وثيقة:أساطير الساحرات: مقابلة مع سيلفيا فيديريتشي
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | سيلفيا فيديريتشي و فيرونيكا غاجو |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | سحماتية |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://suhmatiya.wordpress.com/2019/10/16/أساطير-الساحرات-مقابلة-مع-سيلفيا-فيدي/
|
تاريخ الاسترجاع |
|
ترجمة | سارة قدورة |
لغة الأصل | الإنجليزية |
العنوان الأصلي | Witchtales: An Interview with Silvia Federici |
تاريخ نشر الأصل |
نُشرت هذه المقابلة لأوّل مرة في مدوّنة Lobo Suelto! في 10-04-2015 باللغة الإسبانيّة.
قد توجد وثائق أخرى مصدرها سحماتية
ملاحظات الترجمة
النص التالي هو ترجمتي لمقابلة مع النسوية الاشتراكية والباحثة سيلفيا فيديريتشي، تم ترجمتها للإنجليزية ونشرها في موقع “Viewpoint Magazine“. عدّلت فيها قليلاً لأتجنب الترجمة الحرفية خوفاً من ضياع المعنى المقصود. كما صارعت بعض الشيء مع ترجمة كلمة “Reproductive”، فاستعنت أحياناً بـ “الإنجابي” عندما تكون في سياق “Reproductive Labor” فتصبح “العمل الإنجابي”، كما ورد في أحد أعداد مجلة كحل، أو بـ “إعادة الإنتاج” عندما تكون في سياق “Social Reproduction”، أي “إعادة الإنتاج الاجتماعي”، مع العلم أنّ المعنى لا يتغيّر كثيراً. فالعمل الإنجابي، وهو مفهوم نسوي، يتضمن العمل الرعائي، من إنجاب لعمل منزلي لإهتمام بالأطفال والزوج لطبخ (وحتّى الجنس)، كلّها أعمال متوقعة، مطبّعة ومطلوبة من نساء العائلة، لا سيّما الأم، وأحياناً البنات الإناث عند بلوغهن عمر معيّن. تلك الأعمال تضمن سيرورة العائلة النواة كعائلة تنتج عمّالاً للنظام الإقتصادي القائم. أمّا إعادة الإنتاج الاجتماعي، وهي مفهوم ماركسي، فتتضمن العمل الإنجابي، وتتممه، بل تصبغه بطابع اجتماعي، فتكون التربية والرعاية مبنية على نقل مفاهيم وأخلاق النظام الاقتصادي القائم، أي الرأسمالية، إلى الجيل القادم، لضمان إستمرارية اللاعدالة واللامساواة. يتم ذلك بشكل أساسي على يدّ الأم التي تربّي الأطفال، أي العمال والمواطنين المستقبليين، والتي تُحمّل مسؤولية تعليمهم أخلاقيات العنصرية والأبوية والتراتبية الهرمية والإيمان بقيم التنافس والاجتهاد والعمل الدؤوب في سبيل عجلة الإقتصاد. يأخذ الأب على عاتقه بعض تلك المسؤولية، كمّا تحمله المؤسسات التعليمية والإعلامية لاحقاً.
تكتب فيديريتشي بشكل رئيسي عن علاقة اضطهاد النساء تاريخياً بالأرض، وتأثير المرحلة الإنتقالية من الإقطاعية إلى الرأسمالية على جنسانية النساء وتحجيم أدوارهن إلى الحيّز الخاص، كما لديها تأريخ موّسع عن جرائم حرق الساحرات، أي نبذ النساء غير المعياريات، في أوروبا وأميركا الشمالية. كان لفيديريتشي دور مهمّ في حركة المطالبة بأجور مقابل الأعمال المنزلية في الستينات، يمكن قراءة بيانها المترجم عن تلك الحركة هنا.
مقدمة
في كتابها “كاليبان والساحرة: النساء والجسد والتراكم البدائي” (Autonomedia، 2004)، ترى النسوية الإيطالية سيلفيا فيديريتشي قتل الساحرات كعامل مؤسس للنظام الرأسمالي الذي يروّض النساء، فارضاً عليهن إعادة إنتاج القوى العاملة كشغل قسري دون أي تعويض. ترى فيديريتشي ساحة صراع رئيسية للحركات النسائية في عملية إعادة إنتاج القوى العاملة تلك.
هذه ليست بقصّة خيالية، ولا تقتصر على الساحرات فقط. تمتد شخصية “الساحرة” لتشمل شخصيات نسائية وأنثوية أخرى: الكافرة والمعالجة والقابلة القانونية والزوجة غير المطيعة والإمرأة التي تتجرأ وتعيش وحدها والإمرأة الممارسة للشعوذة التي تسمم طعام سيّدها وتلهم العبيد على التمرّد. الرأسمالية، منذ بدايتها، مستمرة في محاربة تلك النساء بحدّة وإرهاب.
