تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سطر 9: سطر 9:  
يشير عالم الاجتماع البيروفي أنيبال كيخانو إلى أنّ علاقة المجتمعات الأوروبيّة -أو الغربيّة- بالمجتمعات التي خضعت لها لا تزال قائمة على السيطرة الاستعماريّة، حتّى وإن تغلّبت معظمها على الاستعمار كنظام سياسيّ صريح. تقوم هذه العلاقة على استعمار مخيّلة الثقافات الخاضعة؛ إذ تحوّلت الثقافة الأوروبيّة إلى نموذج ثقافيّ عالميّ يتيح الوصول إلى المنافع المادّيّة وموارد القوّة التي تتمتّع بها المجتمعات الأوروبيّة. أمّا الثقافات غير الأوروبيّة فأصبحت عاجزة عن إعادة إنتاج نفسها خارج هذه العلاقة. من هنا، استحدث أنيبال مصطلح "الاستعماريّة" للإشارة إلى الشكل الأكثر عموميّة للسيطرة في العالم اليوم.<ref>Coloniality and Modernity/Rationality، تأليف أنيبال كيخانو، نشر Routledge في 2007.</ref> في المقابل، ترفض نور أبو عصب ونوف ناصر الدين، وهما عالمتا اجتماع فلسطينيّتان، تمييز أنيبال بين الاستعمار والاستعماريّة؛ فالتمييز بين الشكل الكلاسيكيّ للاستعمار وأوجهه غير المادّيّة يسمح بتشكيل نظريّات مناهضة للاستعمار تغفل الحقائق المادّيّة للناس أوّلًا، وتجزئة الصراعات ثانيًا. تضيف نور ونوف أنّ هذا التمييز يضفي الطابع اللا مركزيّ على مشروع الاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين، متعارضًا مع دعوتهما إلى إعادة مركزة فلسطين في النظريّة النسويّة المناهضة للاستعمار.<ref>[[وثيقة:(إعادة) مركزة فلسطين في النظرية النسوية المناهضة للاستعمار.pdf|(إعادة) مركزة فلسطين في النظريّة النسوية المناهضة للاستعمار]]، تأليف نور أبو عصب ونوف ناصر الدين، نشر مجلّة كحل في 2019.</ref>
 
