات القبلية في أمريكا, الهند , افريقيا كولمار 2000 )


استخدمت في المرحلة الثالثة من تطوير النظرية التعريف الكامل لمصطلح أمومية، والذي اتخذته كأداة علمية لمراجعة تاريخ الثقافة الإنسانية. فهذا التاريخ أطول بكثير من الأربعة أو خمسة آلاف عاما الذي يسرده التاريخ الأبوي. كانت المجتمعات في الفترة الأطول من أعمار المجتمعات القديمة مجتمعات غير أبوية، حيث النساء هن اللاتي يصنعن الثقافة، ويجسدن المركز المتكامل للمجتمع. المجتمعات الأمومية الموجودة حتى الآن هي أقرب الأمثلة. لحسن الحظ يوجد في هذا المجال بعض الأبحاث الممتازة متاحة بالفعل، حيث تم تطويرها حديثا، لكن ينقصها في كل الأحوال إطار منهجي مترابط ، يعطي صورة عامة لتاريخ طويل من الامومية. (المشروع: الأمومية 3، التاريخ الثقافي للمدينة، قيد التطوير)
كان من الواضح أن هذه المهمة الضخمة مستحيل إنجازها بدون وضع تعريف كامل للأمومية. وبعد صياغته في الجزء الإثنولوجي للبحث، أصبح لدينا الآن ولأول مرة الفرصة الكافية لكتابة تاريخ كامل للإنسانية، بدون تشتت الانحيازات الأبوية. هذه الصياغة الجديدة للتاريخ باتت ضرورية بشكل عاجل اليوم، لأن الصياغة الابوية للتاريخ تثبت خطأها وقدمها يوما عن يوم.


كتبت في المرحلة الرابعة من تطوير النظرية عن مشكلة صعود الأبوية. ومن الضروري هنا الإجابة عن سؤالين مهمين:
1- كيف استطاعت النظم الابوية أن تتطور منذ البداية؟
2- كيف استطاعوا نشرها في جميع أنحاء العالم؟ وهذا الأخير ليس واضحا على الإطلاق.

في رأيي لم يتم اجابة هذه الأسئلة بشكل كاف حتى الآن، لكن قُدمت الكثير من التفسيرات غير الصحيحة، اذا اردنا تفسير تطور المجتمعات الابوية لابد أولا: أن يكون لدينا معرفة واضحة عن شكل المجتمعات الموجودة من قبلها، أقصد هنا الامومية بالتأكيد.في الوقت الحاضر هذه المعرفة في طور التطوير، هذا شرط مسبق لتفسير تطوير الابوية غير ذلك سنبدأ في اتباع مسيرة الافتراضات الخاطئة.
ثانيا: نظرية تطور الابوية لابد وأن تفسر لماذا ظهرت النظم الابوية في أماكن مختلفة، في قارات مختلفة، في أوقات مختلفة، تحت ظروف مختلفة أيضا، الاجابات ستكون مختلفة تماما في كل منطقة في العالم وهذا العمل لم ينفذ بعد علي الاطلاق. (مشروع : الامومية 4، تشكيل الابوية، قيد التطوير)


حللت في المرحلة الخامسة من تطوير هذه النظرية تاريخ الأبوية، يكتب تاريخ الأبوية حتى الأن كتاريخ للسلطة، كتاريخ فوقي يكتب من الأعلى، لكن هناك أيضا منظور آخر للتاريخ، التاريخ الذي يكتب من الأدنى، الذى يظهر صورة مختلفة تماما، يشمل تاريخ النساء، والطبقات الدنيا، والمهمشين، والأقليات الثقافية المختلفة،
والذي يظهر أن الابوية لم تستطيع النجاح في هدم التقاليد الأمومية القديمة على مستوى جميع القارات، في النهاية ترعرعت الأبوية كطفيل على هذه التقاليد.
يظهر هذا العمل أن هذه التقاليد ( التقاليد الشفاهية، العادات، الأساطير، الشعائر الفلكلورية) لهم جذور من الثقافة السابقة ألا وهي الأمومية، لكننا ندرك ذلك فقط بمساعدة التعريف الكامل للأمومية، إذا استطعنا تتبع هذه الآثار عبر تاريخ الأبوية، والذى يعني إستعادة تراثنا. (مشروع: التقاليد والأمومية في المجتمعات الابوية، قيد التطوير)


