نظرية سينمائية نسوية
(أيضا: النقد السينمائي النسوي) مدرسة فكرية ونقدية سينمائية بدأت في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين في خلال الموجة النسوية الثانية، تركز النظرية السينمائية النسوية على انتقاد السينما الكلاسيكية والسائدة وتحلل دورها الثقافي في اضطهاد النساء وتكريسها للصورة النمطية الجندرية لهن. وتسعى النظرية إلى إنتاج أفلام سينمائية بديلة تصور ذاتية النساء ورغباتهن وحيواتهن بشكل واقعي. وتطورت النظرية في التسعينيات، لترفض الرؤية الثنائية والمغايرة للإختلافات الجنسية، وطرحت وجهات نظر أكثر تعددًا لتشمل جميع النساء باختلاف عِرقهن ودينهن وطبقتهن الاجتماعية وهوياتهن الجندرية والجنسية وميلهن الجنسي وقدراتهن الجسدية والنفسية. (بالإنجليزية: Feminist Film Criticism@en, Feminist film theory)
أبرز النظريات ونقدها
تأثرت النظرية السينمائية النسوية بعدد من النظريات النسوية خلال الموجة النسوية الثانية، مثل:
- مفهوم الآخر لسيمون دي بوفوار.
- نظرية بيتي فريدان عن الخرافات المجتمعية، والتي تعمل على ربط النساء بأدوار سلبية ومحدودة، بحجة أنها الأدوار "الطبيعية" لهن.
- تحليل كيت ميليت للمفوم النمطي للأنوثة والذي يكرِس له المجتمع من خلال وسائل عديدة، مثل: النظريات العلمية والأعمال الأدبية والفنية.
تركز النظرية السينمائية النسوية على جانبين أساسيين:
- انتقاد وتحليل كيف استُخدمت الأعمال السينمائية "السائدة" للتكريس للمفاهيم البطريركية.
- السعي ومناصرة العمل على صناعة أفلام نسوية بديلة.
نظرية الانعكاس
من أوائل النظريات السينمائية النسوية هي "نظرية الانعكاس" Refelction Theory أو منهجية صور النساء، وكان أغلب مُنظراتها من الولايات المتحدة الأمريكية. ترى نظرية الانعكاس النص السينمائي على أنه انعكاسات للواقع المجتمعي. وانتقدت هذه النظرية تصوير السينما الهوليوودية السائدة للنساء، والتي لم تكن "انعكاسات"، بل "تشويهات" لحيوات النساء الواقعية، بغرض التكريس للمفاهيم والأيدلوجيات البطريركية. من أبرز المُنظرّات لهذه النظرية هن ماجوري روزين Marjorie Rosen و مولي هاسكل Molly Haskell ، وتحديدًا كتاب روزين فُشار فينوس (1973) Popcorn Venus وكتاب هاسكل من التبجيل إلى الاغتصاب: تصوير النساء في السينما (1974) From Reverence to Rape: The Treatment of Women in the Movies. ركزت كلا الكاتبتين على الأعمال السينمائية الهوليوودية بوجه الخصوص، والتي أُنتجت منذ فترة السينما الصامتة وإلى سبعينيات القرن العشرين.
تجادل روزين أن تاريخ تصوير هوليوود النمطي والسلبي للنساء، هو جزء من المخطط الأبوي للتأثير على الجمهور النسائي ليتحولن إلى ضحايا خاضعات للنظام الأبوي. لاقت دراسة هاسكل، في الناحية الأخرى، مكانة أكثر صدارة في النظرية النسوية. فبالرغم من أن هاسكل، مثل روزين، تتبع التصوير المشوه للنساء في السينما الهوليوودية، إلا أنها لا تبني نظريتها على وجود مؤامرة ذكورية لاستخدام الصور السينمائية كوسيلة للهيمنة المجتمعية على النساء، وتحلل في المقابل مسار التصوير السينمائي للنساء، والذي بدأ بتبحيل وتوقير للنساء في حقبة الأفلام الصامتة وتطور إلى عنف و معادة للنساء في أفلام الستينيات والسبعينيات. تجادل هاسكل بأن التصوير النسائي السلبي في تلك الفترة هو مفعول رجعي لما جنته النساء من حقوق في الحياة الواقعية في تلك الفترة. ولكنها ترى مع ذلك وجود مقاومة من بعض الممثلات ضد تلك الصور المشوهة، والتي عبرت عن بعض مشاكل النساء.
