وثيقة:المرأة والعمل عند نبوية موسى - الكتاب والنموذج
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
العنوان | "المرأة والعمل" عند نبـويـة موسى: الكتاب والنموذج |
---|---|
تأليف | منى علي علاّم |
تحرير | غير معيّن |
المصدر | السفير العربي |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://assafirarabi.com/ar/31702/2020/06/11/المرأة-والعمل-عند-نبـويـة-موسى-الكتا/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.is/p7XIU
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها السفير العربي
هذه الحلقة الثالثة من مجموعة أبحاث تناولت بعضا من تراث رائدات النهضة النسائية العربية الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هنّ بالترتيب التاريخي: عائشة تيمور، زينب فواز، ملك حفني ناصف، نبوية موسى.. ولا يزال التاريخ يحفل بالعديد من الأسماء.
الفلاّحة سافرة ولكنها محتشمة في زيّها ومشيتها، بينما المدنية تخرج متبرّجة وإنْ وضعتْ على وجهها نقاباً. الحجاب هو أن يكون في زيّ النساء ومشيتهن وسلوكهن ما يكفي لهدم مطامع الرجال إن اضطررن للخروج والاختلاط. ولا يتحقق ذلك إلا بتعليم المرأة التعليم الراقي الذي تشعر معه بمكانتها الحقيقية كإنسان يؤدي عملاً نافعاً في الحياة، لا تمثالاً وُضع للزينة واللهو.
مقدمة ذاتية
من صورة معلّقة في مكتبة مدرستي الثانوية التي تحمل اسمها. أنظر إليها بمشاعر تخلو من الود، ليس فقط لملامحها الصارمة وزيّها الرجالي، بل ربما لأنها كانت تمثل بالنسبة لي وقتها رمزاً للتسلط المدرسي ولنظام المدرسة الصارم الذي لا بد أن يثير استياء مراهقات متمردات... إلى قراءة موسعة، بعد سنوات طوال، لما كتَبَتْ ولبعض ما كُتِبَ عنها، فتصبح النظرة موضوعية مؤسّسة على معرفة.
ولكنّ صرامة الصورة القديمة تلك تبقى خير عنوان لشخصية صاحبتها، التي جعلت من "تعليم البنات" قضية حياتها، فجاهدت ولقيت الكثير من الصعوبات، والقضية والرسالة تتطلبان ولا شك صرامةً وجديّة، ولكنّ صرامة نبوية لم تقتصر على جهادها في الحياة العامة، بل طالت حياتها الشخصية، فقد كرهت الرجال واحتقرت الحب وخاصمت الزواج، حتى إنها عندما كانت في الثالثة عشر أو الرابعة عشر من عمرها قطعت إرباً إرباً خطاباً أرسله لها عاشقٌ غضّ، ولقّنت شقيقته ورسوله درساً قاسياً وأنّبتها تأنيباً لاذعاً.
يجعلها هذا تبدو نموذجا "غريبا" بين النساء، بما في ذلك المناضلات. فالمناضلات يحببن ويناضلن، وينجبن ويناضلن، بل يصرن أكثر قدرة وقوة على النضال وهن يعشن - مع الحب والرفقة - حياة أكثر ثراء واكتمالاً من حياة البعد الواحد التي اختارت نبوية، بمحض إرادتها، أن تحياها.
