سطر 92: |
سطر 92: |
| ==الدين والنظم الابوية== | | ==الدين والنظم الابوية== |
| | | |
− | مرَّ مصطلح البطريركية بتطورٍ دلاليٍّ منذ القرن السادس عشر الميلادي، وفي القرن العشرين الميلادي اكتسب دلالة ذات صلة بمصطلح النسوية، والذي تُرجم إلى النظام الأبوي. | + | مرَّ مصطلح البطريركية بتطورٍ دلاليٍّ منذ القرن السادس عشر الميلادي، وفي القرن العشرين الميلادي اكتسب دلالة ذات صلة بمفهوم النسوية، وتُرجم في العربية إلى النظام الأبوي. |
| ويشير هذا المصطلح إلى سلطة الذكر المطلقة في العائلة، أباً كان أو زوجاً أو أخاً، وكذلك يشير هذا المصطلح سياسياً إلى حكومة مشكّلة بأكملها من قبل الذكور، كذلك إلى هيمنة الرجال على الأنظمة الثقافية والاجتماعية. | | ويشير هذا المصطلح إلى سلطة الذكر المطلقة في العائلة، أباً كان أو زوجاً أو أخاً، وكذلك يشير هذا المصطلح سياسياً إلى حكومة مشكّلة بأكملها من قبل الذكور، كذلك إلى هيمنة الرجال على الأنظمة الثقافية والاجتماعية. |
| | | |
| أولاً: المعنى اللغوي: | | أولاً: المعنى اللغوي: |
| 1- الأبوي في اللغة العربية: من مادة أبو: (الهمزة والباء والواو تدل على التربية والغذو. أبّوْتُّ الشيءَ أبُوه أَبْواً؛ إذا غذوته، وبذلك سمِّي الأب أباً، ويقال في النسبة إلى أب: أَبَوِيّ. | | 1- الأبوي في اللغة العربية: من مادة أبو: (الهمزة والباء والواو تدل على التربية والغذو. أبّوْتُّ الشيءَ أبُوه أَبْواً؛ إذا غذوته، وبذلك سمِّي الأب أباً، ويقال في النسبة إلى أب: أَبَوِيّ. |
− | 2- والبطريركية في اللغات الأجنبية: (Patriarchy) كلمة يونانية، مكونة من مفردتين، هما: (patria) وتعني: الأسرة، و(Archy) وتعني: السيادة، وبذلك يكون معناها: سيادة الرجال في محيط الأسرة، كما أنها تعني مجتمعة: الأب الرئيس، أو حكم الأب، أو سلطة أب العائلة، أو رب العائلة. | + | 2- والبطريركية في اللغات الأجنبية: (Patriarchy) كلمة يونانية، مكونة من مفردتين، هما: (patria) وتعني: الأب، و(Archy) وتعني: السيادة، وبذلك يكون معناها: سيادة الرجال في محيط الأسرة، كما أنها تعني مجتمعة: الأب الرئيس، أو حكم الأب، أو سلطة أب العائلة، أو رب العائلة. |
− | وعند النصارى: هي لقب مُقدّم النصارى، أو رئيس رؤساء الأساقفة على أقطار معينة، أو طائفة من الطوائف. ولكلَّ بَطريركيَّة نفوذ روحّي على المناطق التابعة لها، بينما هي عند اليهودية تطلق على العالم.
| + | وفي المسيحية: هي لقب مُقدّم المسيحيين، أو رئيس رؤساء الأساقفة على أقطار معينة، أو طائفة من الطوائف. ولكلَّ بَطريركيَّة نفوذ ديني على المناطق التابعة لها، بينما هي عند اليهودية تطلق على العالم. |
| فنرى بذلك أنه لا ارتباط بين المعنى اللغوي في اللغة العربية، والمعنى اللغوي في اللغات الأجنبية إلا في عودتها إلى الأب، ولعل معنى التربية والغذو في معنى الأب في اللغة العربية هو الذي جعل المصطلح الأجنبي يترجم إلى النظام الأبوي. | | فنرى بذلك أنه لا ارتباط بين المعنى اللغوي في اللغة العربية، والمعنى اللغوي في اللغات الأجنبية إلا في عودتها إلى الأب، ولعل معنى التربية والغذو في معنى الأب في اللغة العربية هو الذي جعل المصطلح الأجنبي يترجم إلى النظام الأبوي. |
| | | |
سطر 126: |
سطر 126: |
| | | |
| | | |