- نقد النظرية
انتُقدت نظرية هاسكل، ووصفها بعض المُنظرات الأخريات "بالنظرية الساذجة"، والتي تُبعد نفسها بشكل واع عن النظرية النسوية، برؤيتها لفترة الأفلام الصامتة على أنها "يوتوبيا"، والتي في حقيقة الأمر تعكس حب الرجل لصورة المرأة "النقية" و"العاجزة" و"البريئة". وتشير ديان والدمان Diane Waldman أن المشكلة الأساسية في منهجية نظرية الانعكاس وفي أعمال هاسكل وروزين هي في رؤيتهما المحدودة للتمثيل النسائي في السينما على أنه تنميط فقط، ودعوتهما إجبار هوليوود لتمثيل النساء بشكل أكثر إيجابية في ناحية، وفشلهن في الناحية الأخرى في طرح طبيعة هذه الصور الإيجابية. كما تجاهلن الجانب الإشكالي لهذه الصور الإيجابية، فتغافلن عن اسئلة مثل: هل تملك كل مجموعة اجتماعية مفوم مختلف عن معنى الصورة الإيجابية؟ هل بناء السينمائيون/ات أفلامهم بالتركيز على التصوير الإيجابي للشخصيات النسائية مجحفًا أكثر من اللازم؟ هل سيساعدنا مفوم الصور الإيجابية على تحليل معنى الأفلام؟
نظرية السينما النسوية
أدت هذه الانتقادات والتساؤلات إلى ظهور بناء نقدي جديد وأكثر نضوجًا للنظرية السينمائية النسوية، تدمج فيه المُنظرّات النظرية النسوية، والسينمائية، والتحليل النفسي، ومدرسة ما بعد البنيوية، والسيميائية (علم الرموز). وبينما كان أغلب مُنظرّات نظرية الانعكاس من الولايات المتحدة، كان مُنظرات "نظرية السينما النسوية" Cinefeminism بريطانيات، وكان من بينهم: كلير جونستون Claire Johnston، وبام كوك Pam Cook، ولورا مولفي.
في مقالها "سينما النساء كسينما مضادة" (1973) "Women’s Cinema as Counter-Cinema" تجادل كلير جونستون أن صور النساء في السينما لا تعكس حيواتهن، كما ادعت مُنظرّات نظرية الانعكاس، بل هي في حقيقة الأمر "خُرافات" من صنع الأيدلولوجيا الأبوية ويتم التلاعب بها لإرضاء رغبات وخيالات الرجل. وتدرس جونستون الشخصيات النسائية في الأعمال السينمائية للمخرجين الهوليوودين جون فورد (1894- 1973) John Ford وهارود هاوكس (Howard Hawks (1896 - 1977، لتحلل كيف تتواجد الشخصيات النسائية في تلك الأعمال كدلالات لا يوجد لها معنى أو قيمة في حد ذاتها، بل فقط في إطار خيالات الرجل. فالنساء بحسب فورد هن رمز البيت والثقافة والحضارة، ومن خلالهن يعبر الرجل عن تضاربه الداخلي تجاه هذه الجوانب. أما بالنسبة لهاوكس فالنساء دخيلات على عوالم الرجال، ويجب عليهن إما أن يصبحن مثلهم أو يُنظر لهن على أنهن شخصيات مكسورة ومتأذية. وتدعو جونستون إلى تحليل أعمال مخرجات هوليوود النساء، وحللت أعمال المخرجتين الأمريكيتين دوروثي أرزنير (Dorothy Arzner (1897 - 1979 وإيدا لوبينو (Ida Lupino (1918 - 1995 في الفترة بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين. وتشير جونستون أن أفلام أرزنير قد تبدو على السطح داعمة للأيدولوجيا الأبوية، ولكن تحليل أكثر عمقًا لأعمالها سيكشف الغطاء عن لحظات من المقاومة في أعمالها.
