وثيقة:المشروع النسوى فى الإسلام بين المركز والهامش

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف أميمة أبو بكر
تحرير غير معيّن
المصدر مجلة الديمقراطية
اللغة غير معيّنة
تاريخ النشر 2017-12-27
مسار الاسترجاع http://democracy.ahram.org.eg/News/15112/المشروع-النسوى-فى-الإسلام-بين-المركز-والهامش.aspx#.Wku1pIGGK1A.facebook
تاريخ الاسترجاع 2018-01-07



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة الديمقراطية


ليس من شك أن التيار النسوى الإسلامى الذى تشكل وتبلور عن وعى بطبيعته، على مدى الثلاثين عاماً الأخيرة أو أكثر، معبّرا عن منظوره وفكره خلال دراسات متعمقة وأبحاث عديدة، كوّنت تراكما علميا كبيرا وحقلا أكاديميا، لا يزال يعانى من معضلة التأثير والفعالية والدمج فى التيار الرئيسى للمستويات والسياقات على مستوى السلطة المعرفية والمؤسسية التى بدورها تحدد المشروعية والتمكين، ثم بالتالى على المستوى الثقافى والمجتمعى، مع اختلاف سياقات المجتمعات المسلمة عن المجتمعات غير المسلمة. باختصار شديد يهدف المشروع النسوى الإسلامى فى عمومه إلى:

(أ) تطوير وتأسيس رؤية إسلامية واضحة تتسم بالعدل و المساواة بين الجنسين.

(ب) تبنّى منهجية نقدية فى تفنيد وتمحيص الموروث الذكورى السلطوى للمعارف الدينية.

(ج) إعادة بناء وإنتاج معرفة «مساواتية» فى مجال علاقات النوع تطبق مبادىء العدل والقسط القرآنية والهدى النبوى، أى أنه مشروع معرفى إصلاحى «بنائى» لا يزدرى التراث ولا يقدسه، يتعلم منه، ثم يصحح مساره ويضيف إليه. إنها نسوية تنبع من المُثل الإسلامية العليا، وتصب فى مصلحة الدين الإسلامى أيضا؛ اجتهاد نسوى فى نطاق الدين الإسلامى وبه.

ولكن باختلاف ظروف وديناميكية كل سياق تختلف درجة القبول والتأثير والانتشار ونوعية القضايا التى يتفاعل معها هذا التيار: فمثلا بسبب القدر الكبير من الحرية الفكرية، والأكاديمية، والسياسية المتاحة فى الدول غير المسلمة لعدم وجود مركزية مؤسسية، تم على مدار سنوات طرح ومناقشة أسئلة دينية جديدة، وإنتاج وعى إسلامى يضع قضايا المرأة فى إطار نظريات أوسع وبمرور الوقت تنزّلت على أرض الواقع فى شكل حملات أو مبادرات، مثل «دراسات التقاطعية» (intersectional studies) التى تبحث تعدد وتقاطع أسباب التمييز والهيمنة والسلطويات المختلفة سواء كانت ذكورية وأبوية أو عنصرية عرقية أو كولونيالية (de-colonization)أو اجتماعية/اقتصادية (liberation theology) أو الإسلاموفوبيا مثلا، مما أدى مؤخرا إلى التعبير عن التضامن مع قضايا السود فى الولايات المتحدة والأمريكيين «الأصليين»، وأصحاب « الهويات الجنسية» المختلفة...إلخ، أى التضامن مع الفئات المهمشة، وأن يصبح المسلمون أيضا جزءا من الحراك الاجتماعى المحلّى والمعارضة المدنية. كما برزت أيضا فى الولايات المتحدة وأوروبا، وكندا، وجنوب أفريقيا قضية إدارة النساء للمساجد، وإلقاء الخطب، وإمامة الصلوات، أى اشتراك المرأة المسلمة فى المجال الدينى العام، وإقرار حق الحضور الإيجابى، والقيادة داخل تجمعات وجاليات المسلمين، و من أسباب ذلك عقود من احتكار حق السيطرة على شئون المساجد وإقصاء النساء من مساحاتها والتحجيم فى حيز مكانى ومعنوى ودينى مقيَّد. وفى مجال الدراسات الإسلامية بدأ انتقاد الباحثين من الرجال عند ملاحظة أنهم لا يستخدمون أو يشيرون إلى أى مراجع و دراسات سابقة للباحثات والأكاديميات رغم صلتها، وأحيانا كثيرة ريادتها، بالمجال قيد الدراسة، مما يعنى الرغبة فى تجاهل، و التقليل من أهمية، هذه الأعمال، أو عدم الإقرار بجدارتها حتى تُدمج فى التيار الرئيسى لهذا الحقل المعرفى فيظل إنتاجا ذكوريا فى الأساس.

