وثيقة:حكم تولي المرأة منصب الإفتاء وسفرها لطلب العلم
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
"فتوى" is not in the list (أطروحة أكاديمية, إعلان مبادئ, بيان, تدوينة, تقرير صحفي, تقرير, حوار صحفي, خبر, دليل تدريبي, رسالة, ...) of allowed values for the "نوع الوثيقة" property.
تأليف | دار الإفتاء المصرية |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | موسوعة فتاوي دار الإفتاء المصرية |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر |
|
تاريخ الاسترجاع |
|
هذه الفتاوى نُشرت في المجلد الحادي والأربعين، في موسوعة فتاوي دار الإفتاء المصرية، ص.7-19
المباديء
- لا مانع شرعاً أن تتولى المرأة عضوية لجان الفتوى بشرط تحقق الشروط العلمية فيها، ومراعاة الضوابط الشرعية والآداب المرعية؛ شأنها شأن الرجل، ولابد من الكفاءة علاوة على التخصص وإدراك الواقع والقدرة على فهم الأحكام الشرعية وأن تتوفر الَملَكةُ لتنزيلها على الواقع المتغير.
- الذي عليه الفتوى أن سفر المرأة وحدها عبر وسائل السفر المأمونة وطرقه المأهولة ومنافذة العامرة؛ من موانيء ومطارات ووسائَل مواصلات عامٔة، جائز شرعٰا ولا حرج عليها فيه ما دامت قد استأذنت وليَّها فيه؛ سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا.
- من القواعد أنه إنما يُنكٓر المختلَفٌ فيه.
- ولاية المرأة للقضاء من المسائل المختلف فيها بين الأئمة والفقهاء؛ حيث قال بجواز ذلك بعض العلماء ممن لهم وزنهم وعلمهم واجتهادهم في الفقه الإسلامي.
- لا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمانٍ أو مكانٍ معيًَن حاكمة على الدين أو الشرع أو مُضيّقةً لواسِعِه، أو مُقيًٍدةً لمُطلَقه.
- من المقرر شرعًا أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأن لولي الأمر تقييدَ المباح.
السؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم ٤٦٢ لسنة ٢٠١٢م والمتضمن:
أرجو من سيادتكم التكرم بالإجابة شخضيًّا على أسئلتي المرفقة لتعلقها برسالتي؛ حيث إن هذه الإجابة ستضاف إلى رسالتي وسوف أضيفها كرأس فضيلتكم، والذي هو رأي مؤسسة دار الإفتاء المصرية:
- السؤال الأول: هل يوجد في لائحة دار الإفتاء المصرية ما يمنع من وجود المرأة كمفتية أو عضو في لجنة الفتوى في دار الإفتاء المصرية؟
- السؤال الثاني: هل ترى فضيلتكم أن هناك حاجة لوجود المرأة كمفتية للنساء في القضايا الخاصة بهن؟
- السؤال الثالث: ما حكم عضوية المرأة في لجان الفتوى، وهل هناك ما يمنع من ذلك؟
- السؤال الرابع: ما حكم مشاركة المرأة في الإفتاء الفردي والجماعي؟
- السؤال الخامس: ما حكم تولي المرأة منصب الإفتاء العام والخاص؟
- السؤال السادس: هل هناك برنامج لتخريج فقيهات مفتيات للنساء لتخفيف عبء الفتوى عن الرجال؛ إذا كان نعم فما هو، وإذا كان لا فلماذا لا يوجد؟
- السؤال السابع: ما حكم سفر المرأة بدون محرم للتفقه في الدين والمشاركة في حضور المؤتمرات الفقهية؟
- السؤال الثامن: ما حكم إفتاء المرأة عبر الوسائل المختلفة(الفضائيات)؟
- السؤال التاسع: ما حكم عضوية المرأة لمجامع البحوث الإسلامية؟
- السؤال العاشر: ما حكم تولي المرأة الولايات العامة ومباشرتها للحقوق السياسية؟
- السؤال الحادي عشر: هل هناك دورة تدريب المفتي "النساء"؟
الجواب
إجابة السؤال الأول:
كلا، لا يوجد ما يمنع من ذلك.
