وثيقة:التفاوض مع النظام الأبوي
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | دينيز كانديوتي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | حكمة |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | http://hekmah.org/التفاوض-مع-الذكورية-دينيز-كانديوتي-ت/
|
تاريخ الاسترجاع |
|
ترجمة | سيرين الحاج حسين |
لغة الأصل | الإنجليزية |
العنوان الأصلي | BARGAINING WITH PATRIARCHY |
تاريخ نشر الأصل | غير معيّن |
قد توجد وثائق أخرى مصدرها حكمة
تناقش هذه المقالة كون التحليل المنهجي المقارن لاستراتيجيات النساء للتكيف مع الأنظمة الأبوية؛ يؤدي لفهم أرسخ لهذه الأنظمة من التحليل البسيط الذي يدرس بتجرُّد التمييز الذي تعارضه النسوية المعاصرة. تتعامل النساء مع النظام الأبوي ضمن مجموعة من الاستراتيجيات الملموسة التي أسميها: “التفاوض مع النظام الأبوي”. الأشكال المختلفة للأنظمة الأبوية تقدّم للنساء قوانين مختلفة لمواجهتها، وتوجّههن للبحث عن آليات مختلفة لحفظ أقصى قدر ممكن من الشعور بالأمان وتحسين خيارات المعيشة، مع وجود تباين في احتمالات المقاومة السلبية والإيجابية ضد الظلم الحاصل تجاههن. وأقارن هنا بين نوعين مختلفين من أنظمة الهيمنة النظام الأبوي: النمط الأول نمط أبوية مجتمعات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ والاستقلال النسبي “المقاومة” الناتج عن ارتفاع معدل تعدد الزوجات أو التخوف منه، والنمط الثاني نمط النظام الأبوي الكلاسيكي الذي يتمثّل أو يتركّز في جنوب وشرق آسيا والعالم الإسلامي؛ ثم أختم المقالة بعرض تحليل للظروف التي تؤدي لانحلال استراتيجية التفاوض مع النظام الأبوي وتحوّلها وتأثيرها على مدى وعي النساء ونضالهن.
من بين جميع المفاهيم التي أنتجتها النظريات النسوية المعاصرة؛ يبدو لي أن النظام الأبوي هو على الأرجح المفهوم الأكثر استخدامًا، وفي نفس الوقت المفهوم الأقل وضوحًا “كاصطلاح نظري أكاديمي مُحدد”، -وهذا ليس بسبب تجاهل المفهوم؛ حيث أن هناك شيء كثير من الكتابات النظرية حول هذا المفهوم- لكنه الأقل وضوحًا لظروف محددة هي في الغالب تطور واتساع مجال استخدام هذا المصطلح في الأدبيات النسوية المعاصرة. فبينما النسويات الراديكاليات استعملنه استعمالا واسعًا ليبراليًا لإطلاقه على أي نوع أو شكل من أشكال هيمنة الذكر/الرجل؛ النسويات الاشتراكيات غالبًا استخدمن هذا المصطلح لتحليل العلاقة بين النظام الأبوي والطبقة في المجتمعات الرأسمالية، وبالتالي فلفظ “النظام الأبوي” كثيرًا ما يشير لنطاق واسع من التصورات التمييزية؛ مما جعله يُعامَل كلفظ مضلل للمعنى أكثر مما هو كاشف أو موضّح للتمييز الثقافي والتاريخي بين الجنسين.
ليس غرضي هنا مراجعة النقاشات النظرية حول النظام الأبوي، مثل (: Barrett 1980; Beechey 1979; Delphy 1977; Eisenstein 1978; Hartmann 1981; McDonough and Harrison 1978; Mies 1986; Mitchell 1973; Young 1981 ). بل، بدلًا من هذا، أود أن أطرح نقطة مهمة مُهمَّشة للتعريف بالفرق بين أشكال النظام الأبوي؛ بواسطة تحليل طرق النساء في التعامل معها، ومناقشة حقيقة أن النساء يتعاملن مع هذا النظام ضمن قيود تشكل وتعرّف المفهوم الذي سأضعه: “التفاوض مع النظام الأبوي”، وهذا التعامل سيبدي اختلافات البناء الطبقي والطائفي والإثني. المتفاوضات مع النظام الأبوي يتّبعن استراتيجيات تؤثر في النظرة الاجتماعية للمرأة ودورها، وتحدد طبيعة الأيديولوجية الجنسية في مجتمعهن بمختلف السياقات؛ كما أنهن يؤثرن أيضا في الاحتمالات والأشكال المحددة للمقاومة الإيجابية والسلبية للاضطهاد؛ مع العلم أن التفاوض مع النظام الأبوي ليس تعريفًا مرتبط بكيان أو نموذج خالد أو محدد، بل هو متأثر بشكل واضح بالتغيرات التاريخية والاقتصادية والسياسية التي فتحت أبواب جديدة للصراع، وإعادة التفاوض حول العلاقات بين الجنسين.
