سطر 23: |
سطر 23: |
| | | |
| يوم خميس - يعج شارع يافا في مدينة حيفا المحتلة عام 1948، بشباب وشابات فلسطينيين. وتتوزع على جانبيه مقاهٍ وحانات ذات أسماء عربيّة وعروض موسيقيّة وثقافيّة بعضها لفرق وعازفين فلسطينيين. ولو دققنا في المباني لاكتشفنا ملامحها العربيّة أيضًا. في أعقاب ترميمات شاملة قد يبدو شارع يافا للبعض كمشهد "يوتوبي"؛ حيّز مدني فلسطيني شبابي. أما البعض الآخر فقد يصفه بالنقيض؛ مشهد ديستوبي، مفصول عن ماضيه، يفرض مزاجًا واحدًا ووحيدًا من التصرف فيه. في كلا المشهدين، تعود أهمية البحث في مشهد شارع يافا "الجديد" لنتائج العلاقة الجدليّة بين تخطيط الحيّز وبين ممارساتنا وتصرفاتنا فيه، بالإضافة لتأثيراته على هويتنا وذاكرتنا الفلسطينيّة الجماعيّة والفرديّة. لفهم هذه العلاقة، سيتم تعقّب التغيرات في المكان وسيرورة المخططات. كما سأستعرض وأحلل أصوات ومواقف روّاد المكان، وأخيرا مناقشة شكل الجسد والأدائية الناجمة عنه. | | يوم خميس - يعج شارع يافا في مدينة حيفا المحتلة عام 1948، بشباب وشابات فلسطينيين. وتتوزع على جانبيه مقاهٍ وحانات ذات أسماء عربيّة وعروض موسيقيّة وثقافيّة بعضها لفرق وعازفين فلسطينيين. ولو دققنا في المباني لاكتشفنا ملامحها العربيّة أيضًا. في أعقاب ترميمات شاملة قد يبدو شارع يافا للبعض كمشهد "يوتوبي"؛ حيّز مدني فلسطيني شبابي. أما البعض الآخر فقد يصفه بالنقيض؛ مشهد ديستوبي، مفصول عن ماضيه، يفرض مزاجًا واحدًا ووحيدًا من التصرف فيه. في كلا المشهدين، تعود أهمية البحث في مشهد شارع يافا "الجديد" لنتائج العلاقة الجدليّة بين تخطيط الحيّز وبين ممارساتنا وتصرفاتنا فيه، بالإضافة لتأثيراته على هويتنا وذاكرتنا الفلسطينيّة الجماعيّة والفرديّة. لفهم هذه العلاقة، سيتم تعقّب التغيرات في المكان وسيرورة المخططات. كما سأستعرض وأحلل أصوات ومواقف روّاد المكان، وأخيرا مناقشة شكل الجسد والأدائية الناجمة عنه. |
− |
| |
| | | |
| تعود كلمة "يوتوبيا" إلى اليونانيّة ومعناها الحرفي "لا مكان"، وتعني تصور واقع مثاليّ يكون مشروطا بالخياليّة. في مجال التخطيط الهندسي، أطلقت كرستين بوير(1) وصف "اللامكانيّة" على الترميمات التي تقوم بها البلديات للحارات التاريخيّة فتجعلها متشابهة. تدّعي بوير أن الترميم، والذي يدّعي المحافظة على الطابع التاريخي للمكان، يهدف بالواقع الى خلق مكان بلا هوية وبلا تاريخ، سِمَتَهُ الخاصة تتلخص بكونه معدّا ليعزّز رحلة الاستهلاك، وإقصاء كل ما قد يعرقل هذا الهدف. هذه السمة تشكل جزءا أساسيًا في مشاريع تصميم المكان والتخطيط النيوليبرالي. فالنيوليبراليّة عامة تسعى إلى إنشاء سوق اقتصادي عالمي مبني على تقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي-الاجتماعي عبر خصخصة القطاعات الحكومية وإدخال ميكانيكيات السوق إلى كافة المجالات (بما في ذلك الخدمات العامة) وتقليص التقييدات القانونيّة والدستوريّة وجعلها أكثر مرونة للمبادرات الاقتصاديّة (2). كما ترتكز النيوليبراليّة على خطاب الحريات الفردانيّة(3). تتجسد هذه السياسة في مجال تخطيط المدن، في تحوّل البلديات وأقسامها من جسم مخطِّط الى جسم مُنسِّق، مفاوض ومسوِّق يعمل على جذب المستثمرين وشركات العقارات(4). هذه المعادلة الجديدة غيّرت، وبشكل جذري، هيئة وإيقاع وتجربة العديد من مدن العالم، وطرق "استهلاكها" واستيعابنا لها. تعتبر مشاريع "التجديد الحضري" على أشكالها من أبرز الظواهر النيوليبراليّة في تخطيط المدن، إذ تهدف علنا إلى تحسين أوضاع حارات "فقيرة" ذات ميزات خاصة (أي صفات قد تجعلها "جذابة" في السوق مثل الهندسة المعمارية للبنايات أو الموقع الجغرافي للحي) بواسطة شركات من القطاع الخاص، وذلك بهدف رفع أسعار العقارات فيها. إلا أن النتائج المباشِرة المضمرة، هي عملية الاستطباق (السراوة أو التطهير الطبقيGentrification) – تغيير الطابع السكاني للحي وذلك من خلال إدخال مشاريع ثقافيّة وترفيهيّة، تطوير البنية التحتيّة وجذب المستثمرين والسماسرة، مما يرفع أسعار العقارات وبالتالي يؤدي الى ترحيل سكانه المُهمَّشين(5). فبينما يُعرض التجديد الحضري كمشروع لا سياسي، تكنقراطي، فهو يوفّر في الواقع امتيازات للطبقة العليا على نحو بنيوي ويعمق الفجوة بين فئات المجتمع. أما عمليّة تهجير الطبقة الفقيرة فتحدث من خلال ممارسات قمع مختلفة، من رفع أسعار الإيجار وحتى تجريم