إجابة السؤال الثاني:
لا أرى حاجة لذلك التخصص؛ فالمرأة تفتي للرجال وللنساء، والرجل كذلك؛ فأمر الفتوى يتعلق بالعلم وليس الجنس.
إجابة السؤال الثالث:
لا يوجد ما يمنع من ذلك؛ لا من جهة الحكم الشرعي، ولا من جهة العمل التنظيمي الإداري.
إجابة السؤال الرابع:
لا مانع من ذلك بشرط تحقق الشروط العلمية فيها، ومراعاة الضوابط الشرعية والآداب المرعية؛ شأنها شأن الرجل، ولابد من الكفاءة علاوة على التخصص.
إجابة السؤال الخامس:
لا مانع من ذلك إذا توافرت فيها الشروط العلمية والفنية اللازمة لتولي هذا المنصب؛ شأنها شأن الرجل؛ فلابد من الكفاءة وإدراك الواقع والقدرة على فهم الإحكام الشرعية وأن تتوفر الَمَلَكَةُ لتنزيلها على الواقع المتغير، علاوة على التخصص.
إجابة السؤال السادس:
نعم، هذا متحقق بالفعل، وذلك من خلال تحقيق التفوق في الدراسة في الأزهر الشريف عند البنين والبنات على السواء، فيمكن لكل من يرى في نفسه التفوق في علوم الشريعة وفقه أحكامها أن يتقدم بطلب الالتحاق بالدورات التدريبية المتخصصة التي تُعقد في هذا المجال؛ ذكرّا كان أم أنثى.
إجابة السؤال السابع:
يجوز للمرأة أن تسافر بدون مَحَرم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفسها وعرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دينها؛ فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري وغيره عن عَدِيٓ بن حاتم رضي الله عنه أنه قال له : "فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، فَلَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهُ"، وفي رواية الإمام أحمد «فوالذي نَفسِي بيَدِه لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى تَخرُجَ الظَّعِينةُ مِن الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالبَيتِ في غَيرِ جِوارِ أَحَدٍ». فمن هذا الحديث برواياته أخذ جماعة من الفقهاء المجتهدين جوازَ سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة، وخضصوا بهذا الحديث الأحاديث الأخرى التي تُحّرم سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة، وخضصوا بهذا الحديث الأحاديث َ الأخرى التي تُحَرًم سفر المرأة وحدها بغير مَحَرم؛ فهي محمولة على حالة انعدام الأمن التي كانت من لوازم سفر المرأة وحدها في العصور المتقدمة.
وقد أجاز جمهور الفقهاء للمرأة في حج الفريضة أن تسافر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، واستدلوا عن ذلك بخروج أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وآل وسلم - للحج في عهد عمر رضي الله عنه، وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضي الله عنه.
قال الإمام أبو الحسن بن بطال المالكي في "شرح البخاري" (٥٣٢/٤،ط. مكتبة الرشد): "قال مالك والأوزاعي والشافعي: تخرج المرأة في حجة الفريضة مع جماعة من النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحجُّ معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصري، وقال الحسن: المسلم مَحُرَمُ، ولعل بعضَ مَن ليس بمَحٔرَمٍ أوثقْ مِن الَمحْرَم" اهـ.
وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (٨٢/٣، ط. مطبعة السعادة) ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا - أي: عدم خروجها في حج التطوع من غير محرم- إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجارة فإن الأمن يحصل لها دونَ ذي محرم ولا امرأة، وقد رُوٍيَ هذا عن الأوزاعي" اهـ.
