سطر 30: |
سطر 30: |
| ==مقدمة== | | ==مقدمة== |
| | | |
− | في كتابها “كاليبان والساحرة: النساء والجسد والتراكم البدائي” (Autonomedia، 2004)، ترى النسوية الإيطالية سيلفيا فيديريتشي قتل الساحرات كعامل مؤسس للنظام الرأسمالي الذي يروّض النساء، فارضاً عليهن إعادة إنتاج القوى العاملة كشغل قسري دون أي تعويض. ترى فيديريتشي ساحة صراع رئيسية للحركات النسائية في عملية إعادة إنتاج القوى العاملة تلك. | + | في كتابها “كاليبان والساحرة: النساء والجسد والتراكم البدائي” (Autonomedia، 2004)، ترى النسوية الإيطالية [[سيلفيا فيديريتشي]] قتل الساحرات كعامل مؤسس للنظام الرأسمالي الذي يروّض النساء، فارضاً عليهن إعادة إنتاج القوى العاملة كشغل قسري دون أي تعويض. ترى فيديريتشي ساحة صراع رئيسية للحركات النسائية في عملية إعادة إنتاج القوى العاملة تلك. |
| | | |
| هذه ليست بقصّة خيالية، ولا تقتصر على الساحرات فقط. تمتد شخصية “الساحرة” لتشمل شخصيات نسائية وأنثوية أخرى: الكافرة والمعالجة والقابلة القانونية والزوجة غير المطيعة والإمرأة التي تتجرأ وتعيش وحدها والإمرأة الممارسة للشعوذة التي تسمم طعام سيّدها وتلهم العبيد على التمرّد. الرأسمالية، منذ بدايتها، مستمرة في محاربة تلك النساء بحدّة وإرهاب. | | هذه ليست بقصّة خيالية، ولا تقتصر على الساحرات فقط. تمتد شخصية “الساحرة” لتشمل شخصيات نسائية وأنثوية أخرى: الكافرة والمعالجة والقابلة القانونية والزوجة غير المطيعة والإمرأة التي تتجرأ وتعيش وحدها والإمرأة الممارسة للشعوذة التي تسمم طعام سيّدها وتلهم العبيد على التمرّد. الرأسمالية، منذ بدايتها، مستمرة في محاربة تلك النساء بحدّة وإرهاب. |
سطر 40: |
سطر 40: |
| عنوان كتابها يأخذ من شخصيتين شايكسبيريتين: كاليبان هو المتمرد المناهض للإستعمار، العامل العبد الذي يقاوم؛ أمّا الساحرة، المنبوذة في الخلفية من قبل الكاتب الإنجليزي، فهي تأسر المشهد الآن: نبذها يمثل بداية إخضاع النساء، وسرقة المعرفة التي أعطتهنّ الاستقلالية للقيام بمهام التوليد، وتحويل الأمومة إلى عمل قسري، وتقليل قيمة العمل الانجابي إلى حد عدم إعتباره عملاً أساساً، والإنتشار الواسع للدعارة مقابل خسارة الأراضي المجتمعية. معاً، يجمع الإسمان كاليبان والساحرة الأبعاد العنصرية والتمييزية ضد النساء للتأديب الذي سعى الرأسمال إلى فرضه على الأجساد، وفي الوقت نفسه، يمثلان الشخصيات السوقية وغير المطيعة التي يتم المقاومة من خلالها. | | عنوان كتابها يأخذ من شخصيتين شايكسبيريتين: كاليبان هو المتمرد المناهض للإستعمار، العامل العبد الذي يقاوم؛ أمّا الساحرة، المنبوذة في الخلفية من قبل الكاتب الإنجليزي، فهي تأسر المشهد الآن: نبذها يمثل بداية إخضاع النساء، وسرقة المعرفة التي أعطتهنّ الاستقلالية للقيام بمهام التوليد، وتحويل الأمومة إلى عمل قسري، وتقليل قيمة العمل الانجابي إلى حد عدم إعتباره عملاً أساساً، والإنتشار الواسع للدعارة مقابل خسارة الأراضي المجتمعية. معاً، يجمع الإسمان كاليبان والساحرة الأبعاد العنصرية والتمييزية ضد النساء للتأديب الذي سعى الرأسمال إلى فرضه على الأجساد، وفي الوقت نفسه، يمثلان الشخصيات السوقية وغير المطيعة التي يتم المقاومة من خلالها. |