أفرادها من أجل دفعهم إلى الخروج من "النظام الحضري" وذلك من خلال تكثيف المراقبة عليهم وتواجد الشرطة(6). | | تعود كلمة "يوتوبيا" إلى اليونانيّة ومعناها الحرفي "لا مكان"، وتعني تصور واقع مثاليّ يكون مشروطا بالخياليّة. في مجال التخطيط الهندسي، أطلقت كرستين بوير(1) وصف "اللامكانيّة" على الترميمات التي تقوم بها البلديات للحارات التاريخيّة فتجعلها متشابهة. تدّعي بوير أن الترميم، والذي يدّعي المحافظة على الطابع التاريخي للمكان، يهدف بالواقع الى خلق مكان بلا هوية وبلا تاريخ، سِمَتَهُ الخاصة تتلخص بكونه معدّا ليعزّز رحلة الاستهلاك، وإقصاء كل ما قد يعرقل هذا الهدف. هذه السمة تشكل جزءا أساسيًا في مشاريع تصميم المكان والتخطيط النيوليبرالي. فالنيوليبراليّة عامة تسعى إلى إنشاء سوق اقتصادي عالمي مبني على تقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي-الاجتماعي عبر خصخصة القطاعات الحكومية وإدخال ميكانيكيات السوق إلى كافة المجالات (بما في ذلك الخدمات العامة) وتقليص التقييدات القانونيّة والدستوريّة وجعلها أكثر مرونة للمبادرات الاقتصاديّة (2). كما ترتكز النيوليبراليّة على خطاب الحريات الفردانيّة(3). تتجسد هذه السياسة في مجال تخطيط المدن، في تحوّل البلديات وأقسامها من جسم مخطِّط الى جسم مُنسِّق، مفاوض ومسوِّق يعمل على جذب المستثمرين وشركات العقارات(4). هذه المعادلة الجديدة غيّرت، وبشكل جذري، هيئة وإيقاع وتجربة العديد من مدن العالم، وطرق "استهلاكها" واستيعابنا لها. تعتبر مشاريع "التجديد الحضري" على أشكالها من أبرز الظواهر النيوليبراليّة في تخطيط المدن، إذ تهدف علنا إلى تحسين أوضاع حارات "فقيرة" ذات ميزات خاصة (أي صفات قد تجعلها "جذابة" في السوق مثل الهندسة المعمارية للبنايات أو الموقع الجغرافي للحي) بواسطة شركات من القطاع الخاص، وذلك بهدف رفع أسعار العقارات فيها. إلا أن النتائج المباشِرة المضمرة، هي عملية الاستطباق (السراوة أو التطهير الطبقيGentrification) – تغيير الطابع السكاني للحي وذلك من خلال إدخال مشاريع ثقافيّة وترفيهيّة، تطوير البنية التحتيّة وجذب المستثمرين والسماسرة، مما يرفع أسعار العقارات وبالتالي يؤدي الى ترحيل سكانه المُهمَّشين(5). فبينما يُعرض التجديد الحضري كمشروع لا سياسي، تكنقراطي، فهو يوفّر في الواقع امتيازات للطبقة العليا على نحو بنيوي ويعمق الفجوة بين فئات المجتمع. أما عمليّة تهجير الطبقة الفقيرة فتحدث من خلال ممارسات قمع مختلفة، من رفع أسعار الإيجار وحتى تجريم أفرادها من أجل دفعهم إلى الخروج من "النظام الحضري" وذلك من خلال تكثيف المراقبة عليهم وتواجد الشرطة(6). |
− |
| |
| | | |
| رغم اقتران عمليّة ترميم شارع يافا مع ميزات "التجديد الحضري" النيوليبرالي كما سيتضح في الفقرات التالية، إلا أنها تتعدّى ذلك، حيث تهدف إلى محو المعالم الفلسطينيّة للمكان. وهنا لا بد من طرح سؤال حول هوية المكان الجديد وكيفية تأثيره على رواده: هل شارع يافا "الجديد" مكان ذو هوية عربية؟ هل تبقى بناياته العربيّة التاريخيّة المرممة بمعزل عن سياقها فلسطينيّة؟ ماذا تعني الهوية بمفهوم الممارسة في هذا المكان؟ وما هي حدوده؟ هل المكان العام "عربي" على الرغم من، أم بواسطة السياسات الإسرائيلية؟ ولعل السؤال الأهم لا بدّ أن ينعكس بالأنقاض التي بني عليها هذا المشهد الجديد، فماذا حل بسكانها؟ وكيف يؤثّر ذلك على روادها في الحاضر؟ | | رغم اقتران عمليّة ترميم شارع يافا مع ميزات "التجديد الحضري" النيوليبرالي كما سيتضح في الفقرات التالية، إلا أنها تتعدّى ذلك، حيث تهدف إلى محو المعالم الفلسطينيّة للمكان. وهنا لا بد من طرح سؤال حول هوية المكان الجديد وكيفية تأثيره على رواده: هل شارع يافا "الجديد" مكان ذو هوية عربية؟ هل تبقى بناياته العربيّة التاريخيّة المرممة بمعزل عن سياقها فلسطينيّة؟ ماذا تعني الهوية بمفهوم الممارسة في هذا المكان؟ وما هي حدوده؟ هل المكان العام "عربي" على الرغم من، أم بواسطة السياسات الإسرائيلية؟ ولعل السؤال الأهم لا بدّ أن ينعكس بالأنقاض التي بني عليها هذا المشهد الجديد، فماذا حل بسكانها؟ وكيف يؤثّر ذلك على روادها في الحاضر؟ |
| | | |
| | | |
− | =='''شارع يافا، مدينة حيفا'''==
| + | '''شارع يافا، مدينة حيفا''' |
| | | |