تبع هذا المقال نشر لورا مولفي لمقالها الرائد المتعة البصرية والسينما الروائية في 1975. نقلت مولفي النقد السينمائي النسوي من الاعتماد على النظرية النسوية فقط، إلى دمج النظرية النسوية بنظرية التحليل النفسي، وتحديدًا نظريات سيغموند فرويد وجاك لاكان. في مقالها، تجادل مولفي أن نظرة الكاميرا في السينما الروائية السائدة هي نظرة ذكورية محدقة Male Gaze، تعمل على تصوير الشخصيات النسائية كأشياء جنسية بحتة هدفها هو إمتاع وإشباع خيالات ورغبات "المشاهد المتوقع" لهذه الأفلام، وهو الرجل الأبيض المغاير جنسيًا. وتضيف مولفي أن تصوير الجسد الأنثوي في هذه الأفلام يعمل على رؤية الجسد الأنثوي "كشيئ" سلبي ينظر له، وإثارة فكرة خوف الذكور من الإخصاء من خلال غياب القضيب عند المرأة. (طالعواكذلك: المقال الرئيسي لهذا الموضوع ”نظرة الرجال المحدقة“).
في نهاية مقالها، تحث مولفي على صناعة سينما راديكالية جديدة تُفكك بناء السينما السائدة ومفهوم المتعة السينمائية الذي تعودنا عليه. ويشمل هذا التفكيك على تبني نظرة وموضع كاميرا جديد يسمح بتجربة سينمائية أكثر نضجًا وشمولًا. وعلى عكس رؤية كلير جونستون لضرورة عدم الانسلاب من السينما السائدة وحثها لكل من المخرجات والناقدات النسويّات على إختراق وتحليل والتشابك مع السينما السائدة بشكل مستمر للتصدي لتشييئ النساء وتقديم مساحة لتصوير رغبات وخيالات النساء في السينما الهوليوودية، ترفض مولفي السينما الهوليوودية السائدة بشكل كامل.
الكتب
- البصرية ومتع أخرى تأليف لورا مولفي (1989).
- أليس لا: النسوية والسيميائية والسينما تأليف تريزا دي لورتيز (1984).
- الأنوثة المتوحشة:السينما والنسوية والتحليل النفسي تأليف باربارا كريد (1993).
- السينما المصرية الرائجة: الجندر والطبقة الاجتماعية والدولة تأليف فيولا شفيق (2007).
أوراق ومقالات
- مقالات نظرية
- المتعة البصرية والسينما الروائية (1975)، تأليف: لورا مولفي، وترجمة: عبد الرحيم يوسف في 2016.
- المنشور الثاني. داخلي/النقد والنقد الذاتي(مارس 1968)، تأليف هيلكه زاندر، وترجمة مروة مشرف في 2016.
- مقالات نقدية وتحليلية للأفلام
- بنيوية الفيلم الشاهيني بين لذة النظر والتلصصية على الرجل.
- عن الأخضر اليابس ومركزية القضيب: ما الذي يعنيه أن يكون الفيلم «جيدا»؟.
- من «لوسي» إلى «حاتم رشيد»: كيف تؤثر السينما المصرية على الخطاب الاجتماعي تجاه المثليين والمثليات؟.
- الجسد والسلطة في السينما - الجزء الأول و الجزء الثاني.
طالعوا كذلك: التصنيف الرئيسي لهذا الموضوع نقد سينمائي نسوي
المراجع
- كتاب دليل للنظرية النسوية لأليسون جاجر وإريس ماريون يونج (2008) (A Companion to Feminist Philosophy) - ص. 253-360.
- كتاب الدراسات السينمائية النسوية لكارين هوللينجر (2012) (Feminist Film Studies) - ص.7-19.
- كتاب الدراسات السينمائية النسوية: كتابة المرأة في السينما لجينيت ميكبي (2004) (Feminist Film Studies: Writing the Woman Into Cinema)،.
- مقال النظرية السينمائية النسوية من تأليف Anneke Smelik على موقع The Feminist Ezine.
- الصفحة الإنجليزية للنظرية السينمائية النسوية على ويكيبيديا.