وثيقة:احفظوا أسامي اللي خرجوا في الشوارع صم
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | كائن كويري محلي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مجلة شباك |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.shubbakmag.com/articles/13
|
تاريخ الاسترجاع |
|
نُشرت هذه المقالة في العدد 1 من مجلة شباك على خلفية قضية علم الرينبو
قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة شباك
كنت واقفاً بين جمهور حفل "مشروع ليلى" قبل أن أرى أعلام قوس قزح ترفرف في أرجاء المكان. ذهبت كالمجاذيب نحوها حتى أنني لم أنتبه جيداً للزحام الذي كان علي أن أخترقه قبل الوصول إلى المكان الذي تعلوه الأعلام. أما لحظة الوصول نفسها فكانت أشبه بالنهاية السعيدة التي ينتظرها عاشق يائس في ختام فيلم سينمائي لتمنحه أملاً في بدايات جديدة. حتى الآن أعجز عن التفرقة بين الواقع الذي رأيته وبين الخيالات التي تجسدت في تلك البقعة المكانية التي انطلقت منها الأعلام. كل ما أذكره هو شباب وشابات لم يتجاوز عمرهم/ن الخامسة والعشرين، مثليون، ومثليات، عابرين وعابرات جنسياً يمسكون بأعلام قوس قزح "أعلام المثلية" ويحاولون رفعها عالياً وكأنها أملهم الأخير في البقاء. كانوا يعرفون مثلما أعرف أنا أيضاً أنه بمجرد انتهاء الحفل سنعود جميعنا مرة أخرى إلى معاركنا اليومية التي علينا خوضها لا لشيء إلا لإثبات حقنا في حياة كالحياة. تلك المعارك التي تهزمنا كثيراً قبل أن نعود للانتصار فيها من جديد. أما عن تلك اللحظة التي توقف فيها الزمن وارتفعت فيها أعلام قوس قزح، فلا يمكنني النظر إليها الا باعتبارها انتصار كان ثمنه سنوات من قسوة الخوف وألم الاختفاء. في تلك اللحظة تبددت هذه القسوة وتقهقر ذلك الألم ولم يتبق سوى ابتسامات رسمت على شفاهنا جميعاً لتطمئننا بأن تلك اللحظة كانت حقاً لنا.
هل كانت اللحظة حقاً لنا؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يلح عليّ بعد انتهاء الحفل. فما هي الا ساعات محدودة حتى بدأت حملة مسعورة عبر وسائل الإعلام المصرية تندد بما حدث وتحرض الدولة والمجتمع ضد هؤلاء الشباب والشابات الذين تجرأوا على رفع علم المثلية تحت سماء القاهرة. الحملة، التي بدأت في الساعات الأولى من يوم 23 سبتمبر ولم تتوقف حتى لحظة كتابة تلك السطور، أودعت ما لا يقل عن 60 شخص من مجتمع الميم في السجون بالإضافة إلى تلك الشابة الحالمة وذلك الشاب المغامر اللذين وجدا أنفسهما أمام تهم سياسية قد تودي بهما إلى عقوبة قد تصل للحبس لمدة 15 عاماً لا لشيء إلا لأنهما قررا التضامن مع أفراد مجتمع الميم. إلى جانب هؤلاء الذين ألقت بهم الدولة المصرية في السجون، هناك أيضاً الشباب والشابات الذين أجهدهم الخوف من تبعات تلك الحملة الأمنية فقرروا الاختفاء حتى عن أقرب أصدقائهم/ن. وإلى جانب الخائفين والخائفات، تجد أولئك الذين وقعوا في موجات من الاكتئاب والألم النفسي، بعد أن استنفذت خطابات الكراهية، التي تبثها وسائل الإعلام ليلاً ونهاراً، قدراتهم على المقاومة. وأخيراً، هناك ذلك الفتى، الذي كان على بعد ثلاث أشهر من بلوغ عامه العشرين، ولكنه عجز عن مواصلة الرحلة بعد أن أرهقه السعي لأجل أن يحظى بقبول ودعم من أسرته ومن مجتمعه فقرر إنهاء حياته بنفسه. هذه مجرد أمثلة للثمن الذي دفعه ومازال يدفعه حتى الان مثليون ومثليات وعابرون وعابرات جنسياً في مقابل لحظة مقاومة انتزعوها رغماً عن سنوات من الانتهاكات الممنهجة سواء من قبل الدولة أو المجتمع او حتى الاعلام. نعم، هناك ثمن للمقاومة وهناك ثمن للاختيار، ولكن لم يعرف أحد أن الثمن سيكون كل هذا الكره. ومع ذلك مازلت مؤمناً بأن اللحظة كانت حقاً لنا.