| بينما تسوّق بلدية حيفا اليوم منطقة شارع يافا على أنها "البلدة التحتى" الترفيهيّة، تحت الاسم الدعائي "مساحة 21" فلا بد من عرض السياق التاريخي للمكان، وذلك بهدف كسر محدوديّة تصنيفه كمشروع تجديد حضري نيوليبرالي آخر، ولمتابعة زمانيته الطبيعية وما فرض على مجراها من تغيرات تحت سيطرة الاستعمار الاستيطاني. | | بينما تسوّق بلدية حيفا اليوم منطقة شارع يافا على أنها "البلدة التحتى" الترفيهيّة، تحت الاسم الدعائي "مساحة 21" فلا بد من عرض السياق التاريخي للمكان، وذلك بهدف كسر محدوديّة تصنيفه كمشروع تجديد حضري نيوليبرالي آخر، ولمتابعة زمانيته الطبيعية وما فرض على مجراها من تغيرات تحت سيطرة الاستعمار الاستيطاني. |
− |
| |
| | | |
| بنيت منطقة شارع يافا بعد منتصف القرن التاسع عشر مع بدايات الانطلاق من أسوار حيفا الجديدة - حيفا التي أسسها ظاهر العمر. وذلك بعدما ضاقت بأهل حيفا وبعدما سمحت الامبراطورية العثمانية بالسكن خارج أسوارها(7). بُني الحي من ساحة الخمرة أو ساحة الحناطير باتجاه مدينة يافا – أي غرب جنوب "حيفا الجديدة". منذ بداياته احتوى شارع يافا على أماكن تجاريّة وسكنيّة لعائلات حيفاوية. وتعاظم دوره الاقتصادي مع بناء السكة الحديديّة عام 1905 بالقرب منه، ومن ثمّ، بناء ميناء حيفا من خلال تجفيف الشاطئ الجنوبي لشارع يافا – شارع الملوك عام 1933. خلال النكبة تم تهجير سكّان شارع يافا مع غالبية سكّان المدينة العرب، حيث بقي في حيفا 3500 نسمة من أصل الــ 75000 فلسطيني الذين عاشوا في المدينة. وفي السنوات التي تلت النكبة، وخلال فترة الحكم العسكري، تم هدم معظم حيفا العربية. أما اليوم فيسكن غالبية العرب في حيفا في أحياء وادي النسناس وعباس والحليصة والبلدة التحتى التي تعاني جميعها من إهمال البلدية ومن اكتظاظ سكاني ومن سياسات استعمارية متجذرة في كافة نواحي الحياة: الاقتصاديّة، التربويّة وغيرها[1]. | | بنيت منطقة شارع يافا بعد منتصف القرن التاسع عشر مع بدايات الانطلاق من أسوار حيفا الجديدة - حيفا التي أسسها ظاهر العمر. وذلك بعدما ضاقت بأهل حيفا وبعدما سمحت الامبراطورية العثمانية بالسكن خارج أسوارها(7). بُني الحي من ساحة الخمرة أو ساحة الحناطير باتجاه مدينة يافا – أي غرب جنوب "حيفا الجديدة". منذ بداياته احتوى شارع يافا على أماكن تجاريّة وسكنيّة لعائلات حيفاوية. وتعاظم دوره الاقتصادي مع بناء السكة الحديديّة عام 1905 بالقرب منه، ومن ثمّ، بناء ميناء حيفا من خلال تجفيف الشاطئ الجنوبي لشارع يافا – شارع الملوك عام 1933. خلال النكبة تم تهجير سكّان شارع يافا مع غالبية سكّان المدينة العرب، حيث بقي في حيفا 3500 نسمة من أصل الــ 75000 فلسطيني الذين عاشوا في المدينة. وفي السنوات التي تلت النكبة، وخلال فترة الحكم العسكري، تم هدم معظم حيفا العربية. أما اليوم فيسكن غالبية العرب في حيفا في أحياء وادي النسناس وعباس والحليصة والبلدة التحتى التي تعاني جميعها من إهمال البلدية ومن اكتظاظ سكاني ومن سياسات استعمارية متجذرة في كافة نواحي الحياة: الاقتصاديّة، التربويّة وغيرها[1]. |
− |
| |
| | | |
| يعتبر شارع يافا من المناطق القليلة المتبقية بعد النكبة من حيفا العربية. وقد استمر يشكل مكانا تجاريا-سكانيا أساسيا حتى سنوات السبعينات، عندما أنشأت بلدية حيفا مراكز تجاريّة بديلة على أطراف المدينة، الأمر الذي أدى إلى تدهور تدريجي في مكانته الاقتصاديّة على مرّ السنين. ووفق إحصائيات عام 2007 فقد بلغ تعداد سكان "البلدة التحتى" ما يقارب 11،500 نسمة، أكثر من 70% منهم فلسطينيون، أي ما يقارب 28٪ من سكان حيفا العرب. وفي "غرب البلدة التحتى" والتي تحدّ شارع الألمانيّة وتمتدّ حتى وادي الصليب، أي منطقة شارع يافا، بلغ تعداد السكان ما يقارب 3000 نسمة، 63% منهم عرب. وتجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات تشير أيضا إلى كون سكان الحي من أفقر الفئات في حيفا وأقلّها تحصيلا علميا وأصغرها عمرا. | | يعتبر شارع يافا من المناطق القليلة المتبقية بعد النكبة من حيفا العربية. وقد استمر يشكل مكانا تجاريا-سكانيا أساسيا حتى سنوات السبعينات، عندما أنشأت بلدية حيفا مراكز تجاريّة بديلة على أطراف المدينة، الأمر الذي أدى إلى تدهور تدريجي في مكانته الاقتصاديّة على مرّ السنين. ووفق إحصائيات عام 2007 فقد بلغ تعداد سكان "البلدة التحتى" ما يقارب 11،500 نسمة، أكثر من 70% منهم فلسطينيون، أي ما يقارب 28٪ من سكان حيفا العرب. وفي "غرب البلدة التحتى" والتي تحدّ شارع الألمانيّة وتمتدّ حتى وادي الصليب، أي منطقة شارع يافا، بلغ تعداد السكان ما يقارب 3000 نسمة، 63% منهم عرب. وتجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات تشير أيضا إلى كون سكان الحي من أفقر الفئات في حيفا وأقلّها تحصيلا علميا وأصغرها عمرا. |
