وثيقة:الكتابة عن الحجاب في زمن جمانة حداد

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.


Circle-icons-document.svg
تدوينة
تأليف سارة قدورة
تحرير غير معيّن
المصدر سحماتيّة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-03-04
مسار الاسترجاع https://suhmatiya.wordpress.com/2020/03/04/الكتابة-عن-الحجاب-في-زمن-جمانة-حدّاد/
تاريخ الاسترجاع 2020-03-05
نسخة أرشيفية http://archive.is/00ElO



قد توجد وثائق أخرى مصدرها سحماتيّة



اخترت أن أرتدي حجابي في عمر الرابعة عشر، وقمت بخلعه في عمر التاسعة عشر بعد سنين من التفكير. مرّت ست سنوات منذ خلعته ولم أكتب لمرّة واحدة بتوسّع عن القرار وما تبعه، لأني كنت أخاف من أن يُستخدم صوتي ضدّي. نعلم كنساء كيف تُستخدم تجاربنا لأغراض سياسية مختلفة، خاصّة إذا أتينا من خلفيات معيّنة. فكمحجبةٍ سابقةٍ، ستُستخدم شهادتي إمّا لتبرأ الإسلام من العنف كوني أخذت القرار ولا زلت حيّة، أو لتغذية مشاعر الإسلاموفوبيا التي عادةً ما ينتهي بها الأمر موجهة ضد النساء أنفسهن بدلاً من التركيز على الأيديولوجيا. تجربتي، وتجارب باقي النساء، أعقد من أن يتم حصرها في تلك الثنائية.

عند سرد قصصنا وتجاربنا، وتلك ممارسةٌ نسويّةٌ بامتياز، من المهم ألّا يُفترض أنّ تلك التجارب تمثّل تجارب باقي النساء. فالقصة الواحدة بحد ذاتها مهمّة، ولكنها مهمّة بسياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإذا قلت أنَّني اتخذت خيار ارتداء الحجاب في عمر الرابعة عشر، لا يمكن فهم خياري خارج التربية والمدرسة والعائلة والحيّ، تماماً كأخذ خيار خلعه. ولا يمكن تعميم خياراتي على خيارات باقي النساء، وأنصاف خياراتهن، وغياب خياراتهن. فأنا أردت أن أرتدي ما كنت أعتبره في ذلك الوقت تعبيرًا ملموسًا عن معتقداتي، وهو خيار حفّزته الجمعيات الإسلامية التي كنت أنشط بها، وخيار شعرت بحتميته طالما كانت كل نساء العائلة يرتدينه ولو بعد حين. وعندما خلعته، كنت أصارع مع معتقداتي، أشعر بأني مخنوقة، وأكره شكلي الذي كان يتم الحكم عليّ من خلاله في بيئة جامعية “علمانية”. تعليقات مثل “لم أكن أتوقع أنّك منفتحة العقل بسبب حجابك” كان وقعها بنفس سوء تعليقات مثل “اخلعي حجابك الذي لا تمثلينه بأفعالك” عندما كنت محجبة. وبعد الخلع، كنت أتضايق من “كم أنت أجمل بدونه!” و”لا تشهري بمعاصيك” بنفس الدرجة. فبالحالتين، يشعر الآخرين بأن لديهم الصلاحية للتحدث باسمي والحكم عليّ والتعليق على قراراتي، وينتهي بي الأمر خارج المعادلة تماماً.

التحدّث عن الخيار صعب في منظومة تعطينا حيزاً ضيقاً من الخيارات، يضيق أكثر فأكثر حسب ظروفنا. تلك الخيارات أيضاً أوسع من ثنائية “أريد الحجاب” و”لا أريد الحجاب”، فتشوب كلّاً من الخيارين ضغوطات مختلفة تجعل التحدث عن الموضوع بالنسبة لي صعبًا دون الاستماع حقًا إلى كل امرأة معنية. تماماً كالأمومة، الحجاب والعفة والسترة هي مفاهيم اجتماعية قسريّة في سياقات معيّنة. فإذا كان الحجاب الخيار الحتمي، وكلّ الطرق تؤدي إليه، وإذا كنت سأحصل على امتيازات معيّنة مقابل ارتدائه، وأرتاح من ضغوطات وتهديدات أخرى، فهو خيار مغرٍ طبعاً. في ذلك السياق، أيضاً كالأمومة، يأتي الحجاب كخيار يعطيني نوعاً من الحماية الاجتماعية والمشروعية، ويفتح لي أبواباً للتعبير كانت ستكون مغلقةً إن لم أكن “متسترة” بما فيه الكفاية. حتّى لو كانت هناك بعض الضغوطات والتمييزات ضد المحجبات في بعض مجالات العمل، فالتمييزات ضد الأمّهات والمقبلات على الأمومة في سوق العمل لا تلغي كون الأمومة هي الخيار المحبّذ للنساء. هي تمييزات منبثقة عن نظرة الأبوية للنساء ومكانتهن في المجال العام أكثر من أي أمر آخر.