− | لطالما تحدث كُتّاب الحداثة و مروجوها عن السلطة الذكورية للفقهاء ، و قـتـلوا كتب التراث بحثاً و استخراجاً للأمثلة التي تؤيد طرحهم بدءًا من خلق المرأة ، و انتهاءًا بتوليها للولايات و السلطات ، و كأن الفقهاء يستنبطون الأحكام الشرعية من أهوائهم و آرائهم الشخصية دون انضباط بنصوص الشرع و أدلته . و إذا ما حاولنا تحليل انتشار مثل هذه الدعوى تواجهنا مستويين متباينين منهجيًّا : فالفقيه يستبط الحكم منطلقًا من موضوعية النص ، فالنص الشرعي بنظر الفقيه يجب أن يُعمل على ما هو عليه دون أن يشوبه هوى ، أو مصلحة ، أو تحيُّز ؛ فالحقيقة قائمة في النص بذاتها بغض النظر عن النفس المُدرِكة ( نفس الفقيه ) . بينما ينتقده الحداثي بناءً على ذاتية القارئ و رد كل شيء إلى الفكر وحده حيث النسبية ، و الاعتبارية المتَجاوَزَة ؛ فيتوصل الحداثي إلى أن الفقيه هو العلة القائمة وراء هذه الثقافة الذكورية . فهي إذن فجوة و انفصال بين ذاتيتين الأولى في النص و الثانية في الفقيه ، وعليه فمن اجل هذا التباين لا يمكن اعتماد إحدى هاتين المنهجيتين للحكم على الأخرى ، فمن الإنصاف عند الحكم على الفقهاء و منتجاتهم المعرفية ينبغي استخدام أسسهم المنهجية لبيان تناقضهم مع ذاتهم ، أما و كونهم منسجمين مع أنفسهم فلا يمكن الحكم عليهم بمعايير دخيلة على منهجهم الابستمي المعتمد لديهم . و قد أبرزت هذه التفاوتات في المناهج نسقاً ثقافيًا يشيع فيه أن المرأة مضطهدة و منتقصة ثقافيًا و دينيًّا ، حتى مع انتشار الكتابات الفقهية الإحيائية المتأخرة التي عملت على إعادة صياغة الفقهيات المتعلقة بالمرأة إلا أن ذلك بقي عبثًا على أساس أن الفقهيات الأساسية و المتقدمة هي التي تصوغ ثقافة الأمة و التي تعد محل ثقة أبنائها . و قد عزز من هذا الطرح انتشار الكتابات عن تحرير المرأة بدءًا من زمن قاسم أمين و التي تهدف لجعل المرأة متساوية مع الرجل في الحقوق و الواجبات ، و انتهاءً بسيادة الكتابة النسوية التي روجت لاعتبار عدة نماذج للمرأة : فامرأة الفقهاء المقهورة و المقموعة تختلف عن امرأة الحداثة كما ترى ريتا فرج في عرضها لأبرز ما كتبته النسويات عن المرأة في كتابها " امرأة الفقهاء و امرأة الحداثة " . المشكلة في الكتابات النسوية ليست مع الفقهاء فحسب بل و مع الثقافة و المجتمع و اللغة و مع الأديان كافة مما حذا بأحد أطياف النسوية للسعي لإنشاء ديانة خاصة تدعى " الوثنية النسوية " التي تجعل من الأنثى إلهًا ،و أدب نسائي خاص و منظور لغوي نسوي يهدف لجندرة اللغة . و عودًا على بدء فقد ساهمت مثل هذه الدعوى [ ذكورية الفقهاء ] بإيجاد مناهج تفسيرية اعتُبِرت المُخلِّصة من هذا الرهاب الفكري كما يحلو لهم أن يشيعوه ، حيث عُدت أقوال الفقهاء مجرد أقوال بشرية مشحونة بالاعتبارات الظرفية الزمانية و المكانية التي عفا عنها الزمان و التي جعلت من النصوص التأسيسية [ القرآن و السنة ] نصوصاً مثقلة بطبقات تفسيرية حجبت روح التشريع ، و ليس هذا فحسب بل تجاوزت هذه المناهج التفسيرية أقوال الفقهاء إلى النصوص التأسيسية فأحد هذه المناهج : التاريخانية التي تعتبر الآيات القرآنية و حتى الأحاديث النبوية قد أتت في ظروف مكانية و زمانية تختلف عن زماننا ؛ و عليه فهي غير صالحة لأن يعمل بها في هذا الزمان ، و كذلك الهرمنيوطيقا كمبدأ تأويلي و التي تعمل على حفريات في طبقات الفهم لتوصلنا إلى معرفة الظروف المواتية لكل تفسير عرض للنص من جهة ، و من جهة أخرى تعتني بفهم الفهم و بالمعنى الذاتي الذي يراه القارئ ، و بغض النظر عن مؤهلاته ، و التي تكرس من حالة الشد و الجذب بين من عليه تقرير المعنى هل المؤسسات العلمية (المتمثلة بالفقهاء )أم الأفراد ؟ ؛ لندخل في وهم الفردانية .