− |
| |
| | | |
| اشتكى سكان الحي على مر السنين وخاصة مع بداية تنفيذ مخطط التجديد الحضري من إهمال البلدية المزمن للمكان وعدم توفيرها للخدمات الأساسية للعائلات المقيمة فيه، مما ساهم في تحويله إلى منطقة تدرج على أنها "عنيفة" و"خطرة". الأنكى من الإهمال، هو تصوير البلديّة في سردها لسيرورة "الترميمات" التي تخطط القيام بها في شارع يافا على أنه حيز غير مأهول. | | اشتكى سكان الحي على مر السنين وخاصة مع بداية تنفيذ مخطط التجديد الحضري من إهمال البلدية المزمن للمكان وعدم توفيرها للخدمات الأساسية للعائلات المقيمة فيه، مما ساهم في تحويله إلى منطقة تدرج على أنها "عنيفة" و"خطرة". الأنكى من الإهمال، هو تصوير البلديّة في سردها لسيرورة "الترميمات" التي تخطط القيام بها في شارع يافا على أنه حيز غير مأهول. |
| | | |
| بدأ مشروع "الترميمات" بنداء أطلقته بلديّة حيفا لفنانين لافتتاح صالات معارض في منطقة شارع يافا، مانحة إياهم تخفيضات وتسهيلات استثنائيّة، إضافة إلى استثمار 25 مليون شيكل في ترميم البنية التحتيّة. وقد أبرزت هذه "اللفتة" من قبل البلديّة الفجوة الشاسعة بين الخدمات والتسهيلات والتخفيضات التي تمنحها "للفنانين" مقابل الإهمال تجاه سكان الحي. وبهذا عكست توعية السكان المرغوب فيهم من ناحية وغير المرغوب فيهم من الناحية الأخرى. | | بدأ مشروع "الترميمات" بنداء أطلقته بلديّة حيفا لفنانين لافتتاح صالات معارض في منطقة شارع يافا، مانحة إياهم تخفيضات وتسهيلات استثنائيّة، إضافة إلى استثمار 25 مليون شيكل في ترميم البنية التحتيّة. وقد أبرزت هذه "اللفتة" من قبل البلديّة الفجوة الشاسعة بين الخدمات والتسهيلات والتخفيضات التي تمنحها "للفنانين" مقابل الإهمال تجاه سكان الحي. وبهذا عكست توعية السكان المرغوب فيهم من ناحية وغير المرغوب فيهم من الناحية الأخرى. |
− |
| |
| | | |
| تعدّ "المشاريع الفنيّة" خطوة كلاسيكيّة في مشاريع "التجديد الحضري النيوليبرالي" عالميًا ومحليًا. من خلالها تطرح البلديّة الصورة التي تطمح لتسويقها للشركات العقاريّة: حي ّتقطنه مجموعة سكانية "متحضرة" و"جذابة" اقتصاديًا، إضافة الى الأموال التي ستستثمرها لترميم البنية التحتيّة. وحول الأهداف الربحيّة من المشروع قال مركّز مشروع "البلدة التحتى" في البلديّة: "(الهدف) أن تصبح أسعار البيوت في حارات "البلدة التحتى" أعلى بـ15% من البيوت في باقي أنحاء المدينة، حتى من تلك التي في الحارات الغنيّة كالكرمل، وهذا سيحدث"[2]. وقد تزامن الارتفاع في أسعار العقارات[3] مع بداية عمل الشركات العقارية، وخاصة مع افتتاح حرم جامعي في المنطقة وإقامة مساكن للطلبة. أما من حيث السكان، فتتضمن رؤية الشركة العقارية الإسرائيلية "يوسف وأخويه" والتي قامت بترميم عدد من البنايات في منطقة شارع يافا، مجموعة سكانيّة شابة، تسعى للعيش وفق "المسار السريع" التي توفره المدينة الكبيرة، في جو "أصيل ومميّز". ووفق إحصائيات البلدية، فالتغيير في المجموعة القاطنة في الحي يحدث سريعًا وخاصة في المناطق التي استٌهل التجديد الحضري فيها.[4] | | تعدّ "المشاريع الفنيّة" خطوة كلاسيكيّة في مشاريع "التجديد الحضري النيوليبرالي" عالميًا ومحليًا. من خلالها تطرح البلديّة الصورة التي تطمح لتسويقها للشركات العقاريّة: حي ّتقطنه مجموعة سكانية "متحضرة" و"جذابة" اقتصاديًا، إضافة الى الأموال التي ستستثمرها لترميم البنية التحتيّة. وحول الأهداف الربحيّة من المشروع قال مركّز مشروع "البلدة التحتى" في البلديّة: "(الهدف) أن تصبح أسعار البيوت في حارات "البلدة التحتى" أعلى بـ15% من البيوت في باقي أنحاء المدينة، حتى من تلك التي في الحارات الغنيّة كالكرمل، وهذا سيحدث"[2]. وقد تزامن الارتفاع في أسعار العقارات[3] مع بداية عمل الشركات العقارية، وخاصة مع افتتاح حرم جامعي في المنطقة وإقامة مساكن للطلبة. أما من حيث السكان، فتتضمن رؤية الشركة العقارية الإسرائيلية "يوسف وأخويه" والتي قامت بترميم عدد من البنايات في منطقة شارع يافا، مجموعة سكانيّة شابة، تسعى للعيش وفق "المسار السريع" التي توفره المدينة الكبيرة، في جو "أصيل ومميّز". ووفق إحصائيات البلدية، فالتغيير في المجموعة القاطنة في الحي يحدث سريعًا وخاصة في المناطق التي استٌهل التجديد الحضري فيها.[4] |