وفى السياق العولمى، نشطت حركة «مساواة» العالمية التى انبثقت عن المنظمة النسائية الماليزية «أخوات فى الإسلام» منذ 2008، وهى حركة تضم ناشطات وباحثات من بلاد ومجتمعات وخلفيات إسلامية متنوعة تنادى بتحقيق العدل والمساواة فى الأسرة المسلمة، من خلال إصلاح القوانين والتشريعات، وإحداث تغيير فى التفكير الفقهى والإسلامى بصفة عامة حول قضايا النوع وعلاقات السلطة، وطرح مرجعية الواقع المعيش، وتجارب الحياة الفعلية لملايين النساء المسلمات عند التفكير فى الإصلاح والتغيير. ولا يعنى أن هذا النوع من الحراك فى المجتمعات الآسيوية والغربية قد صار مقبولا على إطلاقه، ولكن هذا الاتجاه إلى طرح قضية النوع بقوة من داخل منظومة المبادىء الإسلامية أصبح له وجود معتبر فكرا، وبحثا، ونشاطا.

فى مصر والعالم العربى ظهر هذا الاتجاه منذ التسعينيات فى شكل أبحاث ودراسات وإصدارات بالعربية تظهر اختلاف التوجه عن مشروع الإسلام السياسى، وفكره المحافظ النمطى بشأن علاقات النوع، كذلك بالطبع عن سطحية وإنغلاق الفكر السلفى، ثم عن الفكر الأبوى التقليدى للمؤسسة الدينية الرسمية، ثم عن الأجندة الليبرالية الغربية فى توظيف واستخدام حركات النقد الذاتى لصالح أيديولوجية «استشراقية» كولونيالية وعنصرية، ثم عن الفكرة العلمانية المتطرفة حول إقصاء المرجعية الدينية تماما فى أمور قضايا المرأة وغيرها. ارتبطت عدة أسماء لنساء دارسات، وباحثات، ومجموعات بحثية – خاصة فى مصر، والمغرب، وتونس، ولبنان – بهذا التوجه والبحث، وتم بالفعل إنتاج إصدارات ومقالات متنوعة متناثرة، ومحاولات فردية لنشر هذا الفكر من خلال محاضرات وندوات وورش ولقاءات محدودة. ولكن يبقى عدد المشتغلات فى المجال قليلا بالنسبة للمنطقة، وكذلك قلة انتشار الدراسات التى تتسم بالأكاديمية والتخصصية، رغم أهميتها وريادتها فى مجال الدراسات الإسلامية النسوية بالعربية.

