تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وصلات أخرى
سطر 49: سطر 49:  
   
 
   
   −
بالتوازي، خلال هذا المسار ولأنني صادفتُ المرأة كثيراً خلال عملي، فقد اهتممتُ بها في كتاباتي، كنتُ دائماً نسوية ولكن ليس على المستوى البحثي والعلمي، وبهذا كان الخط الثاني في عملي هو النساء في المغرب وفي أفريقيا جنوب الصحراء. كنتُ باحثة حرة دون أي ارتباط أكاديمي جامعي، فرغم أنني درّستُ في ظروف وأماكن عديدة، ولكنني كتبتُ كتبي خارج الأطر الجامعية. لهذا، وقد يكون أمراً يحدث لكل من لا يعمل في الأكاديميا، وسّعتُ حقل رؤيتي، بدأتُ أكتب كتباً أكثر عمومية، دائماً حول علاقات الشمال بالجنوب، قبل قليل حدثتكِ على كتاب الغرب والآخرون، وهو مقالة طويلة عامة جداً حول أسس هيمنة وفوقية الغرب. هناك جانب اقتصادي بطبيعة الحال، ولكنه كتاب عمومي وتاريخي كذلك. لقد عدت بطريقة أو بأخرى إلى التاريخ، لأن التاريخ جوهري في فهم كل الظواهر، حتى ما نعيشه منها في الراهن.
+
بالتوازي، خلال هذا المسار ولأنني صادفتُ المرأة كثيراً خلال عملي، فقد اهتممتُ بها في كتاباتي، كنتُ دائماً [[نسوية]] ولكن ليس على المستوى البحثي والعلمي، وبهذا كان الخط الثاني في عملي هو النساء في المغرب وفي أفريقيا جنوب الصحراء. كنتُ باحثة حرة دون أي ارتباط أكاديمي جامعي، فرغم أنني درّستُ في ظروف وأماكن عديدة، ولكنني كتبتُ كتبي خارج الأطر الجامعية. لهذا، وقد يكون أمراً يحدث لكل من لا يعمل في الأكاديميا، وسّعتُ حقل رؤيتي، بدأتُ أكتب كتباً أكثر عمومية، دائماً حول علاقات الشمال بالجنوب، قبل قليل حدثتكِ على كتاب الغرب والآخرون، وهو مقالة طويلة عامة جداً حول أسس هيمنة وفوقية الغرب. هناك جانب اقتصادي بطبيعة الحال، ولكنه كتاب عمومي وتاريخي كذلك. لقد عدت بطريقة أو بأخرى إلى التاريخ، لأن التاريخ جوهري في فهم كل الظواهر، حتى ما نعيشه منها في الراهن.
    
وعليَّ أن أضيف شيئاً مهماً حول هذا المسار، وهو أنني تابعتُ عملي حول تونس ومع تونس، حين كنتُ صحفية في صحيفة أفريقيا الشابة كنت أغطي تونس أيضاً، فيما بعد أصبحت صحفية مستقلة أكتب في عدة صحف ودوريات مثل لوموند ديبلوماتيك. علاقتي بتونس بقيت قوية، عملياً لم أهملها في عملي وزياراتي المستمرة، كنت قد ناضلت في شبابي ضمن الحركات اليسارية التونسية، أولاً في الحزب الشيوعي ومن ثم كنت مقربة من بعض اليسار المتطرف وكان لي كثيرٌ من الأصدقاء في هذه الأوساط. في عام 1986 بدأتُ مع صديقة تونسية، سهير بلحسن، وكانت تعمل في صحيفة أفريقيا الشابة أيضاً، بالعمل على كتابة السيرة الذاتية للحبيب بورقيبة، وقد لاقت نجاحاً كبيراً. في ذلك الوقت كان بورقيبة لا يزال حيّاً وفي سدة الحكم. كانت هذه السيرة الوحيدة المستقلة، وقد أُعيدت طباعتها في وقت قريب. أرجو أن يكون هناك سِيرٌ أخرى تكتب عن الحبيب بورقيبة فالشخصية تستحق ذلك، ولكن حتى الآن هي السيرة الوحيدة المستقلة، ومع سهير بلحسن كتبتُ كتاباً آخر هو رهان النساء في المغرب حيث تكلمنا عن عودة العامل الديني إلى الواجهة. فيما بعد، وقبل سنوات من الآن، تركت الصحافة ورجعت إلى موقعي كأكاديمية وباحثة، حيث كتبت عدة كتب منها المأزق المزدوج، والعام الماضي كتبتُ كتاباً صغيراً أخذ مني كثيراً من الوقت بعنوان القيّمات، والذي يستعيد تاريخ خمس نساء تونسيات طبعن التاريخ التونسي.  
 