في هذا البحث سأقارن بين نظامين لهيمنة النظام الأبوي يقدّمان نموذج مثالي لمناقشة تأثير النظام الأبوي على المرأة، وأستعمل هذه النماذج المثالية كأدوات كشف قابلة للاستخدام مع المحتوى المنهجي والمقارن والتجريبي، وأنا في هذه المقالة لا أدّعي إعطاء شيء أكثر من مجرد حصر للاحتمالات الموجودة. النموذجان مبنيان على أمثلة من أفريقيا جنوب الصحراء، وفي المقابل: جنوب آسيا وشرق آسيا و ما أسمته كانديوتي بـ “الشرق الأوسط الإسلامي”؛ وهدفي هو تسليط الضوء على سلسلة متصلة من أشكال الأسرة؛ شاملًا الاستقلالية النسبية للأم والطفل -مع الأخذ بالنظر تعدد الزوجات في أفريقيا جنوب الصحراء-؛ حتى الكيانات التي تحتضن هيمنة الذكور أكثر والسائدة في المناطق التي تم تحديدها بواسطة (Caldwell 1978) باعتبارها “الحزام الأبوي Patriarchal Belt[4]“؛ في الجزء الأخير سأحلل انحلال وتحوُّل التفاوض مع النظام الأبوي وعلاقته بوعي وصراعات النساء.
الاستقلالية والمقاومة: بعض الأمثلة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
لقد عشت أوضح تجربة للصدام الحضاري خلال عملية مراجعة الأدبيات والنصوص حول النساء في مشاريع التنمية الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء (Kandiyoti، 1985) . فأنا قد اعتدت على نوع واحد من النظام الأبوي (وهو الذي أصفه تحت مسمى “النظام الأبوي الكلاسيكي”)؛ لم أكن مستعدة بما يكفي لما واجهته، النصوص كانت تعج بحالات مقاومة النساء لمحاولات تخفيض قيمة عملهن، والأهم رفض النساء السماح بالاستيلاء على إنتاجهن من قبل أزواجهن.
دعوني أطرح هنا بعض الأمثلة: مدى توفير المخططات الزراعية الجديدة في كينيا دخلًا وأرصدة للرجال، وافتراض أنهم سيتمكنون من الوصول لإنتاج زوجاتهم الغير مدفوع أجره بعد، المشاكل بدت في تطور. في إحدى مزارع الرز في كينياMwea ؛ كانت النساء ممنوعات من الوصول لأراضيهن الخاصة؛ افتقادهن للبدائل وافتقادهن مجملًا حق الانتفاع بشيء من أرباح رجالهن، جعل حياتهن مستحيلة، لدرجة أنه من المعتاد هناك أن تقوم الزوجات بهجر أزواجهن Hanger and Mori 1973))
في غامبيا، وفي مخطط آخر لزراعة الرز؛ الأراضي كانت ملكًا للرجال فقط، مع أن زراعة الرز كانت تتم عادة من قبل النساء. قديما ولمدة طويلة كانت الصلاحية للجنسين؛ كل شخص يزرع ويحصد محاصيله بنفسه ويتحكم في إنتاجه الخاص. شكلت أدوار النساء التقليدية حمايةً لهن من الأزواج، في ظل احترام توزيع العمل للأراضي بين الأفراد، بعد أن كن يعملن بلا مقابل في مزارع الرجال. ببعض الأحوال اضطر الرجال لدفع أجور لزوجاتهم أو لإعارتهن أراضي خصبة، وفي المقابل يستولون على ربح وإنتاج زوجاتهم. لما امتلكت النساء خيار بديل: (زراعة مستنقعات الأرز الخاصة بهن)؛ صنعن حاجزًا بينهن وبين الرجال –الذين اضطروا الانتظار لعدة أيام حتى غياب النساء عن الموقع ليتمكنوا من اختراق الحاجز (Dey 1981 ).
من مشاهدات كونتي (1979) في محمية صغيرة في فولتا الشمالية؛ مجددا: كانت الأراضي والأجور للرجال فقط؛ ولم يُترك للنساء أي دخل مستقل في ظل ظروف معيشية ضعيفة جدًا لا تؤهلن حتى للعيش كربات بيوت؛ النتيجة: قامت النساء بمظاهرات ومشادات كلامية ورفضهن للتعاون مع الرجال في الأعمال الزراعية، ويبين روبرتس في دراسته المقارنة بين نساء الهوسا في النيجر ونساء غرب نيجيريا الطرق التي استعملتها النساء الأفريقيات لزيادة صلاحياتهن: نساء اليوروبا في نيجيريا مثلا كن يحاولن التوصُّل لاتفاقيات وشروط يضعنها لأزواجهن بخصوص خدماتهن الزراعية حتى يتمكنّ من حفظ طاقاتهن وأوقاتهن لاستعمالها في أنشطة تجارية أخرى غير الزراعة قد تساعدهن في الاستقلال المادي. أما نساء الهوسا؛ فمجتمعهن خاضع لنوع من النظام الاجتماعي الإسلامي؛ وبالتالي فصلهن عن الرجال قلل من إمكانية أن يلقي عليهن الرجال بمهمات كثيرة؛ – أو ربما يكون الرجال أنفسهم مسالمين-؛ فقد كان عملهن بالغالب يقتصر على البيع؛ تحديدًا المواد الغذائية المطبوخة.
