وثيقة:رفض النظام الأبوي: تقاطعات بين المثلية والنسوية
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | يوسف جمال |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | منشور |
اللغة | غير معيّنة |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://manshoor.com/people/between-homosexuality-feminism-and-patriarchy/#.WduXOnWFKYQ.facebook
|
تاريخ الاسترجاع |
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها منشور
مقدمة
مع تزايد الحديث عن الحركة المثلية في العالم، ومطالبات المثليين بحقوقهم الإنسانية كسائر البشر؛ تبرز تساؤلات عديدة من عامة الناس، خصوصًا أولئك المغايرين جنسيًّا، الذين ينجذبون إلى الجنس الآخر.
وعادة ما تمتزج هذه التساؤلات بالخوف، لتظهر على شكل ما يطلق عليه « هوموفوبيا»، وقد نتفهم أسباب ذلك بعض الشيء في عالمنا العربي، وإن كان يجب ألا نُقرَّ به، فهو أمر ينشأ غالبًا من عدم فهم المثلية وحركة المثليين، بالإضافة للتشرُّب بأنماط المجتمع المتأثرة بالدين والعادات، رغم أن المثلية كانت في مجتمعاتنا قديمًا.
لذلك، نتحدث اليوم عن الحركة المثلية؛ عبر مقاربتها بحركة أكثر أُلفة للقارئ هي الحركة النسوية، التي واجهت وتواجه العديد من التحديات، كما تقاطعت في كثير من الأحيان مع الحركة المثلية، خصوصًا في عدوهما المشترك وفكرتهما الأشمل: سلطة النظام الأبوي.
عندما نبدأ الحديث عن النسوية وحقوق المثليين في المجتمع العربي، فإننا عادة نكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبها الغرب في بداية مسار الحركتين. يأتي هذا الموضوع من شخص هو جزء من إحدى الفئتين المتكلَّم عنهما؛ المثليين و مزدوجي الجنس، لإعادة توجيه المحادثة والربط السليم بين حركتي النسوية وحركة حقوق المثليين، نحو توكيد الهوية لكلتيهما مع الإقرار بالاختلافات بينهما.
علاقة تاريخية بين النسوية والمثليين
هناك تشابهات عدة بين دوافع الحركتين؛ فالنسوية رد فعل على النظام الأبوي، الذي يرى أن النساء أقل شأنًا من الرجال، وتهدف لتأكيد المساواة بين الرجال والنساء؛ اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.
وبالمثل، تأتي حركة حقوق المثليين ردًّا على رؤية المجتمعات بأن انجذاب أبناء الجنس الواحد بعضهم إلى بعض يعد أمرًا بعيدًا عن الفطرة، وأن العلاقات الطبيعية تقتصر فقط على المغايرة (العلاقة بين فردين من جنسين مختلفين؛ رجل وامرأة).
وتؤكد هذه الحركة أن المثلية و ازدواج الميول الجنسية (Bisexuality) حقوق مشروعة إنسانيًّا لمن يفضلها، بقدر شرعية المغايرة؛ كونها تمثل علاقة رضا بين شخصين بالغين بغض النظر عن جنسيهما، ولا تؤخذ الاعتقادات الشخصية الدينية أو الأيدولوجية بعين الاعتبار عند التفكير في معايير الحقوق لدى المجتمع المدني كاملًا.
تاريخيًّا، أسست الحركتان في الغرب تحالفات عدة لمساندة أهداف بعضهما، لما تمتلكانه من مشاكل مشتركة. الخاصية المشتركة الكبرى بين الحركتين هي نبذ المجتمع لهما، ومنعهما من المشاركة في الحياة العامة إذا رأيا تقديم أنفسهما وفق هويتهما، سواءً كنساء أو مثليين. مثلًا؛ اضطرت النساء تاريخيًّا للتنكر كرجال للتصويت حين مُنعوا على أساس الجنس، كما اضطر ويضطر المثليون لإخفاء هويتهم لنيل الاحترام عند المشاركة في الحياة العامة.
