سطر 79: |
سطر 79: |
| ===نقد النسوية الغربية في إطار نسوية ما بعد الاستعمار=== | | ===نقد النسوية الغربية في إطار نسوية ما بعد الاستعمار=== |
| | | |
− | برزت الانتقادات التي وجهتها نسوية ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية كردٍ على القيود التي تفرضها الأيديولوجيات النسوية السائدة، والتي تركز في الغالب على تجارب نساء الطبقة الوسطى من البيض داخل المجتمعات الغربية. تُسلط هذه الانتقادات الضوء على التحيز الأوروبي المركزي في البحث والنشاط النسوي الغربي، والذي غالبًا ما يهمش أصوات وتجارب النساء من سياقات ما بعد الاستعمار غير الغربية. تُعرّف نسوية ما بعد الاستعمار عن نفسها مُقارنةً بالحركات والمدارس النسوية الغربية والليبرالية من خلال تأكيدها على اتخاذِ كُلٍ من التقاطعية والشمولية والنسبية الثقافية أُسسًا تقوم عليها، كما تسعى إلى بحث ومُعالجة الصراعات المتنوعة التي تواجهها النساء في سياقات ما بعد الاستعمار، ودراسة تأثيرات الاستعمار على العلاقات الجندرية. تُحلل نسوية ما بعد الاستعمار نقديًا تقاطعات أنواع الاضطهاد المُختلقة الذي تعاني منها النساء، مع الأخذ في عين الاعتبار العِرق والطبقة والإثنية والتاريخ الاستعماري، الأمر الذي يُميزها عن النسوية الليبرالية ذات المنهج الفردي. تتحدّى نسوية ما بعد الاستعمار التحيز الأوروبي المركزي الحاضر في البحث والنشاط النسوي الغربي والذي يُرسخ القوالب النمطية التي لطالما وُضعت فيها النساء الاتي يعشن في سياق ما بعد استعمارية ويمحو هوياتهن المعقدة، وتحُث على فهمٍ أكثر شمولاً وحساسية لقضايا النوع الاجتماعي في مُختَلف أرجاءِ العالم. من خلال رفضها نهجًا واحدًا اُعتبِر ملائمًا للجميع من قِبل المدارس النسوية الغربية ودعوتها لفهم السياقات المُختلفة، تهدف نسوية ما بعد الاستعمار إلى بناء حركة نسوية أكثر إنصافًا ووعيًا عالميًا. تسعى الحركة النسوية ما بعد الاستعمار إلى بناء التضامن والتعاون بين الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم ، مع احترام استقلالية المرأة وتقرير مصيرها في سياقات ما بعد الاستعمار. من خلال القيام بذلك ، يمكن للحركات النسوية العمل معًا لتحدي الأنظمة القمعية وتعزيز العدالة الجندرية، بغض النظر عن خلفياتهن الثقافية والتاريخية | + | برزت الانتقادات التي وجهتها نسوية ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية كردٍ على القيود التي تفرضها الأيديولوجيات النسوية السائدة، والتي تركز في الغالب على تجارب نساء الطبقة الوسطى من البيض داخل المجتمعات الغربية. تُسلط هذه الانتقادات الضوء على التحيز الأوروبي المركزي في البحث والنشاط النسوي الغربي، والذي غالبًا ما يهمش أصوات وتجارب النساء من سياقات ما بعد الاستعمار غير الغربية. |
| | | |
− | ساهمت النسوية الغربية في التركيز على مبادئها الأساسية من الدعوة إلى المساواة الجندرية والاستقلالية الفردية وحق النساء في التعليم والعمل في تعزيز حقوق المرأة بلا شك. ومع ذلك، فإن نسويات ما بعد الاستعمار يُجادلن بأن هذه المبادئ لا تعالج بشكلٍ جذري الصراعات المتنوعة التي تواجهها النساء في مجتمعات ما بعد الاستعمار، حيث يستمر إرث الاستعمار في تشكيل العلاقات الجندرية فيها. تدعو نسوية ما بعد الاستعمار، كما حللت وكتبت [[شاندرا موهانتي|شاندرا تاليد موهانتي]] في كتابها "[https://www.jstor.org/stable/j.ctv11smp7t نسوية بلا حدود: نظرية إنهاء الاستعمار، وممارسة التضامن]" إلى جعل تجارب النساء ونضالاتهن في الجنوب العالمي محورًا أساسيًا عند دراسة