وثيقة:كيف يؤثر تجريم الإجهاض على مشاعر النساء؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف غدير أحمد
تحرير غير معيّن
المصدر VICE عربية
اللغة العربية
تاريخ النشر 2021-09-28
مسار الاسترجاع https://www.vice.com/ar/article/z3xdy5/كيف-يؤثر-تجريم-الإجهاض-على-مشاعر-النساء؟
تاريخ الاسترجاع 2021-09-29
نسخة أرشيفية https://archive.is/wikTN



قد توجد وثائق أخرى مصدرها VICE عربية



يُجرّم الإجهاض في بلداننا العربية –عدا تونس- تجريمًا شبه مُطلقًا. تنُص قوانين العقوبات من المحيط للخليج أن لا حق للنساء في إنهاء الحمل إلا إن شكّل خطرًا على حياة الحامل. هذا التجريم لم يمنع النساء من الإجهاض، إنما جعل ممارسته محفوفة بمخاطر طبية وقانونية، علاوةً على الثقل النفسي للتجربة. في اليوم العالمي للإجهاض الآمن ٢٠٢١، نضع مشاعر النساء في مركزية حديثنا. نُسلّط الضوء على أثر تجريم الإجهاض على المشاعر التي تطوّرها الساعيات له. ونختار الرابط العاطفي الذي ينشأ بين الحامل وما في الرَحِم، والمعروف اجتماعيًا باسم الأمومة. تختبر أغلب النساء أمومة مؤقتة بسبب طول الفترة بين اكتشاف الحمل وإتمام الإجهاض. وكلما زاد عدد الشهور، كلما كانت المشاعر مختلطة بين الحب والذنب والشعور بالخزي.

الأمومة بين الهبة الإلهية ونظرية الأدائية النسوية

منذ كنّا صغيرات نلعب بالدُمى يتكوّن لدينا فكرة مُبسطّة عن الأمومة كدور اجتماعي للنساء. كنا أحيانًا نطوّر مشاعر عاطفية تجاه الدُمية كأنها ابنتنا. ومنذ الصبا وحتى الآن، نسمع أحاديث الحوامل عن كيف قذف الله في قلوبهنّ حب الجنين قبل الولادة. وسعي الآلاف لعمليات الحقن المجهري. نرى أفلامًا ومسلسلات ونقرأ روايات ومقالات تطرح الأمومة من زاوية واحدة فقط: الفناء من أجل الأطفال والحب المُطلق المرتبط بالتضحية من أجلهم- صورة الأم الجيدة. وأي زاوية أخرى للطرح تشمل وصمًا للنساء بأنهنّ أمهات سيئات.

تقول جوديث بتلر مؤسسة نظرية الأدائية في كتابها: "الأدائية الجندرية ١٩٩٩" أننا نتشبّع بأفكار عن هوياتنا وأدوارنا الاجتماعية والمرتبطة بالجنس البيولوجي منذ الطفولة ونؤديها كما لو كنّا على مسرح اجتماعي. تخدّم كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تلك الثنائية بين الرجال والنساء، وتُنكر وتُعادي أي أدوار وهويات أخرى خارج إطار العائلة الغيرية. فالنساء يتعلّمن كيف يكونن نساء وأمهات، والرجال يتعلمون كيف يكونون رجالًا مُهيمنين. فليس حقيقيًا أن الله يقذف الحب في قلوب النساء الحوامل. لأن مشاعر الأمومة التي تختبرها النساء تتراكم عبر السنوات، ولا تتشكّل في معزل عن المؤسسات الاجتماعية والسياسية والتصوّرات السائدة عن النساء ووجودهنّ الإنساني.

تقديس الأمومة في ذاته له أسبابه التاريخية. تلك المُتعلقة بحصر النساء في الدور الإنجابي وضمان بقاءهن داخل نظام العائلة الغيرية. أتى ذلك على حساب النساء اللواتي لم يشعرنّ بأي رابط عاطفي مع الأطفال، ولم يقدرن على البوح بذلك خوفًا من الوصم. واللواتي استكملنّ الحمل إكراهًا لعدم إتاحة الإجهاض. هؤلاء دفعنّ سلامهنّ النفسي ثمنًا للتوافق مع صورة الأم الجيّدة، وشعرّن بالخزي تجاه أنفسهنّ والذنب تجاه الأطفال بعد الولادة. تُعرف هذه الحالة في الأدبيات النسويّة باسم الانفصال العاطفي Emotional Dissonance، ويُمكننا اختصارها في الفجوة بين مشاعر النساء الحقيقية وبين أدائهنّ على المسرح الاجتماعي.