− |
| |
− |
| |
| =='''الحيّز الجديد: بعيد عن اليوتوبيا والديستوبيا'''== | | =='''الحيّز الجديد: بعيد عن اليوتوبيا والديستوبيا'''== |
| | | |
| "بحس بالانتماء داخل الأماكن اللي بحبها، ولكن ليس في المكان عامة، أي بالشارع (يافا)... فجأة صارت (المنطقة) سوبر (كثير) حلوة وسوبر أوروبية وسوبر تجذب. فالإحساس إنني رايحة مشوار لغاد ومش في بلدي" (من حوار مع شابة فلسطينيّة حيفاويّة). | | "بحس بالانتماء داخل الأماكن اللي بحبها، ولكن ليس في المكان عامة، أي بالشارع (يافا)... فجأة صارت (المنطقة) سوبر (كثير) حلوة وسوبر أوروبية وسوبر تجذب. فالإحساس إنني رايحة مشوار لغاد ومش في بلدي" (من حوار مع شابة فلسطينيّة حيفاويّة). |
− |
| |
| | | |
| من شأن التجديد الحضري إنتاج تغيير شامل للمكان من خلال تشكيل قاعدة قانونية وبنية تحتية للمشاريع. فمنطقة شارع يافا تحتوي اليوم على عشرات المقاهي والبارات والحوانيت والأماكن الثقافية الجديدة والتي يعود عدد لا بأس منها الى أصحاب عرب تعتمد بالأساس على جمهور عربي. في مقابلات أجريتها مع رواد فلسطينيين حول شعورهم في المكان، وصفوه على أنه حيّز يشعرون فيه بالأمان، نظيف ويقدم العديد من البرامج الترفيهيّة وذلك خلافًا لما كان عليه سابقًا. أما بالنسبة لهويته، فوصفته إحدى الشابات على أنه كـ"أوروبا" كـ"خارج البلاد"، وادعى شاب آخر أن المنطقة تحولت إلى "بلدة تحتى" أخرى وحارة "عالميّة"، أسوة بمدن عديدة في العالم. الى جانب "العالميّة"، عبرا عن اختفاء الهوية العربيّة للمكان: "اللغة العربيّة محصورة باستخدامها التقني وليس بهوية المكان - المكان خسر هويته الأصلانيّة وتحول الى منتزه آخر". ما وصفه الرواد، يذكّر ب"اللا – مكانيّة" بتعبير بوير. هذا بينما في مواطن أخرى من الحوار، تعلو محدودية المشهد الا- مكاني بكونه هش ومتوتر. ويظهر ذلك جليّا في نقاشات دارت في المواقع الاجتماعيّة الالكترونيّة وفي كتابات صحفية حول مشاركة رواد الحيّز الفلسطينيين والأماكن التجاريّة العربية في مشاريع البلديّة كمهرجان الطعام (العربي) - مهرجان الشام[5]. فقد خصصت البلديّة في السنتين الأخيرتين، بضعة أسابيع، ضمن مهرجان "عيد الأعياد"، تستقبل فيها الأماكن التجارية في "البلدة التحتى" طهاة ومحاضرات وفعاليات حول "المطبخ العربي - الشامي". من أبرز الشخصيات المشاركة في المهرجان عام 2016، كانت الطاهية العربية نوف عثامنة، والتي شاركت وفازت في البرنامج التلفزيوني الإسرائيلي "ماستر شيف". في مقابلة أجرتها معها جريدة إسرائيلية تقول عثامنة: "لقد شهدنا السنة رقمًا قياسيًا في التعاون العربي - اليهودي في مجال الطبخ، على الرغم من الوضع الأمني الراهن... وظيفتنا كطهاة أن نظهر أنه بوسعنا أن نعيش على نحو آخر. يمكننا أن نستعمل السكاكين من أجل تحقيق المتعة وصنع الذكريات الإيجابية". [6] تصريحات عثامنة تكشف عن السياسة غير المعلنة لتصميم "شارع يافا الجديد" والنظيف، فهو مكان دون سياق سياسي، العربي فيه مسلوخ عن مجتمعه ويسعى لخلق "الذكريات الايجابية" مع المحتل. مثال آخر يكشف عن محدوديّة المشهد "اللّا مكاني" النقاش الذي أثير حول مقالة نشرت في جريدة "النيويورك تايمز" تحت عنوان "في مدينة إسرائيلية: تزدهر ثقافة عربية ليبرالية"،[7] تصف فيها بعض مقاهي وبارات حيفا (من ضمنها أماكن في منطقة شارع يافا) بنبرة استغراب - كون الرواد "الكول" هم فلسطينيون يستمتعون في بيئة "علمانيّة، [[نسوية|نسويّة]] وودية [[مثلية جنسية|للمثليين]]". في رد على هذه المقالة[8] نشر في جريدة "السفير"، تشير الصحفيّة إلى تغييب السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في حيفا وما يعانيه السكان الفلسطينيون في المدينة. كما وتنتقد التنميط الذي اعتاد عليه الغرب وتغييب التحديات التي تواجهها الحياة الثقافيّة العربية في حيفا، الأمر الذي يجعلها قائمة "بالرغم" من السياسات الإسرائيليّة وليس "بواسطتها"، حيث وصف أحد أصحاب الأماكن في شارع يافا كتمثيل لــ"ثقافة مقاومة". | | من شأن التجديد الحضري إنتاج تغيير شامل للمكان من خلال تشكيل قاعدة قانونية وبنية تحتية للمشاريع. فمنطقة شارع يافا تحتوي