تشعر الزوجات الأفريقيات بانعدام الأمان الاجتماعي والاقتصادي بسبب تفشي ظاهرة التعدد، ويرتبط هذا بمدى الاستقلالية التي يحاولن جاهدات الوصول إليها. ومسؤولية الرجال في دعم زوجاتهم بمعظم تلك المناطق أصبحت محدودة؛ في الواقع: النساء هن المسؤولات عن أنفسهن وأولاده، ويشمل ذلك تكاليف الدراسة؛ -مع تباين درجات مساعدة الأزواج في الأسر- النساء لديهن القليل ليكسبنه في هذه المجتمعات والكثير ليفقدنه باعتمادهن المنعدم على الأزواج؛ لاحقًا قاومن هذا بمحاولة تغيير هذا النظام ليمكنهن البقاء من خلال المظاهرات والسعي المستمر لحماية صلاحياتهن الحالية.
هناك أمثلة تاريخية تعكس مفاضلات حقيقية بين استقلالية المرأة ومسؤولية الرجال لزوجاتهم. يقترح مان (1985) بأنه إضافة لتبعية الزوجة التي يحققها الزواج المسيحي؛ فإن نساء اليوربا في لاقوس يقبلنه بحماس لأنهن يتوقعنه أن يحميهن. في المقابل: الرجال في زامبيا الآن يقاومون طقوس الزواج المعاصر باعتباره سيحمّلهم مسؤوليات جديدة تجاه أطفالهم ونسائهم (Munachonga 1982).
هناك شكل من أشكال العلاقة الزوجية (أشانتي من غانا) يتيح التفاوض بشكل علني واضح حول “تبادل الخدمات” الجنسي والمادي الذي سيحدث بين الطرفين! وهذا يمكن اعتباره مثال جلي جدًا لأوضح أشكال التفاوض مع النظام الأبوي، وتدور المفاوضات. بالتعليق على هذا النوع من الزيجات (أشانتي)؛ يشير [5](Abu، 1983، p. 156) إلى السمة الأكثر وضوحًا فيه: “انفصال الموارد الاقتصادية والأنشطة بين الزوجين” كما يشير لعنصر المساومة العلنية في العلاقة. في هذا النوع من الزيجات؛ التعدد والمسؤوليات والالتزامات بين الأزواج والزوجات لا تعزز مفهوم العائلة أو الأسرة ككيان؛ فالموضوع أشبه بتبادل منافع.
يتضح وجود اختلافات واضحة جدًا في أشكال النسق القرابي الأفريقية وما تتضمنه من أشكال الزواج، قوانين السكن، النسب والميراث (Guyer and Peters، 1987) هذه الاختلافات مبنية على أسس تاريخية وثقافية؛ متضمنةً اختلاف نسبها من حيث الاندماج بالاقتصاد العالمي(Mbilinyi 1982; Murray 1987; S. Young 1977). بجميع الأحوال؛ من المعتاد في مجتمعات الآفرو-كاريبي أن نجد حالات واضحة من الزواج الذي لا يعتبر زواجًا حقيقيًا بين اثنين سواء من حيث الأفكار أو الممارسات (الناحيتين النظرية والعملية). وربما يعود ذلك إلى استراتيجيات النساء في الزواج والعمل. بعض الدراسات حول التحولات التاريخية؛ مثل: دراسة Etienne and Leacock (1980)،تقترح أن الاستعمار صقل الاستقلال المادي للمرأة (مثل انتفاعها من الأراضي المشاعة والإنتاج الحرفي التقليدي) لكن بدون توفير تسهيلات تمكنها من الاستقلال الفعلي في الزواج والعمل؛ كما أن هذه المشاريع العصرية التنموية غالبا كانت أيضًا تميل إلى افتراض أو حتى فرض نماذج للأسر ذات النظام الأبوي/الأبوي مما كان يقيّد حرية النساء لا يوفّر لها سبلًا للرفاهية والأمان؛ كما ترى النساء هذه التغيرات –لا سيما إن كانت تحدث بشكل مفاجئ- تهديدًا لإقامتهن الحالية ضمن أنظمة أبوية، ونتيجةً لذلك يقاومنها بشكل علني.
بين الخضوع والمناورات: النساء تحت النظام الأبوي الكلاسيكي
النساء في النماذج السابقة اتخذن موقفًا مختلفًا تمامًا عن موقف النساء المقيمات ضمن مناطق النظام الأبوي الكلاسيكي (أو جغرافيًا: الحزام الأبوي)؛ أوضح أمثلة النظام الأبوي الكلاسيكية قد تتواجد في نطاق جغرافي يتضمن: شمال أفريقا – الشرق الأوسط شاملًا تركيا، باكستان وإيران، بالإضافة لجنوب وشرق آسيا؛ خصوصا الهند والصين.