في “كاليبان والساحرة”، تسأل فيديريتشي أسئلة جوهريّة عن هذه الصورة الرمزية للأنثى: لماذا تحتاج الرأسمالية، منذ بدايتها، إلى شنّ الحرب ضد أولئك النساء؟ لماذا كان إصطياد الساحرات من أكثر المجازر وحشيةً، لكن أقلها ذكراً عبر التاريخ؟ما الذي كان يُهدف إلى التخلّص منه عند إرسال أولئك النساء إلى المشنقة؟ لماذا يمكننا رؤية وجه شبه بين تلك الساحرات والعبيد السود في مستعمرات أميركا؟
وُلِدت سيلفيا فيديرتشي في إيطاليا، ولكنها عاشت في أميركا منذ الستينيات. هناك، تطوّر نضالها النسوي وعملها مع حركة تحرر السود. كانت من مؤسسي الشبكة العالمية للأجور من أجل الأعمال المنزلية. خلال الثمانينات، عاشت ودرّست في نيجيريا، حيث عملت مع منظمات نسائية ضد سياسات الإصلاحات البنيوية التي كان يتم تجربتها في القارة الأفريقية.
عنوان كتابها يأخذ من شخصيتين شايكسبيريتين: كاليبان هو المتمرد المناهض للإستعمار، العامل العبد الذي يقاوم؛ أمّا الساحرة، المنبوذة في الخلفية من قبل الكاتب الإنجليزي، فهي تأسر المشهد الآن: نبذها يمثل بداية إخضاع النساء، وسرقة المعرفة التي أعطتهنّ الاستقلالية للقيام بمهام التوليد، وتحويل الأمومة إلى عمل قسري، وتقليل قيمة العمل الانجابي إلى حد عدم إعتباره عملاً أساساً، والإنتشار الواسع للدعارة مقابل خسارة الأراضي المجتمعية. معاً، يجمع الإسمان كاليبان والساحرة الأبعاد العنصرية والتمييزية ضد النساء للتأديب الذي سعى الرأسمال إلى فرضه على الأجساد، وفي الوقت نفسه، يمثلان الشخصيات السوقية وغير المطيعة التي يتم المقاومة من خلالها.
بمناسبة إطلاق الكتاب في معرض “بوينس آيرس” للكتب، نقدم لكم حديثنا مع المقاومة المتحمسة والبليغة، التي خطّت العلاقة بين تاريخ الساحرات والنقاش حول العمل المنزلي المؤنّث. لفيديريتشي، “كلّ ما يتعلّق ب’الإنجاب/ إعادة الإنتاج‘ يستمر كمساحة نضال أساسية للنساء اليوم، كما كان للحركة النسوية في السبعينات، وكمدخل لتاريخ الساحرات.”
من إيطاليا إلى الولايات المتحدة
شقّتها في بروكلين مهيّئة للكتابة والعمل والبحث. تتبعثر مئات الأوراق والملفات فيها، لكنها منظمّة بإتقان. تملأ الصور العائلية والملصقات السياسية الحيطان، مزينة بالألوان والذكريات. مطبخها، ربما المساحة الوحيدة دون أوراق، مضيء ويوحي بوجبة الباستا التي حضّرها توه زوجها الفيلسوف جورج كافينتيز. تتبدل المقابلة بين الإنجليزية والإيطالية، اللغتين اللتين تعيش من خلالهما سيرتها الذاتية.
فيرونيكا غاجو: كيف بدأ نضالك النسوي في الولايات المتحدة؟
سيلفيا فيديريتشي: وصلت إلى الولايات المتحدة عام 1967. شاركت في الحركة الطلابية مع حركة مناهضة الحرب. كما بدأت نشاطي مع حركة الأجور مقابل الأعمال المنزلية وعملي السياسي الدائم كنسوية. عام 1972، أسسنا التجمع النسوي العالمي، الذي أخذ حركة الأجور مقابل الأعمال المنزلية إلى العالمية. تقبع جذور نسويّتي بشكل أساسي في تجربتي كامرأة تكبر في مجتمع قمعي، فإيطاليا في الخمسينات كانت: مناهضة للشيوعية وأبوية وكاثوليكية ومنهكة من الحرب. كانت الحرب العالمية الثانية مهمّة من أجل تطور النسوية في إيطاليا، كونها أشارت إلى لحظة تفكك علاقة النساء بالدولة والعائلة لأنها جعلت النساء يفهمن أنه عليهن أن يصبحن مستقلات، وأنه لا يمكن لهن أن يضعن قدراتهن على النجاة في أيدي الرجال والعائلة الأبوية، وأنهن لسن بحاجة إلى إنجاب المزيد من الأطفال لترسلهم الدولة إلى المذبحة.