لا يُفهم ذلك الخيار خارج العنف المترتب عليه أيضاً. فخلع الحجاب ليس كارتدائه في ذلك السياق – وأشدد أنّني أتحدث عن السياق الذي أعرفه، سياق المسلمة المقيمة ببلاد إسلامية أو عربية. قسرية الحجاب نراها في التهديد والضرب الذي تتعرض له النساء عند خلعهن له. يمكن أن يصل العنف إلى تخلّي العائلة عن الفتاة المعنية وعدم الإعتراف بها، لإبعاد العار الذي يلحقه ذلك الخيار بها. خلع الحجاب أسوأ من عدم وضعه نهائياً، ففيه إعتراف واضح وصريح برفضه والتراجع عنه، وهو أمر يقلق منظومة تصوّره كأسلوب حياة يعطي قسطاً من الراحة والسلام النفسي. فأنت تربحين في كلّ الحالات: إن كنت ترتدينه للتقرب من الله، أو للتغنّي بالعفة والسترة، أو الإنصياع الإيماني لأمر ديني دون شك، أو الحماية من التحرّش والانتباه غير المرغوب، إلخ… هي أسباب علنية ترافق الأسباب الباطنية من حماية اجتماعية ومشروعية وغيرها من الأمور التي ذكرتها سابقاً. فأنا خسرت كل تلك الأمور لفترة طويلة بعد خلعي الحجاب. إحدى صديقاتي تعرّضت للضرب وهربت من ضيعتها وعائلتها. صديقة أخرى تم تهديدها وإبعادها ولم يحمها إلّا كونها متزوجة حينها. والعدد الأكبر من الصديقات اللواتي خلعنه عاطفياً لم يستطعن خلعه فعلياً حتّى اليوم بسبب الخوف أو التهديد المباشر.

لذا، فالحجاب بالنسبة لي هو أمرٌ قسري، نابعٌ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ عن فكرٍ ذكوريٍ يقضي بفرض رقابةٍ ووصايةٍ على أجساد نساء المسلمات، وبالتالي لا يعطي استقلاليتهن وسيادتهن على تلك الأجساد أي اعتبار. لا يمكنني أن أفكر به خارج المنظومة الأبوية، ولا يمكنني أن أنسى أصله والفكر الذي أتى به، ولربما أمكنني ذلك إذا كنت أعيش في سياق آخر، حيث لا تأثير قوي وذو معنى لنفوذ رجال العائلة لإجباري على الإنصياع لذلك الخيار. ولهذا، أبتعد عن التفسيرات النسوية المسلمة الأجنبية، لأني أخاف أن أتحدث باسم نساء تجاربهن تختلف جذرياً عن تجارب المنطقة. لكن بالعودة للمنطقة، وبعد الاعتراف بأن نظرتي للحجاب لا تراه خارج النظام الأبوي، لا زلت أؤمن بأنّ من تأخذ ذلك الخيار في سياق كل تلك الضغوطات، وتبقيه، وترتاح معه وتؤمن بأهميته، صوتها ليس أقل شرعية من صوتي. صوتها يمثل قصتها، وصوتي يمثل قصتي، ودور النظام الأبوي في الحالتين لا يجب أن يسمح لخياراتنا بأن تهمّش وتستخدم ضدّنا.

أكتب ذلك وأنا أفكر بجمانة حدّاد و”القفص”، وهي رواية مسرحية قصيرة قرأتها وكنت لا زلت محجبة، نُشر مقطعٌ مُمثلٌ منها منذ عدّة أيّام وأخذ ضجّة لأن إحدى الشخصيات، وهي منقبّة، تشبّه نفسها بكيس قمامة. تذكّرت صديقاتي والحسابات المجهولة على تويتر التي أتابعها من السعودية وبلاد أخرى، نساءٌ فرض عليهن النقاب وشرّعته الدولة والحكومة ورجال الدين كزيٍ رسميٍ لهن، لم يكن عندهن رفاهية “الاختيار” ضمن ظروفٍ منحازةٍ للسترة حتّى. عدد لا بأس به منهن يرين أنفسهن كذلك، كأكياس القمامة، على الرغم من قباحة التشبيه، وعلى الرغم من اشمئزازي به وشعوري العام بضرورة الابتعاد عن التجريح الشخصي والمهين للنساء اللواتي يرتدين حجابًا أو نقابًا. تماماً كشعوري أول مرّة قرأت النص، شعرت بعدم الإرتياح والريبة من تشبيه المنقبة لنفسها بالنفايات، ليس لأني أريد محو صوت أولئك النساء أبداً. أنا عن نفسي كنت أصف نفسي بأمور عدّة عندما كنت مجبرة على إبقاء الحجاب. شعور عدم الارتياح نابع من شخصنة ذلك الألم والصراع، وإخراجه من سياقه لاستخدامه من أجل إيصال رسالة ما، تخطت المنقبة، بعد أن وضعتها في قالبٍ معيّن، لتخاطب جمهوراً آخر. نقد تلك التمثيلية هنا ليس لشخص جمانة، فهي تمثل شريحةً واسعةً من النسويات اللواتي يسبحن في ذلك الخطاب المبتذل الذي يستخدم النساء دون سماعهن.

ذكرني المقطع بالمسلسلات والأفلام التي تتمحور قصّتها حول نساء بدينات، ورؤيتهن لأنفسهن عبر أعين النظام والمجتمع، وتكلّمهن مع أنفسهن عبر لغته: استحقار ذاتي وشعور بالقباحة. إذا توقفت الأفلام عند تلك النقطة ولم ترى ذلك الصراع وكره الذات في حالة البدانة كنتيجة لأنظمة متقاطعة من الأبوية الاجتماعية والطبِّية، لشعرنا جميعنا بعدم الارتياح معها. ولا أفترض هنا أن البدانة والنقاب/الحجاب شبيهان من أي ناحية، أقوم بالمقارنة فقط لأضيء على التقصير الذي نقوم به بحق النساء المعنيات عندما نأخذ المونولوگ الذاتي المتأثر بالنظام الأبوي، نحصره في نطاقه الشخصي دون السياسي، وفي الوقت نفسه نستخدمه لصالح أغراض لا تعني مصلحة المرأة المعنية بشكل أساسي. أفهم إستخدام جمانة للعبارات الجارحة والمهينة، وليس لدي مشكلة مع الكشف عن الصراع الذي تعانيه نساء كثيرات، ولكني لا أفهم هوسها بجعل الموضوع برمته عنها، وبمقارنتها المتكررة بتجارب أولئك النساء بتجربتها، خارج السياقات المختلفة، وتعليبها في رسالة تعتمد الإصرار على رؤية النساء غير المحجبات والليبراليات كمتحررات، وكممثلاتٍ للنساء العربيات الحقيقيات، وباقي ما تبقّى هنّ ضحايا الإسلام الأبوي في المنطقة.

لنشرّح الإسلام الأبوي، وننسف قيمه الذكورية ونلقيها بعرض الحائط، ونفتح المجال أمام الإصلاح وإعادة التفسير والتغيير ضمن الإسلام، لأنه ديانة واسعة وحاملة للتناقضات ككل دين شمولي كبير، قابل للإصلاح والتغيير، ولن يبرح مكانه من منطقتنا، ولا يجب أن يكون ذلك الهدف حتّى إذا ما قد وفرنا بديلاً حقيقياً لمكانته عند المؤمنين – وليس من شأن أو مقدور الحركة النسوية، الواسعة بحد ذاتها، فعل ذلك. لنجعل من رائداتٍ نسوياتٍ كفاطمة المرنيسي أكثر شهرةً وقراءةً في دوائرنا النسوية، فنفسح المجال لتفسيراتٍ تنسف الهيمنة الذكورية في الإسلام، وتعيد تعريف وصياغة مكانة النساء ضمنه، كما تجادل وتتحدّى مفاهيمه المفروضة كالسترة والحريم، لنسمح بتغيير حقيقي من أجل النساء المعنيات أنفسهن، ومن أجلنا جميعاً في المنطقة. فالحديث عن الحجاب/النقاب لا يجب أن يكون خجِلاً، ولا يجب أن نشعر كمحجبات حالياتٍ أو سابقاتٍ بالضغط من أجل تعديل قصصنا كي لا تستخدم ضدّنا، أو من التحجج دائما وأبداً بأمور لا نؤمن بها كي نحمي أنفسنا ومكانتنا الاجتماعية. لنتحدّث عن الحجاب بصراحة، دون تردد، وبشكل شخصي وسياسي في الآن نفسه، لنعيد التقليد النسوي إلى تجاربنا، من أجلنا نحن، وليس من أجل إثبات نقطة 1-0 مقابل الإسلاميين والمحافظين أمام الجمهور المتحرر الذي يرى فينا مستضفعاتٍ بحاجة للإنقاذ، وكلنا نعلم أن ثمن الإنقاذ مكلف.