سطر 26: |
سطر 26: |
| ملجأً من عالم تشعر شعوراً عميقاً بغربتها عنه، وبعدوانيته تجاهها. تخرج إلى شوارعه فتتضرر، ترى خطره كامناً في كل زواية، يتفرّس في جسمها، وكأن مجرد وجود جسمها في المكان العام هو في حد ذاته كسر لقاعدة تستلزم غيابه. عالمٌ لا تملكه، لا تفقهه، لا تملك سلطةً لتعريفه، فِعلُها فيه لا يساهم في تشكيله، ولا يعكس لها نفسها حين تنظر إليه. | | ملجأً من عالم تشعر شعوراً عميقاً بغربتها عنه، وبعدوانيته تجاهها. تخرج إلى شوارعه فتتضرر، ترى خطره كامناً في كل زواية، يتفرّس في جسمها، وكأن مجرد وجود جسمها في المكان العام هو في حد ذاته كسر لقاعدة تستلزم غيابه. عالمٌ لا تملكه، لا تفقهه، لا تملك سلطةً لتعريفه، فِعلُها فيه لا يساهم في تشكيله، ولا يعكس لها نفسها حين تنظر إليه. |
| | | |
− | ملاذاً في شكل عالم بسيط هو خاصتُّها، فهي تعرف كيف تُنظف البيت وتعتني بالأولاد وتحضّرُ الطعام وتُدير اقتصاد العائلة وعلاقاتها الحميمية. | + | ملاذاً في شكل عالم بسيط هو خاصتُّها، فهي تعرف [[أدوار جندرية|كيف]] تُنظف البيت وتعتني بالأولاد وتحضّرُ الطعام وتُدير اقتصاد العائلة وعلاقاتها الحميمية. |
| | | |
| شكلاً ينظم ما يبدو لها فوضى محيرة تعمّ العالم. فمجتمع الزواج بشكله الجنسي والإنجابي والرعائي يمنح غموض العالم وضوحاً وبساطة، ومعالمَ تستشرفها وتستطيع التنبؤ بها ومعالجة مشاكلها. | | شكلاً ينظم ما يبدو لها فوضى محيرة تعمّ العالم. فمجتمع الزواج بشكله الجنسي والإنجابي والرعائي يمنح غموض العالم وضوحاً وبساطة، ومعالمَ تستشرفها وتستطيع التنبؤ بها ومعالجة مشاكلها. |
سطر 32: |
سطر 32: |
| وقواعدَ واضحة على شكل تقابلية حقوق وواجبات (Reciprocity) تجمعها بزوجها، فإن هي أطاعته وأدّت واجباتها الزوجية، نالت منه ما تستحقه حسب ما تمليه هذه القواعد من نفقة ومحبة ورعاية وكرامة. إنه وعدٌ سحري، إذا أرادت أن تستمتع بما يعد به من رحمة، فما عليها إلا أن تؤمن إيماناً عميقاً باختلافها الراديكالي عن زوجها، واختلاف عالمها عن عالمه. | | وقواعدَ واضحة على شكل تقابلية حقوق وواجبات (Reciprocity) تجمعها بزوجها، فإن هي أطاعته وأدّت واجباتها الزوجية، نالت منه ما تستحقه حسب ما تمليه هذه القواعد من نفقة ومحبة ورعاية وكرامة. إنه وعدٌ سحري، إذا أرادت أن تستمتع بما يعد به من رحمة، فما عليها إلا أن تؤمن إيماناً عميقاً باختلافها الراديكالي عن زوجها، واختلاف عالمها عن عالمه. |
| | | |
− | لكن وعدَ الملجأ والملاذ والشكل والقواعد الواضحة، ما هو في لبّه وصميمه إلّا وعداً واحداً: أنَّ تعنيف الرجل لها -الذي تخافه المرأة خوفها على حياتها بسبب ضعفها الجسدي- سيتم احتواؤه في الزواج عن طريق قوننته ومَعيرته أخلاقياً. لن يكون عشوائياً كما هو في الشارع، و لن «يهدّ الحيل» كما هو في العمل متدني الأجر، ولن يكون جبرياً كما هو في المدرسة، ولن يكون غامضاً كما كان في صغرها، ولن يتحول إلى جنس كما خبرته في لعبها ومرحها كطفلة مع أبناء الحارة. سيكون عنفاً عاقلاً وعادلاً. عدلُهُ ينفي عنه وصفَ العنف، فما هو إلا تأديب أو تصويب في حال أصاب المرأة تشويشٌ في فهما لدورها. عنفٌ يعيد للاختلاف الجنسي اختلافه، ويردّ له عنفوانه. | + | لكن وعدَ الملجأ والملاذ والشكل والقواعد الواضحة، ما هو في لبّه وصميمه إلّا وعداً واحداً: أنَّ [[عنف الشريك الحميم|تعنيف الرجل]] لها -الذي تخافه المرأة خوفها على حياتها بسبب ضعفها الجسدي- سيتم احتواؤه في