ما هي الجذور النظرية؟
نظرياً، تكوّنت نسويتي من مزيج من المواضيع الآتية من حركة إستقلالية العمال في إيطاليا وحركات العاطلين عن العمل تماما، كما من حركة مناهضة الاستعمار وحركة الحقوق المدنية وحركة قوة السود في الولايات المتحدة. في السبعينات، ألهمتني أيضاً حركة الحقوق الرعوية الوطنية، وقد كانت حركة مكوّنة من النساء، خاصة السود، قاومت للحصول على إعانات لأطفالهن من الدولة. بالنسبة لنا، كانت تلك الحركة نسوية لأنها أظهرت أن العمل المنزلي والاهتمام بالأطفال هما أعمال اجتماعية يستفيد منها جميع الموظفين، وأن الدولة عليها التزامات فيما يتعلق بإعادة الانتاج الاجتماعي. هدفنا الأساسي كان إظهار العمل المنزلي كعمل حقيقي، لا خدمة خاصة، لأنه العمل الذي ينتج قوى العمل. نظّمنا مؤتمرات ونشاطات ومسيرات، دائماً بهدف إظهار العمل المنزلي بمعناه الواسع: بتورطه مع الجنسانية وعلاقته مع الأطفال، ودائما ملقيين الضوء على العوامل المبطّنة والحاجة لتغيير مفهوم إعادة الإنتاج/الإنجاب ومركزة ذلك السؤال في العمل السياسي.
من أجل الأجر وضد الأجر
ماذا عن الصراع بين النضال من أجل الأجر والنضال ضد الأجر؟
في نظرنا، عندما تحارب النساء من أجل أجور مقابل الأعمال المنزلية، تحارب أيضاً ضد هذا العمل، كون العمل المنزلي يستمر طالما وكلما كان غير مدفوع. مثله مثل العبودية. المطالبة بأجور منزلية محى الصفة الطبيعية لاستعباد النساء. لذا، فإن الأجر ليس الهدف النهائي، بل وسيلة، أي استراتيجية، لتحقيق تغيير في علاقات القوى بين النساء والرأسمال. هدف نضالنا كان تحويل العمل الاستعبادي المستغل الذي تم تطبيعه بسبب طبيعته كغير مدفوع إلى عمل معترف به اجتماعياً؛ كان لتدمير التقسيم الجنسي للشغل المبني على قوّة تحكّم الأجر الذكري بالعمل الإنجابي الأنثوي، والذي أسميه ب“أبوية الأجر” في كتاب “كاليبان والساحرة”. في الوقت نفسه، طرحنا أن نتخطّى كل اللوم الناتج عن اعتبار هذا الشغل التزام نسائي، واعتباره مهنة نسائية.
لذا هناك رفض وفي الآن نفسه إعادة تقييم للعمل المنزلي؟
الرفض ليس لإعادة الإنتاج بحد ذاته، ولكن نعم، هو رفض للحالة التي تتطلب منا جميعا، نساءً ورجال، أن نعيش إعادة الإنتاج، إلى الحد الذي يجعله إعادة إنتاج لقوى العمل وليس لنا نحن. أحد المواضيع التي كانت مركزية لنا كانت الطبيعة المزدوجة لعمل إعادة الإنتاج/الإنجاب، لأنه ينتج الحياة واحتمال العيش والشخص، وفي الوقت نفسه ينتج قوى العمل: لهذا يتم ضبطه لهذه الدرجة. في نظرنا، نحن نتعامل مع نوع محدد من الشغل، ولهذا فالسؤال الأساسي بالنسبة لإعادة إنتاج/إنجاب الشخص هو: لما ومن أي ناحية يمكن تسعيره؟ هل يتم تسعيره للشخص نفسه أو من أجل السوق؟ من المهم فهم نضال النساء من أجل العمل المنزلي كمركزي في النضال ضد الرأسمالية. يذهب هذا النضال بالفعل إلى جذر إعادة الإنتاج الاجتماعي، يدمر العبودية التي تبنى عليها الرأسمالية ويدمر علاقات القوى التي تخلقها في جسد البروليتاريا.
