تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صياغة المقدّمة+هيكلة: عناوين لا أحجام و ثخانات+حذف
سطر 9: سطر 9:     
==تاريخ تطور النظرية==
 
==تاريخ تطور النظرية==
تعتمد العديد من مدارس  النسوية البيئية، مثل النسوية البيئية الاشتراكية والنسوية البيئية الروحانية، على تحليل تاريخي للأيديولوجيا التي تقول أن اضطهاد الطبيعة والنساء ترافق مع نشأة الأبوية، وترى أن بنية النظام الأبوي تعتمد على ثنائيات ثابتة ومقدسة مثل: العقل والجسد والروح والمادة والذكر والأنثى والتحضر والطبيعة، بحيث يتفوق إحدى طرفي هذه الثنائيات على الآخر. وبالتالي، ينتج هذا التحليل تسلسلًا هرميًا لقيمة الكائنات؛
+
تقوم بعض مدارس  النسوية البيئية، منها النسوية البيئية الاشتراكية والنسوية البيئية الروحانية، على تحليل تاريخي للأيديولوجيا مفاده أن اضطهاد الطبيعة والنساء ترافق مع نشأة الأبوية، و ترى أن بنية النظام الأبوي يعتمد على ثنائيات ثابتة مقدسة مثل: العقل والجسد، والروح والمادة، والذكر والأنثى، والتحضر والطبيعة، بحيث يتفوق أحد طرفي كل من تلك الثنائيات على الآخر. و من ثمّ يُنتِج هذا التحليل تراتبية لقيمة الكائنات:
    
الله
 
الله
سطر 23: سطر 23:  
الطبيعة
 
الطبيعة
   −
وترى عالمة الاهوت النسوية [[روزماري رادفورد ريوتر]] أن اختراع ثنائية الطبيعة والتحضر سمح للثقافة الأبوية التكريس لفكرة تطور الأخيرة عن الأولى، وبالتالي لتحقيق التطور لا بد من القضاء على الطبيعة. بناًء على هذا التحليل، ترى النسويات البيئيات أن الأبوية دمرت علاقة الإنسان بالبيئة ومن بعدها تسببت الرأسمالية في جعل العلاقة قائمة على الإستغلال وسرقة الموارد من ممتلكيها. وبالتالي، تشير النسويات البيئيات إلى أن التحرر النسوي لا يمكن أن يكون دون التحرر من الاستغلال الرأسمالي للبيئة.  
+
وترى عالمة اللاهوت النسوية [[روزماري رادفورد ريوتر]] أن اختراع ثنائية الطبيعة والتحضر سمح للثقافة الأبوية بتكريس فكرة تطور الثانية عن الأولى، و من ثمّ فإنه لتحقيقَ التقدُّم لا بدّ من القضاء على الطبيعة. بناًء على هذا التحليل ترى النسويات البيئيات أنَّ الأبوية دمرت علاقة الإنسان بالبيئة ومن بعدها تسببت الرأسمالية في جعل العلاقة قائمة على الاستغلال وسرقة الموارد من أصحابها. لذا تشير النسويات البيئيات إلى أنَّ التحرر النسوي لا يمكن أن يكون دون التحرر من الاستغلال الرأسمالي للبيئة.  
   −
وتجادل العديد من النسويات البيئيات إلى وجود وقت قبل التاريخ المكتوب، منذ حوالي 250،000 سنة، ركزت فيه المجتمعات على التعاون بدلًا من المنافسة. خلال هذه الفترة، ركزت الروحانيات على عبادة الآلهة الأنثوية على نطاق واسع وكانت المجتمعات أكثر تركيزًا على النساء. وتشير عدة مدارس نسوية بيئية، من بينها النسوية الثقافية والاجتماعية والروحانية، إلى إمكانية التعلم من مجتمعات ما قبل الأبوية هذه. وعلى الرغم من أن معظم النسويات البيئيات يعتبرن النظام الأبوي السبب الجذري للسلوك البشري العنيف، تعتقد بعض المفكرات ك[[شيليس جليندينغ]]، أن انفصالنا عن الطبيعة يعود إلى حوالي 20000 عام، أي إلى الوقت الذي تحول فيه البشر من ثقافة جامع/ صياد إلى تدجين النباتات والحيوانات.
+
وتطرح العديد من النسويات البيئيات وجود وقت قبل التاريخ المكتوب، منذ حوالي 250٬000 سنة، كانت سمة المجتمعات على التعاون لا التنافس. خلال هذه الفترة دارت الروحانيات حول عبادة الآلهة الأنثوية على نطاق واسع وكانت النساء أكثر مركزية  في المجتمعات البشرية. وتشير عدة مدارس نسوية بيئية، من بينها النسوية الثقافية والاجتماعية والروحانية، إلى إمكانية التعلم من مجتمعات ما قبل الأبوية تلك. وعلى الرغم من أن معظم النسويات البيئيات يرين النظام الأبوي السبب الجذري للسلوك البشري العنيف، تعتقد بعض المفكرات مثل [[شيليس جليندينغ]] أن انفصالنا عن الطبيعة يعود إلى حوالي 20٬000 عام، أي إلى الوقت الذي تحول فيه البشر من ثقافة الجمع و الصيد إلى تدجين النباتات والحيوانات.
   −
وتركز نسويات بيئيات آخريات على التحول الإيديولوجي الذي حدث خلال عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر؛ فتشير [[كارولين ميرشانت]]، مؤلفة كتاب "موت الطبيعة" الذي يعتبر مدخل إلى  النسوية البيئية، إلى تدمير الثورات العلمية والثقافية التنويرية المعارف العضوية التي امتلكلتها النساء وساعدت على حماية الطبيعة لقرون عديدة، وكانت احد مظاهرها مطاردة [[ساحرة | الساحرات]]. وترى كارولين أيضًا إلى أن ظهور أيديولوجية علمية وتكنولوجية ورأسمالية مهووسة "بالتقدم" على مدى المائتي سنة الماضية أدت إلى تدمير علاقة الإنسان بالطبيعة واستهدفت عمل النساء، وبالتالي فالبيئة قضية نسوية.  
+
وتركز نسويات بيئيات أخريات على التحول الإيديولوجي الذي حدث خلال عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر؛ فنجد  [[كارولين ميرشانت]]، مؤلفة كتاب [[موت الطبيعة]] الذي يعدُّ مدخلا إلى  النسوية البيئية، تشير إلى تدمير الثورات العلمية والثقافية التنويرية المعارفَ العضوية التي كانت للنساء وساعدت على حماية الطبيعة لقرون عديدة، وكان أحد مظاهرها مطاردة [[ساحرة | الساحرات]]. وترى كارولين أيضًا أن ظهور أيديولوجية علمية وتكنولوجية ورأسمالية مهووسة "بالتقدم" على مدى المئتي سنة الماضية أدت إلى تدمير علاقة الإنسان بالطبيعة واستهدفت عمل النساء، وبالتالي فالبيئة قضية نسوية.  
    