وقال العلامة الحطّاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (٥٢٣/٢، ط. دار الفكر): "قَيّد ذلك الباجي بالعدد القليل، ونصه: "هذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوي محارم" انتهى، ونقله عنه في الإكمال وقَبِلَه ولم يذكر خلافه، وذكره الزناتي: إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عَدَدٕ وعُدَدٕ أو جيش مأمون من الغلبة، والملحة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار: الواجب منها والمندوب والمباح، من قول مالك وغيره إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد. هكذا ذكره القابسي. انتهى" اهـ. ومما يبين أن توفر الأمن هو المعول عليه عند الفقهاء في الإقدام على السفر والامتناع منه: أن الإمام مالكٌا رضي الله عنه مرت سفر المرأة مع المحرم الذي يغلب على الظن قلة حرصه وإشفاقه عليها؛ قال الإمام الباجي في "المنتقي" (٨٢/٣): كره مالك أن يخرج بها ابنُ زوجها وإن كان ذا محرم منها، قال الإمام أبو الوليد: ووجه ذلك عندي ما ثبت للربائب مِن العداوات وقلة المراعاة في الأغلب؛ فلا يحصل لها منه الإشفاق والستر والحرص على طيب الذِّكْر" اهـ.
والذي عليه الفتوى أن سفر المرأة وحدها عبر وسائل السفر المأمونة ومنافذه العامره؛ من موانيء ومطارات ووسائل مواصلات عامًَة، جائز شرعًا ولا حرج عليها فيه ما دامت استأذنت وليًَها فيه؛ سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا، وأنَّ الأحاديث التي تنهي المرأة عن السفر من غير محرم محمولة على حالة انعدام الأمن، فإذا توفر الأمن لم يشملها النهي عن السفر أصلًا.
وبناءً على ذلك: فيجوز للمرأة أن تسافر بإذن وليها لطلب العلم والمشاركة في المؤتمرات العلمية من غير محرم، ما دام المكان الذي ستسافر إليه آمنًا.
إجابة السؤال الثامن:
المرأة في ذلك شأنها شأن الرجل؛ فيشترط لمن يتصدر للإفتاء عبر وسائل الإعلام أن يكون أهلًا له؛ من جهة تحقق الشروط العلمية فيه، وإلمامه بالأدوات والقواعد التي تُفهم من خلالها النصوص، وقدرته على إدراك الواقع الذي يطبق عليه الحكم الشرعي، وأن يكون قادرًا على التمييز بين ما يمكن أن يفتي به على وجه العموم للجميع، وما تكون الفتوى فيه متعلقة بحالة مخصوصة لا يقاس غيرها عليها، وما لا يمكن الإفتاء فيه على العلن، وما يحتاج إلى مزيد تدقيق وتحقيق مع صاحبه للوصول إلى الحكم الصحيح.
إجابة السؤال التاسع:
لا مانع من ذلك إذا تحققت فيها الشروط العلمية اللازمة؛ شأنها شأن الرجل؛ فلابد من الكفاءة علاوة على التخصص.
إجابة السؤال العاشر:
لم تعرف الأمة الإسلامية في تاريخها قضية اسمها "قضية المرأة": لا من ناحية عملها، ولا من ناحية مشاركتها السياسية في القضايا العامّة، ولابد من ناحية حقها في المشاركة في اختيار الحاكم والرضا به فيما يُعَبر عنه ب"البيعة"، ولا من ناحية توليها للمناصب السياسية في مؤسسات الدولة، ولا من ناحية نصحها للحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وبكثير من ذلك جاءت النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة، وشهد به واقع المسلمين التاريخي؛ سواء في شدةِ مجدِ الأمة أم في أزمنةٖ ضعفـِها، وعندما نقل الغرب أمراضَه ومعاناتَه على البشر جميعًا ـ بمن فيهم المسلمين ـ ظهر ما يُسمًـى ب" قضية المرأة" حيث لا قضية أصلًا، وأُريدٓ للمفاهيم الغربية الحديثة أن تُنقَل إلينا مع أنها كانت رَدًَ فعلٍ لعصور الظلام التي عاشتها أوروبا، ونُودٍي بتحريرٍ المرأةِ وهي أصلّا محرَّرةُ في الإسلام بالمعنى الصحيح للحريّة؛ فقد أجمع المسلمون على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء؛ فالله تعالى كما ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخِلقة ساوى بينهما في أصل التكاليف الشرعية وفي الحقوق والواجبات؛ فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ٢٢٨]، ولقد أكرم الإسلامُ المرأةَ كما لم يُكرٍمها أيًُ دين آخر؛ فأعطاها حقوقها كاملة، وأعلى قَدْرها ورفع شأنها، وجعل لها ذِمّةً ماليًة مستقِلّة، واعتبر تصرفاتها نافذةّ في حقوقها المشروعة، ومنحها الحق في مباشرة جميع الحقوق المدنية ما دامت تتناسب مع طبيعتها التي خلقها الله عليها.