أهم عامل لإيجاد النظام الأبوي الكلاسيكي يكمن في نظام الأسرة الممتدة؛ الذي عادةً ما يرتبط بالفلاحين في المجتمعات الزراعية. (E. Wolf 1966) مع أن القيود الديموغرافية وغيرها قد قلصت عدد العوائل التي تسكن وتعمل كأُسر ممتدة؛ لكنها لازالت تمثّل نماذج ثقافية قوية؛ حتى أن تطور الأسرة الممتدة الأبوية – التي تعطي الرجل الأكبر سلطة على البقية ومن ضمنهم الرجال الأصغر منه سنًا – يعكس عادات الدولة بتأسيسه وسيطرته على الأسرة (Ortner 1978). وفي التحول من شكل قرابي إلى أشكال من السلطة القانونية (E. Wolf 1982) آثار الأسرة الممتدة على النساء ليست فقط متشابهة بشكل ملحوظ؛ لكنها أيضًا تتبع أشكال من السلطة والتبعية تتخطى الحدود الثقافية والدينية؛ فتتشابه فيها مثلًا العوائل الأبوية سواء كانت مسلمة أو كونفوشية.
في مجتمعات النظام الأبوي الكلاسيكي يتم تزويج الفتاة في عمر صغير لشخص من عائلة ممتدة ؛ حيث سيدير بيت الزوجية والد الزوج. في هذه المجتمعات؛ الفتيات لسن فقط أدنى رتبةً من أي رجل؛ لكنهن أيضًا أقل مكانةَ من النساء الأكبر سنًا وتحديدًا أمهات أزواجهن. الدرجة التي يحد بها هذا الوضع علاقتهن مع أسرة الإنجاب تختلف بتفاوت دور زواج الأقارب في ممارسات الزواج ومفاهيم الشرف في المجتمع. بين الأتراك؛ هناك نسبة أقل من زواج الأقارب والزوج هو المسؤول عادة عن حفظ شرف المرأة، أما بين العرب؛ فالأسرة القرابية (أسرة الولادة) للمرأة تحتفظ بسلطتها وميزاتها وآرائها حول ما يمس شرف ابنتهن حتى بعد زواجها (Meeker، 1976)وبالتالي فالمكانة الاجتماعية للمرأة التركية أقرب لحالة نموذج “العروس الغريبة” في صين قبل الثورة من المرأة العربية التي مكانتها في المجتمع الأبوي محكومة بزواج الأقارب وبمصادر عائلتها القرابية (الأم والأب..).
سواء كانت الطريقة السائدة في المجتمع طريقة تقديم المهر من الرجل أو من المرأة؛ لا يحق للمرأة المطالبة بجزء من إرث والدها تحت أنظمة النظام الأبوي الكلاسيكي؛ وحتى إن كان يتوفّر شيء (سواء مبلغ أو شيء عيني) سيقدّمه أهلها للعريس وأهله dowry فهو يصل لهم من الأب للأب أو من البيت للبيت مباشرةً لا بين العريسين. (Agarwal 1987; Sharma 1980) في بعض المجتمعات الإسلامية قد تُفسَّر مطالبة المرأة بحقوقها في الإرث على أنها إنكار لفضل إخوانها الذكور وفيها إظهار العداء لهم؛ بينما هم يمثلون العائل الأول لها ولأسرتها في حالة الطلاق أو عجز الزوج؛و تدخل العروس بيت زوجها وهي فعليًّا فرد بلا مكانة إلا إذا أنجبت مولود ذكر. مجتمعات النظام الأبوي تستولي على مال المرأة (في حال عملت) وذريتها (في حال الطلاق) كأن إسهامها في الإنتاج (المالي – التكاثري) غير موجود لاعتبارها آداة. دورة حياة المرأة في العائلة الأبوية الممتدة يلازمها شعور أو ضمان بأن الحرمان والمشقة التي عانتها وهي عروس ستتحول عند كبرها إلى سلطة وسيطرة على الإناث الأصغر في العائلة (مثل دور الحماة مع زوجة الولد في المجتمعات العربية التقليدية؛ حيث تضع المرأة عدة ضغوطات على عاتق زوجة ابنها وتعاملها بالمعاملة التي كانت تلقاها هي عندما كانت عروس صغيرة: أعباء المنزل – جفاء المعاملة .. إلخ)؛ وبالتالي طبيعة الدورة التي تمر بها مكانة المرأة في الأسرة وطموحها لوراثة سلطة النساء الكبيرات مُستقبلًا تجعلها تتقبل السلوكيات والألفاظ والعادات الأبوية التي رسخها النظام الأبوي. في هذه المجتمعات للمرأة سلطة على المورد المادي والأمني الوحيد الذي بإمكانها التحكُّم فيه: ولدها المتزوج! ولمعرفة الأبناء بهذا هم يحاولون قدر المستطاع إظهار هذا الولاء لأمهاتهن بالطاعة، والأمهات في هذه المجتمعات لهن مصلحة استغلال هذه النقطة في قمع الحب الرومانسي بين الشباب والفتيات، فالأم تريد أن يبقى الولاء لسلطة الأسرة الكبيرة –التي ستتولى هي زمام أمورها لاحقًا- لا لزواج شابين صغيرين. وبالتالي كثيرًا ما تلجأ الشابات المتزوجات للتحايل أو ربما التهرب من سلطة أمهات أزواجهن. جاءت على إثر هذا الكثير من الأعمال التي توضّح كيف تؤدي هذه الصراعات إلى تحطيم العلاقات العاطفية بين الرجال والنساء (: Boudhiba 1985; Johnson 1983; Mernissi 1975; M. Wolf 1972).
