وثيقة:عائلة زينب تخاف من نفوذ سياسي يحمي قتلتها
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | مروة صعب |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | منصّة درج |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://daraj.com/55173/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.vn/pCHWR
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها منصّة درج
"اللي قتلو ابنتي مدعومين. أنا ماني تابع لأي حزب سياسي ولا عندي مال لتعيين محامٍ يساندني لانتزاع حق بنتي من اللي قتلوها". في منزله البسيط في منطقة الشياح- بيروت يجلس عاطف الحسيني
(63 سنة)، المؤهل أول المتقاعد من قوى الأمن الداخلي، وحيداً مفجوعاً تلهو إلى جانبه قطتان. المنزل شبه خال ولا عزاء فيه، وحدها ملامح البؤس والفجيعة تملأ المكان. إنه منزل عائلة زينب، المراهقة التي خطفت وقيدت وأحرقت حية في جريمة هزت لبنان.
يجلس الوالد تحت هول الجريمة مذهولاً، فابنته الثانية أصيبت بصدمة عصبية وهي في المستشفى ومعها أمها التي ترفض الحديث الى الاعلام، فيما يجلس الأب وحيداً في المنزل. يرتدي نظارته التي لصق زجاجها المكسور ويفتح هاتفه يتأمل في الصور المخزنة فيه.
دأب منذ الجريمة على إظهار صور ابنته الصغرى، كيف كانت وكيف باتت جثة متفحمة. يقول لي، “بنتي حلوة وواعية، ليكي كيف كانت، وشوفي شو عملوا فيها”. يصرّ على مشاهدة صور صغيرته حتى الصور القاسية لجثمانها محترقاً، ينظر غير مصدق كيف نالت منها النيران لتبدو بلا ملامح. يسكنه هاجس وحيد، هل ماتت قبل أن تحترق أم عاشت العذاب!
يريد الأب من الإعلام أن ينشر صور زينب (نتحفظ على نشرها)، “بدي العالم يشوف شو صار لبنتي، بتقولي محرقة هولوكوست؟ أرمن؟ هاي ما بتقل فظاعة. بنتي احترقت حتى الموت وما بستبعد يكونوا اعتدوا عليها قبل قتلها”.
ما يزيد من فجيعة الأب والعائلة أن ابنته اختطفت في شقة في منطقة مكتظة وحين أحرقت لم يكن هناك مبادرة سريعة للإنقاذ كما يقول، “لما الناس بتنزل عالشارع بتحاصرهم الدولة بكامل اجهزتها. بنتي كانت عم تحترق لساعة قدام العالم وما تحرك حدا… سمعوا صريخها الساعة 2 الفجر وما عملوا شي، من مين كانوا خايفين؟ ليش ما حدا انقذها؟” يقول عاطف الحسيني والدموع تملأ عينيه.
يعيش عاطف الحسيني على أمل العدالة لابنته ويملؤه الخوف من تمييع قضيتها كقضايا ضحايا كثر في لبنان، “عملت في السلك العسكري 25 سنة وأعرف كيف تمر قضايا كهذه. أكبر القضايا يتم تعليقها وتنتهي ببراءة المذنب. اللي قتلو ابنتي مدعومين. أنا ماني تابع لأي حزب سياسي ولا عندي مال لتعيين محامٍ يساندني لانتزاع حق بنتي من اللي قتلوها”.
حرقها حتى الموت
كان عثر على الطفلة زينب الحسيني 14 عاماً محروقة داخل شقة المدعو م.س المهجورة في برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية لبيروت.
التحقيقات الأولية تشير الى أن المدعو ع.س (21 سنة) استدرج زينب وقيدها وأحرقها داخل شقة خاله الذي تم إلقاء القبض عليه ايضاً هو وابنه بعد فرارهما عند إلقاء القبض على ع.س.
جاء في نتيجة التحقيقات الأولية التي نشرها مكتب مديرية المخابرات أن الثلاثة عادوا الى المنزل مخمورين فاعتدى أحمد على الضحية بالضرب فأدماها. لجأت زينب إلى ع.س (21 سنة) ليحميها فتعارك معه وأصيب والضحية بجروح فقرر الانتقام فيما عادت هي مع أحمد الى المنزل. ليلاً عاد الجاني ومعه ليتران من البنزين سكبهما فوق الضحية وهي نائمة وأشعل النار فاحترقت حتى الموت وغادر بعد ارتكاب جريمته الشنيعة. ثم عاد مصطحباً رجال الاطفاء الذين يقع مركزهم في شارع مجاور لإطفاء الحريق وتوارى عن الأنظار.
في تقرير الطب الشرعي الذي حصل “درج” عليه من والد الضحية، يكشف الدكتور نعمة الملاح الذي عاين جثة الطفلة وجود حروق من الدرجة الثالثة فيما التفحم يغطي كامل جسد زينب مع ذوبان كامل للجلد من شدة الحريق وهي مجهولة معالم الوجه، مشيراً أن لا أثر للعنف أو ما شابه علماً أنه لا تمكن ملاحظة الكدمات أو أي اعتداء جسدي من جراء تلف الجلد، وحصلت الوفاة عند الساعة الثالثة وسبب الوفاة توقف في عمل القلب جراء الحروق البليغة.