إذا قرأت سيرتها الذاتية ستصدم إلى حد الضحك من مواقفها مع الرجال، وإذا قرأت شعرها ستشعر أنه شعر جاف لا عاطفة فيه، ولكنّ بعضَ أبيات تعكس جزءا من معاناتها بسبب العَنَت الذي كانت تلقاه في عملها العام. تقول فيها في حوار مع ذاتها:
أتى الليل واستعصى المنام المحبب وباتت توافيك الهموم وتتعب فماذا أطار النوم عنك وقد مضى من الليل ثلثاه وها الثلث يذهب أتخشين جور الدهر والعيش ناعم وحولك أقوام على الدهر غلب نعم قد أخاف الدهر إني عرفته وأخشى كلام الشامتين وأرهب يقولون ماذا تستفيد من العنا فتاة بطول العمر تشقى وتدأب تجد ولا تلقى من الفضل منجداً فلا كان قلب بالعلا يتعذب وقد أسرفت في الجد حتى تضاءلت وكادت بقايا جسمها تتغيب وهذا جزاء المسرفين فما لها تلوم على هذا الزمان وتعتب لو أنها هانت لزالت همومها وكانت كباقي الناس تلهو وتلعب وإني وإن جار الزمان عزيزة فلا أنثني جبنا ولا أتقلب سأصبر في حرب الزمان وأهله وإن جمعوا أعوانهم وتألبوا أحاربهم بالحق حتى أصدهم وسرعان ما يعلو المحق ويغلب
شغفت نبويّة موسى (1886-1951) بالتعليم منذ الصغر، وحينما رفضت والدتها التحاقها بالمدرسة السنيّة معتبرة ذلك خروجاً على الأدب والدين، سرقت خَتمها لتختم به استمارة الالتحاق. تُظهر التلميذة ذكاءً ونباهة وقدرة على الجدل والرد الذي لم يكن يُعجزها أبداً، منذ الطفولة وحتى الكِبَر. تحصل على الشهادة الابتدائية عام 1903، وكانت الدفعة وقتئذ 4 تلميذات، ثم دبلوم المعلمات عام 1905، وتُعيَّن بعدها معلّمة بمدرسة عبّاس الأميرية، وكانت أول فتاة تتقدم لامتحان البكالوريا وتحصل عليها، وذلك عام 1907، فتُرغم وزارة المعارف على مساواتها في الراتب بزملائها الرجال خريجي المعلمين العليا، بعد أن كانت تعطيها نصف راتبهم.
اتخذت من تعليم البنات قضية حياتها، وأوقفت عليه كل اهتمامها وجهودها، هي التي رفضت الزواج واعتبرته "قذارة"، وكانت صارمة في شكلها ولبسها وتعاملاتها مع الرجال حرصاً على سمعتها، وقد عكست آثارُها ذلك الاهتمام، سواء ديوان شعرها أو في روايتها "نوب حتب" أو "الفضيلة المضطهدة". وهي أول ناظرة مصرية تتولى رئاسة مدرسة معلّمات في ظل احتكار الإنجليزيات للمنصب. ثم اتجهت لإنشاء مدارس حرّة بالإسكندرية ثم بالقاهرة.
جمعت نبوية موسى مذكّراتها، بعد نشرها مسلسلة في مجلتها "الفتاة" التي أنشأتها عام 1937، في كتاب "تاريخي بقلمي"، كما وضعت كتابا للمطالعة العربية قُرِّرَ على مدارس البنات، بالإضافة إلى كتاب "المرأة والعمل". وفقاً لطبعة دار الكتاب المصري واللبناني بالقاهرة وبيروت، الصادرة عام 2011 بتقديم د. منى أبو زيد، ضمن سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي"، فإن هذا الكتاب نُشِرَ لأول مرة عام 1920.
على خلاف ما يوحي به العنوان، لم تتناول نبوية موسى قضية عمل المرأة حصراً، بل تناولت قضايا متنوعة. أما قضية السفور والحجاب فلم تتصدَّ لها "لأني أعتقد أن هذه التسمية اصطلاحية فكلاهما اسم نكاد نجهل مُسمّاه"، فالفلاحة سافرة ولكنها محتشمة في زيّها ومشيتها، بينما المدنية تخرج متبرّجة وإن وضعت على وجهها نقاباً لا يستر إلا الحياء، أما الحجاب الذي تفهمه فهو أن يكون في زيّ النساء ومشيتهن وسلوكهن ما يكفي لهدم مطامع الرجال إن اضطررن للخروج أو الاختلاط، ولا يتحقق ذلك إلا بتعليم المرأة التعليم الراقي الذي تشعر معه بمكانتها الحقيقية كإنسان يؤدي عملا نافعاً في الحياة لا تمثالاً وضع للزينة واللهو.