وبين أسر الطبقات الغنية يخلق الوضع الاجتماعي والاقتصادي تعقيدات إضافية أيضًا؛ فاستثناء المرأة من الأعمال خارج المنزل هو إشارة لحالة من إضفاء الطابع المؤسسي في ممارسات العزل والإقصاء المختلفة التي تدعم تبعية المرأة للرجل واتكالها الاقتصادي عليه. بجميع الأحوال: مراعاة وحفظ هذه الممارسات عنصر أساسي في التأثير على مكانة العائلة التي تحاول نساءها كسر الحواجز؛ حتى لو أن ذلك قد يسبب متاعب مادية؛ ففي هذه المجتمعات لا تعمل النساء في التجارة والزراعة مع الرجال كالأفريقيات. لكنهم يضحون بهذا ويفضّلون أن تكتفي المرأة بأدوارها في البيت.
في دراستها لعينة من الخياطات في Narsapur بالهند؛ ذكرت ميس (1982، p. 13) بأن النساء في أفريقيا جنوب الصحراء كن يحاولن مقاومة التعدي على حقوقهن كعاملات؛ أما النساء في مناطق النظام الأبوي الكلاسيكي كثيرا ما يكُنّ مطيعات ومنفّذات قدر المستطاع للقوانين التي كانت تجحفهن حقوقهن. التقلبات الدورية لمكانتهن وسلطتهن نتج عنها تواطؤهن وإسهامهن في زيادة نطاق السيطرة المُسقطة عليهن؛ هن غالبًا ابتعدن عن وسائل التفاوض عن طريق العمل والكف عن العمل (بعكس الأفريقيات) واستعضن عنه بتبني استراتيجيات للتفاوض العاطفي مع أبنائهن وأزواجهن. بحسب مناقشة وولف (1972) حول الأسرة الصينية؛ هذه الإستراتيجيات قد ينتج عنها مع التقدُّم في السن انتقال سلطة الرجل الأبوي حين يشيخ إلى زوجته؛ ورغم أن تأثير هذه التكتيكات على النظام الأبوي ككل بسيط جدًا؛ لكن النساء خبيرات في زيادة فرصهن في الحياة متى أرَدن.
تعليقا على “النساء المحافظات” في الصين وضّح جونسون (1983) بأن النساء من خلال محاولاتهن لمقاومة النظام الأبوي أصبحن يساهمن بجزء من منظومة متكاملة من الأنظمة التي تقمعهن. كذلك كان التعليق مشابها من قبل م.وولف (1974) حول اعتراض النساء الصينيات على قانون الزواج 1950م حيث كان من المفترض أن يكُنّ المستفيد الأول من هذا القانون. لكن وضحت وولف بأنه على الرغم من ترددهن من تغيير النظام الأسري القديم؛ إلا أن الصينيات لم يعدن مكتفيات بالأمان المحدود الذي توفره لهن هذه المحاولات في نطاق العلاقات الأسرية.
في مناطق أخرى؛ ضعّفت التغيرات الاقتصادية جانبًا الممارسات الأبوية القمعية. وصف سيان وآخرين (1979 ) بإيجاز أن أهم نقطة في هذا النظام هي نقطة ضعفه؛ حيث أن قاعدة صلاحيات الذكر مادية؛ أما مسؤولياته فمعيارية! دراستهم حول قرية في بنغلاديش وفرت مثال واضح على الضغوطات التي وضعها الفقر على وفاء الرجال بالتزاماتهم المعيارية تجاه النساء. حوالي ثلث أرامل القرية كُن مسؤولات عن بيوتهن؛ يواجهن المتاعب ليتمكن مع العيش بدخلهن الغير ثابت من خلال العمل بالأجر.
بجميع الأحوال تقسيم سوق العمل خلقه وعززه النظام الأبوي؛ وبالتالي كانت خيارات النساء في العمل محدودة جدًا، وكان عليهن القبول بأدنى الأجور. الأخطار التي تتعرض لها النساء في هذه الأنظمة القمعية خلقت حافزًا لزيادة الخصوبة لتثبيت مكانتها؛ ينتج عن ذلك في حالات الفقر أُسر بلا مأوى. وثّق جريلي (1983) أيضًا تزايد اعتماد الأسر المشردة في بنغلاديش على أجرة عمل الأم والزوجة، وناقش الطرق التي تسببت في نزع استقرار النظام الأبوي في الأسرة. وافترضت ستريس (1983)أن الصراعات في العائلة الصينية قبل الثورة مهدت لتآكل الأسس المادية والأيديولوجية للنظام الكلاسيكي؛ ثم استعرضت كيف أن النظام الأبوي الكونفوشي[8] تحولت إلى أشكال ديموقراطية واشتراكية.
في القطعة التالية؛ سوف أحلل بعض الأمور التي ترتبت على هذه العمليات من التغيُّر.