وعليَّ أن أضيف شيئاً مهماً حول هذا المسار، وهو أنني تابعتُ عملي حول تونس ومع تونس، حين كنتُ صحفية في صحيفة أفريقيا الشابة كنت أغطي تونس أيضاً، فيما بعد أصبحت صحفية مستقلة أكتب في عدة صحف ودوريات مثل لوموند ديبلوماتيك. علاقتي بتونس بقيت قوية، عملياً لم أهملها في عملي وزياراتي المستمرة، كنت قد ناضلت في شبابي ضمن الحركات اليسارية التونسية، أولاً في الحزب الشيوعي ومن ثم كنت مقربة من بعض اليسار المتطرف وكان لي كثيرٌ من الأصدقاء في هذه الأوساط. في عام 1986 بدأتُ مع صديقة تونسية، سهير بلحسن، وكانت تعمل في صحيفة أفريقيا الشابة أيضاً، بالعمل على كتابة السيرة الذاتية للحبيب بورقيبة، وقد لاقت نجاحاً كبيراً. في ذلك الوقت كان بورقيبة لا يزال حيّاً وفي سدة الحكم. كانت هذه السيرة الوحيدة المستقلة، وقد أُعيدت طباعتها في وقت قريب. أرجو أن يكون هناك سِيرٌ أخرى تكتب عن الحبيب بورقيبة فالشخصية تستحق ذلك، ولكن حتى الآن هي السيرة الوحيدة المستقلة، ومع سهير بلحسن كتبتُ كتاباً آخر هو رهان النساء في المغرب حيث تكلمنا عن عودة العامل الديني إلى الواجهة. فيما بعد، وقبل سنوات من الآن، تركت الصحافة ورجعت إلى موقعي كأكاديمية وباحثة، حيث كتبت عدة كتب منها المأزق المزدوج، والعام الماضي كتبتُ كتاباً صغيراً أخذ مني كثيراً من الوقت بعنوان القيّمات، والذي يستعيد تاريخ خمس نساء تونسيات طبعن التاريخ التونسي.  
سطر 82: سطر 82:  
الأمر معقّد. ولكني سأحاول تلخيصه. سأحاول ألا أتحدث بالعموميات عن الثقافوية وأن أجيب عن السؤال. ما هو الكونيّ؟ هي مبادئ يتقاسمها البشر، تخصّ الإنسانية جمعاء. حدث، ولأسباب تاريخية لا يسعنا أن نعرضها هنا، أن الصوغ السياسي والحديث لهذه المبادئ تم في أوروبا بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. هي المبادئ التي تقول إن الإنسان حرّ، وإن حريته لا تنفصل عن إنسانيته. في الوقت نفسه الذي صِيغَ فيه الكوني، أُقصي جزء من البشر منه، العبيد والنساء والشعوب المستعمرة. وهنا كانت المفارقة. هناك نِسوية تقول إن الكوني أصبح حكراً على الرجل الأبيض. الذكور البيض كائنات كونية ولكنها الوحيدة. هذا الحق لا يغطي النساء والعبيد والمستعمَرين. نصّ إعلان الاستقلال الأميركي نصٌّ بديع، ولكن جورج واشنطن نفسه كان مالكاً كبيراً للعبيد. هكذا سيّر الغرب: نصوغ الكوني ومن ثم نغلقه. شيئاً فشيئاً، امتلك الأفراد والمثقفون  والعالم كله هذا الكوني. وقد قام جزء من النضالات المناهِضة للاستعمار باسم الكونية وفق المنطق الصوري البسيط: إن كان الكوني موجوداً فلنا الحق به، وبأن لا نكون مُستعمَرين. ثم جاء إعلان حقوق الإنسان عام 1948 إلخ. هكذا وجد الغربيون أنفسهم مجرّدين من احتكار الكوني، وهذا ما يسميه بعض المؤرخين الهنود بـ «نزع الغربنة عن الكوني».
 