بالنسبة إلى مجالات البحث التى سادت فى الأدبيات النسوية الإسلامية، والقضايا المثارة، نجد هناك ذلك النقد الشديد لذكورية التراث الفقهى، ورصد مظاهر ذلك فى كثير من الاستنباطات، وأصل الخطاب نفسه وافتراضاته ثم التنبيه إلى أنه نتاج طبيعى ومفهوم لمنطق زمانه وثقافته، مع التأكيد على فكرة التفريق بين الفقه والشريعة، بين ميراث الاجتهادات البشرية المتغيرة من ناحية، والعقيدة ومبادىء الوحى الإلهى من ناحية أخرى، مما أدى إلى مناقشات حول المنهجية، وآليات ومعايير التأويل، ودراسة النص القرآنى أولا، وتمحيص الآيات التى تتناول علاقات النوع أو مكانة المرأة وحقوقها، أو قيم العدل والقسط والمساواة الإنسانية..إلخ، ذلك مع دراسة أعمال التفاسير وتشكُّل المعانى على مر القرون، ثم طرح آيات المساواة الواضحة كإطار حاكم لإنتاج فكر ومعارف تطبيقية فى الحاضر، ولإعادة تفسير الآيات التى فُهِمت كتقنين للأفضلية والسلطة الرجالية على النساء، فيما أن فهمها فى سياقها الثقافى يُظهر المقصد الإلهى الأصلى فى زمن التنزيل، وهو تأسيس مسار لمزيد من التوازن والإقساط إلى إنسانية وكرامة النساء وإضعاف السلطة المطلقة، والإرادة الأبوية المنفردة. والسؤال التأويلى المحورى هو: مَن الذى يحدد – أو حدد فى الماضى – الآيات التى تُتخذ مصدراً للتشريع، والآيات التى تنحى جانبا (مثل آيات القيم والتساوى ومبادىء الأخلاق والعدل والقسط كشروط للتعامل بين الجنسين)، أو يتم تركها فى مجال الضمير الشخصى بين الفرد وربه بدون إلزام قانونى؟ يحدث هذا لحماية مصلحة ومكانة مَن؟ لماذا يصبح فقط مفهوما «القوامة» و«الدرجة» الأساس الوحيد لتأسيس أيديولوجية كاملة تبرر وتشرعن سلطة وقيادة الرجال، مقابل استضعاف النساء والتمييز ضدهم؟ لذلك تؤكد النسويات المسلمات فى هذا المضمار على التمييز بين المفاهيم الدينية المحض، والأفكار الثقافية، والممارسات الاجتماعية التى تشكلت تاريخيا، وتم تلبيسها أو التعبير عنها دينيا، أى التركيز منهجيا على المصادر الأولية مباشرة لفك هذا الالتباس والإصرار على الجوهر التحررى المساواتى لرسالة القرآن والسنة الصحيحة.

وفى مجال الدراسات التاريخية، كثرت أعمال البحث والتنقيب فى المصادر والوثائق غير التقليدية لكشف التاريخ المنسى والمهمل للنساء فى العصور الإسلامية الوسيطة وما قبل الحديثة فى مناطق العالم الإسلامى كافة، لإعادة بناء تاريخ النساء وتحليله وتفسيره فى ضوء الحاضر، خاصة قضايا المجال العام والخاص، والعمل، والكسب، والحضور فى الحياة العامة، والاختلاط، والاشتراك فى تعليم ونقل العلوم الإسلامية...إلخ

سؤال السلطة و التمكين: هل يُمكن لهذا المشروع الإصلاحى أن يأخذ مكانه فى خريطة المعرفة الإسلامية الحديثة، ويصبح صوتا مسموعا فى النقاش الدينى، بل ومؤثرا فى أرض الواقع؟ أم يظل فى حدوده الأكاديمية الفكرية، وبالتالى هامشيا بالنسبة للسلطة المركزية التى تملك مشروعية إنتاج المعرفة، وتفسير المفاهيم الدينية، وبوابة التمكين؟ لا يوجد إجابة سهلة أو واضحة، حيث إن مفهوم «السلطة» نفسه من القضايا المحورية فى النظريات النسوية التى تفسر تهميش النساء فى التاريخ الإنسانى، ومناحى الحياة بصفة عامة، وفى المجال الدينى بصفة خاصة حيث تترسّخ النزعة «الأبوية» وعلاقات القوة والتراتبية (hierarchy) وامتيازات القيادة وإدارة مقاليد الأمور. أى أنه ليست فقط سلطة التفسير، وإنتاج المعنى، وتحديد المفاهيم، ولكن أيضاً سلطة «الفعل» والهيمنة.

