وثيقة:مذكرات بيئية
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | ديمة قائدبيه |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | صوت النسوة |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.sawtalniswa.org/article/655
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.is/uFHb6
|
هذا النص هو واحد من النصوص المنشورة على موقع صوت النسوة في إطار نشر محتوى نسوي مرتبط بانتفاضة لبنان 2019
قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة
١٤ أكتوبر ٢٠١٩: آخر يوم من ورشة عمل أخذتنا إلى قبرص. أسرق مع صديقتي نصف ساعة توقّفَ فيها المطر لنتمشّى على الشاطئ ونتكلّم. شاطئ عام. نضحك على أنفسنا من هذا الشعور الغريب الذي أحسسنا به: معقول فينا نمشي هيك على الشط؟ معقول ما رح يجي حدا يشحطنا ويقلنا انو عم نتعدّى على أملاك خاصة؟ ليست المرة الأولى في السنوات الماضية التي نتمشى وندردش قرب البحر، لكنها المرّة الأولى نشعر فيها بفداحة ما خسرناه، ما سلبته السلطة السياسية-المالية في لبنان منّا. شاطئ عام كحق للجميع الاستمتاع به، وحيث لا يفرغ أي منتجع مجاريره في بحرنا.
١٥ أكتوبر: أشعر أنني لا أقوى على التنفّس، مع أنني ما زلت خارج لبنان. النيران تلتهم كل شيء وترينا ما نراه كل يوم: العيشُ في دولة فاسدة وغير قادرة على إدارة أي أزمة أو تقديم أي خدمة عامة، مستديمة او آنيّة. النار عنصر طبيعي تحرق وتدمّر لكنها تفسح المجال لحياة جديدة. السلطة السياسية-المالية عنصر غير طبيعي، يحرق ويدمّر وينهب، ولا يترك في الأرض مجالًا لأي حياة أن تنبت، فالهواء والماء تسَرْطنا، وحياتُنا اليومية صراعات وتوتّرات متشعبة ودائمة.
١٦ أكتوبر: آخر يوم لي في لارنكا. قبل التوجّه إلى المطار، أذهب للمرّة الأخيرة إلى البحر كأحد طقوس وداع فصل الصيف. أحدّق في المياه التي لن تسبّب لي الأمراض وحيث لا تطفو قطع بلاستيك صغيرة وكبيرة حولي. أفكّر في أنهار لبنان. أفكّر في نهر الليطاني الذي صار رصاصيَ اللون يجري بسموم ونفايات المصانع والمستشفيات، يغذي الأرض والمزروعات التي نعيش منها، ويؤدي إلى مرض السكان. كل الأنهار ومجاري المياه ملوّثة التي تصب في بحر ملوّث وتتسرّب في الأرض كما في الهواء. كل هذا عنف ضدنا.
١٧ أكتوبر: إحباط عارم يخيّم علينا. أعرف انني لست وحدي لأن رفيقتي ترسل لي عبر الواتس اب أنها هي أيضاً لا تستطيع التركيز على عملها.
بضع ساعات وسنرى أن وراء الإحباط ثورة.
١٧ نوفمبر: وأخيراً أزور مرج بسري. أردت القدوم إلى هنا منذ أشهر. هنا حيث سيدمرّون هذا الوادي لتشربَ بيروت كما يدّعون، وحيث ستكون المياه ملوّثة بمطمرالناعمة. تحت الأرض التي خلقنا فيها حدوداً وهمية تفصلُنا وتصنّفنا، كل شيء مترابط.
أذكر ما قاله لي مرّة مسؤول في محمية الأرز أنهم جرّبوا عدة طرق لضمان صحة الأشجار، ومن بينها منع الناس من المشي بين الشجر، فضعفت. أتذكّر هذا وأنا اقرأ كتاب روبن وال كيميرير عن حكمة/علوم الشعوب الأصلية التي تكوِّنه ممّا تعلّمنا إياه النباتات، إذ تؤكّد الكاتبة أن بعض النباتات بحاجة ل"الازعاج" من البشر لكي لا تتكاثر أكثر مما هو صحي لها مثلاً. نكرّر مقولة أن الأرض ليست بحاجة لنا وستعيشُ من دوننا. لكن هناك مسؤولية وتواضع في اعتبار أنفسنا جزء من النظام البيئي، عنصر طبيعي آخر متّصل مثل غيره بكل ما حوله. ليس الهدف أن تكون الأشجار منعزلة عنا خلف سياج، ومحميّة (منّا) كعرض في متحف، بل هي جزءٌ من حياتنا ونحن جزء من حياتها، حيواتنا متعلقة ببعضها. كل ما علينا هو ألّا نستغل ونأخذ أكثر مما نحن بحاجة إليه، كما تقول كيميرير[1].
١٢ ديسمبر: نلتقي بنساء من البقاع يخبرونني كيف ان المزارعات لا يملكون فعلًا ما يجنوه، فيذهب المال الى رجل العائلة. يحكون عن تهميش الزراعة والمزارعات. هن يعرفن ان الاقتصاد القائم على الخدمات والسياحة في بيروت يهمّش الزراعة والصناعة، ولا يفكّر بالبيئة حتى ليستثمر في سياحة بيئية. اقتصادنا يعكس قيم السلطة التي تحكمنا، وتعيد ترسيخ هذه القيم بيننا.
هاجسي حركة بيئية نسوية. او ثورة بيئية نسوية. أفتّش منذ فترة عن تاريخ تتقاطع فيه الحركتين النسوية والبيئية في لبنان، ولم أجده بعد. هو موجود في عمل بعض الافراد والمجموعات، في بعض المحاولات، ومنها ما نقوم بها في ورشة المعارف، لكنه لم يصبح حركة او تقاطع فعلي لحركتين بعد. اتابع بعضًا من نضال الحركة البيئية هنا، لكنني اعرف ايضًا كم ستستفيد هذه الحركة من المنظور النسوي الشامل، وكم ستوسع الحركة البيئية كذلك نطاق عمل حركتنا النسوية. النسوية هي المنظور والقالب اللذان يوجهان حياتي. هذه الحركة التي رسّخت مناهضة العنصرية في خطابها لها القدرة ايضًا ان تحمل رؤية وأطر تأخذ العدالة البيئية في صميمها بشكل أكبر وأوضح. أخاف من طموحات ج.ب.، وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة، الذي يبدو لي انه يريد ان يكون شيء من دونالد ترامب وامير مال لبنان والعرب، يمهّد لقطاع نفط قد تكون نتائجه البيئية كارثية. ولا شيء سوى ثورات وحركات قوية تأخذ البيئة والاقتصاد والطبقات الاجتماعية والعنصرية والجندر والأبوية في الحسبان تستطيع ان تعيد توجيه هذا المسار.
هوامش
- ↑ Braiding Sweetgrass: Indigenous Wisdom, Scientific Knowledge and the Teachings of Plants(2014).