يشير عالم الاجتماع البيروفي أنيبال كيخانو إلى أنّ علاقة المجتمعات الأوروبيّة -أو الغربيّة- بالمجتمعات التي خضعت لها لا تزال قائمة على السيطرة الاستعماريّة، حتّى وإن تغلّبت معظمها على الاستعمار كنظام سياسيّ صريح. تقوم هذه العلاقة على استعمار مخيّلة الثقافات الخاضعة؛ إذ تحوّلت الثقافة الأوروبيّة إلى نموذج ثقافيّ عالميّ يتيح الوصول إلى المنافع المادّيّة وموارد القوّة التي تتمتّع بها المجتمعات الأوروبيّة. أمّا الثقافات غير الأوروبيّة فأصبحت عاجزة عن إعادة إنتاج نفسها خارج هذه العلاقة. من هنا، استحدث أنيبال مصطلح "الاستعماريّة" للإشارة إلى الشكل الأكثر عموميّة للسيطرة في العالم اليوم.<ref>Coloniality and Modernity/Rationality، تأليف أنيبال كيخانو، نشر Routledge في 2007.</ref> في المقابل، ترفض نور أبو عصب ونوف ناصر الدين، وهما عالمتا اجتماع فلسطينيّتان، تمييز أنيبال بين الاستعمار والاستعماريّة؛ فالتمييز بين الشكل الكلاسيكيّ للاستعمار وأوجهه غير المادّيّة يسمح بتشكيل نظريّات مناهضة للاستعمار تغفل الحقائق المادّيّة للناس أوّلًا، وتجزئة الصراعات ثانيًا. تضيف نور ونوف أنّ هذا التمييز يضفي الطابع اللا مركزيّ على مشروع الاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين، متعارضًا مع دعوتهما إلى إعادة مركزة فلسطين في النظريّة النسويّة المناهضة للاستعمار.<ref>[[وثيقة:(إعادة) مركزة فلسطين في النظرية النسوية المناهضة للاستعمار.pdf|(إعادة) مركزة فلسطين في النظريّة النسوية المناهضة للاستعمار]]، تأليف نور أبو عصب ونوف ناصر الدين، نشر مجلّة كحل في 2019.</ref>
   −
تعكس المواجهة بين مقاربة أنيبال كيخانو ومقاربة نور أبو عصب ونوف ناصر الدين وجهًا من أوجه الجدل القائم بين دراسات ما بعد الاستعمار من جهة، ودراسات الشعوب الأصليّة المرتكزة على مشروع مناهضة الاستعمار من جهة أخرى. تشرح الباحثة التشيكانيّة إيمي كاريلو رو أنّ البادئة "ما بعد" في مصطلح "ما بعد الاستعمار" تثير الريبة بين دراسات الشعوب الأصليّة؛ إذ "لا تزال مواجهة الاستعمار المستمرّ للأراضي الأصليّة أولويّة الشعوب الأصليّة" اقتباسًا عن جودي بيرد (منظّر أمريكيّ من قبيلة تشيكاساو) ومايكل روثبرغ (باحث أمريكيّ في دراسات الأدب والذاكرة). في هذا السياق، يجادل عالم الاجتماع الجامايكيّ-البريطانيّ ستيوارت هول -على غرار غيره من الباحثين في دراسات ما بعد الاستعمار- أنّ العلاقة بين البادئة "ما بعد" والكلمة التي تليها (الاستعمار) معقّدة؛ فالبادئة لا تدلّ فقط على مؤشّر زمنيّ، أو انقطاع، أو انعكاس؛ إنّما تفيد السؤال النقديّ حول الإنتاج المعرفيّ على أثر الاستعمار الرسميّ. تشير إيمي إلى أنّ قراءة ستيورات للمصطلح غالبًا ما قُوبِلت بالرفض بين الباحثات في دراسات الشعوب الأصليّة، ومن بينهنّ الكاتبة الأستراليّة من السكّان الأصليّين كاثرين تريز التي تسأل: "هل يَفترض 'ما بعد الاستعمار' زوال الاستعمار؟ 'ما بعد' بالنسبة لمن؟". تضيف إيمي استنتاج كاثرين بأنّ "ما بعد الاستعمار 'مفهوم أبيض'" طرحته الدول الغربيّة بهدف "تعريف أنفسهم وتمثيلها بمصطلحات غير إمبرياليّة".<ref>Settler Xicana: Postcolonial and Decolonial Reflections on Incommensurability، تأليف إيمي كاريلو رو، نشر Feminist Studies, Inc. في 2017.</ref>
+
تعكس المواجهة بين مقاربة أنيبال كيخانو ومقاربة نور أبو عصب ونوف ناصر الدين وجهًا من أوجه الجدل القائم بين دراسات ما بعد الاستعمار من جهة، ودراسات الشعوب الأصليّة المرتكزة على مشروع مناهضة الاستعمار من جهةٍ أخرى. تشرح الباحثة التشيكانيّة إيمي كاريلو رو أنّ البادئة "ما بعد" في مصطلح "ما بعد الاستعمار" تثير الريبة بين دراسات الشعوب الأصليّة؛ إذ "لا تزال مواجهة الاستعمار المستمرّ للأراضي الأصليّة أولويّة الشعوب الأصليّة" اقتباسًا عن جودي بيرد، منظّر أمريكيّ من قبيلة تشيكاساو، ومايكل روثبرغ، باحث أمريكيّ في دراسات الأدب والذاكرة. في هذا السياق، يجادل عالم الاجتماع الجامايكيّ-البريطانيّ ستيوارت هول -على غرار غيره من الباحثين في دراسات ما بعد الاستعمار- أنّ العلاقة بين البادئة "ما بعد" والكلمة التي تليها (الاستعمار) معقّدة؛ فالبادئة لا تدلّ فقط على مؤشّر زمنيّ، أو انقطاع، أو انعكاس؛ إنّما تفيد السؤال النقديّ حول الإنتاج المعرفيّ على أثر الاستعمار الرسميّ. تشير إيمي إلى أنّ قراءة ستيورات للمصطلح غالبًا ما قُوبِلت بالرفض بين الباحثات في دراسات الشعوب الأصليّة، ومن بينهنّ الكاتبة الأستراليّة من السكّان الأصليّين كاثرين تريز التي تسأل: "هل يَفترض 'ما بعد الاستعمار' زوال الاستعمار؟ 'ما بعد' بالنسبة لمن؟". تضيف إيمي استنتاج كاثرين بأنّ "ما بعد الاستعمار 'مفهوم أبيض'" طرحته الدول الغربيّة بهدف "تعريف أنفسهم وتمثيلها بمصطلحات غير إمبرياليّة".<ref>Settler Xicana: Postcolonial and Decolonial Reflections on Incommensurability، تأليف إيمي كاريلو رو، نشر Feminist Studies, Inc. في 2017.</ref>
    