نظرة على التاريخ الثقافى، كمثال، من شأنها أن تلقى الضوء على مفهوم السلطة للنساء فى المجال الدينى خلال ما تعكسه بعض النصوص التاريخية والتفسيرية، التى يمكن تحليلها كخطاب (أى منظومة فكرية معينة، أو توجه، أو اعتقاد ثقافى يؤسس لعلاقة غير متكافئة بين طرفين)، وذلك للتفكر فى التناقض بين الإقرار بالتفوق، أو الكفاءة المعرفية والعلمية للنساء اللاتى تأهلن فى المجال من ناحية، وإشكالية استبعادهن من سلطات مؤسسية رسمية من ناحية أخرى، وأقصد بالتحديد تبوؤ مراكز قيادية، أو التعيين على رأس مؤسسة، أو مجلس، أو منبر ما. لا مجال هنا للتعرّض لهذه المسألة من المنظور الفقهى (الولاية العامة والخاصة، حديث «ما أفلح قومُ..» و نقصان العقل والدين)، فقد ظهرت فى الفترة الأخيرة مناقشات وتحليلات عدة حول هذه الأسانيد بالتحديد، لندرك أن الجانب الدينى الفعلى من المسألة ليس هو المشكلة أو العائق الأساسى بقدر ما هو توظيف النصوص لتخدّم على/لتدعم مفاهيم ثقافية قائمة، أو ربما نخطىء عندما نصر على التبرير الشرعى أو الفقهى، بينما المسألة توضع فى إطار سياسى وعلاقات القوة والنفوذ.

بعض هذه المادة التى نعرضها هنا باختصار هى نتاج أبحاث سابقة لى عن تحليل الخطابات الثقافية التاريخية، من خلال النظر فى أنواع مختلفة من النصوص التراثية (تراجم وسير، تاريخ، رسائل تصوف، فلسفة، تفسير...إلخ) – سواء من الفترة التاريخية نفسها أو عبر اختلاف زمنى – ووضعها فى مقابل بعضها بعضا لكشف التعدد والتنوع فى السياقات والمفاهيم والخطابات، وكذلك التداخل بينها، وتتبّع جذور الأفكار وتشكّلها وتطورها، وهو ما أطلقتُ عليه: قراءات رأسية وأفقية.

مثال على القراءة الأفقية: المؤرخ والمحدّث شمس الدين بن محمد السخاوى (فى قاموس الأعلام الضوء اللامع، القرن الخامس عشر الميلادى) وثّق لعشرات من عالمات الحديث اللاتى درّسن الحديث من داخل المنازل والمساجد الكبيرة فى القاهرة، ودمشق، وبغداد، وفى رحاب الحرمين الشريفين، ويصف لنا كثيراً منهن: «ذات فهم وعقل – كانت عاقلة – مستوية العقل – توصف بعقل ورياسة – كانت من سَرَوات نساء زمانها عقلا ودينا». وهذا بالطبع يستدعى إلى أذهاننا الحديث الشريف المتداول الذى لا يزال يُوظف ويفسر للتقليل من قدرات وكفاءة النساء، بينما كان السيوطى خلال القرن نفسه فى تفسيره لآية القوامة، مثلا، يكثر من تضمين أحاديث عديدة (ضعيفة فى معظمها)، وإسهاب وتطويل وتكرار حول تعظيم سلطة الزوج المطلقة والتشديد على عدم مغادرة المنزل، ثم نجد نصا من نصوص ابن عربى يتعامل فيه مع مفهوم «وللرجال عليهن درجة» (فى كتابه عقلة المستوفز) ليس كمفهوم سلطوى أو طبقى/تراتبى ولكن فقط إشارة إلى عامل الزمن والأسبقية فى الخلق بدون دلالات أو تأويلات تكرّس لسلطة أو نقصان ما: آدم له عليها - حواء- «درجة فى الإيجاد» فقط، و«الإبدال» ممكن أن يكنّ من النساء؛ بل إن مفهوم «الإنسان الكامل» خليفة الله تعالى فى العالم «ليس المخصوص بها الذكورية فقط فكلامنا فى صورة الكامل من الرجال والنساء، فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى والذكورية والأنثوية إنما عرَضَان ليستا من حقائق الإنسانية.» طبعا هو يوظف الفكرة للسياق الصوفى الفلسفى البحت – داخل المنظومة الصوفية وليس الفقهية. الملاحظ هنا تعددية فى الخطابات، وفى مستويات التأويل لمفهوم القدرات العقلية للنساء، بما يسمح أن يكون لهن سلطة أو قيادة ما فى المجال العام.