كيف يغير طرح مركزية العمل المنزلي تحليل الرأسمالية؟
الاعتراف بأن قوى العمل ليست طبيعية، بل عليها إنتاج نفسها، يعني الاعتراف بأن كلّ الحياة تصبح قوى إنتاجية وكل العلاقات العائلية والجنسية تصبح علاقات إنتاج. ذلك يخبرنا بأن الرأسمالية لا تتطور داخل المصنع فقط، بل تتطور في المجتمع، والمجتمع يصبح مصنع العلاقات الرأسمالية، كمنطقة أساسية للتراكم الرأسمالي. لهذا السبب، الخطاب المتعلق بالعمل المنزلي، بالاختلافات الجندرية، بالعلاقات بين الرجال والنساء، ببناء النموذج الأنثوي، أساسي. اليوم، على سبيل المثال، النظر إلى العولمة من منظور العمل الإنجابي/الإنتاجي يسمح لنا، لأول مرّة، فهم سبب وجود النساء في مقدمة عمليات الهجرة. كما تسمح لنا بفهم أنّ عولمة ولبرلة الاقتصاد العالمي أدّت إلى تدمير أنظمة إعادة الإنتاج في بلدان العالم أجمع، ولِما تترك النساء مجتمعاتهن وأماكنهن ليبحثن عن أدوات إعادة إنتاج ولكي يحسنّ من ظروف حيواتهنّ.
التجربة في العالم الثالث
كيف أثّرت حياتك في نيجيريا في الثمانينات بإهتماماتك؟
العيش في نيجيريا كان مهمّاً للغاية لأني احتككت بالواقع الإفريقي وبما يسمّى بالعالم “المتأخر”. كانت عملية تثقيفية ضخمة. كنت هناك في خضم فترة (1984-1986) من السجال الاجتماعي المحتدم، حتّى في الجامعات، حول ما إذا كان يجب الاستدانة من صندوق النقد الدولي أم لا، بعد بدء أزمة الدين الضخم ونهاية مرحلة التطور الذي سببه الازدهار البترولي. رأينا بداية اللبرلة وأول عواقب ذلك البرنامج على المجتمع والمدارس: التغيّرات الحادّة في الصرف العام والحدّ من الإعانات في مجال الصحّة والتعليم وبداية سلسلة من صراعات الطلبة ضدّ صندوق النقد الدولي وبرنامجها للتأقلم البنيوي. كان من الواضح أنّ ذلك كلّه لم يكن مجرّد نزاع حرّكه الفقر، بل أنّه قد كان أيضاً احتجاج ضد برنامج إعادة استعمار سياسي. رأينا بشكل واضح كيف أنّه هنالك تقسيم عالمي جديد للعمل يتم صنعه وقد تضمّن إعادة استعمار رأسمالي لتلك البلدان.
هناك ثيمة عن البضائع المشتركة، وبالتحديد الأرض المشاعة، التي ظهرت في تلك الفترة…
نعم. الأمر المهم الآخر الذي تعلمته في نيجيريا كان عن مشكلة الأرض. قسم كبير من السكان كانوا يعتاشون من الأرض تحت نظام الملكية المشاعة. للنساء بالتحديد، الوصول للأرض عنى أنّه باستطاعتهن زرع ما يحتاجون للعيش، وفرصة إعادة إنتاج أنفسهن وعوائلهن دون الحاجة للجوء إلى السوق. كان ذلك أمراً مهمّاً في فهمي للعالم. وجودي في نيجيريا ساهم في فهمي لمشكلة الطاقة والبترول والحرب القائمة حول العالم بسبب شركات النفط. ما حصل في نيجيريا في الثمانينات هو نفسه ما جرى في أوروبا بعد عقد: في الأول، تفقير للجامعة الحكومية من أجل تحويلها لاحقاً إلى تجارية، لذلك كل ما تنتجه من معرفة موجّه نحو حاجات السوق بالشكل الأساسي، وكل ما يشذّ عن ذلك يتم تسخيفه.
ما هي البضائع المشتركة؟ ومن أين يأتي الخطاب حولها؟
في خطابات الستينات والسبعينات، مفهوم “الشيوع” لم يكن موجوداً. تمّ النضال من أجل أمور عدّة، لكن ليس من أجل الأمور “المشاعة” كما نفهمها اليوم. تأتي الفكرة نتيجة خصخصة ومحاولة إستملاك وتسويق الجسد والمعرفة والأرض والهواء والمياه بأكملها. لم تكن النتيجة مجرّد ردّة فعل، بل وعي سياسي حقيقي وجديد مرتبط بفكرتنا عن الحياة الجماعية، وقد أثارت تأمّلنا في الجانب الجماعي من حيواتنا. لذلك، هناك علاقة وطيدة بين المصادرة وإنتاج المشاع وأهميته كمفهوم حياتي للعلاقات الاجتماعية.