في مقابل الجدل الحاصل بين دراسات ما بعد الاستعمار ودراسات الشعوب الأصليّة، تؤكّد إيمي كاريلو رو أنّ الجمع بين المقاربتين -ما بعد الاستعمار ومناهضة الاستعمار- لإنتاج المعرفة النقديّة مكسب كبير للنسويّات. في الواقع، تطرح الباحثات في دراسات ما بعد الاستعمار أسئلة لها أهمّيّة مركزيّة في دراسات الشعوب الأصليّة، كما نجد في ورقة شاندرا موهانتي البحثيّة "[[:ملف:تحت عيون الغرب - الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية.pdf|تحت عيون الغرب: الدراسات النسويّة والخطابات الاستعماريّة]]".<ref>المرجع السابق.</ref> تجادل شاندرا في ورقتها البحثيّة أنّ الخطاب الاستعماريّ يتّخذ من اهتمامات النسويّة الغربيّة نقطة مرجعيّة في إنتاجه للمعرفة حول النساء في العالم الثالث؛ فينتج "امرأة العالم الثالث" كموضوع مفرد متجانس، قامعًا أوجه التباين المادّيّ والتاريخيّ بين حيوات النساء.<ref>[[:ملف:تحت عيون الغرب - الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية.pdf|تحت عيون الغرب: الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية]]، تأليف شاندرا موهانتي.</ref> تشير إيمي أنّه، وعلى نحو مماثل، تبحث دراسات الشعوب الأصليّة في موروثات الاستعمار والإنتاج الثقافيّ في ما يخصّ محو الشعوب الأصليّة. <ref>Settler Xicana: Postcolonial and Decolonial Reflections on Incommensurability، تأليف إيمي كاريلو رو.</ref>
 
في مقابل الجدل الحاصل بين دراسات ما بعد الاستعمار ودراسات الشعوب الأصليّة، تؤكّد إيمي كاريلو رو أنّ الجمع بين المقاربتين -ما بعد الاستعمار ومناهضة الاستعمار- لإنتاج المعرفة النقديّة مكسب كبير للنسويّات. في الواقع، تطرح الباحثات في دراسات ما بعد الاستعمار أسئلة لها أهمّيّة مركزيّة في دراسات الشعوب الأصليّة، كما نجد في ورقة شاندرا موهانتي البحثيّة "[[:ملف:تحت عيون الغرب - الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية.pdf|تحت عيون الغرب: الدراسات النسويّة والخطابات الاستعماريّة]]".<ref>المرجع السابق.</ref> تجادل شاندرا في ورقتها البحثيّة أنّ الخطاب الاستعماريّ يتّخذ من اهتمامات النسويّة الغربيّة نقطة مرجعيّة في إنتاجه للمعرفة حول النساء في العالم الثالث؛ فينتج "امرأة العالم الثالث" كموضوع مفرد متجانس، قامعًا أوجه التباين المادّيّ والتاريخيّ بين حيوات النساء.<ref>[[:ملف:تحت عيون الغرب - الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية.pdf|تحت عيون الغرب: الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية]]، تأليف شاندرا موهانتي.</ref> تشير إيمي أنّه، وعلى نحو مماثل، تبحث دراسات الشعوب الأصليّة في موروثات الاستعمار والإنتاج الثقافيّ في ما يخصّ محو الشعوب الأصليّة. <ref>Settler Xicana: Postcolonial and Decolonial Reflections on Incommensurability، تأليف إيمي كاريلو رو.</ref>
136

تعديل

قائمة التصفح