| | | |
− | بمناسبة إطلاق الكتاب في معرض “بوينس آيرس” للكتب، نقدم لكم حديثنا مع المقاومة المتحمسة والبليغة، التي خطّت العلاقة بين تاريخ الساحرات والنقاش حول العمل المنزلي المؤنّث. لفيديريتشي، “كلّ ما يتعلّق بـ ’الإنجاب/ إعادة الإنتاج‘ يستمر كمساحة نضال أساسية للنساء اليوم، كما كان للحركة النسوية في السبعينات، وكمدخل لتاريخ الساحرات.” | + | بمناسبة إطلاق الكتاب في معرض “بوينس آيرس” للكتب، نقدم لكم حديثنا مع المقاومة المتحمسة والبليغة، التي خطّت العلاقة بين تاريخ الساحرات والنقاش حول العمل المنزلي المؤنّث. لفيديريتشي، “كلّ ما يتعلّق ب’الإنجاب/ إعادة الإنتاج‘ يستمر كمساحة نضال أساسية للنساء اليوم، كما كان للحركة النسوية في السبعينات، وكمدخل لتاريخ الساحرات.” |
| | | |
| ==من إيطاليا إلى الولايات المتحدة== | | ==من إيطاليا إلى الولايات المتحدة== |
سطر 52: |
سطر 52: |
| '''ما هي الجذور النظرية؟''' | | '''ما هي الجذور النظرية؟''' |
| | | |
− | نظرياً، تكوّنت نسويتي من مزيج من المواضيع الآتية من حركة إستقلالية العمال في إيطاليا وحركات العاطلين عن العمل تماما، كما من حركة مناهضة الاستعمار وحركة الحقوق المدنية وحركة قوة السود في الولايات المتحدة. في السبعينات، ألهمتني أيضاً حركة الحقوق الرعوية الوطنية، وقد كانت حركة مكوّنة من النساء، خاصة السود، قاومت للحصول على إعانات لأطفالهن من الدولة. بالنسبة لنا، كانت تلك الحركة نسوية لأنها أظهرت أن العمل المنزلي والاهتمام بالأطفال هما أعمال اجتماعية يستفيد منها جميع الموظفين، وأن الدولة عليها التزامات فيما يتعلق بإعادة الانتاج الاجتماعي. هدفنا الأساسي كان إظهار العمل المنزلي كعمل حقيقي، لا خدمة خاصة، لأنه العمل الذي ينتج قوى العمل. نظّمنا مؤتمرات ونشاطات ومسيرات، دائماً بهدف إظهار العمل المنزلي بمعناه الواسع: بتورطه مع الجنسانية وعلاقته مع الأطفال، ودائما ملقيين الضوء على العوامل المبطّنة والحاجة لتغيير مفهوم إعادة الإنتاج/الإنجاب ومركزة ذلك السؤال في العمل السياسي. | + | نظرياً، تكوّنت نسويتي من مزيج من المواضيع الآتية من حركة إستقلالية العمال في إيطاليا وحركات العاطلين عن العمل تماما، كما من حركة مناهضة الاستعمار وحركة الحقوق المدنية وحركة قوة السود في الولايات المتحدة. في السبعينات، ألهمتني أيضاً حركة الحقوق الرعوية الوطنية، وقد كانت حركة مكوّنة من النساء، خاصة السود، قاومت للحصول على إعانات لأطفالهن من الدولة. بالنسبة لنا، كانت تلك الحركة نسوية لأنها أظهرت أن العمل المنزلي والاهتمام بالأطفال هما أعمال اجتماعية يستفيد منها جميع الموظفين، وأن الدولة عليها التزامات فيما يتعلق بإعادة الانتاج الاجتماعي. هدفنا الأساسي كان إظهار العمل المنزلي كعمل حقيقي، لا خدمة خاصة، لأنه العمل الذي ينتج قوى العمل. نظّمنا مؤتمرات ونشاطات ومسيرات، دائماً بهدف إظهار [[عمل منزلي | العمل المنزلي]] بمعناه الواسع: بتورطه مع ال[[جنسانية]] وعلاقته مع الأطفال، ودائما ملقيين الضوء على العوامل المبطّنة والحاجة لتغيير مفهوم إعادة الإنتاج/الإنجاب ومركزة ذلك السؤال في العمل السياسي. |