المرأة العربية والمرأة الإنجليزية
تتتبّع نبوية موسى تاريخ المرأتين العربية والإنجليزية للمقارنة بين المرأة في الشرق والغرب، فتقول إن المرأة العربية قديماً لم تكن منحطّة عن أختها الغربية بل إنّ ما كانت عليه لم تصل إليه أوروبا إلا بعد زمن طويل. فقد اشتغلت بكل ما اشتغل به الرجل، فكانت شاعرة ومحاربة وتاجرة وملكة، حتى إذا جاء الإسلام زادها رقياً على رقيها، ولم يحرّم عليها العمل ولا حتى التدخل في الأمور السياسية. وما زالت المرأة العربية تشعر بالحياة الحقيقية إلى أن انحطت الأمم العربية فخملت العقول واستبد بهم الأعداء، فاستبدوا هم بنسائهم وأخطأوا في فهم القرآن وأوّلوه بما شاءوا وشاءت أهواؤهم. وإذا كانت المرأة المصرية، في عصرها، أحطّ من أسلافها سواء في ذلك انتسبت إلى العرب أو إلى الفراعنة، فإن المرأة الغربية تتقدّم مع الزمن. فالمرأة الإنجليزية كانت، كغيرها من نساء أوروبا، خاضعة لسلطة الرجل، محرومة من كثير من حقوقها، محصورة في أعمال معينة، فما زالت تطالب بحقوقها وتناضل لتحقيقها حتى نالت كثيراً منها، وكانت نتيجة ذلك رقي الأمة بأسرها.
المغالاة في الفروق بين الجنسين
وتقول إن الرجال غالوا في تعداد الفروق بين الرجل والمرأة حتى كاد الإنسان يظنهما نوعين متباينين، على الرغم من أنه لا فروق بينهما في المواهب العقلية والعادات. وإذا كان الإنسان ينطبق عليه ما ينطبق على الحيوانات الأخرى من قوانين الطبيعة العامّة فإننا نجد الذكر في الحيوانات لا يختلف عن أنثاه إلا في أمور تناسلية محصورة، وسُنّة الطبيعة في جميع المخلوقات أن يكون الذكر أقوى عضلاً وأكبر جسماً ومخاً، ولكن هذا ليس معياراً للتفوق، وإلا كان نبغاء الأمم وفلاسفتهم من أكبر الناس حجماً، ولم يقل أحد من علماء الطبيعة إن الفأر مثلا لشدة قوته عن الفأرة قد خُلِقَ ليكون القيَّم عليها في معيشتها، بل الحقيقة أنها تعيش مثله ولا تعتمد عليه في شيء، لأن الطبيعة لم تجعلها في حاجة إليه أكثر من حاجته إليها، فهما متساويان، وكذلك الرجل والمرأة، والقول بأن الطبيعة أعدّتها للمنزل لضعفها عن الرجل لا صحة له، إذ لها من الأعضاء التي تؤهلها لقضاء جميع حاجاتها ما له. وإذا كانت من الناحية العاطفية أرقّ قلباً وأكثر تأثراً، فإن التأثر والشعور يذهبان بذهاب العقل ويتبعانه في القلة والكثرة.
أما كثرة النبوغ في الرجال عنه في النساء فسببه الحجر على مواهب المرأة وبُعدها عن تجربة الحياة الحقيقية مما جعل حياتها أقرب إلى الموت منها إلى الحياة. أما في البلاد التي اعتنت بتربيتهن فقد نبغت منهن كثيرات فُقْن الرجال.