لماذا تشعُر أغلب المُجهضات بالذنب؟

يلعب تجريم الإجهاض دورًا محوريًا في شعور المُجهضات بالذنب والخزي. في حالة كان الحمل غير مُخططًا له، تُشكّل عدم إتاحة الإجهاض بشكل آمن وقانوني فترة زمنية غير وجيزة إما للحصول على طبيب يقبل بإجراء الإجهاض، أو وجود مبلغ مالي يسمح بذلك، أو الحصول على حبوب تحفيز الإجهاض من السوق غير الرسمية (السوق السوداء). في تلك الفترة تتفاقم المشاعر المتراكمة بداخل كل امرأة فينا عن الأمومة. وتتسلل إلينا أحلام الطفولة بالإنجاب ورعاية الأطفال كمُهمة مقدّسة للنساء. فالبعض يتملّكها شعور الذنب والخزي لعدة أسباب:

  1. تعتقد أنها فشلت في منع الحمل، بسبب قبوع مسؤولية منع الحمل على النساء دون الرجال.
  2. أن ذلك عقابًا إلهيًا إن كانت غير متزوجة.
  3. أنها تقتل طفلها بسبب المفهوم الخاطئ عن الإجهاض واعتباره قتلًا.
  4. أنها أم سيئة لأنها لم تستكمل الحمل كالأمهات "الجيّدات."


أما لو كان الحمل مُخططًا له ثم قررت إنهائه، فأسباب الشعور بالذنب يُضاف إليها الشعور بعدم المسؤولية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات. وفي الحالتين، شعور الذنب مرتبط بالتصوّر السائد عن الأمومة وعن وظيفة النساء الاجتماعية ومساواة كيانهنّ الإنساني بالإنجاب. فالشعور بالخزي من أنفسهنّ يُصاحبه شعور بالذنب تجاه أجنّة لم تكتمل ويعتبرونها أطفالًا بالفعل. حتى أن بعضهنّ تربُط بين الإجهاض وأي عقبات أخرى تحدث في حياتها الشخصية، كفقدان علاقة أو وظيفة أو التعرّض للمرض العضوي كعقاب إلهي على رفضهنّ للأمومة. فكمّ النساء الساعيات للإنجاب من حولنا، يجعلنا في حيرة إن اختارنا أو أُجبرنا على الإجهاض لأي سبب. تقضي النساء فترات تتراوح من أيام إلى شهورٍ يبحثن عن وسيلة آمنة للإجهاض. فلو كان الإجهاض مُتاحًا وآمنًا، لما طالت المدة التي تسمح لتلك المشاعر المُركَبّة بالوجود بهذه الفجاجة. ولكان الإجهاض نفسه أسهل كثيرًا في الأسابيع الأولى من الحمل.

في هذه الفترة تأكلهنّ مشاعر الخزي والذنب من جانب، وتتطور لدى بعضهنّ روابط عاطفية تجاه الأجنّة غير المكتملة في الرحم، ويشعرن تجاههنّ بالأمومة من جانب آخر. هناك عوامل أخرى أثناء الإجهاض نفسه. حيث تتعرَض النساء لصدمات نفسيّة جرّاء التعامل مع بقايا الأجنة إن كان الإجهاض منزليًا. وإن كان جراحيًا، فمازال التعامل مع النزيف بعد الإجهاض يصب في مصلحة مشاعر الذنب بالإضافة إلى الألم الجسدي.


التصديق على المشاعر

لديّ مشروع بحثي وكتابي بعنوان حكايات الإجهاض، أعمل عليه منذ سبتمبر ٢٠١٧. من خلال مقابلاتي الشخصية مع نساء مُجهضات في مصر والمنطقة العربية، كان الحديث عن الشعور بالذنب والخزي في مركز الحديث دائمًا حتى أننا يُمكن أن نقول أن التجربة تمحوّرت حول تلك المشاعر دون إغفال لمشاعر أخرى كالخوف من الموت أو القبض عليهنّ أثناء الإجهاض أو الخذلان من الشريك. شهدّت أغلب هؤلاء النساء أن الفترات التي قضينها في البحث عن طبيب أو حبوب تحفيز الإجهاض، سمحت بوجود أوقات أخرى للتفكير والتواصل مع الأجنة المُجهَضة. بعضهنّ كتبت رسائل للأجنة قبل الإجهاض وبعده. يعتذرنّ فيها عن الإجهاض وأنهنّ قررنّ أو أُجبرنّ على إنهاء الحمل، من مُنطلق صورة الأم الجيّدة. وبعضهنّ كانت تقضي ساعات تتحدث وتُسامر الجنين وتتحسس رحمها من الخارج محاولةً تخفيف الأمر عليهم/نّ. بعضهنّ شعرنّ بالتخلّي عن أطفالهنّ، ولومنّ أنفسهنّ على الإجهاض في مرحلة مُتأخرة بعد الشهر الثالث (رغم أن ذلك راجع لتجريم الإجهاض).