فضلًا عن ذلك، تشكل النساء نصف حركة حقوق المثليين، لذا فنضالهن لانتزاع حقوقهن مضاعف، فما الامتيازات التفضيلية بين الحركتين؟ وهل المثلية هوية أم تفضيل؟
السلطة والسياسة والامتياز التفضيلي
تؤثر انحيازات المجتمع المُسبقة على المحادثات التي تدور بخصوص حقوق المثليين أو النسويات، فالرجال يتمتعون بامتيازات النظام الأبوي التي تفضلهم على النساء، بينما للمرأة المغايرة (التي تميل جنسيًّا للرجال) موقف أفضل في المجتمع من الرجل المثلي عند الحديث عن الميول الجنسية.
ويجب النظر إلى هذه العوامل باعتبارها أولوية مجتمعية، قبل الدخول في متاهات الأصول العرقية للأشخاص، أو الحالتين الاجتماعية والاقتصادية، وعدم القبول بالتصنيف الجنسي من الأساس، كل هذه الأشياء التي تُكوِّن هوية الشخص ويُحكم عليه من خلالها بينما يحاول انتزاع حقوقه.
نجحت النسوية في تحقيق إنجازات أكبر من المثلية في دول العالم، رغم التاريخ المشترك للحركتين؛ لأن النسوية كانت أكثر تنظيمًا من أي حركة سياسية أخرى وأكثر عددًا؛ كون النساء يشكلن الأقلية الأكبر في أي مجتمع (أو الأكثرية المقموعة في بعض الدول)، فمهما اختلفت آراء النساء على القضايا النسوية، يبقى هناك جسم منظم لتمثيلهن سياسيًّا، يتكون من رجال ونساء على حد سواء.
من الناحية الأخرى، ارتكبت الحركة النسوية أخطاء جسيمة في رحلتها للمساواة بين الجنسين، كما فعلت «سوزان أنتوني» (Susan Anthony) في الولايات المتحدة، التي حاربت من أجل حقوق المرأة السياسية في عشرينات القرن الماضي، وحصلت عليها بناءً على أن المرأة البيضاء أعلى شأنًا من الرجال السود.
ومثال آخر يتضح في الحركات المدفوعة برغبة في إبهار الغرب، أو لتلبية حاجة الدولة لأيدٍ عاملة محلية، فتُعطي النساء بعض حقوقهن لتحقيق رغبة السلطات، وهو منطلق لا يقر بالمساواة وإنما الحاجة.
ويتشابه المثالان السابقان مع الحركة النسوية في الكويت، التي ترى المرأة الغربية البيضاء مثلًا أعلى لها، وتعتمد على الطبقية والامتياز التفضيلي لأهل المدن (الحضر) في المجتمع.
أيًّا كانت القوة الدافعة للحركة النسوية، فحقيقة الأمر أن النساء المغايرات جنسيًّا يملكن حاليًا مكانًا في المجتمع يجعلهن في موضع سلطة وامتياز تفضيلي على نظرائهن من المثليين والمثليات المُعلِنين عن هوياتهم.
فللمرأة المغايرة جنسيًّا أحقية التعبير عن ميلها الجنسي الذي يتفق مع ميول المجتمع، ويُعتَرف بعلاقاتها المختارة وزواجها، ويُحتفَى بهويتها الجنسية في الإعلانات والمجلات والتليفزيون والكتب وحتى النصوص المقدسة، فالمجتمع يحتضن ثنائية الجنس بين الرجل والمرأة، ويمكن للمرء أن يتفهم دوافع هذا الأمر، لكن غير المفهوم إعلاء المجتمع ثنائية الجنس وحظر ما يختلف عنها وقمعه، رغم أنها أمور وشؤون شخصية.
يناقش النزاع النسوي قضايا المرأة في المجتمع؛ كالمساواة في أجور العمل أو حقوق الإجهاض أو الحقوق السياسية، ومهما كانت القضية التي يدور حولها النضال النسوي فهو لا يقترب من هويتها الجنسية المغايرة التي تتفق مع قواعده.