الأمر معقّد. ولكني سأحاول تلخيصه. سأحاول ألا أتحدث بالعموميات عن الثقافوية وأن أجيب عن السؤال. ما هو الكونيّ؟ هي مبادئ يتقاسمها البشر، تخصّ الإنسانية جمعاء. حدث، ولأسباب تاريخية لا يسعنا أن نعرضها هنا، أن الصوغ السياسي والحديث لهذه المبادئ تم في أوروبا بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. هي المبادئ التي تقول إن الإنسان حرّ، وإن حريته لا تنفصل عن إنسانيته. في الوقت نفسه الذي صِيغَ فيه الكوني، أُقصي جزء من البشر منه، العبيد والنساء والشعوب المستعمرة. وهنا كانت المفارقة. هناك نِسوية تقول إن الكوني أصبح حكراً على الرجل الأبيض. الذكور البيض كائنات كونية ولكنها الوحيدة. هذا الحق لا يغطي النساء والعبيد والمستعمَرين. نصّ إعلان الاستقلال الأميركي نصٌّ بديع، ولكن جورج واشنطن نفسه كان مالكاً كبيراً للعبيد. هكذا سيّر الغرب: نصوغ الكوني ومن ثم نغلقه. شيئاً فشيئاً، امتلك الأفراد والمثقفون  والعالم كله هذا الكوني. وقد قام جزء من النضالات المناهِضة للاستعمار باسم الكونية وفق المنطق الصوري البسيط: إن كان الكوني موجوداً فلنا الحق به، وبأن لا نكون مُستعمَرين. ثم جاء إعلان حقوق الإنسان عام 1948 إلخ. هكذا وجد الغربيون أنفسهم مجرّدين من احتكار الكوني، وهذا ما يسميه بعض المؤرخين الهنود بـ «نزع الغربنة عن الكوني».
   −
هنا كلُّ المفارقة، فكلُّ الخطاب الذي نظم تاريخ علاقة الغربيين بالآخرين من غير الغربيين قائم على دعامتين متناقضتين: الإيعاز بالتماهي والتقليد «إن كنت تريد أن تكون كونياً وبشرياً عليك أن تكون مثلي»، وفي الوقت نفسه هناك دعامة التكريس الهوياتي «ستبقى دوماً آخراً، مهما فعلت فأنت آخر». الآخر الغامض والدوني والمُختزَلَ بغيّريته. الغربيون، بغضّ النظر عن الإسلام والمسلمين، بحاجة لأن يبقوا المصدّرين الوحيدين للحقيقة. هذا التراوح بين الموقفين وفقدانهم لاحتكار الكوني، وهم كذلك ومنذ فترة في طور فقدانهم  للمركزية الأرضية، يجعل من النساء المحجبات كنزاً بالنسبة لهم. النساء اللواتي ينزعن الحجاب يشبهنهم كثيراً ولسنَ «آخراً» أصيلاً بالقدر الكافي، أتحدّثُ عن ذلك في كتابي المأزق المزدوج. منذ حوال 25 سنة، ومع بروز الجوهرانية، نجد جزءاً مهماً من اليسار الغربي يُدافِعُ عن الإسلام السياسي وينتقد بشراسة وعنف غير مسبوقين العلمانيين الزمنيين واللائكيين في العالم المسلم. هم لا يريدون التعامل مع أناس يشبهونهم جداً. أي أناس يعترضون على احتكارهم للكوني والقيم الكونية. كل سجالاتي مع اليسار الغربي في السنوات الأخيرة تدور حول أنهم ما زالوا يحتجزون أهل الجنوب ضمن دلالات هويّاتية، والتي يمكن أن أُلخّصها كالتالي فيما يخصّ المسلمين: أنتم مسلمون فالإسلام السياسي بداهةً هو مصيركم الطبيعي، لماذا تعترضون عليه؟ هذا جزءٌ من ثقافتكم. لهذا السبب أعتقد أن المثقفين العلمانيين الكونيين في العالم العربي الإسلامي هم في عُزلة، لأنهم أقلية في مجتمعاتهم وحلفاؤهم قليلون على المستوى الدولي، وهذا ما تجلّى في المأساة السورية، فللديكتاتور حلفاؤه بطبيعة الحال، وللإسلاميين حلفاؤهم. الوحيدون هم ذاك الجزء من المعارضة من غير الإسلاميين، من الديمقراطيين والكونيين. وهكذا فثقافوية أجزاء كبيرة من المثقفين الغربيين هي طريقة لحفظ احتكار القيم الكونية وإعادة الآخرين لانتماءاتهم المُفترضة.  
+
هنا كلُّ المفارقة، فكلُّ الخطاب الذي نظم تاريخ علاقة الغربيين بالآخرين من غير الغربيين قائم على دعامتين متناقضتين: الإيعاز بالتماهي والتقليد «إن كنت تريد أن تكون كونياً وبشرياً عليك أن تكون مثلي»، وفي الوقت نفسه هناك دعامة التكريس الهوياتي «ستبقى دوماً آخراً، مهما فعلت فأنت آخر». الآخر الغامض والدوني والمُختزَلَ بغيّريته. الغربيون، بغضّ النظر عن الإسلام والمسلمين، بحاجة لأن يبقوا المصدّرين الوحيدين للحقيقة. هذا التراوح بين الموقفين وفقدانهم لاحتكار الكوني، وهم كذلك ومنذ فترة في طور فقدانهم  للمركزية الأرضية، يجعل من النساء المحجبات كنزاً بالنسبة لهم. النساء اللواتي ينزعن ال[[حجاب]] يشبهنهم كثيراً ولسنَ «آخراً» أصيلاً بالقدر الكافي، أتحدّثُ عن ذلك في كتابي المأزق المزدوج. منذ حوال 25 سنة، ومع بروز الجوهرانية، نجد جزءاً مهماً من اليسار الغربي يُدافِعُ عن الإسلام السياسي وينتقد بشراسة وعنف غير مسبوقين العلمانيين الزمنيين واللائكيين في العالم المسلم. هم لا يريدون التعامل مع أناس يشبهونهم جداً. أي أناس يعترضون على احتكارهم للكوني والقيم الكونية. كل سجالاتي مع اليسار الغربي في السنوات الأخيرة تدور حول أنهم ما زالوا يحتجزون أهل الجنوب ضمن دلالات هويّاتية، والتي يمكن أن أُلخّصها كالتالي فيما يخصّ المسلمين: أنتم مسلمون فالإسلام السياسي بداهةً هو مصيركم الطبيعي، لماذا تعترضون عليه؟ هذا جزءٌ من ثقافتكم. لهذا السبب أعتقد أن المثقفين العلمانيين الكونيين في العالم العربي الإسلامي هم في عُزلة، لأنهم أقلية في مجتمعاتهم وحلفاؤهم قليلون على المستوى الدولي، وهذا ما تجلّى في المأساة السورية، فللديكتاتور حلفاؤه بطبيعة الحال، وللإسلاميين حلفاؤهم. الوحيدون هم ذاك الجزء من المعارضة من غير الإسلاميين، من الديمقراطيين والكونيين. وهكذا فثقافوية أجزاء كبيرة من المثقفين الغربيين هي طريقة لحفظ احتكار القيم الكونية وإعادة الآخرين لانتماءاتهم المُفترضة.  
    
