| سطر 31: |
سطر 31: |
| | ===طب الولادة الأوروبي=== | | ===طب الولادة الأوروبي=== |
| | | | |
| − | في أوروبا بدأت مهنة القبالة تتطور مع عصر النهضة وما بعده، في القرن السادس عشر كانت القابلات الأوروبيات لا يزلن يخلطن في مهنتهن بين المعرفة والخرافة، وهو ما أشارت إليه النصوص الطبية المبكرة في عصر النهضة مثل كتابات المعالج الألماني إيوكاريوس روزالين الذي حاول إعادة إحياء دراسات اليوناني سورانوس وأضاف إليها نتائج أبحاثه الخاصة، لم يمارس روزالين القبالة ولم يقم بتوليد النساء لكنه درَّس النصوص اليونانية القديمة لطلابه، وقلل من شأن القابلات في أوروبا بسبب جهلهن وإيمانهن بالخرافات. لم يعطِ روزالين أو معاصروه اهتمامًا بحقيقة أن تعليم القابلات في أوروبا منذ العصور القديمة، حتى عندما تلقينه داخل مؤسسات تعليمية معتمدة، لم يركز على القراءة والكتابة أو المناهج النظرية، إنما كان تعليما عمليا وتطبيقيًا، وأن خبراتهن ومعرفتهن راكمنها على مدى قرون طويلة ونقلنها إلى بعضهن البعض مشافهة جيلًا بعد جيل. أما الأطباء الذكور الذين لم يُسمح لهم بالنفاذ إلى هذا المجتمع المغلق أصبحوا قادرين بعد نشر كتابات روزالين وطبيب نمساوي آخر يُدعى ياكوب روف (اعتمد أيضًا على مؤلفات سورانوس) من تعلم الأساسيات الخاصة بالقبالة والتوليد بشكل نظري. في فرنسا قام حلاق جراح يُدعى أُمبرواز باريه بتأسيس مدرسة للقبالة في باريس، وقد بلغت بعض المتدربات لديه مكانة مرموقة في البلاط الفرنسي وقامت إحداهن بتوليد ماري دي ميديتشي زوجة الملك هنري الرابع، والابنة التي أنجبتها، هنريتا ماريا، أصبحت لاحقًا ملكة بريطانيا. باريه (أو واحدة من طالباته) كان/ت أول من أجرى/ت جراحة قيصرية لسيدة لا تزال على قيد الحياة وينجح في الحفاظ عليها من الوفاة بسبب النزيف.<ref name="start">[https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/12151591/ The start of life: a history of obstetrics ]</ref> | + | في أوروبا، بدأت مهنة القبالة تتطور مع عصر النهضة وما بعده. في القرن السادس عشر، كانت القابلات في أوروبا لا يزلن يخلطن في مهنتهن بين المعرفة المتوارثة بالمشافهة وتلك المكتسبة بالتجربة، وهو ما أشارت إليه النصوص الطبية المبكرة في عصر النهضة مثل كتابات المعالج الألماني إيوكاريوس روزالين الذي حاول إعادة إحياء دراسات اليوناني سورانوس وأضاف إليها نتائج أبحاثه الخاصة. لم يمارس روزالين القبالة ولم يقم بتوليد النساء لكنه درَّس النصوص اليونانية القديمة لطلابه، وقلل من شأن القابلات في أوروبا بسبب جهلهن وإيمانهن بالخرافات. لم يعطِ روزالين أو معاصروه اهتمامًا بحقيقة أن تعليم القابلات في أوروبا منذ العصور القديمة، حتى عندما تلقينه داخل مؤسسات تعليمية معتمدة، لم يركز على القراءة والكتابة أو المناهج النظرية، إنما كان تعليمًا عمليًا وتطبيقيًا، وأن خبراتهن ومعرفتهن راكمنها على مدى قرون طويلة ونقلنها إلى بعضهن البعض مشافهة جيلًا بعد جيل. أما الأطباء الذكور، الذين لم يكن يُسمح لهم بالنفاذ إلى هذا المجتمع المغلق، فأصبحوا قادرين بعد نشر كتابات روزالين وطبيب نمساوي آخر يُدعى ياكوب روف (اعتمد أيضًا على مؤلفات سورانوس) على تعلّم الأساسيات الخاصة بالقبالة والتوليد بشكل نظري. في فرنسا، قام حلاق جراح يُدعى أُمبرواز باريه بتأسيس مدرسة للقبالة في باريس، وقد بلغت بعض المتدربات لديه مكانة مرموقة في البلاط الفرنسي وقامت إحداهن بتوليد ماري دي ميديتشي زوجة الملك هنري الرابع، والابنة التي أنجبتها، هنريتا ماريا، أصبحت لاحقًا ملكة بريطانيا. باريه (أو واحدة من طالباته) كان/ت أول من أجرى/ت جراحة قيصرية لسيدة لا تزال على قيد الحياة وينجح في الحفاظ على حياتها رغم النزيف.<ref name="start">[https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/12151591/ The start of life: a history of obstetrics ]</ref> |