   
 
   
كما تشير [[جوديث بلانت]]، مؤلفة "النساء والطبيعة"،  إلى استخدام المجتمعات قبل الثورة الصناعية للاستعارات العضوية من أجساد النساء لشرح الذات والمجتمع والطبيعة، ومن خلال هذه الاستعارات يمكننا فهم رؤية المجتمع للأرض على إنها إمرأة حية. إلا أن الثورة العلمية للتنوير  استبدلت هذه الاستعارات العضوية بأخرى ميكانيكية. لم يعد الكون يُفهم على أنه كائن حي، ولكن كآلة، وأصبح يُنظر إلى الطبيعة على أنها مورد للاستخدام البشري.
+
كما تشير [[جوديث بلانت]]، مؤلفة ]]النساء والطبيعة]] إلى استعمال مجتمعات ما قبل الثورة الصناعية استعارات عضوية من أجساد النساء لشرح الذات والمجتمع والطبيعة، ومن خلال تلك الاستعارات يمكننا فهم رؤية المجتمع للأرض على إنها امرأة حية. إلا أن الثورة العلمية للتنوير  استبدلت تلك الاستعارات العضوية بأخرى ميكانيكية. فلم يعد الكون يُفهم على أنه كائن حي، بل آلة، وأصبح يُنظر إلى الطبيعة على أنها مورد للاستخدام البشري.
   −
وتطورت نظريات النسوية البيئية بعدها فتشير [[كارين وارين]] أن النسوية البيئية فلسفة متكاملة مقاومة لأنظمة الاستبداد ومبنية على مبادئ "التنوع والتضامن والاستدامة والتعاون والتجدد". وتطرح "أخلاقيات النسوية البيئية" كإطار نظري تندرج تحته بعض الخصائص:<ref>[https://books.google.com.eg/books/about/Ecofeminist_Philosophy.html?id=HsNM29FGblgC&printsec=frontcover&source=kp_read_button&redir_esc=y#v=onepage&q&f=false كارين جاي وارين، Ecofeminist Philosophy، 2000]</ref>
+
وتطورت نظريات النسوية البيئية بعدها فتشير [[كارين وارين]] أن النسوية البيئية فلسفة متكاملة مقاومة لأنظمة الاستبداد ومبنية على مبادئ "التنوع والتضامن والاستدامة والتعاون والتجدد". وتطرح "أخلاقيات النسوية البيئية" كإطار نظري يضم بعض الخصائص:<ref>[https://books.google.com/books/about/Ecofeminist_Philosophy.html?id=HsNM29FGblgC كارين جاي وارين، Ecofeminist Philosophy، 2000]</ref>
   −
*التغير الدائم؛ فهي دوما قيد التطوير.
+
* التغير الدائم؛ فهي دوما قيد التطوير.
 