اليوم على عشرات المقاهي والبارات والحوانيت والأماكن الثقافية الجديدة والتي يعود عدد لا بأس منها الى أصحاب عرب تعتمد بالأساس على جمهور عربي. في مقابلات أجريتها مع رواد فلسطينيين حول شعورهم في المكان، وصفوه على أنه حيّز يشعرون فيه بالأمان، نظيف ويقدم العديد من البرامج الترفيهيّة وذلك خلافًا لما كان عليه سابقًا. أما بالنسبة لهويته، فوصفته إحدى الشابات على أنه كـ"أوروبا" كـ"خارج البلاد"، وادعى شاب آخر أن المنطقة تحولت إلى "بلدة تحتى" أخرى وحارة "عالميّة"، أسوة بمدن عديدة في العالم. الى جانب "العالميّة"، عبرا عن اختفاء الهوية العربيّة للمكان: "اللغة العربيّة محصورة باستخدامها التقني وليس بهوية المكان - المكان خسر هويته الأصلانيّة وتحول الى منتزه آخر". ما وصفه الرواد، يذكّر ب"اللا – مكانيّة" بتعبير بوير. هذا بينما في مواطن أخرى من الحوار، تعلو محدودية المشهد الا- مكاني بكونه هش ومتوتر. ويظهر ذلك جليّا في نقاشات دارت في المواقع الاجتماعيّة الالكترونيّة وفي كتابات صحفية حول مشاركة رواد الحيّز الفلسطينيين والأماكن التجاريّة العربية في مشاريع البلديّة كمهرجان الطعام (العربي) - مهرجان الشام[5]. فقد خصصت البلديّة في السنتين الأخيرتين، بضعة أسابيع، ضمن مهرجان "عيد الأعياد"، تستقبل فيها الأماكن التجارية في "البلدة التحتى" طهاة ومحاضرات وفعاليات حول "المطبخ العربي - الشامي". من أبرز الشخصيات المشاركة في المهرجان عام 2016، كانت الطاهية العربية نوف عثامنة، والتي شاركت وفازت في البرنامج التلفزيوني الإسرائيلي "ماستر شيف". في مقابلة أجرتها معها جريدة إسرائيلية تقول عثامنة: "لقد شهدنا السنة رقمًا قياسيًا في التعاون العربي - اليهودي في مجال الطبخ، على الرغم من الوضع الأمني الراهن... وظيفتنا كطهاة أن نظهر أنه بوسعنا أن نعيش على نحو آخر. يمكننا أن نستعمل السكاكين من أجل تحقيق المتعة وصنع الذكريات الإيجابية". [6] تصريحات عثامنة تكشف عن السياسة غير المعلنة لتصميم "شارع يافا الجديد" والنظيف، فهو مكان دون سياق سياسي، العربي فيه مسلوخ عن مجتمعه ويسعى لخلق "الذكريات الايجابية" مع المحتل. مثال آخر يكشف عن محدوديّة المشهد "اللّا مكاني" النقاش الذي أثير حول مقالة نشرت في جريدة "النيويورك تايمز" تحت عنوان "في مدينة إسرائيلية: تزدهر ثقافة عربية ليبرالية"،[7] تصف فيها بعض مقاهي وبارات حيفا (من ضمنها أماكن في منطقة شارع يافا) بنبرة استغراب - كون الرواد "الكول" هم فلسطينيون يستمتعون في بيئة "علمانيّة، [[نسوية|نسويّة]] وودية [[مثلية جنسية|للمثليين]]". في رد على هذه المقالة[8] نشر في جريدة "السفير"، تشير الصحفيّة إلى تغييب السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في حيفا وما يعانيه السكان الفلسطينيون في المدينة. كما وتنتقد التنميط الذي اعتاد عليه الغرب وتغييب التحديات التي تواجهها الحياة الثقافيّة العربية في حيفا، الأمر الذي يجعلها قائمة "بالرغم" من السياسات الإسرائيليّة وليس "بواسطتها"، حيث وصف أحد أصحاب الأماكن في شارع يافا كتمثيل لــ"ثقافة مقاومة". |
− |
| |
| | | |
| ولكن إذا تخلينا عن الحدود الزمنيّة والجغرافيّة التي كونها التجديد الحضري، ونظرنا إلى شارع يافا بواقعه – بعيدا عن خيالية ومثاليّة اليوتوبيا والدستوبيا - فماذا يعني التجديد الحضري للرواد؟ ماذا بعد المشهد "السوبر جميل" و"النظيف"؟ وهل يمكن الحديث عن "مقاومة" دون مناقشة معنى المكان المبني على أسس ومعايير نيوليبرالية؟ | | ولكن إذا تخلينا عن الحدود الزمنيّة والجغرافيّة التي كونها التجديد الحضري، ونظرنا إلى شارع يافا بواقعه – بعيدا عن خيالية ومثاليّة اليوتوبيا والدستوبيا - فماذا يعني التجديد الحضري للرواد؟ ماذا بعد المشهد "السوبر جميل" و"النظيف"؟ وهل يمكن الحديث عن "مقاومة" دون مناقشة معنى المكان المبني على أسس ومعايير نيوليبرالية؟ |
− |
| |
| | | |