| + | لطالما تحدث كُتّاب الحداثة و مروجوها عن السلطة الذكورية للفقهاء، و قـتـلوا كتب التراث بحثاً واستخراجاً للأمثلة التي تؤيد طرحهم بدءًا من خلق المرأة ، و انتهاءًا بتوليها للولايات و السلطات ، و كأن الفقهاء يستنبطون الأحكام الشرعية من أهوائهم و آرائهم الشخصية دون انضباط بنصوص الشرع و أدلته . و إذا ما حاولنا تحليل انتشار مثل هذه الدعوى تواجهنا مستويين متباينين منهجيًّا : فالفقيه يستبط الحكم منطلقًا من موضوعية النص ، فالنص الشرعي بنظر الفقيه يجب أن يُعمل على ما هو عليه دون أن يشوبه هوى ، أو مصلحة ، أو تحيُّز ؛ فالحقيقة قائمة في النص بذاتها بغض النظر عن النفس المُدرِكة ( نفس الفقيه ) . بينما ينتقده الحداثي بناءً على ذاتية القارئ و رد كل شيء إلى الفكر وحده حيث النسبية ، و الاعتبارية المتَجاوَزَة ؛ فيتوصل الحداثي إلى أن الفقيه هو العلة القائمة وراء هذه الثقافة الذكورية . فهي إذن فجوة و انفصال بين ذاتيتين الأولى في النص و الثانية في الفقيه ، وعليه فمن اجل هذا التباين لا يمكن اعتماد إحدى هاتين المنهجيتين للحكم على الأخرى ، فمن الإنصاف عند الحكم على الفقهاء و منتجاتهم المعرفية ينبغي استخدام أسسهم المنهجية لبيان تناقضهم مع ذاتهم ، أما و كونهم منسجمين مع أنفسهم فلا يمكن الحكم عليهم بمعايير دخيلة على منهجهم الابستمي المعتمد لديهم . و قد أبرزت هذه التفاوتات في المناهج نسقاً ثقافيًا يشيع فيه أن المرأة مضطهدة و منتقصة ثقافيًا و دينيًّا ، حتى مع انتشار الكتابات الفقهية الإحيائية المتأخرة التي عملت على إعادة صياغة الفقهيات المتعلقة بالمرأة إلا أن ذلك بقي عبثًا على أساس أن الفقهيات الأساسية و المتقدمة هي التي تصوغ ثقافة الأمة و التي تعد محل ثقة أبنائها . و قد عزز من هذا الطرح انتشار الكتابات عن تحرير المرأة بدءًا من زمن قاسم أمين و التي تهدف لجعل المرأة متساوية مع الرجل في الحقوق و الواجبات ، و انتهاءً بسيادة الكتابة النسوية التي روجت لاعتبار عدة نماذج للمرأة : فامرأة الفقهاء المقهورة و المقموعة تختلف عن امرأة الحداثة كما ترى ريتا فرج في عرضها لأبرز ما كتبته النسويات عن المرأة في كتابها " امرأة الفقهاء و امرأة الحداثة " . المشكلة في الكتابات النسوية ليست مع الفقهاء فحسب بل و مع الثقافة و المجتمع و اللغة و مع الأديان كافة مما حذا بأحد أطياف النسوية للسعي لإنشاء ديانة خاصة تدعى " الوثنية النسوية " التي تجعل من الأنثى إلهًا ،و أدب نسائي خاص و منظور لغوي نسوي يهدف لجندرة اللغة . و عودًا على بدء فقد ساهمت مثل هذه الدعوى [ ذكورية الفقهاء ] بإيجاد مناهج تفسيرية اعتُبِرت المُخلِّصة من هذا الرهاب الفكري كما يحلو لهم أن يشيعوه ، حيث عُدت أقوال الفقهاء مجرد أقوال بشرية مشحونة بالاعتبارات الظرفية الزمانية و المكانية التي عفا عنها الزمان و التي جعلت من النصوص التأسيسية [ القرآن و السنة ] نصوصاً مثقلة بطبقات تفسيرية حجبت روح التشريع ، و ليس هذا فحسب بل تجاوزت هذه المناهج التفسيرية أقوال الفقهاء إلى النصوص التأسيسية فأحد هذه المناهج : التاريخانية التي تعتبر الآيات القرآنية و حتى الأحاديث النبوية قد أتت في ظروف مكانية و زمانية تختلف عن زماننا ؛ و عليه فهي غير صالحة لأن يعمل بها في هذا الزمان ، و كذلك الهرمنيوطيقا كمبدأ تأويلي و التي تعمل على حفريات في طبقات الفهم لتوصلنا إلى معرفة الظروف المواتية لكل تفسير عرض للنص من جهة ، و من جهة أخرى تعتني بفهم الفهم و بالمعنى الذاتي الذي يراه القارئ ، و بغض النظر عن مؤهلاته ، و التي تكرس من حالة الشد و الجذب بين من عليه تقرير المعنى هل المؤسسات العلمية (المتمثلة بالفقهاء )أم الأفراد ؟ ؛ لندخل في وهم الفردانية . |
| | | |
| | | |