| | | | |
| − | في القرن السابع عشر بدأت تنتشر صيحة المولدين الذكور في فرنسا، أشهرهم كان فرانسوا موريسيو Francois Mauriceau الذي عمل في بلاط لويس الرابع عشر. لاجئ فرنسي يُدعى بيتر تشامبرلين كان له أثر في نقل المهنة إلى إنجلترا، ويُعتقد أنه، أو أحد أبناءه، قد طوروا نسخة من الملاقط الطبية تستخدم في الولادات التدخلية وتسريع الولادات البطيئة أو المتعسرة، وقد حافظوا على سر ابتكارهم طيلة قرن من الزمان على الأقل قبل أن يشهد انتشارًا في مختلف أنحاء أوروبا. | + | في القرن السابع عشر، بدأت تنتشر صيحة المولّدين الذكور في فرنسا، أشهرهم كان فرانسوا موريسيو Francois Mauriceau الذي عمل في بلاط لويس الرابع عشر. لاجئ فرنسي يُدعى بيتر تشامبرلين كان له أثر في نقل المهنة إلى إنجلترا، ويُعتقد أنه، أو أحد أبناءه، قد طوروا نسخة من الملاقط الطبية التي تستخدم في الولادات التدخلية وتسريع الولادات البطيئة أو المتعسرة، وقد حافظوا على سر ابتكارهم طيلة قرن من الزمان على الأقل قبل أن يشهد انتشارًا في مختلف أنحاء أوروبا. |
| | | | |
| − | في القرن الثامن عشر نشر الأكاديمي الأسكتلندي ويليام سميلي أطروحته في نظرية وممارسة القبالة وقام بتدريس طلابه بناء على معرفته بالبنية التشريحية للحوض والجهاز التناسلي الأنثوي. في ذلك الوقت بدأت القبالة تحولها التدريجي من شأن اجتماعي متعلق بدوائر الدعم التقليدية المحيطة بالحامل والتي تشمل نساء العائلة الأكبر سنًا والجارات بالإضافة إلى القابلات إلى شأن علمي وأكاديمي خاضع للهيمنة الذكورية، وقد بدأ الأطباء الأوروبيون - خاصة في إنجلترا وفرنسا - بالإنخراط أكثر في مهنة القبالة.<ref name="ign"/> قام سميلي في 1740 بتأسيس مدرسة لتعليم الذكور فنون القبالة، وقد عمل هؤلاء المولدون الذكور في المستشفيات العامة التي كانت تقدم خدمات الولادة المجانية للنساء الفقيرات، ولكن هدفها الحقيقي كان منح المولدين الذكور خبرة أكبر في التعامل مع النساء الحوامل وكسر احتكار النساء للمهنة. كثير من هذه الولادات قد تمت بمساعدة الملاقط الطبية المعدنية، وقد عنى ذلك وجود إجراءات تدخلية invasive procedures غير مسبوقة ترافقت مع انتشار واسع لحمى النفاس، وقد ارتبطت معظم حالات حمى النفاس بالأطباء والمولدين الذكور في تلك الفترة واستمر الحال لعقود طويلة بسبب عدم انتشار إجراءات التعقيم، ورفض المجتمع الطبي لها في بعض الأحيان. | + | في القرن الثامن عشر، نشر الأكاديمي الأسكتلندي ويليام سميلي أطروحته في نظرية وممارسة القبالة وقام بتدريس طلابه بناء على معرفته بالبنية التشريحية للحوض والجهاز التناسلي الأنثوي. في ذلك الوقت، بدأت القبالة تحولها التدريجي من شأن اجتماعي متعلق بدوائر الدعم التقليدية المحيطة بالحامل والتي تشمل نساء العائلة الأكبر سنًا والجارات بالإضافة إلى القابلات إلى شأن علمي وأكاديمي خاضع للهيمنة الذكورية، وقد بدأ الأطباء الأوروبيون - خاصة في إنجلترا وفرنسا - بالإنخراط أكثر في مهنة القبالة.<ref name="ign"/> قام سميلي، سنة 1740، بتأسيس مدرسة لتعليم الذكور فنون القبالة، وقد عمل هؤلاء المولدون الذكور في المستشفيات العامة التي كانت تقدم خدمات الولادة المجانية للنساء الفقيرات، ولكن هدفها الحقيقي كان منح المولّدين الذكور خبرة أكبر في التعامل مع النساء الحوامل وكسر احتكار النساء للمهنة. كثير من هذه الولادات حصلت بمساعدة الملاقط الطبية المعدنية، وقد عنى ذلك وجود إجراءات تدخلية invasive procedures غير مسبوقة ترافقت مع انتشار واسع لحمى النفاس، وقد ارتبطت معظم حالات حمى النفاس بالأطباء والمولدين الذكور في تلك الفترة واستمر الحال لعقود طويلة بسبب غياب إجراءات التعقيم، ورفض المجتمع الطبي لها في بعض الأحيان. |