وتفكيك تقاطعات أشكال الاضطهاد الجندرية والاستعمارية. أحد أهمّ الانتقادات التي وجهتها نسويات ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية، كما ورد في مختارات "[https://iupress.org/9780253206329/third-world-women-and-the-politics-of-feminism/ نساء العالم الثالث وسياسة الحركة النسوية]" من تحرير [[شاندرا موهانتي]] وآن روسو ولوردس توريس، هو أنّ التحيز الأوروبي المركزي في الخطاب النسوي الغربي لا يتجاهل تجارب النساء غير الغربيات فحسب، بل يُساهم في ترسيخ القوالب النمطية التي فُرضت عليهن، ويعزز اختلال توازن القوى. لذلك، دائمًا ما تُعارض نسويات ما بعد الاستعمار فرض القيم الغربية على المجتمعات غير الغربية، ويُجادلن بضرورة الاعتراف بالنسبية الثقافية. | + | تُعرّف نسوية ما بعد الاستعمار عن نفسها مُقارنةً بالحركات والمدارس النسوية الغربية والليبرالية من خلال تأكيدها على اتخاذِ كُلٍ من التقاطعية والشمولية والنسبية الثقافية أُسسًا تقوم عليها، كما تسعى إلى بحث ومُعالجة الصراعات المتنوعة التي تواجهها النساء في سياقات ما بعد الاستعمار، ودراسة تأثيرات الاستعمار على العلاقات الجندرية. تُحلل نسوية ما بعد الاستعمار نقديًا تقاطعات أنواع الاضطهاد المُختلفة الذي تعاني منها النساء، مع الأخذ بعين الاعتبار العِرق والطبقة والإثنية والتاريخ الاستعماري، الأمر الذي يُميزها عن النسوية الليبرالية ذات المنهج الفردي. تتحدّى نسوية ما بعد الاستعمار التحيز الأوروبي المركزي الحاضر في البحث والنشاط النسوي الغربي والذي يُرسخ القوالب النمطية التي لطالما وُضعت فيها النساء اللاتي يعشن في سياق ما بعد استعمارية ويمحو هوياتهن المعقدة، وتحُث على فهمٍ أكثر شمولاً وحساسية لقضايا النوع الاجتماعي في مُختَلف أرجاءِ العالم. |
| + | |
| + | من خلال رفضها نهجًا واحدًا عُدّ ملائمًا للجميع من قِبل المدارس النسوية الغربية ودعوتها لفهم السياقات المُختلفة، تهدف نسوية ما بعد الاستعمار إلى بناء حركة نسوية أكثر إنصافًا ووعيًا عالميًا. تسعى حركة نسوية ما بعد الاستعمار إلى بناء التضامن والتعاون بين الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم، مع احترام استقلالية المرأة وتقرير مصيرها في سياقات ما بعد الاستعمار. من خلال القيام بذلك، يمكن للحركات النسوية العمل معًا لتحدي الأنظمة القمعية وتعزيز العدالة الجندرية، بغض النظر عن خلفياتهن الثقافية والتاريخية. |
| + | |
| + | ساهمت النسوية الغربية في التركيز على مبادئها الأساسية من الدعوة إلى المساواة الجندرية والاستقلالية الفردية وحق النساء في التعليم والعمل في تعزيز حقوق المرأة بلا شك. ومع ذلك، فإن نسويات ما بعد الاستعمار يُجادلن بأن هذه المبادئ لا تعالج بشكلٍ جذري الصراعات المتنوعة التي تواجهها النساء في مجتمعات ما بعد الاستعمار، حيث يستمر إرث الاستعمار في تشكيل العلاقات الجندرية فيها. تدعو نسوية ما بعد الاستعمار، كما حللت وكتبت [[شاندرا موهانتي|شاندرا تاليد موهانتي]] في كتابها "[https://www.jstor.org/stable/j.ctv11smp7t نسوية بلا حدود: نظرية إنهاء الاستعمار، وممارسة التضامن]" إلى جعل تجارب النساء ونضالاتهن في الجنوب العالمي محورًا أساسيًا عند دراسة وتفكيك تقاطعات أشكال الاضطهاد الجندرية والاستعمارية. أحد أهمّ الانتقادات التي وجهتها نسويات ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية، كما ورد في مختارات "[https://iupress.org/9780253206329/third-world-women-and-the-politics-of-feminism/ نساء العالم الثالث وسياسة الحركة النسوية]" من تحرير [[شاندرا موهانتي]] وآن روسو ولوردس توريس، هو أنّ التحيز الأوروبي المركزي في الخطاب النسوي الغربي لا يتجاهل تجارب النساء غير الغربيات فحسب، بل يُساهم في ترسيخ القوالب النمطية التي فُرضت عليهن، ويعزز اختلال توازن القوى. لذلك، دائمًا ما تُعارض نسويات ما بعد الاستعمار فرض القيم الغربية على المجتمعات غير الغربية، ويُجادلن بضرورة الاعتراف بالنسبية الثقافية. |