* لا تدعم وجود أي نوع من أنواع السيطرة أو الاضطهاد، بما في ذلك التمييز الجنسي والعرقي والطبقي
 
* لا تدعم وجود أي نوع من أنواع السيطرة أو الاضطهاد، بما في ذلك التمييز الجنسي والعرقي والطبقي
 
* تنخرط في السياقات التاريخية والبيئية.
 
* تنخرط في السياقات التاريخية والبيئية.
* هي اخلاقيات جامعة؛ تتضمن كل أشكال الحياة.
+
* هي أخلاقيات جامعة؛ تتضمن كل أشكال الحياة.
 
* ليست موضوعية؛ بل تسعى لتسليط الضوء على أوجه النظر المهمشة.
 
* ليست موضوعية؛ بل تسعى لتسليط الضوء على أوجه النظر المهمشة.
 
* تهتم بالقيم التي استبعدت لارتباطها بخصائص أنثوية مثل الحب والاهتمام والرعاية.
 
* تهتم بالقيم التي استبعدت لارتباطها بخصائص أنثوية مثل الحب والاهتمام والرعاية.
سطر 45: سطر 45:  
==مدارس النسوية البيئية==
 
==مدارس النسوية البيئية==
   −
'''<big>النسوية البئية الثقافية</big>''':
+
==== النسوية البئية الثقافية ====
    
ترى نسويات مدرسة النسوية البيئية الثقافية أن الهيمنة على الطبيعية والسيطرة على النساء ناتجة عن النظام الأبوي، وبالتالي يجب الاعتراف بالعلاقة بين المرأة والطبيعة، وإعادة تحليل كل ما يؤثّر عليه ويقمعه النظام الأبوي، بما في ذلك النساء والطبيعة، وتطوير ثقافة ومبادئ نسوية جديدة، تمكنا من الإطاحة بالنظام الأبوي.
 
ترى نسويات مدرسة النسوية البيئية الثقافية أن الهيمنة على الطبيعية والسيطرة على النساء ناتجة عن النظام الأبوي، وبالتالي يجب الاعتراف بالعلاقة بين المرأة والطبيعة، وإعادة تحليل كل ما يؤثّر عليه ويقمعه النظام الأبوي، بما في ذلك النساء والطبيعة، وتطوير ثقافة ومبادئ نسوية جديدة، تمكنا من الإطاحة بالنظام الأبوي.
تشجّع النسوية-البيئية الثقافية إلقاء الضوء على العلاقة بين المرأة والبيئة، و تجادل بأن المرأة لديها علاقة أكثر حميمية مع الطبيعة بسبب أدوارها الجندرية، والتي تشمل على سبيل المثال المسؤولية التربوية وتأمين الغذاء، وطبيعتها البيولوجية أيضاً مثل الحيض، والحمل، والرضاعة. وتشير الناشطات أن مثل هذه االعلاقة تسمح للنساء بأن يكنّ أكثر حساسية تجاه قدسية البيئة وتدهورها، وبالتالي يعملن على مطالبة المجتمع باحترام وتقدير تلك العلاقة.
     −
'''<big>النسوية البيئية الروحية</big>''':
+
تشجّع النسوية-البيئية الثقافية إلقاء الضوء على العلاقة بين المرأة والبيئة، و تجادل بأن المرأة لديها علاقة أكثر حميمية مع الطبيعة بسبب أدوارها الجندرية، والتي تشمل على سبيل المثال المسؤولية التربوية وتأمين الغذاء، وطبيعتها البيولوجية أيضاً مثل الحيض، والحمل، والرضاعة. وتشير الناشطات أن مثل هذه العلاقة تسمح للنساء بأن يكنّ أكثر حساسية تجاه قدسية البيئة وتدهورها، وبالتالي يعملن على مطالبة المجتمع باحترام وتقدير تلك العلاقة.
 +
 
