وثيقة:ثورة من سريري، عن المشاعر الأخرى للثورة

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

صوت النسوة.png
مقالة رأي
العنوان ثورةٌ من سريري، عن المشاعرِ الأخرى للثورة
تأليف إيمان الحايك
تحرير غير معيّن
المصدر صوت النسوة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-11-21
مسار الاسترجاع https://sawtalniswa.org/article/640
تاريخ الاسترجاع 2020-01-09
نسخة أرشيفية http://archive.is/i8esn


هذا النص هو واحد من النصوص المنشورة على موقع صوت النسوة في إطار نشر محتوى نسوي مرتبط بانتفاضة لبنان 2019



قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة



"أنا قائدة الثورة" ولكنني أقودُها اليوم من سريري والدموعُ تنهمرُ على وجهي.

الثورةُ بألف خير... لقد حققت انتصاراً البارحة، وستحققُ غداً. الثورةُ بخير ولكنني لست بخير.

منذ شهر علَّقتُ كل أوجهِ حياتي، العملية والعاطفية والعائلية. منذ شهر وأيامي تمرُ بين الساحاتِ والشوارع والاجتماعات. قررتُ أن اتفرغَ للثورة، وأن ألعبَ دوري فيها على أكمل وجه. ولكن ثمة أشياء لا يمكن تعليقُها... إنها ليست أولَ موجة اكتئابٍ أعيشُها، وليست المرة الأولى التي أواجه نوباتِ هلعٍ يومية...هذه الاشياءُ لا يمكن تعليقُها. لا أعرفُ لماذا فاجأتني حالتي هذه المرة. ربما لأنني كنت منفصلةً عن واقعي لأيام، أو لأن المشاعرَ الثورية سيطرت على كل شي آخر. ربما لأنني استعدتُ أولى نوباتِ العنفِ القائم وظننتُ أنها لن تتكررُ حين لا أتعرضُ له.

مواجهةُ ما يسميه الاختصاصيون "الاضطراباتِ النفسية" وما أسميه "النتيجةَ الحتمية للمجتمعاتِ الظالمة والقاسية التي نعيشُ فيها"، أصعبُ بكثيرٍ في أيام الثورات... فلا يمكنني تجاهلُ المسؤوليةِ الكبيرة التي أشعرُ بها تجاهَ ثورةٍ لطالما حلمتُ بها وعماتُ لأجلها، ولا يمكنني تجاهلُ شعورِ الذنب عندما أرى صديقاتي في الساحاتِ يتعرضن للعنف، ولا يمكنني أن "أشد حالي" وأمضي قُدماً.

وفي هذه الأيام بالذات، يصعبُ علي كثيراً التكلمُ إلى أحد فـ"كلنا بالهوى سوى"... ولكن ثمة ما يقول لي أن هواي يختلفُ عن هوى الكثيرين.

الثورةُ جميلة، فيها الحب والتضامن، فيها ناس في الساحاتِ يهتفون بصوتٍ واحد. فيها سندويشات لسيدةٍ قررت "تمويلَ الثورة"، وفيها سائقُ سرفيس يوصلُ المتظاهرين مجاناً إلى الساحات، وصاحبُ محل يعطينا قننينةَ ماء إضافية مجاناً. فيها أغانٍ ورقص، وتابوهات انكسرت وشتائم على السطوح، وأصنام سقطت، وغَمرات في الساحات...الثورةُ قبيحة، ففيها عنفٌ وضرب، وفيها إشاعاتٌ وتخوين وتكذيب، وفيها جندي يدعسُ على أجساد مواطنين، وفيها فقيرٌ يضرب فقيراً من أجل زعيم، وفيها ناسٌ استشهدوا وأُسِروا وأُذلوا.

ربما هذا التقلبُ بالمشاعرِ صعبٌ على الجميع. ربما فقدانُ معيار الوقت، ودمجُ الليل بالنهار ليس سهلاً على أحد، ربما المجهولُ الذي نتوجه إليه، وحالة الترقب الدائمة، تٌقلقُ أكثر الناس اتزاناً.