بعضهنّ أردن استكمال الحمل لكن ظروفهن لم تسمح، إما لأنهن غير متزوجات ويعيشن في بلد لا تسمح للنساء بتسجيل المواليد رسميًا دون زواج. أو هناك من كانت متزوجة وظروفها الاقتصادية اختلفت، أو لديها أطفال بالفعل، أو انتهت علاقتها بالشريك. البعض لومنّ أنفسهنّ على اختيار شركاء غير جديرين بالأبوّة. وبعضهنّ شعرنّ بالخزي لأنها لم تُمارس الجنس بشكل آمن (رغم أن وسائل منع الحمل الطارئة غير مُتاحة في الصيدليات، وغير فعّالة بنسبة ١٠٠٪، وأن الشركاء الرجال عليهم مسؤولية في منع الحمل أيضًا).

كان حديثهنّ عن الذنب قبل الإجهاض جليًا ومركزيًا. أما بعده، فشهدت أغلبهنّ أن تلك المشاعر التي شعرنّ بها تجاه الأجنة، كانت وليدة اللحظة وبسبب تراكمات التصورات الأبوية عن الأمومة في وعيهنّ. شهدنّ أن قرار الإجهاض كان الأفضل. بل أن بعضهنّ شعرت بالفخر أنها لم تستسلم لمشاعر الذنب ودُفعت لاستكمال الحمل والانجاب بسببها. وغالبيتهنّ قلنّ أن الأمومة التي يؤمنّ بها، هي تلك التي يخترنها لأنفسهنّ، ولا يكُنّ مُجبرات عليها بسبب الرواسب بداخل كل امرأة منّا عن كيف نكون نساء وأمهات.

تجربة الإجهاض في بلداننا صعبة وثقيلة نفسيًا، وتحدّيها الوحيد ليس التحايل على القانون وإتمام الإجهاض والنجاة بالحياة بعدم التعرّض لنزيف أو مُضاعفات طبيّة فقط. بل في كل ما تستدعيه التجربة أو تُحفزّه عاطفيًا فينا

التحليل النسويّ لا يُنفي صدق هذه المشاعر. ولا يُمكن لأي شخص المُصادرة على مشاعر امرأة في تجربة الإجهاض ولو بدافع التحليل والتفكيك. في نهاية الأمر، لا يُمكننا أن نقول لامرأة شعرت بالذنب أثناء وبعد الإجهاض أن مشاعرها أتت نتيجة لأسباب تاريخية ورواسب أبويّة. سيُعد ذلك تعاليًا معرفيًا لا يضع مشاعرها وتجربتها نُصب عينيه. يُمكننا دائمًا التصديق على هذه المشاعر والحديث معهنّ أن ذلك أمر عاديّ تشعر به أغلب المُجهضات. يُمكننا التخفيف من وطأة الشعور بالذنب إن سمحنّ لنا بذلك.

أن نتحدث معهنّ عن هذه المشاعر. أن نقول لهنّ أن الجنين ما هو إلا بويضة مُخصبة ليست طفلًا والإجهاض ليس قتلًا. أن تأخّر الإجهاض لشهور مُتقدمة من الحمل، آتٍ على خلفية تجريمه. أن الإنجاب دون رغبة أو بسبب الضغط المجتمعي قد يدفع ثمنه الأطفال بالحرمان من التسجيل الرسمي، أو بالتعامل مع أب عنيف أو أُم غير مُتاحة عاطفيًا. أن منع الحمل مسؤولية مُشتركة. وأن هناك حالات فشلت فيها وسائل منع الحمل في منعه. أن رفض الأمومة بمفهومها الأبويّ اختيار حُر.

ليس هناك كتالوج للأم الجيّدة. حتى النساء اللواتي قررنّ الإنجاب، لا يجب أن تُسحق كياناتهنّ الإنسانية وتُقتصَر على الأطفال. تجربة الإجهاض في بلداننا صعبة وثقيلة نفسيًا، وتحدّيها الوحيد ليس التحايل على القانون وإتمام الإجهاض والنجاة بالحياة بعدم التعرّض لنزيف أو مُضاعفات طبيّة فقط. بل في كل ما تستدعيه التجربة أو تُحفزّه عاطفيًا فينا. أن النجاة بنفسها ليست وصمة، ولجوء النساء للإجهاض له أسبابه الوجيهة. نقول لهنّ أننا نتفهّم هذه المشاعر وأنها من حقهنّ دون أن نفرض وصاية عليهنّ.