أُضيف 7٬889 بايت
، قبل 6 سنوات
هذه المقالة من إعداد: [https://manshoor.com/authors/lama.abo.oda/ لمي أبو عودة ]
نُشرت على موقع : [https://manshoor.com/people/women-feminism-sexual-harassment/ منشور]، بتاريخ 24-11-2017
واستُرجعت بتاريخ: 26-11-2017
== مقدمة ==
أثار [https://manshoor.com/people/metoo-harassment-criticism/ موضوع ما بعد دولة القانون: حروب الجنس النسوية بين «نعم» و«لا»] نقاشات مطولة في الاجتماع التحريري لـ«منشور»، ورأينا أن ننشره ونتيح فرصة الرد لمن يختلف معه، وهذا أحد الردود.
حين یمارس یساري عربي ماركسي النزعة جهدًا في تثقیف نفسه بأدبیات النسویة الغربیة، یكتشف أنه یتنازعها تیاران، الأول تیار «الأذى»، أي التیار النسوي، الذي یجعل إطاره السیاسي هو الانطلاق من [[عنف جنسي|العنف الجنسي]] الواقع على المرأة، والثاني تیار «الجنس» المتحالف مع بعض تیارات الحركة [[كوير|الكویریة]] (الكوير مصطلح عام يشير إلى [[أقلية جنسية|الأقليات الجنسية]] من غير المغايرين)، والذي یكون إطاره السیاسي التمحور حول [[حریة جنسیة|الحریة الجنسیة]]، [[حركة الكویریة|فالحركة الكویریة]] تدعو إلى تحریر الجنس من مقولات [[جندر|الجندر]]، وتحریر الجندر من مقولات [[مغايرة جنسية|الغَیْریة]].
بالنسبة إلى هذه الحركة، مشكلة الجندر لیست [[نظام أبوي|الحكم الأبوي]] بل الحكم الغیري، ولذلك فأجندتها الأساسیة هي [[تحرر الجنسي|التحرر الجنسي]].
بعض تیارات الحركة الكویریة متحالف مع [[حركة نسوية|النسویة]] وینظر إلى الغیریة كأنها تعبیر عن الحكم الأبوي. وبعضها الآخر ینظر إلى تشریعات النسویة التي تنظم قوانين [[تحرش جنسي|التحرش الجنسي]] و[[اعتداء جنسي|الاعتداء الجنسي]] بارتیاب، بدعوى أنها تؤدي إلى رقابة اجتماعیة وقانونیة على ممارسات الكویریین ضد الجنس، ویتحالف مع تیار الجنس، الذي نشأ داخل الحركة النسویة في ثمانینيات القرن الماضي، كرد على محاولة بعض تیارات النسویة الرادیكالیة تنظیم استهلاك أدبیات البورنوغرافیا.
حین یرى الرجل ذلك، یحسم موقفه: «أنا مع تیار الجنس، تبًّا لحزب نسویات الأذى، الطهرانیات المتشككات في إرادة المرأة، في قدرتها على قول لا، في حریتها في التصرف في جسدها».
یكمل الرجل في غضب: «ما هذا یا ربي، حررناها من سلطة والدیها لنستمتع بها، فإذا [[النسویة الطهرانیة الفیكتوریة|بالنسویة الطهرانیة الفیكتوریة]] كارهة الجنس اللعینة تقف بیننا وبین نسائنا، لتفسدهن بحدیث حشدي شمولي عدواني تجاهنا، حدیث یغربهن عن جمالنا وجمال الجنس معنا. [[نسویة الأذى]] ما هي إلا تكرار لتیارات المحافظة الاجتماعیة بخطاب آخر، وهو ماضٍ في إعادة تنظیم الفضاء العام للفصل بین الجنسین، تمامًا كما تدعو إليه المحافظة الاجتماعیة».
عندما یصبح الموضوع «جنس المرأة»، یتحول الماركسي إلى لیبرالي فج. «اللقاء الجنسي عقد اتفاقي»، یصر الماركسي، محض عرض وقبول. العقد مع عاملة الجنس هو، للرجل، العقد الجنسي بامتیاز. ینظر الرجل التقدمي إلى عاملات الجنس ثم یقترح: «فلننظمهن في نقابة». أما العقد مع الصاحبة أو الغریبة أو الزوجة، بالنسبة إليه، فلیس إلا صدًى للعقد الأصلي، محض عرض وقبول. أنا أعرض وهي تقبل، أو تعرض هي وأنا أقبل.
إنها مفارقة غریبة حقًّا، فالماركسي یحتقر عقد العمل اللیبرالي ولا یعتبره معرفًا لحق العامل، بل یصر أن العقد الاتفاقي بین صاحب العمل والعامل یخفي وراءه استغلالًا اقتصادیًّا شاملًا، فوراء عقد العمل تكمن «الطبقة»، سیطرة طبقة اقتصادیًّا وفكریًّا وقانونیًّا على طبقة أخرى، والتركیز على العقد یخفي فعل الطبقة، نسویة الأذى ماركسیة بهذا المعنى، فهي تعتبر العقد الجنسي (زواج، عشق، رفقة، هوى)، رغم لغته الرضائیة، یخفي وراءه استغلالًا جنسیًّا شاملًا.
وراء هذا العقد الرضائي مؤسسات وعلاقات اجتماعیة قائمة على تعریف المرأة على أنها «الجنس» الذي یمنح الجنس، والرجل على أنه «الجنس» الذي من أحقیته تملُّك هذا «الجنس». وراء عقد الجنس یكمن الجندر، و«نسویة الأذى» ماركسیة لأنها لا تفرق بین «الأذى» و«الجنس». فسؤال الأذى هو ببساطة سؤال الجنس، وسؤال الجنس هو سؤال الأذى.
المواجهة الحقیقیة لیست بین نسویة طهرانیة تكره الجنس ونسویة لیبرتانیة تحرریة تحب الجنس، بل بین نسویة تسعى لاستمتاع المرأة في الجنس، ونسویة تسعى إلى دفعها لممارسة الجنس حسب الشروط المهیمنة.
الجنس الواجب، والجنس المؤدب، والجنس المكره، والجنس المعنف، والجنس المربوط بسلطة، والجنس مع جثة، والجنس مع غائبة عن الوعي، كل هذا جنس في عرف فریق الجنس. لو كنت رجلًا لرأیته كذلك، فمتعة الرجل تظل موجودة في كل حالة، لكن أین متعة المرأة في كل ذلك؟ یا لها من مفارقة، إنها النسویة الطهرانیة التي تسعى إلى الجنس كمتعة للمرأة وتصر علیه: نعم یعني نعم، نعم یعني رغبتي في الاستمتاع بما سنفعل.
المشكلة من وجهة نظر النسویات الناشطات في معیار «لا تعني لا» أن الافتراض الضمني لهذا المعیار هو موافقة المرأة على الممارسة الجنسية، ونفیه یكون بتصریحها بذلك.
المشكلة أن المرأة في حالات كثیرة لا تستطیع التعبیر عن رفضها للجنس مع رجل معین، إما لخوفها من رد فعله، أو لسلطته علیها، أو بدافع الواجب الاجتماعي، أي أنه افتراض ضمني یعمل لصالح الرجل في معظم الأحیان. معیار «نعم یعني نعم» ینفي هذا الافتراض الضمني إلى عكسه تمامًا، ویُرغم الرجل على الاطلاع على رغبة المرأة الحقیقیة.