| | | | |
| − | في بدايات القرن الثامن عشر كانت القبالة موجودة بشكل تام خارج المجال الطبي، ولكن بنهاية القرن تقريبًا بدأ الأطباء العامون (الجراحون المعالجون Surgeons - Apocatheries) في أوروبا بالعمل في المجال أكثر حيث أصبحوا يولدون نساء الطبقة الوسطى والطبقة العليا في إنجلترا وفرنسا داخل البيوت، وذلك على الرغم من ازدراء المجتمع الطبي في غرب أوروبا لمهنة القبالة وضعف مردودها المادي. أحد رؤساء الجمعية الملكية البريطانية للجراحة صرح بأن توليد الرجال للنساء أمر منافٍ للأخلاق وللمنطق السليم، ولكن بالرغم من ذلك فإن الجراحين المعالجين كانوا يفضلون القيام بعمليات التوليد في المنازل (خاصة باستخدام الملاقط الطبية المعدنية) من أجل توطيد علاقتهم بالعائلات التي يولدون نسائها، فولادة واحدة تعني أن الجراح الذي أجراها أصبح طبيب العائلة الدائم.<ref name="GPOBG">[https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC2586862/ Irvine Loudon: General practitioners and obstetrics: a brief history]</ref> | + | في بدايات القرن الثامن عشر، كانت القبالة موجودة بشكل تام خارج المجال الطبي، ولكن بنهاية القرن تقريبًا بدأ الأطباء العامّون (الجراحون المعالجون Surgeons - Apocatheries) في أوروبا بالعمل في المجال أكثر حيث أصبحوا يولّدون نساء الطبقات الوسطى والعليا في إنجلترا وفرنسا داخل البيوت، وذلك رغم ازدراء المجتمع الطبي في غرب أوروبا لمهنة القبالة وضعف مردودها المادي. أحد رؤساء الجمعية الملكية البريطانية للجراحة صرح بأن توليد الرجال للنساء أمر منافٍ للأخلاق وللمنطق السليم، ولكن بالرغم من ذلك فإن الجراحين المعالجين كانوا يفضلون القيام بعمليات التوليد في المنازل (خاصة باستخدام الملاقط الطبية المعدنية) من أجل توطيد علاقتهم بالعائلات التي يولدون نسائها، فولادة واحدة تعني أن الجراح الذي أجراها أصبح طبيب العائلة الدائم.<ref name="GPOBG">[https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC2586862/ Irvine Loudon: General practitioners and obstetrics: a brief history]</ref> |
| | | | |
| | ;النقابات والأنظمة الطبية في أوروبا | | ;النقابات والأنظمة الطبية في أوروبا |
| | | | |
| − | خلال القرن التاسع عشر، فصل نظام طبقي صارم بين مقدمي الرعاية الصحية في أوروبا، فهناك من جهة، الأطباء الذين ينتمون إلى الطبقة العليا في المجتمع وحصلوا على فرصة لتعلم الطب عبر المؤسسات الأكاديمية، ومن جهة أخرى هناك الجراحون المعالجون، وهم من أبناء الطبقة الوسطى ويحصلون تعليمهم عبر التلمذة المهنية على يد ممارسين أكبر منهم سنًا وأكثر منهم خبرة، بعضهم جراحون حلاقون، مارسوا وتعلموا الجراحة عبر مهنة الحلاقة (تقليد متوارث منذ مئات السنين)، وبعضهم صيادلة أو كيميائيون، طوروا خبرة في التشخيص وقدرة على منح الاستشارات الطبية من خلال خبرتهم في الأدوية والمستحضرات الكيميائية، في أدنى الهرم كانت القابلات، وغالبيتهن تعلمن القبالة أيضًا عبر التلمذة المهنية وتناقلن معرفة قديمة امتدت على مدار قرون طويلة، وبعضهن درس وتعلم في مدارس