| | | |
| ==== الثيمات الإمبريالية والاستشراقية في النسوية الغربية ==== | | ==== الثيمات الإمبريالية والاستشراقية في النسوية الغربية ==== |
− | لفتت الانتقادات التي وجّهتها نسوية ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية الانتباه إلى ظاهرة "النسوية الإمبريالية"، وهي امتداد للنسوية الاستشراقية التي سبقتها. يمثل هذا الشكل من النسوية إطارًا إبستومولوجيًا -معرفيًا- تستخدمه النسويات الغربيات للنظر إلى النساء العربيات والمسلمات بشكل ٍعام، والنساء اللاتي يعشن في سياقات استعمارية أو ما بعد استعمارية بشكلٍ خاص. تعمل النسوية الإمبريالية على ترسيخ المقاربات الثقافية والعنصرية، وتجريد المرأة غير الغربية من إنسانيتها وتنميطها. وبدلاً من الاعتراف بقدرة هؤلاء النساء على ممارسة إرداتهن وتعقيداتهن، فإن النسويات الإمبرياليات يصوّرنهن على أنهن مُجرّد ضحايا عاجزات بحاجة إلى الشفقة والإنقاذ. برز هذا المنظور بقوّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مع تبرير النسويات الغربيات للحروب الإمبريالية كوسيلة "لإنقاذ" هؤلاء النساء من أنظمتهن القمعية. يُركز نقدٌ هامٌ آخر على قضية النسوية الإمبريالية، هكذا انشغلت الحركات النسوية الاستشراقية والإمبريالية بالنضال النسائي المسلح، خاصة بعد الانتفاضة الثانية في فلسطين، حيث أشارت إليهن بالإرهابيات اللاتي يلجأن لارتكاب "التفجيرات الانتحارية" لأسبابٍ دينية وثقافية. تتجاهل النسوية الإمبريالية بشكلٍ كامل السياقات التاريخية والسياسية لنضالات تلك النساء، وبذلك؛ فإنّها تُعزز سردياتٍ جوهرية مُهينة عنهن. بدلًا من الاعتراف بالتقاليد الراسخة لمقاومة النساء في هذه المجتمعات، تعمل النسويات الإمبرياليات على مُجانسة النساء العربيات والمسلمات، والتركيز على افتقارهن السيطرة على أجسادهن ومصائرهن. تُهمل هذه النظرة الاختزالية تعقيدات حيواتهن والأسباب متعددة الأوجه وراء انخراطهن في حركات المقاومة. لا تتعاطى النسويات الامبراليات مع الحقائق الاجتماعية والسياسية الأوسع لحياة تلك النساء، وتُركز على العوامل الثقافية فقط، مُعزِزةً بذلك الروايات المُؤذية التي تزيد من الثنائية الضدية بين المرأة المسلمة "المضطهدة" والمرأة الغربية "المحررة". بدلاً من جعل تجارب تلك النساء وأصواتهن مِحورًا أساسيًا في بحث وتفكيك واقعهن، استحوذت النسويات الإمبرياليات على نضالاتهن وأصبحن السلطة في تحديد احتياجاتهن وتطلعاتهن. الأمر الذي، بطبيعة الحال، يعزز ديناميكية القوة التي تُساهم في ترسيخ الأيديولوجيات الاستعمارية، ويزيد من تهميش النساء العربيات والمسلمات ويسلُبهن القدرة على ممارسة إرادتهن الحرة. تُحذر نسويات ما بعد الاستعمار من عقدة المُنقذ الأبيض المُلاحظة في بعض منظورات النسوية الغربية، كما ورد في كتاب "[https://www.plutobooks.com/9781783711857/captive-revolution/ ثورة أسيرة: نضال المرأة الفلسطينية ضد الاستعمار داخل سجون النظام الإسرائيلي]" من تأليف [https://carleton.ca/socanth/profile/abdo-nahla/ نهلة عبدو]، ودعون إلى الاعتراف بفاعلية المرأة واحترام كيانها في سياقات ما بعد الاستعمار مُتحديّاتٍ بذلك قصور النسوية الغربية، وشجعن على التضامن والتعاون بين الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم
| |
| | | |
− | تتأمل [[أندريا دوركين]]، كاتبة وناقدة نسوية راديكالية أميريكية، في مقالتها "[http://www.nostatusquo.com/ACLU/dworkin/IsraelI.html إسرائيل: بلد مَن هي على أي حال؟]" التي نُشرت عام 1990 في نشأتها كيهودية في الولايات المتحدة وانغماسها المبكر في الأيديولوجية الصهيونية. إذ تُقر بمشاركتها في دعم إسرائيل من خلال أنشطة مُختلفة مثل الذهاب إلى المدارس العبرية، وجمع التبرعات للحركة الصهيونية، وتصديقها في الدعاية الإمبريالية الصهيونية تلك الفترة التي صوّرت "إسرائيل" على أنّها دولة محاطة بأعداءٍ عرب. بحلول أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ركّز نشاط دوركين بشكلٍ أكبر على القضايا النسوية والمناهضة للنظام الأبوي، وأصبحت شخصيةً بارزة في الحركة النسوية. كما خضعت آرائها حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لتحولات كبيرة في تلك الفترة أيضًا، إذ بدأت في التساؤل عن سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها تجاه الشعب الفلسطيني، وأعربت عن مخاوفها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون، وانتقدت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتهجير وتهميش الفلسطينيين، والأعمال العسكرية التي تقوم بها حكومة الاحتلال. استمرت وجهات نظر دوركين في التغير بعد مشاركتها في مؤتمر نسوي في إسرائيل عام 1988، حيث تعرّفت على ناشطة نسوية فلسطينية، وكان لقائهما نُقطة تحول في إدراكها الظلم الذي يواجهه الشعب الفلسطيني من قِبل الاحتلال. إلا أن دوركين لم تقابل أو تتحدث مع نساء فلسطينيات أخريات يعشن تحت الاحتلال، فكانت كتابتها عن تجارب النساء الفلسطينيات سطحية تميل لتكون استشراقية وحتى عنصرية. فشلت أندريا دوركين في فهم السياق الفلسطيني وجرّدت النساء الفلسطينيات اللاتي اتجهن للمقاومة المسلحة من اختياراتهن، ودافعت عن النسوية الإمبريالية وروّجت لرواية تربط مشاركة المرأة الفلسطينية في المقاومة ضدّ المُحتل لأسبابٍ شخصية ونفسية ودينية. إذ تُصور دوركين في كتاباتها النساء الفلسطينيات المنخرطات في الكفاح المسلح على أنهن يسعين للانتقام وارتكاب "تفجيراتٍ انتحارية" كوسيلة لاسترداد شرف أُسرِهن، حيث كتبت "يتُقن هذه النساء إلى ارتكابِ عملٍ إرهابي خالص من شأنه أن يمحو وصمة العار عن كونهن إناث بعد كُل ما تعرضن له من اعتداءٍ جنسي من قبل رجالهن وتهدديهن بالقتل" <ref> The Women Suicide Bombers، أندريا دوركين، نشر Feminista في 2002.</ref>، وتصف أعمالهن المُقاوِمة بأنها إجراءاتٌ ضرورية تُقدمها المرأة المُغتصبة كمقايضة تُقدمها أملًا في أن تحصل على مرتبة أعلى، أي كشهيدة، باعتبار أنّ هذه الأعمال المقاومة تُعيد الشرف الشخصي وترفع من المكانة الاجتماعية- الموت مُقابل استعادة شرف العائلة. هكذا بذلك، تختزل أعمال المقاومة المعقدة والمتعددة الأوجه إلى دوافع سطحية، وتتجاهل السياق السياسي الأوسع للاستعمار والقمع الاحتلالي. لا يُرسخ هذا النهج الاختزالي صُورًا نمطية فحسب، بل يحرِم النساء الفلسطينيات من حقهن في تقرير المصير ونضالهن من أجل التحرر. | + | لفتت الانتقادات التي وجّهتها نسوية ما بعد الاستعمار للنسوية الغربية الانتباه إلى ظاهرة "النسوية الإمبريالية"، وهي امتداد للنسوية الاستشراقية التي سبقتها. يمثل هذا الشكل من النسوية إطارًا إبستومولوجيًا -معرفيًا- تستخدمه النسويات الغربيات للنظر إلى النساء العربيات والمسلمات بشكلٍ عام، والنساء اللاتي يعشن في سياقات استعمارية أو ما بعد استعمارية بشكلٍ خاص. |