| | | |
| ==من أجل الأجر وضد الأجر== | | ==من أجل الأجر وضد الأجر== |
سطر 58: |
سطر 58: |
| '''ماذا عن الصراع بين النضال من أجل الأجر والنضال ضد الأجر؟''' | | '''ماذا عن الصراع بين النضال من أجل الأجر والنضال ضد الأجر؟''' |
| | | |
− | في نظرنا، عندما تحارب النساء من أجل أجور مقابل الأعمال المنزلية، تحارب أيضاً ضد هذا العمل، كون العمل المنزلي يستمر طالما وكلما كان غير مدفوع. مثله مثل العبودية. المطالبة بأجور منزلية محى الصفة الطبيعية لاستعباد النساء. لذا، فإن الأجر ليس الهدف النهائي، بل وسيلة، أي استراتيجية، لتحقيق تغيير في علاقات القوى بين النساء والرأسمال. هدف نضالنا كان تحويل العمل الاستعبادي المستغل الذي تم تطبيعه بسبب طبيعته كغير مدفوع إلى عمل معترف به اجتماعياً؛ كان لتدمير التقسيم الجنسي للشغل المبني على قوّة تحكّم الأجر الذكري بالعمل الإنجابي الأنثوي، والذي أسميه بـ “أبوية الأجر” في كتاب “كاليبان والساحرة”. في الوقت نفسه، طرحنا أن نتخطّى كل اللوم الناتج عن اعتبار هذا الشغل التزام نسائي، واعتباره مهنة نسائية. | + | في نظرنا، عندما تحارب النساء من أجل أجور مقابل الأعمال المنزلية، تحارب أيضاً ضد هذا العمل، كون العمل المنزلي يستمر طالما وكلما كان غير مدفوع. مثله مثل العبودية. المطالبة بأجور منزلية محى الصفة الطبيعية لاستعباد النساء. لذا، فإن الأجر ليس الهدف النهائي، بل وسيلة، أي استراتيجية، لتحقيق تغيير في علاقات القوى بين النساء والرأسمال. هدف نضالنا كان تحويل العمل الاستعبادي المستغل الذي تم تطبيعه بسبب طبيعته كغير مدفوع إلى عمل معترف به اجتماعياً؛ كان لتدمير التقسيم الجنسي للشغل المبني على قوّة تحكّم الأجر الذكري بالعمل الإنجابي الأنثوي، والذي أسميه ب“أبوية الأجر” في كتاب “كاليبان والساحرة”. في الوقت نفسه، طرحنا أن نتخطّى كل اللوم الناتج عن اعتبار هذا الشغل التزام نسائي، واعتباره مهنة نسائية. |
| | | |
| '''لذا هناك رفض وفي الآن نفسه إعادة تقييم للعمل المنزلي؟''' | | '''لذا هناك رفض وفي الآن نفسه إعادة تقييم للعمل المنزلي؟''' |
| | | |
