وثيقة:في رثاء أحلام والشاي والدم
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | مروة البلوشي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | نحو وعي نسوي |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2020/07/19/في-رثاء-أحلام،-والشاي،-والدم/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.vn/EWp5F
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي
كيف كان طعم الشاي بابا؟ هل تجرّعت مُرّ أحلامي فيه؟ هل بانت فيه حرارة دمي؟ ولوعة خاطري … هل تذوقتها؟ كم رشفة ارتشفت؟ رشفة؟ اثنتان … ثلاث؟ عشرة؟ ثلاثون؟ ثلاثون رشفة بعدد سنين عُمري التي قضيتها أشتم رائحة سيجارتك المقرفة؟ الآن، وهشيم جمجمتي ماثل أمامك، كيف هو طعم الشاي يا بابا؟ بابا، كيف تشعر الآن وقد أنهيت مهمتك، ونهشت عارك، وداويت القبيلة، واحتميت خلف دمائي وصرخاتي؟ هل كنت تهرول خلفي في ذاك الطريق، كيف لحقت بي؟ هل دلّك سيل الدماء المنعصر من رقبتي؟ هل اهتديت بالنجم أم بِصراخي يا بابا؟ فلتبقَ الدماء محفورة على شوارع عمّان، لا تغسلوها.
حتى بعد أن غسلتم عاركم. وليحفظ الطوب الذي هشمت به رأسي اسمي، وتاريخي، ودمعي، والثلاثين سنة، الثلاثين سنة. لماذا سميتني أحلام، وأنت الذي دفنت كُلّ أحلامي؟ أم أنك كنت تعلم عندما وهبتني للحياة، أن البقاء فيها كان حلمًا، وأن الموت هو الحقيقة. لم يكن الطوب هو الذي أيقظني، فإني قد كنت واعية على الموت منذ صرختي الأولى، عند انبثاقي من جسد أمي، منذ ذلك اليوم وأنا ميتة، منذ ولادتي حكمت على أحلامي بالقهر وسميتني أحلام. في المنزل معكم نعم، ولكن روحي مثكولةً كانت، مقيدةً بالسلاسل الصدئة تحت التراب، تحت التراب.
أنا لم أصمت، ذهبت للشرطيّ، بعيني الحمراء ووجهي المنتفخ، وشفتيّ المتقطعتين، هربتُ أنا وجسدي الثقيل منكَ إليهم، أريد الأمان؛ لأُزهر، تكسر روحي السلاسل، ثم تنهش من عليها التراب، وتعود إليّ، وأحيا. ولكنهم أعادوني، أعادوني إليك مرة أخرى، أنا وورقة، إن أمضيت عليها، فقد تعهدت بأن لا تعاود كسري. و يا لغبائهم، أيأتمنوكَ علي؟ .. لا لا، لا يأتمنوك؟ أيرمون بي عليك مرة أخرى، أنت الذي حطمتني وهدمتني وسوّيت روحي على سيخ قهرك، وبِسُكّر دمي شربت شايك، بصراخي طرِبتَ وعلى وسادة أحلامي نمتَ. وخنت العهود، خنت الأمانة.
ما بال الشرطي صامت؟ والقاضي نائم، لماذا لم تستفق الدولة على صراخي؟ ألم يعلو صوتي كفاية؟ ولكنني بنفس هذا الصوت، أنشدت الولاء، كل يوم، في المدرسة أمام العلم صرخت: موطني .. موطني .. موطني. أين موطني عني الآن؟ ألم يقسم موطني أن يحميني؟ ألم يعهد إليّ بالأمان، بعد أن قلدته الولاء؟ لم تكن وحدك بابا، كنتَ أنت وأهلي وأهلك وأهل ماما والدولة وتلك القبيلة، والشرطي أيضًا. والآن لا تخف، لست وحدك أيضًا، فبعد أن هشّمت دماغي بطوبك، ستهشمني القبيلة بأحاديث العار والشرف، وبعدها ستهمشني القوانين، لن أكون أحلامًا بعد اليوم، فقد صيّرتني الدولة هامشًا فقط، كما هي كل ذات فرْجٍ، ذات شرفٍ كما يقول أبناء الشرق، تلك التي لم تلقَ بعد الصبر الفَرَجْ. في ميزان القانون يا بابا، دمي رخيص، أرخص حتى من السّكر، فلا حدّ أقوى من سلطة الرجل، ولا روحَ أغلى من غضب الرجل، ولا نفس أثمن من قهر الرجال، في ميزان القانون الكفة كلها للرجال، كلها للرجال.
أنا أحلام منكوبة الثلاثين سنة، بعد أن باعتني العهود، والعائلة والدولة والقبيلة، لن تحميني إلا القصيدة.
والآن..
من سيواري الجريمة؟
بأي ذنب قُتلتُ
وبأي ذنب يُستباح دمي
وبأي ذنب يخرسني أبي
بئسًا للدولة، بئسًا للقبيلة
عار على الصمت المنيع
والظلم والقهر الشنيع
عار على بابا
عار على الشرطي
لعنة الجرم على الشرف
عار فوق عاركم أيها الشرفاء
أحقًا كانت دمائي رخيصة
ما بال حنجرتي تخنقها الدموع
وحلقي مُرٌ، مالحٌ تشويه الدماء
هل في ميزانكم بعد موتي أصبحتُ شريفة؟
أركض أركض أركض
أصرخ أصرخ أصرخ، حتى الخلاص
آهٍ، لا خلاص
بقبضته، بأنفاسه الكريهة
بطوب الطريق الطويل، باللاشعور
يضرب يضرب يضرب
يقتل ماتبقى فيّ من حُلم، يحيي الكوابيس
يستبيح روحي
يشرب الشاي بصحة موتي
ويترع كأسه بهشيم الجمجمة، سُكّره رحيق العظام
وحمرته طعم دمي، وأحلامي، وصرختي، وثلاثينيتي
آه، من تلك الثلاثين.
يستنشق الدخان
ينفث ينفث ينفث
وشيئا فشيئًا يخمد صوتي
تنام القصيدة.