الجزء الثاني
تعريف المجتمعات الأمومية
يمكنني الآن إعطاء تعريف بنيوي للأمومية، مما يعني انه لا نستطيع أن نترك أي معيار من المعايير لكي يكون التعريف صحيحا، سأقوم بعرض المعايير للمجتمعات الأمومية على ثلاثة أصعدة، الصعيد الاقتصادي، صعيد الأنظمة الاجتماعية، الصعيد الثقافي.

على الصعيد الاقتصادي
كانت أغلب المجتمعات الأمومية مجتمعات زراعية. طوروا فيها تقنيات الزراعة من الزراعة البسيطة، إلى الزراعة الكاملة بالمحراث (في بداية العصر الحجري الحديث،من 10 آلاف عام)، وأخيرا إلى نظام الري الحديث في الثقافات الحضرية المبكرة. في الوقت نفسه استمرت اشكال الأمومية المجتمعية لتصبح متمايزة تماما في غضون آلاف السنين. فارتبط صعود الأمومية بشكل مباشر بهذه التقنيات الجديدة.
تقسم البضاعة طبقا الي نظام متطابق تماما مع مستويات القرابة ونظم الزواج، هذا النظام يمنع تراكم البضائع لدى شخص واحد أو مجموعة واحدة، بالتالي ظلت مبادئ المساواة قائمة بشكل واعي والمجتمع مساواتي وغير تراكمي. من وجهة نظر سياسية كانت المجتمعات الأمومية تشاركية بشكل مثالي، كل نفع او ضرر يخص كسب البضائع كانت يخضع إلى قانون اجتماعي، على سبيل المثال احتفالات القرية: كان الزاما علي العشائر الغنية استضافة كل سكان القرية، هم ينظمون المآدب التي يوزعون فيها ثرواتهم لأكتساب الشرف. لذلك على الصعيد الاقتصادي أطلقت على المجتمعات الامومية مجتمعات تبادلية.



على الصعيد الاجتماعي

الامومية قائمة على اتحاد القبائل الممتدة حيث يعيش الناس مع بعضهم البعض في قبائل كبيرة، التي تتكون طبقا لمبدأ له علاقة بالقرابة الامومية، أي أن القرابة تعرف فقط عن طريق الإناث.يمرر أسم العشيرة وكل المناصب الاجتماعية والألقاب السياسية من خلال خط نسب الأم.العشيرة الأمومية تتكون على الأقل من ثلاث أجيال من النساء: أم العشيرة، بناتها، حفيداتها، والاقرباء من الرجال: أخوة الأم، والأبناء، والأحفاد. بشكل عام تعيش العشيرة الأمومية في بيت واحد كبير يسمى بيت العشيرة، يعيش فيه قرابة من عشرة إلى مائة شخص، بحسب الحجم والشكل الهندسي للبيت، تعيش النساء هناك بشكل دائم؛ لأن الابنة والحفيدة لا يمكنها مغادرة بيت عشيرة أمهاتهن عندما تتزوج، يسمي ذلك "أمومية المكان".