نهاية التفاوض مع النظام الأبوي: عودة للخطاب المحافظ أو الراديكالي؟
تنهار الأسس المادية للأنظمة الأبوية تحت تأثير قوى العمل الجديدة كاختراق رأس المال في المناطق الريفية (Kandiyoti 1984)، أو عملية التنمية الاقتصادية المزمنة. وبينما لا يوجد أي طريق لانهيار هذا النظام فإن تبعاته موحدة إلى حد ما. هيمنة الرجال على الشباب الأصغر منهم ونوع مساكن النساء في المجال المحلي علامات تشير لنظام قابل للتطبيق يتحكم فيه الرجال بأشكال التوريث للأرض والماشية والمال. وعلى مستوى المعدمين والمشردين؛ أهمية مشاركة كل فرد في الأسرة في محاولة البقاء على قيد الحياة تُحول تأمين الرجال للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للنساء إلى أسطورة.
كما يرجع انهيار النظام الأبوي الكلاسيكي إلى تحرير الشباب من سلطة آبائهم وانفصالهم المبكر عن بيت الأسرة. هذا التحول يعني أيضا أن النساء أصبح بإمكانهن الهرب مبكرًا من سلطة أمهات أزواجهن ليترأسن بيوتهن الصغيرة الجديدة بعمر صغير؛ كما يعني هذا أنه لن يعد يمكنهن توقُّع الإحاطة بزوجات أبنائهن مستقبلا بطبيعة الحال. أما جيل النساء اللاتي علقن في المنتصف؛ فهذا التحول ربما يعرض مأساة شخصية حقيقية بالنسبة لهن؛ حيق أنهن دفعن ثمنًا غاليا خلال عيشهن تحت سيطرة النظام الأبوي الكلاسيكي في صغرهن ولم يتمكنّ من قطف ثمارها لاحقًا والحصول على ميزات المرأة المتفاوضة مع النظام الأبوي التي ترث السلطة حين تتقدم في السن. ووردت في هذا الشأن إحصائيات لوولف(1975) حول ظاهرة انتحار النساء الصينيات؛ حيث ظهر تغييرا واضحًا في هذا التوجُّه بدءًا من 1930م مع زيادة حادة في نسبة الانتحار بين النساء اللاتي تعدّين عمر 45؛ بينما في السابق كان الانتحار أكثر انتشارًا بين الصغيرات.. لاسيما المقبلات على الزواج. وربطت م.وولف هذا التغير مباشرةً بتحرير الأبناء ومسؤولياتهم الجديدة المؤدية لإخراجهم من سلطة العائلة وتمكينهم من اختيار شريك حياتهم؛ مما أخذ من المرأة الأكبر سلطتها واحترامها كحماة.
وعلى الرغم من العقبات التي يضعها النظام الأبوي الكلاسيكي في طريق النساء بشكل يفوق بمراحل أي تأمين عاطفي أو اقتصادي فعلي لهن؛ فالنساء عادةً يقاومن عملية التحول هذه لأنهن يرين المعايير القديمة تذهب ولا يستعاض عنها بأي بدائل للتمكين. في نقاش على نطاق أوسع حول مصالح النساء؛ وضحت مولينيكس (1985، p. 234) أن هذا الوضع للنساء لا يرجع فقط لوعيهن الزائف كما يُظن غالبا –رغم أن هذا قد يكون عامل-؛ لكن لأن تغيرات كهذه حصلت بطريقة مجزأة يمكنها أن تهدد مصالح النساء العملية على المدى القصير، أو تكون ثمن خسارة أشكال من الحماية التي لم تعد تُقاس بنفس الطريقة.
بالإضافة إلى ذلك؛ حين يمر النظام الأبوي الكلاسيكي بأزمة؛ تستمر كثير من النساء في استعمال أشكال الضغوط التي يمكنهن جمعها ليجعلن الرجال يعيشون حسب توقعاتهن ولن يقمن –إلا تحت ضغط شديد- بالتفاوض في شروطهن للخروج من هذه العملية وخسارة احترامهن. أما مقاومتهن السلبية فتأخذ شكلًا من الادّعاء بأن جزاءهن من هذا التفاوض مع النظام الأبوي يتمثل في حمايتهن مقابل امتثالهن للطاعة.
ردود الكثير من النساء اللاتي كان عليهن العمل بهذا السياق قد تكون تكثيفا لمعايير الحشمة التقليدية؛ ففي كثير من الأحوال يُجبرن على العمل خارج البيت –من غير رغبة- وهن كاشفات (رغم أمرهن بالحشمة باقي الوقت)، فالآن يجب أن يستعملن كل وسيلة تحت تصرفهن للدلالة على أنهن بحاجة دائما للحماية. فعلى سبيل المثال؛ وجدت نصائح الخميني لإبقاء النساء في المنزل دعمًا وحماسًا عند الكثير من الإيرانيات على الرغم من من القمع الذي كن يتعرضن له. ويعود عهد التفاوض مع النظام الأبوي مع الوعد بزيادة مسؤولية الذكور في بيئة لا تمنح النساء إلا خيارات محدودة جدًا. فبعض الشابات يتحجبن عادةً بحسب أزاري (1983) لأن القيود المفروضة عليهن دينيا كانت ثمن يجب دفعه للحصول في المقابل على الأمن، والاستقرار والاحترام الذي يعدهن بها هذا النظام. فالاقتناع الديني ليس هو الدافع؛ وربّما حتى ليس الإجبار بالتعنيف المباشر.