− | إن وصف دوركين للنساء المقاوِمات ضد الاستعمار بـ "الارهابيات" يُساهم في نزع الصفة الإنسانية عنهن، واستخدامها مُصطلحًا مثل "الدم مقابل الشرف" في هذا السياق يُرسخ وجهات النظر الجوهرية للمرأة غير الغربية، وتمحو تجاربهن دوافعهن المتنوعة وراء انخراطِهن في حركات المقاومة. يفتقر هذا النهج إلى فهمٍ عميق للسياق التاريخي، ويفشل في تحليل دور إرهاب الدولة والعنف الهيكلي الذي تمارسه القوى الإمبريالية فيه. | + | |
| + | تعمل النسوية الإمبريالية على ترسيخ المقاربات الثقافية والعنصرية، وتجريد النساء غير الغربيات من إنسانيتهن وتنميطها. وبدلاً من الاعتراف بقدرة هؤلاء النساء على إتخاذ قرارهن وممارسة إرداتهن بتعقيداتها، فإن النسويات الإمبرياليات يصوّرنهن على أنهن مُجرّد ضحايا عاجزات بحاجة إلى الشفقة والإنقاذ. برز هذا المنظور بقوّة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مع تبرير النسويات الغربيات للحروب الإمبريالية كوسيلة "لإنقاذ" هؤلاء النسوة من أنظمتهن القمعية. |
| + | |
| + | يُركز نقدٌ هامٌ آخر على انشغال الحركات النسوية الاستشراقية والإمبريالية بالنضال النسائي المسلح، خاصة بعد الانتفاضة الثانية في فلسطين، حيث أشارت إلى النساء المحاربات بالإرهابيات اللاتي يلجأن لارتكاب "التفجيرات الانتحارية" لأسبابٍ دينية وثقافية. تتجاهل النسوية الإمبريالية بشكلٍ كامل السياقات التاريخية والسياسية لنضالات تلك النساء، وبذلك؛ فإنّها تُعزز سردياتٍ جوهرية مُهينة عنهن. بدلًا من الاعتراف بالتقاليد الراسخة لمقاومة النساء في هذه المجتمعات، تعمل النسويات الإمبرياليات على مُجانسة النساء العربيات والمسلمات، والتركيز على افتقارهن السيطرة على أجسادهن ومصائرهن. تُهمل هذه النظرة الاختزالية تعقيدات حيواتهن والأسباب متعددة الأوجه وراء انخراطهن في حركات المقاومة. لا تتعاطى النسوية الامبرالية مع الوقائع الاجتماعية والسياسية الأوسع لحياة تلك النساء، وتُركز على العوامل الثقافية فقط، مُعزِزةً بذلك الروايات المُؤذية التي تزيد من الثنائية الضدية بين المرأة المسلمة "المضطهدة" والمرأة الغربية "المحررة". بدلاً من جعل تجارب تلك النساء وأصواتهن مِحورًا أساسيًا في بحث وتفكيك واقعهن، استحوذت النسويات الإمبرياليات على نضالاتهن وأصبحن صاحبات السلطة في تحديد احتياجاتهن وتطلعاتهن. الأمر الذي، بطبيعة الحال، يعزز ديناميكية القوة التي تُساهم في ترسيخ الأيديولوجيات الاستعمارية، ويزيد من تهميش النساء العربيات والمسلمات ويسلُبهن القدرة على ممارسة إرادتهن الحرة. تُحذر نسويات ما بعد الاستعمار من عقدة المُنقذ الأبيض المُلاحظة في بعض منظورات النسوية الغربية، كما ورد في كتاب "[https://www.plutobooks.com/9781783711857/captive-revolution/ ثورة أسيرة: نضال المرأة الفلسطينية ضد الاستعمار داخل سجون النظام الإسرائيلي]" من تأليف [https://carleton.ca/socanth/profile/abdo-nahla/ نهلة عبدو]، ودعون إلى الاعتراف بفاعلية النساء واحترام فاعليتهن في سياقات ما بعد الاستعمار مُتحديّاتٍ بذلك قصور النسوية الغربية، وشجعن على التضامن والتعاون بين الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم. |
| + | |