 +
==== النسوية البيئية الروحية ====
    
يرتبط ظهور النسوية البيئية الروحية باكتشاف الثقافة ال[[أمومية]] القديمة من قِبل علماء الآثار، وتجادل هذه المدرسة بأن الإله والأديان الحالية هم تمثيل للدين الأبوي. تدافع هذه النظرية عن إحياء الأديان القديمة، وتشجع الإلهة الحركية على إعادة بناء العلاقة بين المرأة والطبيعة. بالإضافة إلى انتقادها الأديان الأبوية، تقدس المرأة والطبيعة وتدعو إلى استبدال السياسة بالأديان. انتقدت النظرية النسوية البيئية الاجتماعية  هذه النظرية، واعتبرت أن تقديس المرأة هو نوع من الهروب من المشاكل الاجتماعية والبيئية في العالم المادي.  
 
يرتبط ظهور النسوية البيئية الروحية باكتشاف الثقافة ال[[أمومية]] القديمة من قِبل علماء الآثار، وتجادل هذه المدرسة بأن الإله والأديان الحالية هم تمثيل للدين الأبوي. تدافع هذه النظرية عن إحياء الأديان القديمة، وتشجع الإلهة الحركية على إعادة بناء العلاقة بين المرأة والطبيعة. بالإضافة إلى انتقادها الأديان الأبوية، تقدس المرأة والطبيعة وتدعو إلى استبدال السياسة بالأديان. انتقدت النظرية النسوية البيئية الاجتماعية  هذه النظرية، واعتبرت أن تقديس المرأة هو نوع من الهروب من المشاكل الاجتماعية والبيئية في العالم المادي.  
   −
'''<big>النسوية البيئية الاجتماعية</big>''':
+
==== النسوية البيئية الاجتماعية ====
    
تحتل النسوية البيئية الاجتماعية الجانب اليساري من النسوية البيئة؛ وترى على أنها مزيج من النسوية الأناركية والإيكولوجيا الاجتماعية. تجادل نسويات مدرسة النسوية الاجتماعية على سيطرة النظام الأبوي على الطبيعية والهيمنة على النساء، مع التأكيد على الجذور الاقتصادية والسياسية لتلك الهيمنة وتدعوا إلى تغييرات سياسية واقتصادية لتحرير الطبيعة والمرأة. وتشير المدرسة إلى أن الأبوية ليست إلا شكلًا من أشكال التسلسل الهرمي الاجتماعي، وبالتالي فالأهم هو القضاء على جميع أشكال التسلسل الهرمي. لذلك، فإن النسوية الاجتماعية تولي المزيد من الاهتمام لتحليل الهيكل الهرمي نفسه، مع التركيز على الوظيفة المهيمنة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع وإصلاح النظم الاجتماعية والاقتصادية.
 
تحتل النسوية البيئية الاجتماعية الجانب اليساري من النسوية البيئة؛ وترى على أنها مزيج من النسوية الأناركية والإيكولوجيا الاجتماعية. تجادل نسويات مدرسة النسوية الاجتماعية على سيطرة النظام الأبوي على الطبيعية والهيمنة على النساء، مع التأكيد على الجذور الاقتصادية والسياسية لتلك الهيمنة وتدعوا إلى تغييرات سياسية واقتصادية لتحرير الطبيعة والمرأة. وتشير المدرسة إلى أن الأبوية ليست إلا شكلًا من أشكال التسلسل الهرمي الاجتماعي، وبالتالي فالأهم هو القضاء على جميع أشكال التسلسل الهرمي. لذلك، فإن النسوية الاجتماعية تولي المزيد من الاهتمام لتحليل الهيكل الهرمي نفسه، مع التركيز على الوظيفة المهيمنة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع وإصلاح النظم الاجتماعية والاقتصادية.
سطر 81: سطر 82:     
====تراتبية الكائنات التوراتيّة====
 