عاملٌ آخر يأتي ليتراكب فوق كل ذلك، هو أننا ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً نشهد اختزال الثقافة إلى الدين. حين نقول ثقافة فهذا يعني الدين. هذا قلب مدهش لنسق تعلمناه في الجامعات سابقاً وهو أن الثقافة تُنتج أدياناً. الآن نرى أن الأديان هي التي تُنتج ثقافات. بهذا، تُحرَمُ ثقافة بلد أو منطقة كلياً من تعدديتها ومن تعقيدها، وتُختزل ليس فقط في الدين الغالب، ولكن في النسخة الأكثر محافظة في هذا الدين. وهذه النسخة هي الأبعد عن الكونية.   
 
عاملٌ آخر يأتي ليتراكب فوق كل ذلك، هو أننا ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً نشهد اختزال الثقافة إلى الدين. حين نقول ثقافة فهذا يعني الدين. هذا قلب مدهش لنسق تعلمناه في الجامعات سابقاً وهو أن الثقافة تُنتج أدياناً. الآن نرى أن الأديان هي التي تُنتج ثقافات. بهذا، تُحرَمُ ثقافة بلد أو منطقة كلياً من تعدديتها ومن تعقيدها، وتُختزل ليس فقط في الدين الغالب، ولكن في النسخة الأكثر محافظة في هذا الدين. وهذه النسخة هي الأبعد عن الكونية.   
سطر 104: سطر 104:  
الأمر معقد. هناك حالتان من المثقفين: الأولى والتي يتشارك فيها نسويون أيضاً تقول بأنه يجب تجاوز الدين وشؤونه، أنه علينا التفكير خارج حدود الدين لأنه بكل الأحوال يقودنا إلى طرق مسدودة؛ والحالة الأخرى التي تقول بأن الحل الوحيد للخلاص هو إعادة قراءة النص الديني والمدونة الدينية عل العموم والعمل على «الاجتهاد»، وهناك تيار من الاجتهاديين الذين يقومون بعمل رائع بالمناسبة.
 
الأمر معقد. هناك حالتان من المثقفين: الأولى والتي يتشارك فيها نسويون أيضاً تقول بأنه يجب تجاوز الدين وشؤونه، أنه علينا التفكير خارج حدود الدين لأنه بكل الأحوال يقودنا إلى طرق مسدودة؛ والحالة الأخرى التي تقول بأن الحل الوحيد للخلاص هو إعادة قراءة النص الديني والمدونة الدينية عل العموم والعمل على «الاجتهاد»، وهناك تيار من الاجتهاديين الذين يقومون بعمل رائع بالمناسبة.
   −
لنأخذ تونس حالياً، حيث تتم أهم أعمال الاجتهاد، تقوم به نساء اجتهاديات مثل نائلة السليني وآمال قرامي وكثيرات غيرهما ممن يضعن القراءة [[الذكورية]] والكارهة للنساء للقرآن موضع التساؤل، ويقمن بقراءات نِسوية للنص القرآني، حيادية جنسانياً. وأعرف بينهم كثيرين يدركون بأنه أياً كان الدين التوحيدي فإننا لن نصل إلى مساواة مطلقة ضمن المدونة الدينية، ولكننا سنتقدم في بعض المناحي. يمكن أن يكون هناك كثيرٌ من النقاط المشتركة بين الاجتهاديين والعلمانيين، ويمكن أن يعملوا سوياً، ولكن في نهاية المطاف هناك مكان مسدود، فالأديان ليست للمساواة بين الجنسين.
+
لنأخذ تونس حالياً، حيث تتم أهم أعمال الاجتهاد، تقوم به نساء اجتهاديات مثل نائلة السليني وآمال قرامي وكثيرات غيرهما ممن يضعن القراءة ال[[ذكورية]] والكارهة للنساء للقرآن موضع التساؤل، ويقمن بقراءات نِسوية للنص القرآني، حيادية جنسانياً. وأعرف بينهم كثيرين يدركون بأنه أياً كان الدين التوحيدي فإننا لن نصل إلى مساواة مطلقة ضمن المدونة الدينية، ولكننا سنتقدم في بعض المناحي. يمكن أن يكون هناك كثيرٌ من النقاط المشتركة بين الاجتهاديين والعلمانيين، ويمكن أن يعملوا سوياً، ولكن في نهاية المطاف هناك مكان مسدود، فالأديان ليست [[مساواة جندرية|للمساواة بين الجنسين]].
   −
لقد تحدثت مطولاً مؤخراً مع عالم الإسلاميات يوسف صديق حول آية «اضربوهنّ»، يمكننا أن نضع الأمور في سياقها، ويمكننا أن نجتهد ونجد قراءات مخففة، إلا أن الآية في النهاية تقول بالضرب، ولكن الأهم من ذلك أنها تتوجه إلى الرجال، المُخاطب هو رجل. لنفترض أن هناك آية تنص على «احترموهنّ» هي موجّهة للرجال، النص لا يتوجه إلى الإنسان على العموم، إلى الجنسين على السواء، إلا في الجزء الديني الصرف بالمعنى الروحاني. في التوراة والأناجيل نجد اللامساواة نفسها، هذه اللامساواة تأسيسية في الأديان التوحيدية، لأن الأديان قائمة على شرعنة نظام، نظام بطريركي تحديداً.
+
لقد تحدثت مطولاً مؤخراً مع عالم الإسلاميات يوسف صديق حول آية «اضربوهنّ»، يمكننا أن نضع الأمور في سياقها، ويمكننا أن نجتهد ونجد قراءات مخففة، إلا أن الآية في النهاية تقول بالضرب، ولكن الأهم من ذلك أنها تتوجه إلى الرجال، المُخاطب هو رجل. لنفترض أن هناك آية تنص على «احترموهنّ» هي موجّهة للرجال، النص لا يتوجه إلى الإنسان على العموم، إلى الجنسين على السواء، إلا في الجزء الديني الصرف بالمعنى الروحاني. في التوراة والأناجيل نجد اللامساواة نفسها، هذه اللامساواة تأسيسية في الأديان التوحيدية، لأن الأديان قائمة على شرعنة نظام، [[نظام أبوي | نظام بطريركي]] تحديداً.
    