هذا التحليل لالتزام النساء بالقوانين الاجتماعية الدينية كرد فعل على انهيار النظام الأبوي الكلاسيكي لم يحصر كل الاستجابات الممكنة من قبل النساء بل هو مجرد محاولة لإثبات وجود استراتيجية معينة ضمن المنطق الداخلي لنظام معين؛ في المقابل يمكن إيجاد سياقات وحالات مختلفة تماما مثل المجتمعات الصناعية في غرب أوربا وأمريكا. التحليل التاريخي والمعاصر لتغير الحقائق والأيديولوجيات حول نمط العوائل الغربية يظهر اختلافًا في التفاوض مع النظام الأبوي. دراسة جوردن (1982)حول تغير المواقف النسوية من تحديد النسل في القرنين التاسع عشر والعشرين يصف استراتيجية “الأمومة الطوعية” كجزء من خطة واسعة لتحسين وضع النساء. كما يشير تحليل نانسي كوت (1978) للأيديولوجية السائدة في العصر الفكتوري بكراهية النساء والقسوة تجاههن أيضا تعكس الطبيعة الاستراتيجية لخيارات النساء.
بالحديث عن الوقت الحالي؛ حللت بربارا إرينريخ (1983) انهيار التفاوض مع النظام الأبوي في الطبقة المتوسطة البيضاء في أمريكا. وأثارت نقطة الخروج التدريجي للرجال من دور المعيل للأسرة بدءًا من خمسينات القرن الماضي؛ واقترحت بأن مطالب النساء لاستقلالية أكبر جاءت في وقت كانت المسؤوليات على عاتق الأزواج قد تقلصت بالفعل، وخيارات الرجال الغير متزوجين اكتسبت نوعا من الشرعية الاجتماعية. وعلى الرغم من حملات تعزيز ثقافية مكثفة يشارك فيها خبراء مثل أطباء ومستشارين وعلماء نفس حاولوا تعزيز فكرة عائل الأسرة المسؤول وربة المنزل المستأنسة، إلا أن اتجاهات أخرى بدأت تظهر وتنتشر متحديةً المعايير السائدة؛ تقيّم إرينريخ (1983، p. 151) الحركات النسوية والحركات المعادية لها وتقول بأنه مقابل الوجه القديم لعدم الاستقرار في نظام الأجور الأسري؛ النساء اخترن استراتيجيات مضادة: إما ليخرجن ويكافحن لأجل المساواة في الفرص والدخل، أو يجلسن في البيوت ويحاولن ربط الرجال بهن بصورة أشد إحكامًا! الحركات المضادة للنسوية قد تكون بالتالي فُسّرت على أنها محاولة استعادة لطرق التفاوض مع النظام الأبوي؛ مع النسويات اللاتي كن كبش فداء يُلام على السخط الحالي والاغتراب بين الرجال. (Chafetz and Dworkin 1987) في الواقع؛ تعتقد ستيسي (1987، p. 11) بأن النسوية تخدم بوصفها “رمزيا” مانع للصواعق؛ بسبب حالة فقد الألفة والأمن التي تسود الثقافة الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة حاليًا.
بجميع الأحوال؛ أنواع الوعي والصراع التي تظهر في أوقات التغير الاجتماعي السريع تتطلب دراسة متعاطفة ومنفتحة عقليًا في نفس الوقت، وبالتالي تصنّف جينزبيرق (1984) حركة منع الإجهاض بين النساء الأمريكيات كموقف استراتيجي بدل أن يكون رجعي ، وتشير إلى أن فصل الجنس عن التكاثر وإقامة الأسرة يُنظر له من قبل العديد من النساء كشيء في غير مصالحهن –حيث أنه من ضمن بقية الأشياء هذا يضعف الضغط الاجتماعي على الرجال لتحمل المسؤولية في حال الحمل-. تحدد ستيسي (1987) أشكال مختلفة من وعي مابعد النسوية حول عصر مابعد الصناعة؛ تقترح بوجود شكل معقد من التعامل النسوي المتناقض وغير المسايس تجاه الأسرة والعمل والاستراتيجيات الشخصية للمحافظة على حميمية الزواج واستقراره.
وعلى المستوى الفكري؛ يبدو أن انهيار التفاوض يحرّض على البحث عن الجناة أو المؤسسين له؛ رغبة في التأكد بأن التغيير قد حصل إما بشكل تعدى حدوده أو بصورة خاطئة. انطباع روزنفلت وستيسي (1987) حول ما بعد النسوية ونقاش ستيسي (1986) حول النسوية المحافظة المدعّمة لمعاني الأسرة أخذ بعض جوانب هذه الاتجاهات بجدية؛ -رغم أنهن انتقدن الخطابات التي تحذّر من المحافظين الجدد– .