الزواج عن طريق قوننته ومَعيرته أخلاقياً. لن يكون عشوائياً كما هو في الشارع، و لن «يهدّ الحيل» كما هو في العمل متدني الأجر، ولن يكون جبرياً كما هو في المدرسة، ولن يكون غامضاً كما كان في صغرها، ولن يتحول إلى جنس كما خبرته في لعبها ومرحها كطفلة مع أبناء الحارة. سيكون عنفاً عاقلاً وعادلاً. عدلُهُ ينفي عنه وصفَ العنف، فما هو إلا تأديب أو تصويب في حال أصاب المرأة تشويشٌ في فهما لدورها. عنفٌ يعيد للاختلاف الجنسي اختلافه، ويردّ له عنفوانه. |
| | | |
| أي أن المرأة بالزواج، تستبدلُ عنف الرجال الآخرين، ذاك العنف الجبري المفاجئ الجائر الغامض، تستبدله بعنف رجل واحد، عنف شخصي، محدود، عادل وعاقل. لا يبدو الوعدُ سيئاً. بل إن رفضه يبدو لكثيرات ضرباً من ضروب الجنون، خصوصاً إذا تحقق الوعد لهنّ. رفضُهُ يبدو وكأنه نوع من التنازل عن واجب يلتزم به الرجل الواحد لينضم الى جموع الرجال الآخرين، رجالٍ لا حول لها ولا قوة في مواجتهم. | | أي أن المرأة بالزواج، تستبدلُ عنف الرجال الآخرين، ذاك العنف الجبري المفاجئ الجائر الغامض، تستبدله بعنف رجل واحد، عنف شخصي، محدود، عادل وعاقل. لا يبدو الوعدُ سيئاً. بل إن رفضه يبدو لكثيرات ضرباً من ضروب الجنون، خصوصاً إذا تحقق الوعد لهنّ. رفضُهُ يبدو وكأنه نوع من التنازل عن واجب يلتزم به الرجل الواحد لينضم الى جموع الرجال الآخرين، رجالٍ لا حول لها ولا قوة في مواجتهم. |
| | | |
− | ومن هي المرأة الحمقاء اللتي ترفض هذه الصفقة؟ ولأي طبيعة للرجل تحتكم؟ وأي وعد من الرجال الغرباء تتأمل؟ أتعتقد هذه المرأة أن طبيعة الرجل ستتغير بالمساواة؟ ما المساواة مع الرجل سوى اختلاف جنسي دون أي التزام نحو المرأة. إنه تَحرُّرُ الرجل الواحد من الواجب تجاه المرأة الواحدة، لتصبح ملكاً مشاعاً لجموع الرجال. ستعيش هذه المرأة المتحررة مرضوضة الجسد والنفس والروح، تنتقل من رجل لآخر، يستخدمها الواحد ليرميها للآخر. صفقة التحرر هذه ما هي إلّا صفقة الموت: موت المرأة يتهددها وموتها منتهاها. | + | ومن هي المرأة الحمقاء اللتي ترفض هذه الصفقة؟ ولأي طبيعة للرجل تحتكم؟ وأي وعد من الرجال الغرباء تتأمل؟ أتعتقد هذه المرأة أن طبيعة الرجل ستتغير [[مساواة جندرية|بالمساواة]]؟ ما المساواة مع الرجل سوى اختلاف جنسي دون أي التزام نحو المرأة. إنه تَحرُّرُ الرجل الواحد من الواجب تجاه المرأة الواحدة، لتصبح ملكاً مشاعاً لجموع الرجال. ستعيش هذه المرأة المتحررة مرضوضة الجسد والنفس والروح، تنتقل من رجل لآخر، يستخدمها الواحد ليرميها للآخر. صفقة التحرر هذه ما هي إلّا صفقة الموت: موت المرأة يتهددها وموتها منتهاها. |
| | | |
| هؤلاء النساء -القابلات بالوعد والمرحبات به- رعينَ الاختلاف الجنسي بكل ما يملكنَ من حنكة وحكمة، فعِشنَ حياة هادئة، سالمة، آمنة في مكان خاص يحمل آثارهنّ في كل مكان، يضجّ بأفعالهنّ وأقوالهنّ وجهدهنّ الجسدي، عرّفنه فعرَفنه وعَرَفهُنّ. يختبرنَ تحقق وعد الزواج في شكل محبة من الزوج وكرامة في الزواج، تسعفهنّ من مهانة وبهدلة ومذلة كل ما هو خارجه. | | هؤلاء النساء -القابلات بالوعد والمرحبات به- رعينَ الاختلاف الجنسي بكل ما يملكنَ من حنكة وحكمة، فعِشنَ حياة هادئة، سالمة، آمنة في مكان خاص يحمل آثارهنّ في كل مكان، يضجّ بأفعالهنّ وأقوالهنّ وجهدهنّ الجسدي، عرّفنه فعرَفنه وعَرَفهُنّ. يختبرنَ تحقق وعد الزواج في شكل محبة من الزوج وكرامة في الزواج، تسعفهنّ من مهانة وبهدلة ومذلة كل ما هو خارجه. |