أهم ما في الأمر هو حقيقة أن النساء لديها القدرة علي التصرف في موارد العشيرة، بالأخص قوة التحكم في موارد الغذاء، والأرض، والطعام. وهذه الخصائص بجانب أمومية النسب وأمومية المكان تمنح الأم موضع قوي، تجعل من هذه المجتمعات مجتمعات أمومية.
(لم يميز الانثروبولوجيين بين أمومية النسب فقط والمجتمعات الأمومية بالكامل، وهذا مازال يسبب ارتباكا كبيرا.)
هذه العشائر الأمومية في منزل العشيرة وعلى أرض العشيرة هي مجموعات تعتمد على الدعم الذاتي. كيف يمكن للأفراد من مجموعة تعتمد على الدعم الذاتي التواصل مع قبائل اخرى من نفس القرية ؟، هذا يتأثر بنظم الزواج، خاصة النظام الزواج التبادلي بين قبيلتين.

الزواج التبادلي بين عشيرتين ليس زواجا فرديا، بل زواجا جماعيا يؤدي الى تزاوج اجتماعي علي سبيل المثال شاب من عشيرة (أ) تزوج فتاة من عشيرة (ب) وشاب من عشيرة (ب) تزوج شابة من عشيرة (أ) هذا يسمي زواجا تبادليا بين عشيرتين في قرية امومية.
وهذا أيضا يحدث ما بين العشائر الأخرى علي سبيل المثال عشيرة (س) مع عشيرة (ص) و عشيرة (ج) مع عشيرة (ح) حتي يكون هناك أنظمة إضافية من الزواج بين كل العشائر. في النهاية كل شخص في القرية الامومية او المدينة الامومية هو قريب لكل الاخرين بالولادة او بالزواج، لذلك اطلقت علي المجتمعات الامومية بانها مجتمعات القرابة.

لا يضطر الشاب الذي ترك بيت أمه بعد زواجه أن يذهب بعيدا، في الواقع يذهبون ليلا إلى بيوت الجوار حيث يعيش زوجاتهم ويعودون مبكرا في الفجر. هذا الشكل من الزواج يسمى زواج الزيارات، وهو محدد فقط بوقت الليل. هذا يعني أن الرجال الذين يعيشون في ظل نظام أمومي لا يحق لهم العيش في بيت زوجاتهم، بيتهم هو بيت عشيرة الأم، وهناك يقومون بدورهم بالعمل في الحقول او الجنائن وأيضا يشتركون في اخذ القرارات للعشيرة، هم لديهم حقوق وعليهم واجبات. لا يعتبر الرجل الأمومي أبناء زوجته علي أنهم أبنائه ايضا، لأنهم لا يأخذون اسم عشيرته هم يأخذون اسم الأم واسم عشيرة الأم.الرجل في النظام الأمومي قريب اكثر لأبناء وبنات اخته لانهم يشاركونه نفس اسم العشيرة. يكون لأبناء وبنات الأخت كل اهتمامه، ورعايته، وتوريث ممتلكاته الشخصية. الأبوة البيولوجية لم تكن معروفة وقتها أو لم يكن يعيروا ذلك أي اهتمام فهو ليس عاملا مجتمعيا. الرجل في ظل النظام الأمومي يرعى أولاد وبنات اخته كنوع من الابوة المجتمعية.

حتى عملية اتخاذ القرارات السياسية هي عملية منظمة على التوازي من القرابة الأمومية، ففي بيت العشيرة يجتمع الرجال والنساء في مجلس العشيرة لكي يناقشوا الأمور الداخلية الخاصة بهم، ولا يتم إقصاء أي من افراد المنزل وبعد كل هذه المناقشات يتم اتخاذ القرار بالإجماع، يحدث ذلك أيضا علي مستوي القرية حيث يحضر نائبا عن كل عشيرة في مجلس القرية إذا كان ذلك أمر يخص القرية كلها، هؤلاء النواب من الممكن أن يكونوا أكبر النساء في القرية عمرا أو الأخوة والأبناء، من الممكن أن يتم اختيارهم للتمثيل عن العشيرة ولا يستطيع احد اتخاذ القرار يخص القرية كلها بدون إجماع كل العشائر، وهذا يعني ان هؤلاء النواب الذين يناقشون الامر ليسوا هم من يتخذون القرار، هو ليس مجلسا لصنع السياسات لأن هذا المجلس ليس إلا وسيلة للتواصل، اذا لاحظ المجلس أن العشيرة لم توافق بعد يرجع العضو المنتدب الي بيت العشيرة ليناقش معهم بشكل موسع، بهذا الشكل يتفق الجميع في القرية على رأي واحد خطوة بخطوة.


