وثيقة:الإطعام كسلطة أمومية
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | مي عامر |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | جيم |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://jeem.me/%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%85%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B7%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%83%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%88%D9%85%D9%8A%D9%91%D8%A9
|
تاريخ الاسترجاع |
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها جيم
بدأت الحركة النسويّة بالاهتمام بدراسات الطعام والعمل على إعطائها بُعدًا معرفيًّا جديدًا خلال فترة السبعينات[1]، حيث ركّزت على تحليل دور المرأة الإطعاميّ وذلك بتفكيك مباحث متباينة مثل اقتصاد العمل المنزليّ والعلاقة بين الغذاء وشكل الجسد ضمن منظومة أبويّة تفرض معاييرها وأحكامها وقوانينها على النساء[2]. في هذا السياق، يُعدّ كتاب "أنثروبولوجيا الطعام والجسد" لمؤلفته كارول كونيهان أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة ميلرزفيل في بنسلفانيا، والتي ركّزت كثيرًا في إنتاجها البحثي على قضايا الغذاء والثقافة والجنس والهوية خاصّة في الولايات المتحدة وإيطاليا، أحد المراجع المهمّة في مجال دراسات الطعام من منظور نسويّ. وتعتبر كارول كونيهان أنّ "دور النساء السائد في إطعام الأسرة ملمح ثقافي عام في جميع أنحاء الكون ومصدر لسلطة النساء، وعليه فإنّ قوّة النساء كثيرا ما كانت تُستمدّ من قوّة الطعام"[3].
يحصر المجتمع الأبويّ المؤسّس لأكثر الأسر التقليدية دور النساء في الإطعام وبالتالي فإنّ هذا الدور يُعدّ مساحة لممارسة النساء امتيازاتهن ومن ثم قوتهن. وتُعرف الامتيازات حسب قاموس كامبريدج على أنها مجموعة الفرص والتسهيلات التي يتمتع بها شخص ما بشكل روتيني بناءً على نوعه الاجتماعي، أو جنسه، أو ميله الجنسي أو عرقه ولونه، أو طبقته الاجتماعية على حساب مجموعة أخرى4. وتؤكد مايشا ز. جونسون الكاتبة والمحررة بموقع "إيفريداي فيمينيزم" والمهتمة بالقضايا النسوية والتغيير الاجتماعي في مقالها "ماذا يعني الامتياز حقًا (وما لا يعنيه) - لتوضيح شكوكك بشكل حاسم" والمترجم على منصة ويكي الجندر أن "الامتياز يعني أن هناك نظم كاملة تُفضّل بعض المجموعات وتحطّ من أخرى وأن حيازة نوع واحد من الامتياز لا يعني أنك لست مقهورًا بطرق أخرى"، وبهذا المفهوم فإنّ النظام الأبوي والذي له قيمته وآليّاته الراسخة ثقافيًا، قد كلّف النساء بإطعام الأسرة كامتياز ومكّنها من سلطة اختيار الطعام وإعداده وتشكيل ذائقة أفراد الأسرة، ولكنّ هذا الامتياز لا يعني بالضرورة أنّ النساء غير مقهورات لأنّهن مُطالبات في المقابل بالالتزام بالمنظومة القيميّة التي سطّرها النظام الأبويّ.
ولأن الإطعام عملية ثقافية تقوم أساسًا على التواصل، حسب ما ذكرته أستاذة الدراسات الجنسانيّة والثقافيّة بجامعة سيدني إليسيث بروين في بحثها المنشور ضمن كتاب "الأجساد الثقافية: الإثنوغرافيا والنظرية"، حيث تقول: "هناك تضاعف متواصل في الاتصالات بين الطعام الذي يدخل الجسد وبين المصدر الذي جاء منه وما يعنيه وكيف يكون الشعور به"[4]، تتأثر تلك العملية بامتيازات كل المشاركين بها وتحديدًا الأمّهات اللاتي يوظّفن الإطعام كخطاب رمزيّ ويتجسّد ذلك في الاستخدام الشائع لبعض الجمل التي تعبّر عن مشاعرهنّ المختلفة.
- أعملك إيه يا حبيبي / يا حبيبتي لما تيجي؟
( تعبير عن الاشتياق)
- عملتلك الأكل اللي نفسك فيه؟
( تعبير عن الحب)
- أحضّرلك الغداء، شكلك تعبان
(تعبير عن التقدير)
- الأكل في الثلاّجة أو على البوتاجاز
(تعبير عن الغضب)
يكفل المجتمع التقليديّ للنساء عامّة والأمهات بشكل خاص مساحات للتعبير عن مشاعرهنّ بما أنهنّ مُلزمات بالاحتواء والتحمّل. إلا أنّ حفاظه على ثقافة العيب يقف مانعًا أمام بعض الأمّهات للتعبير بشكل مباشر وواضح عن عاطفتهنّ، لذلك يجدن أنفسهنّ مُجبرات على استخدام الطعام وسيلة للبوح. وعليه يصبح الطعام المكلّف والذي يحتاج إلى خبرة في إعداده مثل المحشي والبط والحمام حجّة على حبّ الأمّ لأبنائها وترجمة لمزاجها.
ليس الإطعام مُجرّد لغة رمزية نحتاج إلى فكّ شفراتها بل هو أيضًا أداة للضبط الاجتماعيّ ولتحديد الأدوار الاجتماعيّة وتقسيمها. ومع معرفة الأمومة التقليدية للفوارق الواضحة بين ما هو رجوليّ وماهو نسائيّ حسب تصوّراتها المحسومة من قبل المجتمع الأبوي فهي تساهم في إعادة إنتاج الأفراد بنفس الأدوار وذلك بإبعاد الذكور عن المطبخ حماية لرجولتهم المهدّدة وحصر الفتيات في أعمال المنزل. وهذا ما أكّدته كارول كونيهان بقولها: " أنا أرى أن ابتلاع الطعام استعارة مجازية لابتلاع ثقافة الأبوين لاسيّما ثقافة الأمّ"[5].