====تراتبية الكائنات التوراتيّة====
تعد عالمة اللاهوت [[إليزابيث دودسون غراي]] من أوائل مُفكرات النسوية البيئية اللاتي درسن الأدوار التي يلعبها الخيال الديني والجنسي في التراث الأبوي اليهودي-المسيحي والتقاليد الفكرية الغربية.<ref>Karen Warren, ''[https://books.google.com.eg/books?id=HsNM29FGblgC&pg=PA30&lpg=PA30&dq=Elizabeth+Dodson+Gray+and+ecofeminism&source=bl&ots=_rqGBRNooE&sig=ACfU3U2rWPTgdxpQmghgGK0UoyKPWkjI_w&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiLu-2_ttvpAhVG1hoKHTEAD2MQ6AEwEHoECAgQAQ#v=onepage&q=Elizabeth%20Dodson%20Gray%20and%20ecofeminism&f=false Ecofeminist Philosophy: A Western Perspective on what it is and why it Matters]'', P.30, 2000. </ref>ففي كتابها الفردوس الأخضر المفقود (Green Paradise Lost (1979، تشير إليزابيث إلى وجود تراتبية مدمِّرة للكائنات في جوهر الوصف التوراتي لحدث الخلق، فتشير أنه في القصة التوراتية لطبيعة الأشياء تأتي المرأة بعد بل وأدنى من الرجل؛ فخُلقت المرأة من جسم رجل وليس من جسم امرأة كما يحدث طبيعيًا ومن ثم يخلق الأطفال، وهم كائنات ثانويّة لا يتم حتى ذكرهم في قصة الخلق. ثم تخلق الحيوانات التي لا تمتلك الروح البشرية "الفريدة" ولذلك تأتي في منزلة أدنى. ويأتي بعدها النباتات التي لا تتحرك حتى. وتعد أساس الطبيعة نفسها - الهضاب والجبال والأنهار والأودية - قعر كل الخلق. أما السماوات والقمر والنجوم فهي أقرب إلى الإله وأعلى من كل المخلوقات. وكلما صعد المرء  في "هرم الهيمنة والمنزلة" التراتبية هذا إلى الأعلى اقترب من كل ما هو روحي وسامٍ.  
+
تعد عالمة اللاهوت [[إليزابيث دودسون غراي]] من أوائل مُفكرات النسوية البيئية اللاتي درسن الأدوار التي يلعبها الخيال الديني والجنسي في التراث الأبوي اليهودي-المسيحي والتقاليد الفكرية الغربية.<ref>Karen Warren, ''[https://books.google.com/books?id=HsNM29FGblgC&pg=PA30&lpg=PA30&dq=Elizabeth+Dodson+Gray+and+ecofeminism&source=bl&ots=_rqGBRNooE&sig=ACfU3U2rWPTgdxpQmghgGK0UoyKPWkjI_w&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiLu-2_ttvpAhVG1hoKHTEAD2MQ6AEwEHoECAgQAQ#v=onepage&q=Elizabeth%20Dodson%20Gray%20and%20ecofeminism&f=false Ecofeminist Philosophy: A Western Perspective on what it is and why it Matters]'', P.30, 2000. </ref>ففي كتابها الفردوس الأخضر المفقود (Green Paradise Lost (1979، تشير إليزابيث إلى وجود تراتبية مدمِّرة للكائنات في جوهر الوصف التوراتي لحدث الخلق، فتشير أنه في القصة التوراتية لطبيعة الأشياء تأتي المرأة بعد بل وأدنى من الرجل؛ فخُلقت المرأة من جسم رجل وليس من جسم امرأة كما يحدث طبيعيًا ومن ثم يخلق الأطفال، وهم كائنات ثانويّة لا يتم حتى ذكرهم في قصة الخلق. ثم تخلق الحيوانات التي لا تمتلك الروح البشرية "الفريدة" ولذلك تأتي في منزلة أدنى. ويأتي بعدها النباتات التي لا تتحرك حتى. وتعد أساس الطبيعة نفسها - الهضاب والجبال والأنهار والأودية - قعر كل الخلق. أما السماوات والقمر والنجوم فهي أقرب إلى الإله وأعلى من كل المخلوقات. وكلما صعد المرء  في "هرم الهيمنة والمنزلة" التراتبية هذا إلى الأعلى اقترب من كل ما هو روحي وسامٍ.  
    