ولم تقتصر مكانة المرأة في الإسلام على كونها أولَ مؤمنة فى الإسلام السيدة خديجة رضي الله عنها، وأول شهيدة السيدة سمية رضي الله عنها، وأول مهاجرة السيدة رقية مع زوجها سيدنا عثمان رضي الله عنهما، بل تعدَّت مكانتٌها ذلك عبر العصور والدهور؛ فحكمت المرأةٌ، وتولت القضاءَ، وجاهدت، وعلّمت، وأفْتت، وباشرت الحِسبَة… وغير ذلك الكثير مما يشهد به تاريخ المسلمين:
- وتروي لنا كتب التاريخ تولي "ثمل" القهرمانة للقضاء كما في البداية والنهاية لابن كثير، والمنتظم لابن الجوزي، وكان يحضر في مجلسها القضاءْ والفقهاء والأعيان، وقد توفيت سنة ثلاثمائة وسبع عشرة، وكان بعض مَن حكمن مِن النساء تقضي بين الناس في المظالم كذلك؛ كما كانت تفعل تركان خاتون السلطان، وكانت إذا رُفِعَت إليها المظالمُ تحكم فيها بالعدل والإحسان.
- وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - مشاركة النساء في الجهاد والغزوات؛ فغزت المرأة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كأم سُلَيم وأم حَرامِ بنت مِلحان، وأم الحارث الأنصارية، والرُّبَيّع بنت مُعَوّذ ابن عفراء، وأم سِنان الأَسلَمِيّة، وحَمية بنت جَحش، وأم زياد الأشجعية… وغيرهن رضي الله عنهن وأرضاهن.
- كما نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلافُ من العالمات المبرزات والمتفوقات في أنواع العلوم العربية والإسلامية، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدًِثات والأديبات.
- ووردت آثار في تولي المرأة السلطةَ التنفيذية، أو الشرطة، أو ما يٌسمَّى في التراث الفقهي الإسلامي "الحِسبَة*، وكان ذلك في القرن الأول الهجري؛ فقد ولّى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه الشًِفاء - وهي امرأةُ مِن قومه - على السوق، وروى أبو بَلحٕ يحيى بن أبي سليم قلب: "رأيت سمراء بنت نَهِيك - وكانت قد أدركت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها درع غليظ وخِمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأخر بالمعروف وتنهى عن المنكر"، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وعلى خَلفِيّة ذلك أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب الحسّاس في الدولة الإسلامية.
وقد اختلف فقهاء المسلمين في حكم تولي المرأةِ الإمارة َ والحكمَ والقضاءَ: فذهب الجمهور إلى عدم جواز تَوَلّيها الحكمَ أو القضاءَ مطلقًا، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاء فيما تصح فيه شهادتُها من الأحكام - مع أن هناك قولّا لمتأخريهم بصحة قضائها مع إثم مَن يُوَلِّيعل؛ لحديث: "لن يفلح قوم…"، وذهب آخرون إلى الأباحة المطلقة لإمارة المرأة وقضائها في جميع الأحكام؛ وهم محمد بن جرير الطبري -رغم أن هناك مَن لا يصحح نسبة ذلك إليه -، وابن حزم الظاهري، وأبو الفتح بن طَرار، وابن القاسم، ورواية عن الإمام مالك.
