وثيقة:التنظيم لأجل الثورة لا الحشد لأجل اللحظة

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

نحو وعي نسوي.jpg
مقالة رأي
تأليف ريم كوميراد
تحرير غير معيّن
المصدر نحو وعي نسوي
اللغة العربية
تاريخ النشر 01-02-2023
مسار الاسترجاع https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2023/02/01/النظام-الأسري-الأبوي-والدوائر-التق/
تاريخ الاسترجاع 14-05-2023



قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي


أحرص على ألا أضيع بين المنابر والأصوات لئلا أفقد صوتي بين الجموع لأنني قد أصف نفسي في نهاية المطاف بأنني غير”تقدميّة” بالشكل الكافي، فأتراجع قليلاً وأتذكر دائماً أنني في السباق الخطأ.

لاحقا، بحكم تجربتي الشخصية، وجدت أن في أساسات الدوائر التقدمية التي اصطدمت بها تسلُّطاً في حبكها لسرديات الشباب، وتسلُّقا غير مرغوب من كل ذوي الامتيازات. واجهت مواقفَ جعلتني أرى أن هنالك علاقات قوى يعاد إنتاجها بطرق مسيئة إذ حتى المواعيد العاطفية فيها أصبحت فرصًا لتشبيك مصالح شخصية، فأشعر بالخوف والقرف معاً وأهرب.

أعود لأفكر بالأسرة كدائرتي الأساسية التي تعاملت معها كما لو أنها حزب سياسي عظيمٌ في فكرهِ، وفي صلبه سلطة، وما بين دين، وأفهم أن لهرميَّة الأشخاص أثمان.

أتخيل صفين في معركة، لم أجد لهما ثالثاً ولا حتى صف الصوابية السياسية. الصف الأول هو كتيبة الإنكار، إنكار كل ما يصب في موضوع المصالح الشخصية وحصر الطموح في قوالب جاهزة، وكتيبتي أنا وباقي الرافضين للاضطهاد.

اليوم، لأعلن عن اختياراتي، عليَّ أن أحصل على مباركة عدة أشخاص، كل منهم بعقليته، عمره ووضعه الاجتماعي، ونسبة تديّنه أو “تنَوُّرهِ” من واحد إلى عشرة. وإن تخطيّت ذلك (في بعض الأحيان لا أتخطى) أجدني أتدحرج على حبال الحظ مع نفسي المُتعبة.

لذات الهرّمية، تصبح في أسرتك وفي العالم الخارجي مهمشا، في صراعي الدائم هذا، تساءلت ما الذي يمكن أن يعيد بلورة العلاقات الأسرية الأولى قبل الاصطدام بالعالم الآخر ومحاولة إنتاج القوة فيه. وكان سؤالي الأول عن الآلام التي تدفع بي وبرفيقاتي، لنميّز نموذج الأسرة، المؤذي أكثر من غيره.

أستذكر مقطعاً من فيلم ألهمني جداً يلخص ما هو مؤلم فعلاً في علاقاتنا مع الأسرة والمجتمع، إذ تقول بطلة الفيلم: “شعوري بالعار تجاه نفسي لن يفيد أحدا، يريدوننا أن ننسى أحلامنا، أن نكره أجسادنا ونشعر بالقرف. هكذا يسيطرون”.

يتقاطع نظام الأسرة الأبوي مع الدوائر التقدمية لاسيما الفلسطينية منها، كلاهما يصارع على من يُفقد الآخر سيطرته في اختراقه للخصوصيات. ففي موضوع المواعيد العاطفية مثلاً، تنشغل النساء في الحفاظ على خصوصياتهن، ليحمين أنفسهن من اسقاطات المجتمع الأبوي، ولو تفضل الرجال في مشاركة تجاربهم الحميمية. تصبح المواعيد العاطفية، في إتاحتها للآخر، أو بالأحرى في تسويقها للآخر، عبارة عن سلطة. وتتجلى هذه السلطة في إحساس النساء الممزق ما بين فقدان الاختيار والإحساس بالذنب غير المباشر في حقل التقدميين. وفي نهاية المطاف، قد تندرج هؤلاء النساء تحت مسمى “الفتيات السيئات” في كل الدوائر التقدمية كما، في طبيعة الحال، في النظام الأسري الأبوي. فمن نخترق خصوصيته أكثر، نسيطر على حياته أكثر بوصمة العار كتكتيك تخويفي.

أرى حاجة ملحة اليوم في أن أبحث عن الآمن، وأن أعرِّفه وأن أضع له أشكالاً متعددة في محاولاتي لفهم الانتهاكات اليومية في حيوات النساء.

أستعين برواية المدينة الفاسدة التي تدعى بالـ” عالم جديد شجاع” للكاتب الدوس هكسلي، لمساعدتي في طرح تساؤلات يمكن أن تشكِّل أساسات لشكلِ الأسرة/ المجموعة التي نطمح نحن كنساء وأفراد باحثين عن الأمان، وربما الاستقرار، أن نبلورها.