وتحاجج إليزابيث أن أساطير الخلق الدينية القديمة بطريركية وذات نزعة طبيعية؛ ففي النظام التراتبي للوجود يمكن إساءة معاملة أو التعدي أو المتاجرة أو التضحية أو قتل المراتب الدنيا فيه  - سواء الإناث أو الأطفال أو الحيوان أو النباتات - باسم المراتب العليا للوجود الروحاني المتجسد في الذكور أو الإله. والطبيعة، التي لا تعتبر فقط في أسفل هذا الهرم، بل ومليئة بالقذارة والدم والمفاجآت الطبيعية البغيضة مثل الزلازل والفيضانات والعواصف الطائشة، هذه الطبيعة مرشَّحة بجلاء لتكون جائزة يفوز بها "السيد" الأكثر بطشًا من الجميع. <ref>Elizabeth Dodson Gray, ''Green Paradise Lost'', P.03-05, 1981.</ref>
 
وتحاجج إليزابيث أن أساطير الخلق الدينية القديمة بطريركية وذات نزعة طبيعية؛ ففي النظام التراتبي للوجود يمكن إساءة معاملة أو التعدي أو المتاجرة أو التضحية أو قتل المراتب الدنيا فيه  - سواء الإناث أو الأطفال أو الحيوان أو النباتات - باسم المراتب العليا للوجود الروحاني المتجسد في الذكور أو الإله. والطبيعة، التي لا تعتبر فقط في أسفل هذا الهرم، بل ومليئة بالقذارة والدم والمفاجآت الطبيعية البغيضة مثل الزلازل والفيضانات والعواصف الطائشة، هذه الطبيعة مرشَّحة بجلاء لتكون جائزة يفوز بها "السيد" الأكثر بطشًا من الجميع. <ref>Elizabeth Dodson Gray, ''Green Paradise Lost'', P.03-05, 1981.</ref>
سطر 140: سطر 141:  
يعد الواقع البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معقد ومتداخل؛ ففي العديد من بلدان المنطقة، تعد الموارد الطبيعية، مثل الحطب، المصدر الرئيسي للطاقة للاستهلاك المحلي. أدى الاستخدام الواسع لهذه المصادر إلى تدهور الغابات وتلوث الهواء. وفي الوقت نفسه، تعتبر النساء المساهم الرئيسي في إدارة الغابات من خلال زراعتها وحمايتها. فعملت، على سبيل المثال، شبكة الصحافة العربية، ممثلة برئيسها رزان زعيتر، على زرع أكثر من مليوني شجرة في الأردن وفلسطين. وتشكّل النساء في منطقة الشرق الأوسط النسبة الأعلى من المستخدمين للمياه عن طريق الاستهلاك المنزلي، وفي ظل وجود أزمة مياه في السعودية، عملت د. [[ملك النوري]]، الحائزة على زمالة ابن خلدون، على مشروع سلسلة الإمداد بالمياه في السعوية، وهي أول إمرأة سعودية تقدم بحثها في مؤتمر المؤسسة الدولية للتنمية في ٢٠١٣. وفي عام ٢٠١٥، ونظرًا إلى المشاكل والتحديات التي تتعلق بعدم توافر كهرباء وقلة الموارد في قرى البادية في الأردن، درست [[رفيعة أم قمر]]، والتي تعتبر أن هدفها هو "تحسين المستوى المعيشي لمجتمعها وتغيير حياة النساء فيه"، هندسة الطاقة الشمسية في الهند، وأنشئت ٨٠ وحدة طاقة شمسية لتوفير الكهرباء في قريتها كما قامت بتدريب النساء على كيفية تجميع لوحة للطاقة الشمسية.  
 