يقول الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه "الُمحَلى" (٥٢٧/٨ – ٥٢٨، ط ، دار الفكر): "وجِائزُ أن تَلِيَ المرأةُ الحكمَ، وهو قول أبي حنيفة، وقد رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولًى الشِّفاء – امرأة من قومه – على السوق. فإن قيل: قد قال رسول الله – صلى الله وعليه وآله سلم –: "لن يُفٍلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" قلنا: إنما قال ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "المرأةُ راعٖيةّ على مالٖ زَوجٖها وهي مَسؤولةُ عن رَعٖيَّتها" وقد أجاز المالكيون أن تكون وَصِيًة ووَكٖيله، ولم يأتِ نصُّ مٖن منعها أن تَلٍليَ بعضَ الأمور، وبالله تعالى التوفيق" أهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٢٨/٨، ط. دار المعرفة): "والمنع من أن تَلٖي الإمارةَ والقضاء قولُ الجمهور، وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك، وعن أبي حنيفة: تَلٖي الحكم فيها تجوز فيه شهادة النساء" أهـ.
وههنا أمور ينبغي التنبيه عليها:
أولًا: أن هذا الحديث واردُ على سببٖ، فلفظه في صحيح البخاري عن أبي بَكرة رضي الله عنه قال: "لٰمّا بلغ رسولٰ الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سلّط اللهُ تعالى عليه ابنَه فقتله، ثم قال إخوته، حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة، فجرَّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومُزّٖقُوا كما دعا به النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عليهم؛ فلمّا علٖم النبي – صلى الله عليه وسلم – بتأمير المرأة أخبر أن هذا علامةُ ذٰهاب ملكهم وتمزُّقه، ولم يكن ذلك إخبارًا من المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – أن كل قوم يُوَلُّون عليهم امرأةً فإنهم لا يفلحون، وقد تقرر في علم الأصول أن وقائع الأعيان لا عموم لها، ونُقِل عن الإمام الشافعي قوله: "قَضايا الأَحوالٖ إذا تٰطٰرّٰقٰ إليها الاحتٖمال كٰساها ثٰوبٰ الٱجمالٖ وسٰقٰطٰ بها الاستٖدلال؛ أي أن هذا الحديث لّما كان واردًا على قضيةٖ عينٍ لم يصح حملُه على عمومه ابتداءً من غير دليل آخر.
ثانيًا: ومما يٌستأنٰس به على كون هذا الحديث واقعةٰ عٰينٍ لا عموم لها: أن الله تعالى ذٰكٰرٰ في كتابه العزيز قصة "بٖلقيس" ملكة سبأ، وذٰكٰرٰ مٖن حُسنٖ سياستها وتدبيرها لمملكتها، ونظرٖها في عواقب الأمور، وحُسنٖ سياستها وتدبيرها لمملكتها، ونظرٖها في عواقب الأمور، وحُسنٖ تٰلٰقيها لكتاب سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، واستشارتٖها لأهل الحٰلً والعٰقد مٖن قومها مع رٰدهّم الأمرٰ إليها، ورجاحةٖ رأيٖها وعقلٖها، مع تصديق الله تعالى لها، في إخبارها بما يفعله الملوك عند الغٰلٰبة والظٓفٰر، ما فاقت فيه كثيرًا من الملوك، وما أدّى بها في نهاية المطاف إلى الإيمان بالله تعالى والاعتراف بظلم نفسها بعبادتها غير الله سبحانه وتعالى، وهذا نموذج من النماذج التي وٰلٖيٰت فيها المرأة فأحسنت وقادت قومها إلى الفلاح.