وحتى إن خرجنا من الأديان التوحيدية، على العموم الأديان هي شرعنة نظام بطريركي، طبعاً هناك أديان أكثر شدة في هذا من غيرها. إن دخلنا في مقارنة بحتة بين النصوص، نجد أن الأناجيل بمعزل عن أعمال الرسل لبولس، الكاره للنساء، هي أقل النصوص ذكورية. طبعاً فيما بعد جاء المنظرون ورجال الدين والقوانين الكنسية لتقوّي جميعها النظام البطريركي. ولكن النص كنص أقل ذكورية من باقي النصوص، ثم إن شخصية المجدلية مثيرة للاهتمام ضمن هذه المدونة الإنجيلية. ولكن في النهاية تبقى الصورة المهيمنة للمرأة هي صورة الأم.
 
وحتى إن خرجنا من الأديان التوحيدية، على العموم الأديان هي شرعنة نظام بطريركي، طبعاً هناك أديان أكثر شدة في هذا من غيرها. إن دخلنا في مقارنة بحتة بين النصوص، نجد أن الأناجيل بمعزل عن أعمال الرسل لبولس، الكاره للنساء، هي أقل النصوص ذكورية. طبعاً فيما بعد جاء المنظرون ورجال الدين والقوانين الكنسية لتقوّي جميعها النظام البطريركي. ولكن النص كنص أقل ذكورية من باقي النصوص، ثم إن شخصية المجدلية مثيرة للاهتمام ضمن هذه المدونة الإنجيلية. ولكن في النهاية تبقى الصورة المهيمنة للمرأة هي صورة الأم.
سطر 123: سطر 123:       −
'''''لماذا؟ ما هو الخاصّ عند العرب؟ هل هو العظمة الماضية بحد ذاتها التي تُسبب هذا النفي للتاريخ؟ أم الدين؟''''''  
+
'''لماذا؟ ما هو الخاصّ عند العرب؟ هل هو العظمة الماضية بحد ذاتها التي تُسبب هذا النفي للتاريخ؟ أم الدين؟'''
     
7٬893

تعديل

قائمة التصفح