يعد الواقع البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معقد ومتداخل؛ ففي العديد من بلدان المنطقة، تعد الموارد الطبيعية، مثل الحطب، المصدر الرئيسي للطاقة للاستهلاك المحلي. أدى الاستخدام الواسع لهذه المصادر إلى تدهور الغابات وتلوث الهواء. وفي الوقت نفسه، تعتبر النساء المساهم الرئيسي في إدارة الغابات من خلال زراعتها وحمايتها. فعملت، على سبيل المثال، شبكة الصحافة العربية، ممثلة برئيسها رزان زعيتر، على زرع أكثر من مليوني شجرة في الأردن وفلسطين. وتشكّل النساء في منطقة الشرق الأوسط النسبة الأعلى من المستخدمين للمياه عن طريق الاستهلاك المنزلي، وفي ظل وجود أزمة مياه في السعودية، عملت د. [[ملك النوري]]، الحائزة على زمالة ابن خلدون، على مشروع سلسلة الإمداد بالمياه في السعوية، وهي أول إمرأة سعودية تقدم بحثها في مؤتمر المؤسسة الدولية للتنمية في ٢٠١٣. وفي عام ٢٠١٥، ونظرًا إلى المشاكل والتحديات التي تتعلق بعدم توافر كهرباء وقلة الموارد في قرى البادية في الأردن، درست [[رفيعة أم قمر]]، والتي تعتبر أن هدفها هو "تحسين المستوى المعيشي لمجتمعها وتغيير حياة النساء فيه"، هندسة الطاقة الشمسية في الهند، وأنشئت ٨٠ وحدة طاقة شمسية لتوفير الكهرباء في قريتها كما قامت بتدريب النساء على كيفية تجميع لوحة للطاقة الشمسية.  
 
[[ملف:احتجاج للنساء السلاليات ومزارعات من قبيلة أولاد سبيطة ضد شركة الضحى في المغرب 1.jpg|تصغير|يسار|احتجاج للنساء السلاليات ومزارعات من قبيلة أولاد سبيطة ضد شركة الضحى في المغرب ]]
 
[[ملف:احتجاج للنساء السلاليات ومزارعات من قبيلة أولاد سبيطة ضد شركة الضحى في المغرب 1.jpg|تصغير|يسار|احتجاج للنساء السلاليات ومزارعات من قبيلة أولاد سبيطة ضد شركة الضحى في المغرب ]]
 +
 
تدفع قلة الموارد واحتكارها من قبل الدول أو الشركات النساء المقيمات في القرى بشكل خاص إلى العمل على مواجهة تلك الانتهاكات وإيجاد البدائل الملائمة للطبيعة ولحاجاتهن، وعلى الرغم من عدم صراحة التعريف عن أنفسهن على أنّهن "نسويات بيئيات" إلا أنّ الكثير من أعمالهن تتقاطع مع المبادئ والمفاهيم الأساسية للنسوية البيئية. في هذا الإطار، يمكن العودة إلى التاريخ الشفهي الذي وثقته [[ورشة المعارف]] في حوارات مع حكواتيات لديهن تجارب في الحركة البيئية في لبنان. يوثق المشروع قصص نساء كما روينها وتجاربهن ونضالهن الشخصي للدفاع عن الأرض ضد سياسات ومشاريع هدفها الربح دون أن يعرفن عن أنفسهن بالضرورة كنسويات بيئيات.<ref>ورشة المعارف، [[ وثيقة:التاريخ الشفوي للنساء في الحركة البيئية في لبنان|التاريخ الشفوي للنساء في الحركة البيئية في لبنان]]، 29-05-2018</ref>
 
تدفع قلة الموارد واحتكارها من قبل الدول أو الشركات النساء المقيمات في القرى بشكل خاص إلى العمل على مواجهة تلك الانتهاكات وإيجاد البدائل الملائمة للطبيعة ولحاجاتهن، وعلى الرغم من عدم صراحة التعريف عن أنفسهن على أنّهن "نسويات بيئيات" إلا أنّ الكثير من أعمالهن تتقاطع مع المبادئ والمفاهيم الأساسية للنسوية البيئية. في هذا الإطار، يمكن العودة إلى التاريخ الشفهي الذي وثقته [[ورشة المعارف]] في حوارات مع حكواتيات لديهن تجارب في الحركة البيئية في لبنان. يوثق المشروع قصص نساء كما روينها وتجاربهن ونضالهن الشخصي للدفاع عن الأرض ضد سياسات ومشاريع هدفها الربح دون أن يعرفن عن أنفسهن بالضرورة كنسويات بيئيات.<ref>ورشة المعارف، [[ وثيقة:التاريخ الشفوي للنساء في الحركة البيئية في لبنان|التاريخ الشفوي للنساء في الحركة البيئية في لبنان]]، 29-05-2018</ref>
  

قائمة التصفح