− | الرفض ليس لإعادة الإنتاج بحد ذاته، ولكن نعم، هو رفض للحالة التي تتطلب منا جميعا، نساءً ورجال، أن نعيش إعادة الإنتاج، إلى الحد الذي يجعله إعادة إنتاج لقوى العمل وليس لنا نحن. أحد المواضيع التي كانت مركزية لنا كانت الطبيعة المزدوجة لعمل إعادة الإنتاج/ الإنجاب، لأنه ينتج الحياة واحتمال العيش والشخص، وفي الوقت نفسه ينتج قوى العمل: لهذا يتم ضبطه لهذه الدرجة. في نظرنا، نحن نتعامل مع نوع محدد من الشغل، ولهذا فالسؤال الأساسي بالنسبة لإعادة إنتاج/إنجاب الشخص هو: لما ومن أي ناحية يمكن تسعيره؟ هل يتم تسعيره للشخص نفسه أو من أجل السوق؟ من المهم فهم نضال النساء من أجل العمل المنزلي كمركزي في النضال ضد الرأسمالية. يذهب هذا النضال بالفعل إلى جذر إعادة الإنتاج الاجتماعي، يدمر العبودية التي تبنى عليها الرأسمالية ويدمر علاقات القوى التي تخلقها في جسد البروليتاريا. | + | الرفض ليس لإعادة الإنتاج بحد ذاته، ولكن نعم، هو رفض للحالة التي تتطلب منا جميعا، نساءً ورجال، أن نعيش إعادة الإنتاج، إلى الحد الذي يجعله إعادة إنتاج لقوى العمل وليس لنا نحن. أحد المواضيع التي كانت مركزية لنا كانت الطبيعة المزدوجة لعمل إعادة الإنتاج/الإنجاب، لأنه ينتج الحياة واحتمال العيش والشخص، وفي الوقت نفسه ينتج قوى العمل: لهذا يتم ضبطه لهذه الدرجة. في نظرنا، نحن نتعامل مع نوع محدد من الشغل، ولهذا فالسؤال الأساسي بالنسبة لإعادة إنتاج/إنجاب الشخص هو: لما ومن أي ناحية يمكن تسعيره؟ هل يتم تسعيره للشخص نفسه أو من أجل السوق؟ من المهم فهم نضال النساء من أجل العمل المنزلي كمركزي في النضال ضد الرأسمالية. يذهب هذا النضال بالفعل إلى جذر إعادة الإنتاج الاجتماعي، يدمر العبودية التي تبنى عليها الرأسمالية ويدمر علاقات القوى التي تخلقها في جسد البروليتاريا. |
| | | |
| '''كيف يغير طرح مركزية العمل المنزلي تحليل الرأسمالية؟''' | | '''كيف يغير طرح مركزية العمل المنزلي تحليل الرأسمالية؟''' |
سطر 102: |
سطر 102: |
| '''هل يمكن القول أنّه عبر محاسبتهنّ، قد تمّ شنّ معركة كبيرة ضد إستقلالية النساء؟''' | | '''هل يمكن القول أنّه عبر محاسبتهنّ، قد تمّ شنّ معركة كبيرة ضد إستقلالية النساء؟''' |
| | | |
− | تماماً كما تمّ مصادرة الأراضي المشاعة من الفلّاحين، تم مصادرة أجساد النساء منهنّ عبر اصطياد الساحرات، “محررّةً” بذلك تلك النساء من أي عراقيل تقف أمامهنّ كماكينات تنتج اليد العاملة. التهديد بالحرق كان كفيلاً بنصب عوائق جبّارة حول أجساد النساء، أكبر من تلك المفروضة عبر مصادرة الأراضي المشاعة. في الحقيقة، يمكننا تخيّل أثر ذلك على النساء عندما كنّ يشاهدن جاراتهنّ وصديقاتهنّ وقريباتهنّ يحرقن على الأوتاد، ويكتشفن أنّه أي محاولة لمنع الحمل يمكن أن يتم اعتبارها نتيجة شذوذ شيطاني. | + | تماماً كما تمّ مصادرة الأراضي المشاعة من الفلّاحين، تم مصادرة أجساد النساء منهنّ عبر اصطياد الساحرات، “محررّةً” بذلك تلك النساء من أي عراقيل تقف أمامهنّ كماكينات تنتج اليد العاملة. التهديد بالحرق كان كفيلاً بنصب عوائق جبّارة حول أجساد النساء، أكبر من تلك المفروضة عبر مصادرة الأراضي المشاعة. في الحقيقة، يمكننا تخيّل أثر ذلك على النساء عندما كنّ يشاهدن جاراتهنّ وصديقاتهنّ وقريباتهنّ يحرقن على الأوتاد، ويكتشفن أنّه أي محاولة ل[[منع الحمل]] يمكن أن يتم اعتبارها نتيجة شذوذ شيطاني. |