فلا تحتاج المرأة المغايرة جنسيًّا للدفاع عن هذه الجزئية من هويتها، لذا، مدفوعةً بميزتها التفضيلية الناتجة عن القبول المجتمعي لهويتها، تتبع بعض الحركات النسوية في العالم الوسائل المذكورة سابقًا بغرض إقصاء الآخر (في هذه الحالة: المثليون والمثليات)، لدفع رسالتها النسوية وإثارة إعجاب الرجل المغاير، المتربع على عرش السلطة في المجتمع، وكأنها تقول: «انظر، أنا لست مثلهم، اقبلني شريكًا في السلطة، ولنحاربهم معًا». ألا يبدو الأمر مألوفًا؟
إنه التاريخ يكرر نفسه بصورة أخرى، فكما قُمِعَت المرأة عبر العصور، ها هي تمارس القمع ذاته مع المثليين.
الرحلة إلى تقبل الذات والمجتمع
ادة ما يُزدَرى الحديث عن المثلية في المجتمعات العربية والمسلمة، رغم احتضانها للمثلية تحت مسميات مختلفة، بوصفها مجرد تفضيل جنسي وليست هوية متداخلة في ذات المرء.
وفي التغزُّل بالغلمان يقول الشاعر صفي الدين الحلي: «فتن الأنام بعوده وبشدوه/ شادٍ تجمَّعت المحاسنُ فيهِ/ حتى كأن لسانه بيمينه/ أو أن ما بيمينه في فيه».
وهناك العديد من الأمثلة في الأدب العربي تناقش المثلية، يدلل بها بعض «الموالين» لحركة حقوق المثليين على وجهة نظرهم التي تبرئ الثقافة العربية من رفض المثلية، ويلقون بلوم الوضع الحالي للمثليين على النظام الأبوي أو التزمت الديني، أو أيًّا كان.
لكن المثلية لم توجد في تاريخ العرب بوصفها هوية مؤكدة، وإنما برؤيتها كـ«تفضيل جنسي»، إذ يُرى الأكثر « أنثوية» في العلاقة كآلة أو أداة للأكثر « ذكورة»، مثل كاتب البيتين السابقين.
ومع أن الاثنين مثليان، فإن الأكثر «ذكورة» في أي علاقة بين شخصين متماثلي الجنس يعد في الثقافة العربية مغاير الجنس، لا فارق بينه وبين الآخرين سوى أن لديه تفضيلًا آخر على الجانب، وهي الرؤية التي ما زالت تعذبنا نحن غير المغايرين جنسيًّا، أو الرجال ذوي الطباع الأنثوية والمتقبلين لهوياتهم كما هي، خصوصًا في الخليج العربي، حيث تظهر في التنمر المجتمعي والمدرسي، وفي التعسف السلطوي، وأحيانًا في القوانين كقانون التشبه بالجنس الآخر في الكويت؛ الذي لا يحتوي على معايير محددة للتشبه ويُترك الحُكم لرجل الأمن، الذي عادةً ما يكون ضحية النظام الأبوي نفسه.
في المدينة الفاضلة قد لا يوجد مبدأ الهوية على الإطلاق، لأن الهوية تقوم على توكيد النفس دون الآخر، سواءً للتفضيل أو للنجاة كأقلية. لكن في حقيقة الأمر، فإن التفرقة بين المجموعات الإنسانية موجودة منذ أبد الدهر، بين الرجل والمرأة والأعراق والقبائل والجنسيات، وغير ذلك.
وهناك جانبان لتوكيد وجود الهوية المثلية أو الازدواجية الجنسية؛ أولهما تقبل هاتين الفئتين لهذه الميول كجزء لا يتجزأ من كيانهم الإنساني، وثانيهما الصراع الذي يخوضه الفرد المنتمي لهاتين المجموعتين للوصول إلى هذا التقبل، فهناك منظومات عديدة ترفض تعدد الميول الجنسية؛ كالدين والمجتمع والمدرسة والأسرة، وغيرها من المنظومات الممثلة للنظام الأبوي.