ثالثًا: أن هناك فارقًا كبيرًا بين منصب الخلافة في الإسلام وبين رئاسة الدولة المعاصرة؛ فالخلافة في الفقه الإسلامي منصٖبُ دينيُ مٖن مهامّٖه إمامةُ المسلمين في الصلاة، وله شروط محددة يذكرها الفقهاء في كتبهم، وقد أصبح هذا المنصب تراثًا لا وجود له في الوقت الحالي على الساحة الدولية وذلك منذ سقوط الخلافة العثمانية وإنها خلافاتها عام ١٩٢٤م، أما دِوٰل عالٰم القرن الحادي والعشرين فهي دول قُطرية مدنية لها كياناتها القومية المستقلة التي تم تأسيسها خلال القرن العشرين، ومن ثٰمٰ فمنصب رئيس الدولة في المجتمع المسلم المعاصر – سواءُ أكان رئيسًا أم رئيس وزراء أم مٖلكا – منصبُ مدنيُّ، وهو غير مكلّٰف بإمامة المسلمين في الصلاة؛ وعليه فيحق للمرأة أن تتولى هذا المنصب في ظل المجتمعات الإسلامية المعاصرة على غرار تولي بعض النساء المسلمات للحكم فى بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة، وكانت تُلٰقًب بألفاب ليس منها لقب "الخليقة"، ولا يقدح في توليها الحكم – كما مًر – ما نُقٖل من إجماع العلماء على منع المرأة مٖن تولي الولاية الكبرى؛ لأن مطلٰق الحكم مغايُر لمفهوم الخلافة، وكذلك الحال بالنسبة لما نحن فيه؛ فإن مفهوم منصب الرئاسة في العالم المعاصر يختلف تمامًا عن المفهوم التقليدي لمنصب رئيس دولةٖ رئيس دولةٖ الخلافة كقائدٖ دينيّ لها.
رابعًا: أن مسائل الشرع على قسمين:
فمنها القطعي الذي يشمل هُويّة الإسلام، ويُعبَّر عنه أحيانًا بالمعلومات مٖن الدين بالضرورة، وهذا لا يجوز الاختلاف فيه، وهو المعنيُّ بخلاف التضاد، والقدح فيه في الثوابت الدينية المستقرّة، وفي ذلك يقول الله تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥}
ومنها الظني الذي اختلف فيه أهل العلم ولم ينعقد عليه الإجماع؛ وذلك لعدم القطعية في ثبوت دليله أو جهة دلالته، وهذا هو الٰمعنٖيُّ بخلاف التنوع، وهذا الخلاف ليس خروجًا من الشرع، بل هو مٖن الشرع، والأمر فيه واسع، واختلاف الأئمة فيه رحمة، وقد علّٰمنا النبي – صلى الله عليه وآاله وسلم – كيفية التعامل معه؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " , فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ .متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي ذلك إرشاد وتعليم منه – صلى الله عليه وآله وسلم – للأمة أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، ولا تَحجِير على مَن أخذ بأيّ الأقوال فيها، وهذا شاهد على مرونة الشرع وصلاحيته للطبيق عبر الزمان والمكان وعند اختلاف الأحوال والأشخاص.
فمن القواعد المقررة أنه إنما يُنكَر المختلَفُ فيه، ومسألة حكم المرأة وولايتها للقضاء من المسائل المختلف فيها بين الأئمة والفقهاء؛ حيث قال بجواز ذلك بعض العلماء ممن لهم وزنهم وعلمهم واجتهادهم فل الفقه الإسلامي، وما دام أنه لا إجماع في المسألة فلا إنكار على المخالفٖ فيها، وإذا كان الأئمة قد وسِعَهم الخلافُ فيها فليَسَعنا ما وَسِعَهم.