ولكن كيف لي، وقد أُقنِعتُ طوال حياتي أن مشاعري غير طبيعية، أن أصدق هذه المرة أنها لن تجرفَني إلى سوادِها المعتاد. كيف لي أن أصدق أن نوباتِ الهلع "طبيعيةٌ في هذه المرحلة" وقد كانت طوالَ حياتي معياراً لاختلافي، كيف لي أن أعرفَ كمَّ المشاعرِ "العادية" ومتى تصبحُ دليلَ مشكلة. ولماذا يهمُّ كل ذلك أصلاً.

فالثورةُ اليوم على "الوضعِ الطبيعي" الذي كرهناه لسنين. الثورةُ على معايير اعتبرناها صحيحةً مع أنها كانت تقتلنا. فلماذا لا يمتدُ هذا على المشاعرِ بشكلٍ عام والصحةِ النفسية بشكل خاص؟

ولماذا نشعرُ دوماً أنه على مشاركتنا في الثورة أن تتخذَ شكلاً معيناً، وإلا هي أقل أهمية وفعالية؟ لماذا يصعبُ علينا أن نفكرَ بوسائلَ بديلة لنثورَ من مواقعنا، أكانت قوية أم ضعيفة؟

التلفازُ ووسائل التواصل الاجتماعي يعجانِ بصورِ النساء القوياتِ اللواتي يقفن في وجهِ العسكري أو البلطجي، ويهتفنَ في الساحات... الأسبوع الماضي كنتُ هؤلاء النساء، ولكن جسدي وعقلي لم يعودا يقويان على الوقوف، حتى وحدي في غرفتي.

صورُ "الثورة أنثى" لا تتكلمُ حتى عن التي تجلسُ وراء شاشتِها وتقومُ بالبحثِ عن المعلوماتِ لساعاتٍ لإنتاجِ المعرفةِ في ظل كذباتِ الثورة، ولا التي تصممُ النشراتِ سراً خلال دوامِ عملٍ رفضَ الالتزامَ بالإضراب. فكيف لها أن تقصدَ هؤلاء النساء الجالسات بصمتٍ على الأرصفة في ساحاتِ الانتفاضة على الرغم من المعاركِ القائمةِ في عقولهن، فالقوة التي لا تفوحُ بمعاييرِ المواجهةِ الذكورية لا قيمة لها.

صورُ "الثائرات هنَّ الجميلات" لا تشملُ النساءَ اللواتي يبكين بعد الحدثِ لأن العنفَ أرهقهن، ولا اللواتي يُصبنَ بنوباتِ الهلع، ولا حتى الوجوه التي لم تعد "جميلة" لأن حجرَ المناوشات أصابَها، أو السيدة الكبيرة المتعرِّقة في وهج الشمس، فالجمالُ الذي لا يروقُ للنمط التقليدي لا قيمة له حتى في وهجِ الثورة.

ولكن هذا لا يعني أننا غير مرئيات: سوف تسقطُ الأنظمةُ التي لا تقدِّرُ سوى القوةَ العنفية، وستكون أكبر ثوراتِنا على مفاهيمِ الضعف البالية، وسنمجدُ مشاعرَنا ونفتخرُ بها مهما كانت.

سوف نتكلمُ عن هذه الأشياء في العلن، وسوف نبكي على المنابرِ وفي الساحات ولو هزينا مناطقَ الراحة للكثيرين، لأن مشاعرَنا جزءٌ لا يتجزأ من ثورتنا، ولن نعتبرَها آثاراً جانبية، أو مسائلَ ثانويةً غير مهمة. لأن الانسانَ صلبُ الموضوع، والمشاعرُ صلبُ الانسان.

وسوف نكملُ نضالاتنا الجبارة بكل أشكالها، أكانت في الساحات والشوارع، أو من على وساداتِنا، أكانت في الضرب والهتاف، أو في البكاءِ والصراخ، أكانت في الهجوم او الدفاع، وسنوجدُ اشكالاً بديلةً للثورة، ففي النهاية "ثورتُنا ثورة نسوية".