مثال على القراءة الرأسية: عودة لمصطلح «الرياسة» المستخدم بكثرة عند السخاوى (وقبله العسقلانى فى الدرر الكامنة) «كانت رئيسة..»، «ذات رياسة». يبين جورج المقدسى أن مفهوم الرياسة فى هذا السياق يشير إلى تحقيق الامتياز والتفرد فى مجال التخصص والوصول إلى منزلة الرياسة العلمية، أو خلو الساحة من أى منافس آخر..إلخ. ثم نجد ابن رشد لا يمنع أن يكون بين النساء «حكيمات أو صاحبات رياسة».

نتسائل مرة أخرى إلى أى حد كان هذا التعبير إشارة إلى تفوق علمى تخصصى معرفى فقط—على المستوى الفردى—أو له دلالة قيادة وفعالية على مستوى جماعى فى الفضاء العام. مثلا الإمام محمد عبده فى تفسير المنار استخدم فى تفسير آية القوامة (النساء:34) منظومة تسترعى الانتباه: أن النساء تحت رياسة الأزواج، والزواج مثل علاقة الرئيس بالمرءوس، مستلهما فى ذلك نص من الإنجيل (الرجل رأس المرأة مثل أن المسيح رأس الكنيسة)، عندما يقول بالنص: «..فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن»، وبالمناسبة هذا تحديث لتشبيهات سابقة استخدمها مفسرون قدماء، مثل علاقة السلطان والرعية، أو الولاة/الأمراء والرعية..إلخ. هذا كله يشير إلى تشكيل خطاب حول علاقة سلطة أو علاقة طبقية فيها ثنائية تفوق/دونية. وهنا نلحظ مرة أخرى أن السخاوى لم يحتج إلى أن يضيف توضيح أو شرح أو تحديد لدلالة التوصيفات التى استخدمها، فى حين أن الإمام تعامل أو قدَّم المصطلح كمفهوم له دلالة قيادية داخل مؤسسة الأسرة، وبالتالى فى المجال العام الرسمى.

تاريخ وسير الصوفيات: هنا نجد ظواهر وخطابات أخرى مختلفة تماما عن المنظور الفقهى التأويلى المحدد، نجد تأريخ لتحرك الصوفيات فى الدوائر الصوفية – خارج المجال الرسمى أو السياسى المؤسسى – فى فضاء أو مساحة لإثبات الوجود والتمكين وممارسة لسلطة الصوت المعارض المجادل المقاوم للإقصاء من المجال «الاتجاه السائد» (mainstream) التقليدى. هناك أمثلة كثيرة لتراجم وحوارات ولقاءات بين صوفيات ومشايخ صوفيين أو علماء نستشف منها أنماطاً من السلوك والوعى والتعامل مع هذا الاتجاه السائد فرضت نفسها وسمح بها السياق المتنوع. أى أن فكرة مشروعية السلطة (فى كافة أشكالها ومستوياتها: سلطة الصوت المقاوم، السلطة المعرفية العلمية، المجتمعية فى المجال العام، أو المؤسسية السياسية العليا) تخضع على مر الفترات التاريخية لتفاوض، وشد وجذب.