وتعتبر الأمّهات الوجبات السريعة تهديدًا لوحدة الأسرة ولانتماء الأبناء لها، فاحتلال الشركات متعددة الجنسيّات التي تزرع فروعها في كل الشوارع كأحد أهم ملامح النيوليبرالية، غيّر خريطة الطعام وثقافته داخل الأسرة. بل وأصبحت أكلات مثل البيتزا والهمبورجر والكريب لها أولويتها في حياة الأبناء ربما لأنها مُختلفة الطعم وربّما لأنّ إعلاناتها تُغطّي الشوارع وتسيطر على التلفاز ولكنّ المؤكّد أنها الحل الأسهل لإيقاع الحياة داخل القاهرة النيوليبرالية. يقول المفكر الماركسي وأستاذ الجغرافيا النقدية ديفيد هارفي إنّ "النيوليبرالية عرضت قيم ومفاهيم الحرية الفردية كقيم أساسية بعد أن طُمست على يد أنظمة وخطابات شمولية فرضت حكما جماعيا سيطر على الأفراد، ولذلك تحوّلت فكرة النيوليبرالية إلى فكرة جذابة وتحريرية"[6]. وقد ساهم خطاب الحرية والفردانية ومتعة الاستهلاك في نزع صفة الحميميّة عن الطعام وفي كسر ثقافة الطعام الجماعيّ وبالتالي إعادة تشكيل الذوق الجماعيّ للأسرة، حيث أصبح الأبناء يفضّلون شراء وجبة سريعة من محلّ معروف على الأكل في البيت، مّما دفع الأمّهات إلى محاولة تقليد تلك الوجبات في مقاومة لهذا الخطر. لذلك فإنّ جملا مثل "أكلت بره" أو "الأكلة دي مش زي إلّي في المطعم"، هي إعلان حرب مع الأمّ ترى فيه استهانة بمجهودها في الإطعام.
كثرت مشاهد الطعام الجماعيّ في شهر رمضان وتبادلت العائلات العزومات على الإفطار، ولأنّ تلك العلاقات خليط من المحبة والود والتنافس ولأنّ موضوع الجلسة هو الطعام، فإن الإطعام هنا يحمل كل محددات تلك العلاقات. أذكر مشهدًا للفنانة كريمة مختار من فيلم الحفيد حيث كانت تحدث زوجها الفنان عبد المنعم مدبولي وتسرد له قائمة من الطلبات قائلة: "البوفتيك لازم البوفتيك ...إنت عايز الناس تقول علينا إيه؟". تقضي الأمّهات ساعات طويلة في إعداد الطعام للصائمين، مع الاستعانة ببرامج الطبخ الكثيرة. وعمومًا تقدّم الأمّهات الأكلات التي يتميّزن في طبخها وبكميات تفوق العدد الفعليّ للحاضرين؛ رسالة مضمونة الوصول عن مهارة الأمّ في الطبخ وكرمها. وفي هذا السياق تقول الباحثة في دراسات المرأة والأكاديمية في جامعة راندولف باميلا قواجيوتو: "الأم هي التي تقرر متى سيأكل أفراد الأسرة وماذا يأكلون وكميّة الطعام الذي سيأكلونه. إنها تمسك بزمام الضوابط الاجتماعية التي هي عالم صغير من السلوكيات والقيم حكم المجتمع على اتساعه بأنها صحيحة وعادلة، وهي تمسك بزمام اللغة الرمزية للطعام، فتقرر ما ستقوله أطباقها وواجباتها عنها وعن عائلتها وعن العالم"[7].
تسير النساء في الأنظمة الأبوية مثقلات ومكبلات بقوانينه وقيمه وتُعاقب المتمرّدات على هذه المنظومة بالوصم والحرمان من امتيازاتها. غيّر خروج النساء للعمل والثورة التكنولوجيّة في الأدوار المطلوبة من النساء كأمهات وفتح مساحات لمساءلة وضعية الأمومة في هذا الجيل، ومع ذلك مازال يُفرض عليهنّ النساء مهمّة الإطعام وإعادة إنتاج قيم النظام الأبويّ.
المصادر
- ↑ Peter Atkins & Jan Bowler, Food in Society: economy, culture, geography, London, 2001, p.p 7
- ↑ Arlene Voski & Barbra Haber, Feminist Food Studies: A Brief History, University of Massachusetts Press, United States, 2008, p.p8
- ↑ كارول م.كونيهان، أنثربولوجيا الطعام والجسد، ترجمة سهام عبد السلام، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2012، ص81
- ↑ إليسيث بروين، الأكل من أجل الحياة :دراسة إيثولوجية جذمورية للجسد، بحث منشور ومترجم في كتاب الأجساد الثقافية: الإثنوغرافيا والنظرية، المركز القومي للترجمة، 2010، ص 336
- ↑ كارول م.كونيهان: أنثروبولوجيا الطعام والجسد، ترجمة سهام عبد السلام، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2012، ص 99
- ↑ دافيد هارفي، الوجيز في تاريخ النيوليبرالية، ترجمة وليد شحادة، الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، 2013، ص 32
- ↑ .Quaggiotto Pamela, on the Nature of Women through Sicilian Ritual:The Symbolic Correlates of Capitalism. Paper read at 1987, Annual Meeting of the American Anthropological Assosiation