ما هو أثر التنظير النسوي فيما يتعلّق بالسؤال حول المشاع؟
طرح فكرة المشاع من وجهة نظر نسوية أساسي لأنه في الوقت الحالي النساء هنّ الأكثر استثماراً في الدفاع عن الموارد المشاعة وبناء أشكال أوسع من التعاونيات الاجتماعية. حول العالم، النساء هنّ منتجات الرزق الزراعي وهنّ من يدفعن الثمن الأغلى عند مصادرة وخصخصة الأراضي؛ في أفريقيا، على سبيل المثال، وجود الملكية المشاعة للأراضي والمياه أساسي لهنّ. أخيراً، وجهة النظر النسوية مهتمة بتنظيم المجتمع والمنزل. لأن ما يفاجئني هو أنّه ضمن كل تلك النقاشات عن المشاع، يتم التكلم عن الأرض والإنترنت، ولا أحد يذكر المنزل! الحركة النسوية التي بدأت من خلالها تحدّثت دائماً عن الجنسانية والأطفال والمنزل. لاحقاً، أصبحت مهتمة جدّاً بكيف يتم تعاطي التقليد النسوي والاشتراكي والأناركي النموذجي مع تلك الأمور. علينا خلق خطاب عن المنزل والأرض والعائلة، ووضعه في مركز سياسات المشاع. اليوم نرى أهمية خلق ممارسات تصنع لنا نماذج للمشاع.
ما الذي تقصدينه؟
على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يعيش آلاف الناس اليوم في الشوارع، فيما يشبه المخيمات، بسبب سياسات الإخلاء القسرية. في الحاضر، هناك مخيمات في كاليفورنيا بسبب أزمة الإسكان. هذه لحظات تقوم فيها العلاقات الاجتماعية بتفكيك نفسها، وتشكل احتمالات لبناء نوع جديد من المجتمعية والتعاونية. أعتقد من هذا المنطلق ما يمكن رؤيته في حركة المستأجرين الذين يتمّ طردهم من منازلهم في الأرجنتين أساسي، كلحظة إحتاجت فيها العديد من النساء في حياتهم للمشاع. هذا بالتحديد هو إعادة إختراع الممارسات الشيوعية.
اجتماعات السحرة
كيف يمكنك تلخيص الهدف من اصطياد الساحرات؟
اصطياد الساحرات كان أساسيّاً في بناء النظام الأبوي حيث يتم وضع النساء وأعمالهنّ وقواهنّ الجنسية والإنجابية تحت سيطرة الدولة وتحويلها لموارد اقتصادية. هذا لقول أنّ صيّادي الساحرات لم يكونوا مهتمين بمعاقبة بعض التجاوزات بقدر اهتمامهم بالتخلّص من أشكال عامّة من التصرف الأنثوي الذي لم يعودوا يحتملونه والذي أصبح بذيئاً بنظر المجتمع.
لهذا يمكن مدّ التهمة لآلاف النساء…
حملت تهمة الشعوذة وظيفة قريبة لتهمة “العمالة” – والتي، بشكل كبير، تمّ إدراجها في المواد القانونية الإنجليزية في الوقت نفسه تقريباً – وتهمة الإرهاب في عصرنا. الإبهام في تلك التهمة – وحقيقة أنّه كان من المستحيل التأكد منها وفي الوقت نفسه أدّت إلى أقصى أشكال الرعب – عنى أنّه بالإمكان استخدامها لمعاقبة أي نوع من الاحتجاج، بهدف خلق إرتياب، ومن ضمنها أكثر الجوانب العادية من الحياة اليومية.
هل يمكن القول أنّه عبر محاسبتهنّ، قد تمّ شنّ معركة كبيرة ضد إستقلالية النساء؟
تماماً كما تمّ مصادرة الأراضي المشاعة من الفلّاحين، تم مصادرة أجساد النساء منهنّ عبر اصطياد الساحرات، “محررّةً” بذلك تلك النساء من أي عراقيل تقف أمامهنّ كماكينات تنتج اليد العاملة. التهديد بالحرق كان كفيلاً بنصب عوائق جبّارة حول أجساد النساء، أكبر من تلك المفروضة عبر مصادرة الأراضي المشاعة. في الحقيقة، يمكننا تخيّل أثر ذلك على النساء عندما كنّ يشاهدن جاراتهنّ وصديقاتهنّ وقريباتهنّ يحرقن على الأوتاد، ويكتشفن أنّه أي محاولة لمنع الحمل يمكن أن يتم اعتبارها نتيجة شذوذ شيطاني.