الغرض من هذه اللمحات السريعة هو مجرد لفت النظر إلى آليات ونظريات جديدة للقراءة فى كتب التراث بمجموعها وتعدد مصادرها وأدبياتها، لأن ذلك يلقى الضوء على إشكاليات مزمنة حتى الحاضر، فنحتاج أن نفهمها وننتج معرفة إسلامية تحررية جديدة بأدوات تحليلية مختلفة.

الخلاصة

هذه هى الإشكالية إذاً: علاقة التيار النسوى فى الدراسات الإسلامية بالسلطة التى يتنقدها بالتركيز على مبادىء العدل، والمساواة، والقسط، والتحرر من الهيمنة، وربط الأخلاق بالاجتماع، والاقتصاد، والحياة العامة والتشريع. عموما يتيح الهامش أحيانا كثيرة مساحة حرة غير مقيدة من التفكير والتعلّم والإبداع المعرفى بدون مواءمات اضطرارية أو اعتبارات براجماتية بحت فى العلاقة مع المركز، مما يسمح بالقيام بدورنا الإنسانى فى لحظة زمنية معينة فى هدوء وتسامى، فننتج ما ننتج من أفكار حتى تتغير ظروف التمكين على الأرض. ومع ذلك، إلى حد ما كان لبعض هذه الأفكار فى مسائل علاقات النوع، وتشريعات الزواج والطلاق، وحقوق النساء الاجتماعية والاقتصادية حظ فى الانتشار مؤخرا فى بعض البلاد العربية ومناقشتها فى الخطاب العام، فى سياق بعض التعديلات التشريعية وصياغة قوانين جديدة، وهناك قدر من التأثير على وعى الأجيال الشابة فى رفض الظلم، واحتكار السلطة باسم الدين، والبحث والتدبّر بأنفسهن. ولكن يبقى المشروع الأشمل آخذا فى التطور والتنامى: أن نصوغ هذه النظرية الإسلامية الأكثر اتساقا مع الرؤية القرآنية الشاملة، والهدى النبوى الشريف، والمسار الإلهى الذى بدأ مع الوحى ولا يزال.

مصادر

  • ثلاث أعداد سنوية من نشرة «المرأة والحضارة» - (القاهرة:2000، 2001، 2002).
  • النسوية الإسلامية: الجهاد من أجل العدالة» - (دبى: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2010)، عدد 47.
  • أسماء المرابط: «القرآن والنساء، قراءة للتحرر» - الرباط: مركز الدراسات والبحوث النسائية فى الإسلام، 2010.
  • أسماء المرابط ، «النساء والرجال فى القرآن، أية مساواة؟» - الدر البيضاء: دار البراق، 2015.
  • ألفة يوسف، «حيرة مسلمة» - تونس: دار سحر للنشر، 2008.
  • فهمى جدعان، «خارج السرب، بحث فى النسوية الإسلامية» - (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010).
  • أميمة أبوبكر، «النسوية والدراسات الدينية» - (القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، 2012).
  • أميمة أبوبكر، «النسوية والمنظور الإسلامى، آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح» - (القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، 2013).
  • سوسن الشريف، «الحركة النسوية الإسلامية فى مصر وعلاقتها بالآراء الفقهية، رؤية تحليلية نقدية» - (القاهرة: روافد، 2014).
  • مجموعة باحثات وباحثين، «القوامة فى التراث الإسلامى»، تحرير زيبا مير حسينى ومُلكى الشرمانى وجانا رامينجر، ترجمة رندة أبوبكر (القاهرة: مساواة، 2016).