في “عالم جديد شجاع”، وهو اسم رواية تجسد عالم ما بعد الحداثة الذي تتدخل فيه الأنظمة الشمولية في خياراتك حيث الرعاية العامَّة للأطفال تتم دون آباء، والعلاقات الجنسية الغيرية طويلة الأجل ممنوعة خوفاً من الوقوع في الحب والزواج، يتم تدمير كل من “الأسرة والزواج الأحادي والأمور العاطفية”. ولا يدرَّس التاريخ والدين والعلوم لأنها تعمل على خلق عواطف وارتباطات تزعزعُ بدورها، حسب قوانين هذا العالم، استقرار المجتمع. وما يضمن استقراره، بحسب الرواية، هو عملية الاستنساخ التي تنتج رجالاً ونساءً من بويضة حيث الواحدة منها يمكن أن تزوِّد مصنعاً صغيراً بستة وتسعين من التوائم المتماثلة. ويحل التوالد المستنسخ داخل الأنابيب بدلاً من التلقيح الطبيعي، فلا يعد للحمل والولادة حاجة في مدن العالم الديستوبي الجديد.

في الرواية يهدف المجتمع النفعي إلى إنتاج أكبر قدر من السعادة. والتي تحققها الحكومة والصناعة وجميع الأجهزة الاجتماعية، عبر توفيرها مخدرا يدعى بال”سوما”. الذي يجعل أي شخص لا يشعر بالألم أو بالاكتئاب. وتحصل كل طبقة على حصص معينة من الدواء للقضاء على الألم والغضب لضمان الاستقرار الاجتماعي.

أما المراقب فورد فهو شخصية مهمتها مراقبة خط سير العالم ومنع ظواهر كالروحانيات والعاطفة والتاريخ. وللعمل على هذا يتحكم في الجينات الوراثية للأفراد ويصنفهم طبقياً عاملاً على القضاء على الخصوصيات بالسيطرة وتعزيز قيم الفردانية والحرية بالتلاعب الفكري.

تحقق الرواية كل الرغبات ولكن السّلطة دائماً حاضرة في فرضها أن لا تشعر، ولا تنجب، ولا تؤمن. ولكنها، في المقابل، تسمح لك وتشّجعك على أن تموت.

أضاءت لي الرواية أن المفتاح ل”عالم جديد شجاع” حقيقي، هو تقبل فكرة الألم والمرض والشيخوخة والحب والموت. فحسب تعريف لينين في كتابه “نصوص حول الموقف من الدين” يقول: “تحرير الإنسان من رق آلهة السماء الوهمية يقتضي تحريره من آلهة الأرض الحقيقية: الملكية الخاصة والعائلة والدولة”، وفي عالم هكسلي لم يتحرر الفرد من الملكية الخاصة والدولة منذ ولادته لذلك تعتبر مدينة فاسدة تروِّج لتقدمية زائفة.

تماما كالسيد فورد وأعوانه في الأسرة والعالم الخارجي، يتشابه هذا العالم جداً مع الدوائر/التحالفات “التقدمية” التي ذكرتها سابقاً في محاولة إعادة إنتاجها للقوة. فيه يتوحد الذوق العام ويلتحف بالغطاء الوطني التقدمي، ويحافظ على الامتيازات، ويتدخل في تفاصيل حياتك، ويلقي بأصابع الاتهام سعياً منه/ا لإقصاء وتهميش كل من لا يملك امتيازات أو منفعة. فالتهميش يمكن أن يكون على شكل انتهاكات، كانتهاكات الخصوصية أو استبعادك مثلاً عن حقل الانتاج والعمل. الأمر الذي يضع هذه الدوائر في موقف مشبوه من إعادة إنتاج الأبوية لاستخدامها نفس أدوات السلطة المستخدمة في الأنظمة الأسرية.

يبقى السؤال معلقّا في ذهني عن شكل العدالة بالنسبة للنساء في كافة المنظومات سواء في الأسرة أو خارجها، هل رد الفعل على القيود هو الشكل الكافي للنضال؟ أم الإنتاج العضوي وتقديم النساء أفراداً ومنظمات وخدمات تنشر المقدرة، وانتقاء اللغة النسوية الصحيحة، لبناء أساسات لسرديات جديدة يمكنها أن تجترح مساحات لا تعتمد على الآخر بشيء؟ نعرف جميعًا الإجابة ولكننا نؤمن بالسيد فورد كنوع من الخلاص وننتقص من قدراتنا بينما تتناحر السلطة على استغلال مواردنا وتوظيفها في المحل الصحيح.

ولذلك أنظر اليوم للخطاب النسوي الفلسطيني، والذي يعتبر صوتاً من الأصوات التقدمية في عدسات أقل حساسية لما هو تقدُّمي، فلا تعنيني حقا “الصوابية السياسية” في نقاش أو حوار في هذه الدوائر. بل ما يهمني هو صدق التجربة الشخصية كنموذج للتعلُّم. فالتقدمية أصبحت في نظري سلطة يتوجب عليَّ أخذ الحذر والحيطة منها. علمتني التجارب الأسرية والاجتماعية تقدميةً كاذبةً تنعتني بشتى أشكال الأذى النفسي، لذا تعلمت أن أتساءل دوما عن دوائري والأطر النسوية التي أعمل بها. أن أتساءل عما إذا كانت النسوية كحراك وخطاب تقدّميٍّ، تعلّمني أن أتمرد ضد الأسرة أو المجتمع أو ضد حزب، أو شخصية معينة، أو لأفهم خريطة العالم.