| + | تتأمل [[أندريا دوركين]]، كاتبة وناقدة نسوية راديكالية أميريكية، في مقالتها "[http://www.nostatusquo.com/ACLU/dworkin/IsraelI.html إسرائيل: بلد مَن هي على أي حال؟]" التي نُشرت عام 1990 في نشأتها كيهودية في الولايات المتحدة وانغماسها المبكر في الأيديولوجية الصهيونية. إذ تُقر بمشاركتها في دعم إسرائيل من خلال أنشطة مُختلفة مثل الذهاب إلى المدارس العبرية، وجمع التبرعات للحركة الصهيونية، وتصديقها الدعاية الإمبريالية الصهيونية في تلك الفترة التي صوّرت "إسرائيل" على أنّها دولة محاطة بأعداءٍ عرب. |
| + | |
| + | في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ركّز نشاط دوركين بشكلٍ أكبر على القضايا النسوية والمناهضة [[نظام أبوي|للنظام الأبوي]]، وأصبحت شخصيةً بارزة في [[حركة نسوية|الحركة النسوية]]. كما خضعت آرائها حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لتحولات كبيرة في تلك الفترة أيضًا، إذ بدأت في التساؤل عن سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها تجاه الشعب الفلسطيني، وأعربت عن مخاوفها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون، وانتقدت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتهجير وتهميش الفلسطينيين، والأعمال العسكرية التي تقوم بها حكومة الاحتلال. استمرت وجهات نظر دوركين في التغير بعد مشاركتها في مؤتمر نسوي في إسرائيل عام 1988، حيث تعرّفت على ناشطة نسوية فلسطينية، وكان لقائهما نُقطة تحول في إدراكها الظلم الذي يواجهه الشعب الفلسطيني من قِبل الاحتلال. إلا أن دوركين لم تقابل أو تتحدث مع نساء فلسطينيات أخريات يعشن تحت الاحتلال، فكانت كتابتها عن تجارب النساء الفلسطينيات سطحية تميل لتكون استشراقية وحتى عنصرية. فشلت أندريا دوركين في فهم السياق الفلسطيني وجرّدت النساء الفلسطينيات اللاتي اتجهن للمقاومة المسلحة من اختياراتهن، ودافعت عن النسوية الإمبريالية وروّجت لرواية تربط مشاركة المرأة الفلسطينية في المقاومة ضدّ المُحتل لأسبابٍ شخصية ونفسية ودينية. إذ تُصور دوركين في كتاباتها النساء الفلسطينيات المنخرطات في الكفاح المسلح على أنهن يسعين للانتقام وارتكاب "تفجيراتٍ انتحارية" كوسيلة لاسترداد شرف أُسرِهن، حيث كتبت "تتوق هؤلاء النساء إلى ارتكابِ عملٍ إرهابي خالص من شأنه أن يمحو وصمة العار عن كونهن إناث بعد كُل ما تعرضن له من اعتداءٍ جنسي من قبل رجالهن وتهدديهن بالقتل" <ref> The Women Suicide Bombers، أندريا دوركين، نشر Feminista في 2002.</ref>، وتصف أعمالهن المُقاوِمة بأنها إجراءاتٌ ضرورية تُقدمها المرأة المُغتصبة كمقايضة أملًا في أن تحصل على مرتبة أعلى، أي كشهيدة، باعتبار أنّ هذه الأعمال المقاومة تُعيد الشرف الشخصي وترفع من المكانة الاجتماعية - الموت مُقابل استعادة شرف العائلة. بذلك، تختزل أعمال المقاومة المعقدة والمتعددة الأوجه إلى دوافع سطحية، وتتجاهل السياق السياسي الأوسع للاستعمار والقمع الاحتلالي. لا يُرسخ هذا النهج الاختزالي صُورًا نمطية فحسب، بل يحرِم النساء الفلسطينيات من حقهن في تقرير المصير ونضالهن من أجل التحرر. |
| + | إن وصف دوركين للنساء المقاوِمات ضد الاستعمار بـ "الارهابيات" يُساهم في نزع الصفة الإنسانية عنهن، واستخدامها مُصطلحًا مثل "الدم مقابل الشرف" في هذا السياق يُرسخ وجهات النظر الجوهرية عن النساء غير الغربيات، ويمحو تجاربهن دوافعهن المتنوعة وراء انخراطِهن في حركات المقاومة. يفتقر هذا النهج إلى فهمٍ عميق للسياق التاريخي، ويفشل في تحليل دور إرهاب الدولة والعنف الهيكلي الذي تمارسه القوى الإمبريالية فيه. |
| | | |
| ===التضامن النسوي العابر للحدود في إطار نسوية ما بعد الاستعمار=== | | ===التضامن النسوي العابر للحدود في إطار نسوية ما بعد الاستعمار=== |