للقبالة أسسها أطباء وأكاديميون ذكور. على أن هذا الفصل ظل في النهاية فصلًا طبقيًا حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، وتمثل من خلال بعض الأجساد النقابية التي فصلت بين الممارسين المختلفين ولكن لم يُرسَّم على الأرض باستخدام القوانين. | + | خلال القرن التاسع عشر، فصل نظام طبقي صارم بين مقدمي الرعاية الصحية في أوروبا، فهناك من جهة، الأطباء الذين ينتمون إلى الطبقة العليا في المجتمع وحصلوا على فرصة لتعلّم الطب عبر المؤسسات الأكاديمية، ومن جهة أخرى، هناك الجراحون المعالجون، وهم من أبناء الطبقة الوسطى ويحصلون تعليمهم عبر التلمذة المهنية على يد ممارسين أكبر منهم سنًا وأكثر منهم خبرة، بعضهم جراحون حلاقون، مارسوا وتعلموا الجراحة عبر مهنة الحلاقة (تقليد متوارث منذ مئات السنين)، وبعضهم صيادلة أو كيميائيون، طوروا خبرة في التشخيص وقدرة على منح الاستشارات الطبية من خلال خبرتهم في الأدوية والمستحضرات الكيميائية. في أدنى الهرم كانت القابلات، وغالبيتهن تعلمن القبالة أيضًا عبر التلمذة المهنية وتناقلن معرفة قديمة امتدت على مدار قرون طويلة، وبعضهن درس وتعلم في مدارس للقبالة أسسها أطباء وأكاديميون ذكور. على أن هذا الفصل ظل في النهاية فصلًا طبقيًا حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، وتمثل من خلال بعض الأجساد النقابية التي فصلت بين الممارسين المختلفين ولكن لم يُرسَّم على الأرض باستخدام القوانين. |
| | | | |
| − | كانت الخطوة الأولى لترسيخ السلطة على أجساد المرضى من خلال المؤسسة الطبية هي بترسيم المؤسسة الطبية ذاتها أولًا، تم ذلك عبر عدة خطوات كان أولها تنظيم المهنة باستخدام القوانين والنقابات. تأسس الاتحاد الطبي البريطاني British Medical Association في 1836 وتأسست الجمعية الملكية لجراحي لندن Royal College of Surgeons of London في 1800 (وتحول اسمها إلى الجمعية الملكية لجراحي إنجلترا Royal College of Surgeons of England في 1843)، وقد هدفت الأخيرة لتشكيل جسد نقابي خاص بالجراحين ورفضت أن تقبل في عضويتها أي جراحين لم يحصلوا على تعليم جامعي أو أي قابلات حتى لو حصلن على تدريب مهني عن طريق مدارس القبالة.<ref name="GPOBG"/> في عام 1858 صدر أول قانون لتنظيم مهنة الطب في إنجلترا ويُعتبر من أوائل القوانين المشابهة التي صدرت على مستوى أوروبا، وقد استُنتسخ القانون وأعيد إصداره في عدد من المستعمرات والتابعيات البريطانية (مثل أستراليا في 1877 ولاحقا الهند في 1916،<ref>[https://www.nmc.org.in/acts-amendments/the-indian-medical-degree-act-1916/ THE INDIAN MEDICAL DEGREES ACT, 1916 (ACT No. VII of 1916)]</ref> وقد ركز القانون الهندي على توضيح التسميات الوظيفية لممارسي المهن الصحية وعقوبات من يستخدمها بغير استحقاق). صدر في فرنسا قانون الثلاثين من نوفمبر 1892 الذي أغلق مهنة الطب ومنح احتكارًا بممارستها للأطباء بشكل حصري، أما في أسبانيا فقد صدر قانون الخدمة العامة في 1855 وقد تمخض عنه تشكيل هيئات تفتيش ومحاكم طبية تلاحق أي ممارسين للعمل الصحي بدون ترخيص.