الأفراد الذين يعيشون في منطقة واحدة يأخذون القرارات بنفس الشكل: نواب من كل قرية يجتمعون يتبادلون القرارات الخاصة بمجتمعهم، وظيفتهم هنا كوسيلة اتصال بمجتمعاتهم ليس أكثر، في هذه الحالة يكونوا رجال تم انتخابهم من قريتهم حيث أن السيدات لا تغادر بيوت القبيلة او أراضيها.في مقابل الأخطاء الاثنولوجية المتكررة عن هؤلاء الرجال، هم ليسوا رؤساء ولا يقررون أي شيءفي الحقيقة. كل قرية وكل عشيرة في هذه القرية مشتركة في عملية اتخاذ القرار حتى يتم الاتفاق على رأي واحد على مستوى المنطقة كلها، من وجهة نظر سياسية أطلقت على المجتمعات الأمومية مجتمعات المساواة أو مجتمعات توافقية.هذه الأنظمة السياسية لا تسمح بتراكم القوة السياسية، بهذا المعنى هم احرار من أي سلطة حيث لا يوجد طبقات من الحكام او المحكومين، أي هم لا يعرفون هيئات تنفيذية، التي هي أساس تكوين السلطة.



علي المستوي الثقافي
هذه المجتمعات لا تتميز بوفرة المعتقدات، هذا العرض المبسط يشوه حقيقة أن هذة المجتمعات لديها نظام ديني معقد. المبدأ الأساسي هنا أن الأشخاص الأموميين يملكون الكون ويمتلكون حياتهم، المعتقد الذي يمارسونه في شكل طقوس عديدة أو اساطير او عبادات روحية هو معتقد لإعادة الميلاد، هو ليس فكرة مجردة عن تناسخ الأرواح كما ظهر بعد ذلك في الهندوسية والبوذية ولكن فكرة إعادة الميلاد على وجه دقيق: أن كل أعضاء القبيلة يعلمون أنه بعد الموت سوف يتم إعادة إحيائها من جديد عن طريق امرأة من قبيلتهم من بيتهم وقريتهم، كل شخص متوفي يعود إلى الحياة مباشرة كطفل صغير لنفس القبيلة.

تحترم المجتمعات الامومية النساء وتقدرهم للغاية لأنهن اللاتي يضمن إعادة الحياة، هن يجددن و يمددن من حياة العشيرة.
هذه الفكرة هي من الأفكار الأساسية التي يرى بها الاموميين الحياة، تبنوها من العالم الطبيعي المحيط بهم والذي يعيشون فيه، في الطبيعة هناك مراحل: النمو، ثم الازدهار، ثم الذبول، ومن ثم تدور دورة حياة النباتات بهذا الشكل كل عام. الأموميين مقتنعين ان كل نبات يذبل في الخريف يستعيد حياته مجددا في الربيع، ولذلك الأرض هي الأم العظيمة التي تمنح الحياة والرعاية لجميع المخلوقات. في السماء هم يراقبون نفس العملية من الذهاب والمجيء، كل الأجرام السماوية تشرق، ثم تسطع، ثم تغرب كل يوم وكل ليل. هم ينظرون للكون على أنه ربة عظيمة للسماء والخلق، هي باستمرار تخلق كل شيء، هي التي تمنح تنظيم الوقت، تمنح الحياة للنجوم في الشرق لتعبر في السماء حتى يموتون من قوتها في الغرب. مثال جيد على الفكرة الأمومية الكونية هي الربة المصرية نوت، ربة السماء. تمنح الحياة لابنها رع-الذي يعني الشمس- في كل صباح و تبدده كل مساء، فقط لتعطيه الحياة مجددا مع كل إشراق.
في الكون وفي الأرض، الأشخاص الأموميين يراقبون دورة الحياة والموت وإعادة الحياة. طبقا للمبدأ الأمومي للاتصال بين الكون الأصغر والكون الأكبر، هم يرون أن نفس الدورة موجودة في الحياة الإنسانية. الوجود الإنساني ليس مختلفا كثيرا عن دورة حياة الطبيعة هي تتبع نفس القواعد. مفهومهم عن الطبيعة وعن العالم الإنساني الذى يفتقد الثنائية التي يفكر بها النظام الأبوي التي تفصل الروح والطبيعة أو المجتمع والطبيعة.