يؤكد والد زينب بعد مشاهدته الصور الجريمة فور دخول الأدلة الجنائية إلى الموقع والعثور على طفلته جثة متفحمة قرب النافذة وأمامها الباب الذي كسرته فرقة الاطفاء بحسب قوله لتتمكن من الدخول، أن الباب المخلوع يدل على أنه كان مقفلاً بإحكام، “بعض الناس يحاولون تخفيف جرم القاتل بأنه لم يكن يعلم بوجودها، واضح أنه كان يعلم بوجود ابنتي في منزل خاله. يدل ذلك على تورط الأخير بالجريمة أيضاً وهو تاجر مخدرات بحسب ما نسمع، ويقول آخرون كما في بيان الجيش أنه كان مخموراً، هناك من يحاول التخفيف من الجرم المرتكب لتبرير فعلة القاتل بأي طريقة”.
الاتصال الأخير مع زينب
يقول عاطف الحسيني إن ابنته زينب اتصلت به من منزل خالة والدتها قبل 12 يوماً من وقوع الجريمة لتخبره أنها تعرضت لحادث سير وأصيبت قدمها ويدها، فسارع إلى إرسال شقيقها هود (17 سنة) مع بطاقتها الصحية (لأنه كان متوعكاً صحياً). كما اتصل بوالدتها لتذهب إليها لكن زينب اختفت بعد انتهاء المكالمة وخالتها لم تلاحظ غيابها “بسبب انشغالنا بضيوف”، هذه كانت المرة الأخيرة التي سمع فيها عاطف خبراً عن ابنته “قدمنا بلاغاً إلى الأجهزة الأمنية عن غياب الطفلة لكننا كنا نبحث عنها لوحدنا”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تختفي فيها المراهقة من منزل والدها الذي قال إنها منذ شهرين فُقدت أيضاً ولكنهم وجدوها في اليوم ذاته عند صديقتها في الشياح. ويصف اختفاءها المتكرر “بالمراهقة، التغيير السيكولوجي الذي تمر به أي فتاة بعمرها”.
كانت زينب في الصف الثامن في ثانوية علي خليل في الشياح، ويقول والدها إنها “سر أبيها، لو كانت حبت حدا كانت قالتلي”، وهو هنا يحاول الردّ على ما ردده البعض عن علاقة عاطفية استدرجت من خلالها زينب الى مصيرها المحتوم.
انعدام الأمن والأمان للنساء في بلد الانهيار
في ظل حالة الانهيار المالي والامني والسياسي التي تواجهها مؤسسات الدولة ومن ضمنها المؤسسات الأمنية، خصوصاً بعد جريمة تفجير المرفأ، هناك حال عام من انعدام الثقة بأجهزة الأمن والقضاء وشكوك وقلق حول العدالة وتحققها في هذه البلاد.
يتضاعف هذا القلق حين تكون الضحايا من النساء. وقد كان لافتاً أن البيان الأولي للجيش عن الجريمة كان يحمل شبه إدانة الى زينب من خلال إيراد جملة أن “تسببت بخلاف” بين المتهمين بقتلها، علماً أن زينب قاصر ودون السن القانونية والمتهمون بقتلها جميعهم بالغون فكيف يمكن لبيان رسمي عن مؤسسة رسمية أن يغفل هذا الجانب.
لاحقاً، أعاد الجيش تعديل لهجته في البيان اللاحق.
الحقوقية منار زعيتر، اعتبرت أن جريمة حرق الطفلة زينب قد لا تكون من أولويات السلطة التي ثبت أكثر من مرة أنها غير معنية بيوميات المواطنين ومعاناتهم، “جريمة كهذه في بلد آخر تهز الرأي العام. وتشغل دولة بكامل أجهزتها”.
لجريمة مقتل زينب خصوصية بحسب زعيتر نسبةً إلى مكان وقوعها والسياق السياسي والاجتماعي للمكان، “جميعنا يعلم أن القضاء مسيس وقد يتم التلاعب بالحكم اذا توفر للمجرمين غطاء سياسي حزبي لذلك علينا تحويلها إلى قضية رأي عام والضغط إعلامياً لتحقيق العدالة”.
لا أرقام واضحة لعدد الجرائم بحق النساء، “كل الأدبيات لا تدخل في لعبة الأرقام والنسب، إن قُتلت عشر نساء أو مئة، العبرة ليست في النسب بل في بناء ثقافة رفض العنف المبني على النوع الاجتماعي، والخطر يكمن في قدرة الأفراد على تعريض هذه الفئات للعنف والتساهل الاجتماعي والقانوني مع هذه القضايا”.
يجب عدم فصل قضايا النساء عن السياق السياسي والاجتماعي للبلاد، تختم زعيتر حديثها بأننا كلما اتجهنا نحو بلاد ذات مؤسسات وأجهزة متقاعسة عن أداء واجباتها، فيما قضاؤها ليس ملجأ لحل قضاياهم، تراكمت التحديات، وإمكان تعرض النساء للخطر.
يقول الوالد المفجوع، “لن أسامح، ولن أصالح… عم إرفع صوتي حتى ما يضيع حق ابنتي.”