<ref>[https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/technical_reports/2009/RAND_TR691.pdf RAND Corporation: International Comparison of Ten Medical Regulatory Systems (Technical Report)]</ref> | + | كانت الخطوة الأولى لترسيخ السلطة على أجساد المرضى من خلال المؤسسة الطبية هي بترسيم المؤسسة الطبية ذاتها أولًا. حصل ذلك عبر عدة خطوات كان أولها تنظيم المهنة باستخدام القوانين والنقابات. تأسس الاتحاد الطبي البريطاني British Medical Association في 1836 وتأسست الجمعية الملكية لجراحي لندن Royal College of Surgeons of London في 1800 (وتحول اسمها إلى الجمعية الملكية لجراحي إنجلترا Royal College of Surgeons of England في 1843)، وقد هدفت الأخيرة لتشكيل جسد نقابي خاص بالجراحين ورفضت أن تقبل في عضويتها أي جراحين لم يحصلوا على تعليم جامعي أو أي قابلات حتى لو حصلن على تدريب مهني عن طريق مدارس القبالة.<ref name="GPOBG"/> في عام 1858، صدر أول قانون لتنظيم مهنة الطب في إنجلترا ويُعتبر من أوائل القوانين المشابهة التي صدرت على مستوى أوروبا، وقد استُنتسخ القانون وأعيد إصداره في عدد من المستعمرات والتابعيات البريطانية (مثل أستراليا في 1877 ولاحقا الهند في 1916،<ref>[https://www.nmc.org.in/acts-amendments/the-indian-medical-degree-act-1916/ THE INDIAN MEDICAL DEGREES ACT, 1916 (ACT No. VII of 1916)]</ref> وقد ركز القانون الهندي على توضيح التسميات الوظيفية لممارسي المهن الصحية وعقوبات من يستخدمها بغير استحقاق). صدر في فرنسا قانون الثلاثين من نوفمبر 1892 الذي أغلق مهنة الطب ومنح احتكارًا بممارستها للأطباء بشكل حصري، أما في أسبانيا فقد صدر قانون الخدمة العامة في 1855 وقد تمخض عنه تشكيل هيئات تفتيش ومحاكم طبية تلاحق أي ممارسين للعمل الصحي بدون ترخيص.<ref>[https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/technical_reports/2009/RAND_TR691.pdf RAND Corporation: International Comparison of Ten Medical Regulatory Systems (Technical Report)]</ref> |
| | | | |
| | ;صعود المستشفى كمركز للمؤسسة الطبية | | ;صعود المستشفى كمركز للمؤسسة الطبية |
| سطر 61: |
سطر 61: |
| | نشأت على هامش طب الولادة الحديث مهنة جديدة مثلت شكلًا حديثًا للقبالة، القابلات الحديثات هن ممرضات درسن التمريض بشكل أكاديمي ومتخصصات في العمل داخل أكشاك الولادة في المستشفيات، وقد ظهرت مهنتهن نتيجة لتهميش القابلات التقليديات اللواتي كُن العماد الأساس لعملية الولادة لقرون طويلة، واللواتي أقصين بدلا من السعي لدمج خبراتهن ضمن النظام الطبي. نتج عن ذلك انحسار مهنة القبالة التقليدية، لأن الحاجة إليها تقلصت، وفي بعض الأحيان انتفت بشكل نهائي. | | نشأت على هامش طب الولادة الحديث مهنة جديدة مثلت شكلًا حديثًا للقبالة، القابلات الحديثات هن ممرضات درسن التمريض بشكل أكاديمي ومتخصصات في العمل داخل أكشاك الولادة في المستشفيات، وقد ظهرت مهنتهن نتيجة لتهميش القابلات التقليديات اللواتي كُن العماد الأساس لعملية الولادة لقرون طويلة، واللواتي أقصين بدلا من السعي لدمج خبراتهن ضمن النظام الطبي. نتج عن ذلك انحسار مهنة القبالة التقليدية، لأن الحاجة إليها تقلصت، وفي بعض الأحيان انتفت بشكل نهائي. |
| | | | |
| − | نقلت الدول الاستعمارية تجربتها المحلية بالترسيم المؤسسي لمهنة القبالة وطب الولادة إلى مستعمراتها في الجنوب العالمي،<ref>[https://esmed.org/colonizing-childbirth-western-obstetrics-in-hong-kong/ Colonizing Childbirth: The Adoption of Western Obstetrics in Hong Kong (1842-1910)]</ref><ref>[https://openaccess.wgtn.ac.nz/articles/thesis/Modernizing_Childbirth_in_Colonial_Bengal_A_History_of_Institutionalization_and_Professionalization_of_Midwifery_c_1860-1947/17143193?file=31699082 Ambalika Guha: Modernizing Childbirth in Colonial Bengal A History of Institutionalization and Professionalization of