وما أبعد من ذلك هي تفتقر لمبدأ ثنائية الأخلاق، التي تُعرف ماهو الخير وتفصله عن ما هو شر. من وجهة نظر امومية الحياة جالبة للممات، والممات يجلب الحياة مرة اخري، كل شيء له أوان. لو كانت كل الأشياء ضرورية في وقتها، هذا التعارض بين الخير والشر سيكون ليس له معنى. علي نفس هذا النهج، فالأنثى والذكر هم أقطاب الكون. كان من المستحيل في المجتمعات الأمومية اعتبار أي جنس منهم أدنى أو أضعف من الاخر كما هو شائع في المجتمعات الأبوية، النظرة العامة للكون عند الأموميين مصممة بشكل غير ثنائي.
لا يوجد فارق كبير بين ما هو مُدنس وما هو مقدس. كل العالم بمظهره الأنثوي هو إلهي ومقدس لجميع الناس، هم يحترمون و يبجلون الطبيعة كقدس الأقداس، ولا يستغلونها ابدا ولا يدمرونها. على سبيل المثال كل بيت هو مكان مقدس يحتوي على مدفأة مقدسة حيث يلتقي الأسلاف الأوائل والأحياء معا. كل مهمة يومية وكل إشارة مشتركة تحمل معنى رمزي ما، كل الأفعال يتم تحويلها إلى طقوس. ولذلك علي الصعيد الثقافي اسمي المجتمعات الأمومية بالمجتمعات المقدسة أو ثقافات الربة الأنثى.


ملخص لمعايير المجتمع الأمومي :
- معايير اقتصادية : المجتمعات ذات الدعم الذاتي للزراعة، الأرض والبيت هم ملكية للعشيرة حيث لا يوجد ملكية خاصة، النساء هم من يملكن حق توزيع مصادر الغذاء، تعديل مستمر لمستوى الثروة من خلال توزيع البضائع الحيوية على هيئة هدايا في الحفلات، فهي مجتمعات تبادلية.

- معايير مجتمعية: العشائر الأمومية والتي تتكون عن طريق أمومية النسب وأمومية المكان، يكون فيها الزواج تبادلي بين العشيرتين، زواج الزيارات مع حرية جنسية كاملة لكل من الجنسين، ابوة مجتمعية، مجتمع غير تصاعدي – قرابة أفقية وليست هرمية.


- معايير سياسية: مبدأ التوافقية في بيت العشيرة وعلى مستوى القرية وعلى مستوى المنطقة، النواب هم وسيلة اتصال وليس متخذي قرار، غياب للطبقات وهيكل السلطة، فهي مجتمعات المساواة واتخاذ رأي الجماعة.


- معايير ثقافية: معتقد معين في إعادة الاحياء داخل نفس القبيلة، عبادة الأجداد والجدات، عبادة الأرض الأم وربة الكون، الوهية العالم بأكمله، غياب ثنائية الاخلاق، كل شيء في الحياة هو جزء من نظام رمزي فهي مجتمعات مقدسة و ثقافات الربة الأنثى.
276

تعديل

قائمة التصفح