إن الرحلة نحو تقبل الذات تكون صعبة جدًّا في هذه البيئة، وهي صراع مع النفس قبل أن تكون صراعًا مع الآخرين. لذا، وبسبب الصراع المشترك على اختلاف أشكاله، يجتمع المثليون والمزدوجون جنسيًّا على أساس الهوية، وهو لا يختلف عن الاجتماع على تاريخ مشترك بين الشعوب، وعلى عادات وخصائص مشتركة بين القبائل، هذه كلها هويات، فلماذا لا نتقبل المثلية والازدواجية كهوية و/أو تفضيل على حد سواء؟
الرؤية السابقة هي نتيجة مباشرة للنظام الأبوي الذي يصنف الأكثر أنوثة فردًا أكثر خضوعًا، وبالتالي فهو أقل شأنًا من الآخر، وهي أحد الأسباب التي تؤدي لتحالف الحركة النسوية مع حركة حقوق المثليين. واللغة المستخدمة في التحدث عن المثليين في الثقافة العربية هي لغة جنسية خالصة، لغة تشييئية (ترى الشخص كشيء)، وإقصائية تُدني من الشخص بناءً على هويته، تمامًا كما هو الخطاب مع المرأة.
من أين تأتي الهوية المثلية؟
حين تُناقش الهوية المثلية، قد يستدل المدافع عن حقوقهم بآلاف الدراسات التي تقول إن المثلية موجودة بالجينات ومتوارثة، فهي إذًا هوية مشروعة إنسانيًّا، ولكنني يجب ألا أكون مضطرًّا (كإنسان مثلي) لأن أفسر مثليتي لك. إن الدراسات التي تتناول المثلية مجال جديد وغير متكامل على الإطلاق، فضلًا عن أن أغلبها لا يناقش إلا المثلية بين رجل ورجل، ولا يمكن تطبيقها على النساء المثليات.
النزاع المثلي أزلي، أقدم من تاريخ نشأة العلم الحديث. وفيما تُعدُّ الدراسات مفيدة لتطوير المجال العلمي، فإن إقحامها في نقاشات سياسية ليس المسار الصحيح للحديث عن حقوق المثليين، فلن يعود ذلك إلا بالسوء على العالم، مثلما دفع من قبل ثمن حركة تحسين النسل في ألمانيا النازية، ودفع ثمن كراهية السود بظهور تنظيم «كو كلوكس كلان» (Ku Klux Klan) في الولايات المتحدة، الذي يؤمن بأن الدراسات أظهرت أن البيض أعلى شأنًا من السود، فالعلم يُمكن تسييسه لصالح أطراف النزاع.
إن المسألة المثلية الوحيدة الواجب مناقشتها هي الحرية المدنية للإنسان؛ لأن الدولة والنظام المجتمعي لا دخل لهما بأي علاقات تتم بين شخصين (أو أكثر) بالتراضي، أيًّا كانت طبيعة هذه العلاقات.
لكل فرد رأيه النابع عن الفكر أو المبادئ أو الديانة التي يدين بها، ولا حق للدولة أو المجتمع في التدخل في الشؤون الشخصية للأفراد، فالدولة ليست وصيًّا ولا هي الحقيقة المطلقة، ناهيك بأنه لا توجد حقائق مطلقة غير تلك المختبَرة علميًّا.
ليس المثليون في حاجة لإثبات هويتهم للمجتمع بأي طريقة كانت، بل يحتاجون فقط للاعتراف بوجودهم الحر والخالي من التدخلات في شؤونهم الشخصية، بوصفهم بشرًا لهم حق العيش وتقرير مصيرهم كما يريدون دون وصاية.
من هذا المنطلق، لا يحتاج المثليون مطلقًا للاشتراك في مبدأ الزواج كما يعرفه مغايرو الجنس؛ لأن هذا يعتبر تطبيعًا للمغايرة، إلا إذا تدخلت الدولة في تنظيم الزواج. وهناك العديد من المثليين والنسويين يرفضون الزواج كمبدأ؛ لأنه قائم على النظام الأبوي في صورة عقد تجاري بين طرفين يُفترض أن يكون ارتباطهما عاطفيًّا في المقام الأول.