بين ما خطّت وما عملت
وترى أن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة فكرة اصطلاحية ليس للطبيعة يد فيها "ولست أعارضها ما دامت المرأة متزوجة، أما إذا لم يتيسّر لها ذلك فهي شخص مستقل يجب أن تقوم بكسب قُوتها كما يجب أن تتعلم ذلك من صغرها، حتى لا تحتاج إلى كسب القوت بالأعمال "الدنيئة" التي لا تناسب ضعفها المزعوم، كالخدمة والبيع وغيرهما"، وأن ما يذهب إليه البعض من عدم صلاحية النساء للقيام بالأعمال لأنهن لا يقوين عليها ينفيه الواقع، فنساء الطبقات الفقيرة يمارسن أعمالاً شاقة بأجور زهيدة، ولم تُمنع النساء إلا من الأعمال "الراقية"، التي تحتاج إلى تعليم، كالطب والمحاماة وغيرهما. وبوجه عام فإن تولّي النساء الأعمال المختلفة يحفظ الثروة المصرية التي تستأثر بها الأجنبيات.
لم تتحدث نبوية موسى عن العمل كحق أصيل للمرأة واختيار حر وسبيل للإنجاز وتحقيق الذات ونفع المجتمع بطاقات لا ينبغي أن تُهدَر، بل كوسيلة للكسب تلجأ إليه المرأة في حالات غياب العائل، أي عند الضرورة فقط، وإذا كانت درجة تقدم المجتمع ووضع المرأة آنذاك لم يتيحا لها معالجة القضية من هذه الزاوية، فقد جسّدتها هي في حياتها التي فرّغتها للتعليم والعمل.
وتسأل من يزعمون أن عمل النساء محرّم دينياً "لِمَ ننكر على الغنيّات الاستعداد للقيام بالأعمال الراقية التي تناسب مقامهن إذا دفعتهن الحاجة إلى الكسب وقد سمحنا بالعمل للفقيرات والفلّاحات، فهل للدين دخل في ذلك مع أنه لا يُشترى بالمال؟ فكيف تناله الغنية وتعجز عنه الفقيرة؟ إنه لخير لنا ألا نُدخل الدين في ذلك بل نقول هي العادة التي كان منشؤها الجهل وعدم تقدير الأحوال حقّ قدرها". وتؤكد أن خروج النساء للعمل لا يؤدي لانتشار الفساد، بل العمل وسيلة لقمع الفساد لا لإكثاره.
تكافؤ الزوجين
وتنتقد نبوية موسى تخصيص مناهج لمدارس البنات مختلفة عن مناهج الأولاد، وتؤكد ضرورة اتفاق المناهج على الأقل في المراحل الأولى من التعليم، ثم تُعلّم البنت ما يلزم لتكون ربة منزل، وهي وظيفة سامية تتطلب عقلاً راقياً مستنيراً بالعلم. فالاختلاف في تربية الأطفال يؤدي إلى نفور الزوجين وعدم اتفاقهما لغياب التكافؤ العلمي والثقافي، والفتاة التي تقتصر على تعليم التطريز والطبخ والغسيل والقراءة والكتابة لا يمكن أن تتفق مع رجل مثقّف، ورقيّ الأمة لا يُنال إلا إذا تكافأ الرجل والمرأة في العلم والعمل، وعندئذ تنظر الأسرة بعينين لا بعين واحدة هي الرجل، إذا فُقِدت عميت الأسرة وضلّت سواء السبيل.
ومما يؤخذ عليها رؤيتها الطبقية لنشر التعليم، إذ ترى أن الأولوية يجب أن تكون لتعليم أبناء المثرين تعليماً عالياً بدلاً من التوسع في التعليم الأوَّلي ليشمل أبناء الباعة والخدم ومسّاحي الأحذية والفلاحين. فالأولون هم الرأس المفكر للأمة الذي يرشد "السوقة". وقد أرجع البعض تسميتها لمدارسها باسم مدارس بنات "الأشراف" إلى رؤيتها الطبقية تلك.