| في المقابلات التي أجريتها، تم، بين الحين والآخر لمس الحدود الهشة للمشهد المسوّق في شارع يافا، حيث قالت واحدة من الزائرات– أن مثل هذه المشاريع (التجديد الحضري) تظهر لها كـ"طرق إسكات": "هينا معطينكم تصاريح تفتحوا محلات وتعملوا مهرجانات"، أي انها تجد أن إعطاء البلدية تصاريح لافتتاح أماكن تجاريّة عربيّة مشروطة بدفع ثمن – الخمول السياسي. "الإسكات" ودفع الثمن، ليس محصورا على أصحاب المحلات، بل أيضا تشعر به هي كزائرة، حيث تقول: "شعوري عند المرور في المكان مركب من عاملين: الأول هناك كل القصص المربوطة بالمكان، وأتذكرها منذ كنت طفلة... أما من ناحية ثانية يمكن -اتجاهل التاريخ شوي صعبة - بس باللحظة الي بقدر أفصل فيها وأمشي كصبية، بدها تعيش اللحظة، بتمتع من الترميمات اللي صارت ومن الجو الشبابي الي انخلق. بس بكون عارفة إني عم بنبسط ولكن عم بتجاهل وجع كثير كبير". ما تصفه الزائرة هو فرض نوعيّة التجربة والذاكرة والشعور والتصرّف في المكان الجديد والمنوط بالفصل ما بين حاضر المكان وتاريخه، لكونهما متناقضين وغير متواصلين. هذا الفصل الذي تعيشه الزائرة يمثّل الفصل المفروض ما بين ماضي المكان وحاضره والذي يمثّل لب الفكر الصهيوني فيما يخص محو التاريخ الفلسطيني وخلق مرجعيّة جديدة قائمة على الحاضر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني. فتصميم المكان في الحاضر عبارة عن مكان عام شبابي وحضري من الممكن الاستمتاع به مقابل تلبية شرط فصل المكان عن ماهيته الفلسطينية وتقبّله وفق مخطط البلديّة. إلّا أنّ الزائرة تنوه إلى كون هذا الفصل مجدول بـ"وجع" كبير. أما حول مقاومة المشروع، فقد قال زائر آخر: "مشروع البلديّة أكبر من بعض النشطاء، مستحيل إفشاله، كما ولا تلتقي مصالح الفئات الفقيرة في الحي مع اهتمامات المجموعات السياسية (الفلسطينيّة)." وحول الأماكن العربيّة قال: "رغم اختلاف نوعيّة الأماكن ومواقفها السياسيّة، جميعها تشارك بمشاريع البلديّة لأنها لا تملك أيّة امكانيّة أخرى". هذا الإدعاء والذي يصف علاقات القوة في المكان، يموضع المشاريع الثقافية والمجموعات السياسية الفلسطينية في المدينة ضمن معادلة التجديد الحضري، مؤشرا على خمولها أو حتى غيابها في التأثير على عمليات تصميم المكان. | | في المقابلات التي أجريتها، تم، بين الحين والآخر لمس الحدود الهشة للمشهد المسوّق في شارع يافا، حيث قالت واحدة من الزائرات– أن مثل هذه المشاريع (التجديد الحضري) تظهر لها كـ"طرق إسكات": "هينا معطينكم تصاريح تفتحوا محلات وتعملوا مهرجانات"، أي انها تجد أن إعطاء البلدية تصاريح لافتتاح أماكن تجاريّة عربيّة مشروطة بدفع ثمن – الخمول السياسي. "الإسكات" ودفع الثمن، ليس محصورا على أصحاب المحلات، بل أيضا تشعر به هي كزائرة، حيث تقول: "شعوري عند المرور في المكان مركب من عاملين: الأول هناك كل القصص المربوطة بالمكان، وأتذكرها منذ كنت طفلة... أما من ناحية ثانية يمكن -اتجاهل التاريخ شوي صعبة - بس باللحظة الي بقدر أفصل فيها وأمشي كصبية، بدها تعيش اللحظة، بتمتع من الترميمات اللي صارت ومن الجو الشبابي الي انخلق. بس بكون عارفة إني عم بنبسط ولكن عم بتجاهل وجع كثير كبير". ما تصفه الزائرة هو فرض نوعيّة التجربة والذاكرة والشعور والتصرّف في المكان الجديد والمنوط بالفصل ما بين حاضر المكان وتاريخه، لكونهما متناقضين وغير متواصلين. هذا الفصل الذي تعيشه الزائرة يمثّل الفصل المفروض ما بين ماضي المكان وحاضره والذي يمثّل لب الفكر الصهيوني فيما يخص محو التاريخ الفلسطيني وخلق مرجعيّة جديدة قائمة على الحاضر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني. فتصميم المكان في الحاضر عبارة عن مكان عام شبابي وحضري من الممكن الاستمتاع به مقابل تلبية شرط فصل المكان عن ماهيته الفلسطينية وتقبّله وفق مخطط البلديّة. إلّا أنّ الزائرة تنوه إلى كون هذا الفصل مجدول بـ"وجع" كبير. أما حول مقاومة المشروع، فقد قال زائر آخر: "مشروع البلديّة أكبر من بعض النشطاء، مستحيل إفشاله، كما ولا تلتقي مصالح الفئات الفقيرة في الحي مع اهتمامات المجموعات السياسية (الفلسطينيّة)." وحول الأماكن العربيّة قال: "رغم اختلاف نوعيّة الأماكن ومواقفها السياسيّة، جميعها تشارك بمشاريع البلديّة لأنها لا تملك أيّة امكانيّة أخرى". هذا الإدعاء والذي يصف علاقات القوة في المكان، يموضع المشاريع الثقافية والمجموعات السياسية الفلسطينية في المدينة ضمن معادلة التجديد الحضري، مؤشرا على خمولها أو حتى غيابها في التأثير على عمليات تصميم المكان. |
− |
| |
| | | |