لماذا كانت اللحظة حقاً مشروعاً لنا؟ ربما لأن تلك اللحظة سبقها ما لا يقل عن 16 عاماً من المعافرة والمقاومة وبالتحديد منذ حادثة كوين بوت في عام 2001. وقتها كنت مراهقاً يبلغ من العمر 16 عاماً ويخشى من الإفصاح عن ميوله المثلية حتى لنفسه. شاهدت صور ال 52 مثلياً في الجرائد المصرية وهم يتم التشهير بهم باعتبارهم "الخطر الأعظم" على أمن المجتمع المصري ومنظومته القيمية والأخلاقية، مثلما استمعت والخوف يعتصرني إلى تعليقات عائلتي على هؤلاء "الشواذ" الذين نالوا عقابهم. مرت السنوات وذكرى "كوين بوت" تكبر بداخلي وتتحول إلى جرح لا يلتئم، خاصة وأن الحملات الأمنية الممنهجة ضد المثليين والمثليات في مصر لم تتوقف وقتها بل ظلت في تصاعد مخيف إلى أن بدأت حدتها في الخفوت مع حلول عام 2007. مازلت أذكر كيف في ذلك الوقت كان أفراد مجتمعات الميم يستخدمون/ن أسماء غير حقيقية وهويات "وهمية" خوفاً من أن يتم الإيقاع بنا من قبل الأمن أو حتى من عائلاتنا. مع ذلك، وبالرغم من ذلك الخوف، كان لدينا رغبة جماعية في الخروج إلى الشوارع التي طالما حلمنا بالعودة إليها. بدأ الأمر بمقاعد محدودة في أحد مقاهي القاهرة ليتحول بعد ذلك عبر السنوات لأماكن وشوارع تكاد لا تخلو من أجسادنا الملونة بقوس قزح. مازلت أذكر أيضاً المرات التي كان يتم طردنا فيها بقسوة من هذه الأماكن وتلك الشوارع، مثلما أذكر كيف كنا نعود إليها من جديد أكثر عدداً وأشد بأساً إلى أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
كان قد مر عقد كامل من الزمان على حادثة "كوين بوت". عقد شهد تحولات ومفاوضات كثيرة فيما يخص وجودنا وتواجد أجسادنا بشكل مرئي في الشارع المصري. أما الثورة فكانت اللحظة التي تبلور فيها ذلك التواجد، فانخرطنا بين الجموع التي حلمت بالتغيير وتصورنا أن لنا في الثورة حق مثل الجميع. خرجنا إلى الشوارع وانضمت أصواتنا لأصوات الثائرين والثائرات ضد الظلم. والحق أن الثورة كانت بدت في البداية وكأنها منحازة لنا ولنضالنا، ولذا إذا عدنا بالذاكرة إلى عام 2011 وعام 2012، سنرى تواجداً استثنائياً للمثليين والمثليات والعابرين والعابرات ليس فقط في الشوارع وإنما أيضاً في التحركات والتظاهرات السياسية والاجتماعية التقدمية. بحلول عام 2013 وبالتحديد سبتمبر 2013، لم يعد لنا مكان في الشوارع التي كنا قد اعتدنا عليها، مثلنا مثل المجموعات السياسية التي لم يعد النظام السياسي مرحباً بها. وإن كان الوضع في حالتنا أسوأ، حيث اتحد الرفض السياسي لنا مع الوصم المجتمعي ضدنا، لتكون نتيجة ذلك الاتحاد حملة أمنية شرسة بدأت منذ نهايات 2013 واستمرت حتى الان. تلك الحملة التي شهدت لحظات من الظلام الحالك كواقعة "حمام باب البحر" أو "المركب/ فيديو زواج المثليين" ووصولاً إلى الحملة الأمنية التي تلت حفل "مشروع ليلى". ومع ذلك، لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعتبر أن ال 17 عاماً التي مضت على "كوين بوت" لم تغير أي شيء، أو أن الثورة لم تدفع نضالنا إلى الأمام. بل أنه يمكننا أن نقول أن الواقع الذي نعيشه كمجتمعات الميم في مصر أصبح به معطيات مختلفة عما شهده جيلي على الأقل. أبرز تلك المعطيات المختلفة هو ظهور أجيال جديدة تفتح وعيها على حراك مرتبط بقضايا المثليين والمثليات ولديها إصرار على العودة إلى الشارع والنضال لأجل هوياتها مهما كان الثمن. أجيال لديها تصميم على أن تحفظ أسامي من خرج منهم ومن أجيال سبقتهم/ن إلى شوارع الحراك في مصر "صم"، ومهما كان الثمن.