الخاتمة
التحليل المنهجي لاستراتيجيات النساء في التكيف مع الأنظمة الأبوية يمكنه إظهار طبيعة هذه الأنظمة في مجتمعاتهن، طبقاتهن والمجال الزمني الذي يعشن فيه، كما يمكنه الكشف عن شكل المقاومة، التوافق، التكيف والصراع بين الرجال والنساء حول الموارد، الحقوق والمسؤوليات. هذا التحليل يحلل بعض الانقسامات الواضحة في المناقشات النظرية حول العلاقات بين الطبقات، العنصر والجنس، حيث تتكون استراتيحيات الأعضاء بعد مرورها بعدة مستويات من القيود. استراتيجيات النساء دائما كانت في سياق ما يمكن تعريفه بالتفاوض مع النظام الأبوي بشكل يعرّف، يحدد ويغير خياراتهن في العمل والمنزل. النموذجان المطروحان لهيمنة الذكور في هذه المقالة يوضحان النقاط الأساسية التي تضع النساء في طريق التفاوض، وهذه النقاط تؤثر على أشكال وإمكانيات مقاومتهن. المتفاوضات مع النظام الأبوي ليس من شأنهن فقط إظهار الخيارات العقلانية للنساء لكن أيضًا تشكيل جوانب اللاوعي في الشخصية الجنسية، حيث أن خواص تنشئتهن الاجتماعية المبكرة -ومحيطهن الاجتماعي- تتأصل فيهن (Kandiyoti 1987a 1987b).
التركيز على وضع تعريف أدق للمتفاوضات مع النظام الأبوي –بالإضافة لعدم وجود تعريف محدد دقيق للنظام الأبوي- يوفر رؤية أفضل للتحليل الدقيق لعملية التغير. استعملت جينوي (1980) في تحليلها للتغير في الأعراف الجنسية في المجتمعات الغربية مصطلحات طوماس كوهن (1970) للنماذج العلمية؛ حيث تقترح بأنه قياسا على ذلك- أفكار وممارسات واسعة الانتشار في سياق الهوية الجنسية يمكن أن تُمثّل نماذج جنسية، مما ينشأ عنه قواعد لطبيعة الحياة في أي وقت؛ لكنها أيضا معرّضة للتغيير حين تفشل القواعد الحالية في الاستمرار وحين لا يعد بالإمكان تخطّي إمكانية الخروج عن هذه القواعد. على كلٍ؛ لا يُمكن أن تُفهم هذه النماذج الجنسية إلا إن كانت متأصلة في قواعد أكثر وضوحا من التفاوض مع النظام الأبوي. كما وضحت جينيوي بنفسها في مناقشتها حول الرابط بين نموذج عفة المرأة في المجتمعات الغربية وانتقال الممتلكات للورثة الشرعيين قبل اقتصاد النقد المُطلق.
امتد القياس الكوهيني لأبعد من ذلك؛ التفاوض مع النظام الأبوي يمكن أن يظهر كمرحلة طبيعية أو كمرحلة أزمة، هو مفهوم يعدّل تفسيرنا لما يحصل في العالم. بالتالي خلال المرحلة الطبيعية للأنظمة الأبوية الكلاسيكية كانت هناك أعداد كبيرة من النساء اللاتي كن في الحقيقة معرّضات لصعوبات مادية ومعرضات لظروف غير آمنة؛ أحيانًا سبب ذلك في عدم حملهن وبالتالي طلاقهن. كما أنهن أحيانا كن يتعرضن لليُتم ولا يملكن أي مصادر لتأمين المعيشة حتى من قبل الأسرة، وكن في كثير من الأحوال بلا حماية إن لم يكن لهن أبناء أو في حالات أتعس إن كان لهن أبناء جاحدين. بجميع الأحوال؛ كان ينظر لهن كـ “غير محظوظات”، شاذات أو حالات عرضية من منظومة لا يمثلنها كما يرى هذا النظام ومن يبرر له. لكن عند نقطة انهيار ما تنكشف تناقضات هذه المنظومة. تأثير التغيرات الاجتماعية الاقتصادية على الزواج والطلاق وأشكال الأسرة والتمييز في فرص العمل يقود للتساؤل حول توزيع الأدوار بين الرجال والنساء.
بجميع الأحوال؛ استراتيجيات وأشكال الوعي لا تخرج بسلاسة من أنقاض القديم لتنتج توافقًا في الآراء لكن تكوينها يتم بعد تعدّي صعوبات شخصية وسياسية غالبا ما تكون معقدة ومتناقضة.(see Strathern 1987). انهيار نظام أبوي قد يولد على المدى القريب حالات من المقاومة السلبية من قبل النساء اللاتي يتخذن محاولات مختلفة لمواجهة سلطة الرجال. وتكوين فهم أفضل لاستراتيجيات المدى القصير والمتوسط للنساء في مختلف المجتمعات سيوفّر تأثير تصحيحي/علاجي للقضاء على التعريفات المشخصنة والمتمركزة حول الذات لتكوين الوعي النسوي.