Midwifery, c.1860-1947]</ref><ref>[https://www.cambridge.org/core/journals/journal-of-african-history/article/abs/midwifery-training-and-female-circumcision-in-the-interwar-angloegyptian-sudan/B08E02B41FFDAF0716C0DFD984F44AF8 Heathe Bell: MIDWIFERY TRAINING AND FEMALE CIRCUMCISION IN THE INTER-WAR ANGLO-EGYPTIAN SUDAN]</ref><ref>[https://scientificresearchjournal.com/wp-content/uploads/2018/12/Social-Science-5_A-2543-2547-Full-Paper.pdf Dipti Tripathi: Western Intervention in the Childbirth Practices in Colonial India: A Historical Perspective]</ref> قُدِّمت هذه التجارب باعتبارها "تحديثات" لنظم القبالة التقليدية في المجتمعات الجنوبية ولكنها في واقع الأمر كانت تدخلات استعمارية نتج عنها تقويض التقاليد الشعبية المتوراثة داخل هذه المجتمعات منذ قرون طويلة وتمكين الكيانات الاستعمارية من فرض سياسات الضبط والتحكم السكاني.<ref>[https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC12434214/ Murdock and Durant: Settler Midwifery: A Colonial Tool in Canada's Reproductive Healthcare System]</ref> ولا يزال ميراثها ماثلًا في المؤسسة الطبية الحديثة في الجنوب العالمي لحد الآن، حيث لا تزال تسجل أعلى معدلات للعنف ضد النساء داخل المستشفيات. | + | نقلت الدول الاستعمارية تجربتها المحلية بالترسيم المؤسسي لمهنة القبالة وطب الولادة إلى مستعمراتها في الجنوب العالمي،<ref>[https://esmed.org/colonizing-childbirth-western-obstetrics-in-hong-kong/ Colonizing Childbirth: The Adoption of Western Obstetrics in Hong Kong (1842-1910)]</ref><ref>[https://openaccess.wgtn.ac.nz/articles/thesis/Modernizing_Childbirth_in_Colonial_Bengal_A_History_of_Institutionalization_and_Professionalization_of_Midwifery_c_1860-1947/17143193?file=31699082 Ambalika Guha: Modernizing Childbirth in Colonial Bengal A History of Institutionalization and Professionalization of Midwifery, c.1860-1947]</ref><ref>[https://www.cambridge.org/core/journals/journal-of-african-history/article/abs/midwifery-training-and-female-circumcision-in-the-interwar-angloegyptian-sudan/B08E02B41FFDAF0716C0DFD984F44AF8 Heathe Bell: MIDWIFERY TRAINING AND FEMALE CIRCUMCISION IN THE INTER-WAR ANGLO-EGYPTIAN SUDAN]</ref><ref>[https://scientificresearchjournal.com/wp-content/uploads/2018/12/Social-Science-5_A-2543-2547-Full-Paper.pdf Dipti Tripathi: Western Intervention in the Childbirth Practices in Colonial India: A Historical Perspective]</ref> قُدِّمت هذه التجارب باعتبارها "تحديثات" لنظم القبالة التقليدية في المجتمعات الجنوبية ولكنها في واقع الأمر كانت تدخلات استعمارية نتج عنها تقويض التقاليد الشعبية المتوراثة داخل هذه المجتمعات منذ قرون طويلة وتمكين الكيانات الاستعمارية من فرض سياسات الضبط والتحكم السكاني.<ref>[https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC12434214/ Murdock and Durant: Settler Midwifery: A Colonial Tool in Canada's Reproductive Healthcare System]</ref> ولا يزال ميراثها ماثلًا في المؤسسة الطبية الحديثة في الجنوب العالمي لحد الآن، حيث لا تزال تسجل أعلى معدلات للعنف ضد النساء داخل المستشفيات. |
| | | | |
| | ==العنف خلال الولادة في المؤسسة الطبية== | | ==العنف خلال الولادة في المؤسسة الطبية== |