| الشظايا المتبقية من شارع يافا "القديم" تشي أولا بالعنف المجدول في "يوتيوبيّة" المكان. فبعد العنف المباشر لأهالي الحي من خلال عمليّة الاستطباق، توفّر البلديّة حيّزا عاما وحضريا يرحب بالشباب العرب، إلّا أنّه مصمّم وفق الأهداف النيوليبراليّة ويرتكز على الأيديولوجية الصهيونية. فالحيّز الجديد مشروط بتلبية حاجاته – أن يكون رواده مستهلكين جيدين، وأن تبقى الهوية سطحيّة وفرديّة تُمارس فقط في السياق الاستهلاكي. وأن يتمّ الفصل بين ماضيه الفلسطيني ومعانيه في الحاضر الجديد "الإسرائيلي". كما ويتم إعادة تعريف "العربي" المسموح والمشرّع به في الحيّز "المتحضر" من أشخاص وثقافة، ويتحول "العربي" من كونه لبّ هوية المكان إلى صفة تٌستخدم لإنجاح المشروع الاستهلاكي المسمى بـ"البلدة التحتى". هذه من ناحية ومن ناحية أخرى، فرغم "إعجابهم" بالمكان، يعبرّ رواده عن شعورهم بالاغتراب فيه. كما تصبّ محدودية الممارسات في إطار الـ"وجع" وضمن "المستحيل" والمشاعر التي "نرغب بنسيانها" حسب تعبير الرواد. أما قدرة الرواد أو الزبائن على التأثير على الحيّز فتصبح مصطنعة. إذ كيف يحدث تغيير أو "مقاومة ثقافية" في إطار وعي مبني على "النسيان" وممارسة محدودة بالاستهلاك وهوية مشروطة بالفردانيّة؟ | | الشظايا المتبقية من شارع يافا "القديم" تشي أولا بالعنف المجدول في "يوتيوبيّة" المكان. فبعد العنف المباشر لأهالي الحي من خلال عمليّة الاستطباق، توفّر البلديّة حيّزا عاما وحضريا يرحب بالشباب العرب، إلّا أنّه مصمّم وفق الأهداف النيوليبراليّة ويرتكز على الأيديولوجية الصهيونية. فالحيّز الجديد مشروط بتلبية حاجاته – أن يكون رواده مستهلكين جيدين، وأن تبقى الهوية سطحيّة وفرديّة تُمارس فقط في السياق الاستهلاكي. وأن يتمّ الفصل بين ماضيه الفلسطيني ومعانيه في الحاضر الجديد "الإسرائيلي". كما ويتم إعادة تعريف "العربي" المسموح والمشرّع به في الحيّز "المتحضر" من أشخاص وثقافة، ويتحول "العربي" من كونه لبّ هوية المكان إلى صفة تٌستخدم لإنجاح المشروع الاستهلاكي المسمى بـ"البلدة التحتى". هذه من ناحية ومن ناحية أخرى، فرغم "إعجابهم" بالمكان، يعبرّ رواده عن شعورهم بالاغتراب فيه. كما تصبّ محدودية الممارسات في إطار الـ"وجع" وضمن "المستحيل" والمشاعر التي "نرغب بنسيانها" حسب تعبير الرواد. أما قدرة الرواد أو الزبائن على التأثير على الحيّز فتصبح مصطنعة. إذ كيف يحدث تغيير أو "مقاومة ثقافية" في إطار وعي مبني على "النسيان" وممارسة محدودة بالاستهلاك وهوية مشروطة بالفردانيّة؟ |
− |
| |
− |
| |
| =='''كيف نمارس المكان الجديد'''== | | =='''كيف نمارس المكان الجديد'''== |
| | | |
سطر 72: |
سطر 58: |
| | | |
| | | |
− | =='''الواقع الآخر'''==
| + | '''الواقع الآخر''' |
| | | |
| "أنتم هنا تأتون في الليل للترفيه، ولكنكم لا تسكنون هنا" (أحد سكان الحي). | | "أنتم هنا تأتون في الليل للترفيه، ولكنكم لا تسكنون هنا" (أحد سكان الحي). |
سطر 79: |
سطر 65: |
| | | |
| | | |
− | =='''هوامش'''==
| + | '''هوامش''' |
| | | |
− | [1] [http://alqudslana.com/index.php?action=article&id=5646 للمزيد من المعلومات حول وضع التخطيط الهندسي في الأحياء العربية في حيفا] | + | [1] [http://alqudslana.com/index.php?action=article&id=5646 للمزيد من المعلومات حول وضع التخطيط الهندسي في الأحياء العربية في حيفا] |
| | | |
| [2] [http://www.jadaliyya.com/goo.gl/GKumrh من موقع كالكاليست: 22.5.13] | | [2] [http://www.jadaliyya.com/goo.gl/GKumrh من موقع كالكاليست: 22.5.13] |
سطر 97: |
سطر 83: |
| [8] [http://assafir.com/article/465612 مقالة "بعدسة «نيويورك تايمز»: كأس البيرة التي اختزلت انتفاضتنا الثقافيّة"] | | [8] [http://assafir.com/article/465612 مقالة "بعدسة «نيويورك تايمز»: كأس البيرة التي اختزلت انتفاضتنا الثقافيّة"] |
| | | |
− | [9] [http://www.pinkwatchingisrael.com/ PINKWATCHING Israel website] | + | [9] [http://www.pinkwatchingisrael.com/ PINKWATCHING Israel website] |
| | | |
| | | |
− | =='''مصادر'''==
| + | '''مصادر''' |
| | | |
| (1) Boyer, M. C. (1992). 'Cities for sale: Merchandising history at South Street Seaport'. In Michael Sorkin (ed.), Variations on a Theme Park: The new American city and the end of public space. Pp.:181-204. | | (1) Boyer, M. C. (1992). 'Cities for sale: Merchandising history at South Street Seaport'. In Michael Sorkin (ed.), Variations on a Theme Park: The new American city and the end of public space. Pp.:181-204. |