خامسًا: لا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمانٕ أو مكانٕ معيًَن حاكمة على الدين والشرع، أما مُضيّقةً لواسِعِه، أو مُقيِّدةً لُمطلَقِه، بل الشرع يعلو ولا يُعلى عليه، والإسلام هو كلمة الله تعالى الأخيرة إلى العالمين جميعًا على اختلاف ألوانهم وطبائعهم وأعرافهم وتقاليدهم؛ ولذلك كان العلماء مأمورين بنقله كما أنزله الله تعالى: ظنِّيًّا وقطعيًّا في قطعِيِّهِ، ولا يجوز اختزال الدين أو قصره على مذاهب أو أقوال معيّنة يرى أصحابُها رُجحانَها على غيرها؛ لأن ما لا يصلح لزمانٍ أو مكان ٍ معيَّن قد يصبح لزمانٍ أو مكانٍ غيره، وليس لَمٖن سلك طريقةً مٖن الورع أن يٌلزم الناس بها أو يحملهم عليها أو يشدد ويضيّٖق عليهم فيما جعل الله لهم فيه يُسرًا وسَعَه.
سادسًا: من المقرر شرعًا أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأن لولي الأمر تقييدَ المباح؛ فللحاكم أن يتخير في الأمور الاجتهادية والخلافية ما يراه محققاً للمصالح الشرعية والمقاصد المرعية، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، وحالُ السياسة الشرعية كحالٖ الفتوى: تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال..
سابعًا: إن دار الإفتاء المصرية لها منهجها الذي بناه العلماء الأتقياء على مَرّ تاريخها؛ مستفادًا من علماء الأمة الإسلامية – خاصة علماء الأزهر– عبر القرون المتطاولة، ومفاده: أن الإسلام دينُ عامًُ يخاطب العالمين في كل زمانٍ ومكان، وأنه شامل في رؤيته لكل مناحي الحياة وأحوالها؛ فالبشر جميعًا مِن أمة سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم –، ولكن بعضهم آمن به نبيًّا مرسَلًا من عند الله وهم أمة الإجابة، وآخرون لم يؤمنوا به على هذه الصِّفة، إلا أن هَديَة مُوَجَّةُ للجميع؛ حيث قال ربنا في شأنه – صلى الله عليه وآله وسلم –: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧]، وقال في شأنه أيضًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨]
كما أن دار الإفتاء المصرية تأخذ من المذاهب الأربعة الموروثة عند أهل السُّنَّة في العالم الإسلامي، إلا أنها ومٖن أكثر من سبعين سنة تأخذ أيضًا في بعض المسائل بالفقه الإسلامي، إلا أنها ومن أكثر من سبعين سنةً تأخذ أيضًا في بعض المسائل بالفقه الإسلامي الواسع الرحيب بمذاهبه الثرِيّة وأئمته الذين تجاوزوا الثمانين مجتهدًا، ثم إلى فقه الصحابة الكرام والذين تصدروا للفقه والفتوى ونُقِل ذلك عنهم، وفي المستجدات التي لاتجد السابقين احتهادًا فيها فإنها تنظر في الكتاب والسنة مع مراعاة قواعد الفقه ومقاصد الشراع ومصالح الناس.
ومن هنا، فإن اجتهاد دار الإفتاء المصرية في الفتاوي يراعي مصالح الناس وأحوالهم لتحقيق مقاصد الشريعة في العصر الذي نعيش فيه، ودعوى التمسك بمذهب واحد – والتي كانت تصلح لبعض العصور حيث كان التمسك بمذهب واحد هو الذي يتواءم مع مصالح الناس وأحوال معيشتهم– لا تصلح لعصرنا، كما لا يصلح الاقتصار أيضًا على الأخذ من المذاهب السُّنٌّيّة أو المذاهب السبعة المنقولة بالتواتر، بل إن الإسلام أوسع من ذلك كلّه، ومن أراد أن يسحبنا إلى الماضي مع إغفال تلك المعاني لا يدرك مناهج العلماء، ويضيّق على الناس واسعًا، ويخالف ستة المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ويُذهِب الخيرَ الكثير على الإسلام والمسلمين، بل والعالم أجمع فيما نحن قائمون فيه الآن.
إجابة السؤال الحادي عشر:
نعم، هذا موجود فعلّا؛ حيث تُعني دار الإفتاء المصرية بتدريب الكوادر من الرجال والنساء على السواء وتأهيلهم للإفتاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم