وثيقة:آفاق ثورية للعمل الرعائي

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

صوت النسوة.png
مقالة رأي
العنوان آفاقٌ ثوريةٌ للعملِ الرعائي
تأليف ديمة قائدبيه
تحرير غير معيّن
المصدر صوت النسوة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-11-23
مسار الاسترجاع https://sawtalniswa.org/article/641
تاريخ الاسترجاع 2020-01-09
نسخة أرشيفية http://archive.is/ERSqd


هذا النص هو واحد من النصوص المنشورة على موقع صوت النسوة في إطار نشر محتوى نسوي مرتبط بانتفاضة لبنان 2019



قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة



منذ أيامِ الثورةِ الاولى، كان ملفتاً لي ظهور العملِ"المنزلي" للنساء في الساحات، تحديداً في تحضيرِ الطعام ومشاركتِه مع الثائرات والثائرين، مما دفعني إلى هذا التأمّلِ في الآفاقِ الثوريةِ لأن يكونَ"المطبخُ" ظاهراً وجزءاً من سردية الثورة. ما معنى أن نراه و"نستفيد" منه بشكلٍ علني وجماعي، أن ينقلها الإعلامُ كجزءٍ من المشاركة في الثورة. ماذا يعني أن يخرجَ العملُ المنزلي إلى العام؟ هل تمهّدُ هذه السرديةُ لأن يصبحَ العملُ الرعائي–وهو العملُ الذي اعتدنا ألا نراه(نراه أكثر عند غيابه، في بيتٍ غير نظيفٍ مثلًا)، ظاهراً في التنظيمِ والحراك؟ هل نبدأ بالاعترافِ بالعملِ غير المرئي(أو المغيّب) وفي تثمينه كجزء ٍأساسي في المجتمع وفي الاقتصاد كما تنادي الكثيرُ من النسويات؟[1]

في الغالب، إن التنظيمَ والعملَ السياسي (والعمل بشكل عام) الذي نقومُ به، مهما كانت هويتُنا الجندريّة، يصبحُ ممكناً فقط بوجودِ نساءٍ، من أمهاتٍ وزوجاتٍ لكن أيضاً وبشكلٍ كبيرٍ العاملات في المنازل. هن اللواتي يقمن بالعملِ الرعائي، أي الطبخ والغسل والاهتمام بالمنزل وأفراد العائلة والأولاد.

الإعلامُ أحبَّ مشهدَ النساءِ اللواتي يحضِّرنَ الطعامَ في الساحاتِ ويقدمنه فيها. توجهت إحدى المراسلاتِ في نقلِها المباشرِ من اعتصامٍ في الحمرا أمام مصرف لبنان، تكلّمت مع المعتصمين، ثم قابلت امرأتين افترشتا طاولةً بالطعام للمتظاهرات/ين. وأظن أن هذا المشهدَ تكرّر بشكلٍ أكبر في المناطق (إن نقلَه الإعلامُ أم لا)، حيث قد يكونُ "المطبخُ" الطريقةَ التي تستطيعُ بعض النساء من المشاركةِ الفعّالةِ في الثورة عبرها.

أكتبُ هذا وأرى في مخيلتي نسويةً تعترضُ على إعادة ِتركيزي للصورةِ النمطيةِ للنساء، وخاصةً في القرى والمناطقِ خارج بيروت.

وبالفعل، فمن جهة، لا يزالُ العملُ المنزلي يُلصقُ بنا. إذ قد ينبهرُ الإعلامُ بنسوياتٍ يخطبنَ ويناقشنَ وشاباتٍ يقطعنَ الطرقَ أو يهتفنَ بالشتائمِ أكثرَ من اندهاشِه من مشهدِ نساء يقدمن الطعام. هناك إشكاليةٌ في أن تكون بعضُ الأدوار والأعمال(كالطبخ) ملتصقةً فقط بالنساء، ومهمّشةً بالذاتِ لأنها تُعتبرُ أعمالًا ومسؤولياتٍ نسائية. ولكن من جهةٍ أخرى، هناك إشكالية ألاّ ننتبهَ ونثمّن هذا العملَ أيضاً ونقدِّرَ كيف تشاركُ النساءُ بالثورةِ من خلاله.

ولهذا أدفعُ تجاهَ منحى في أن يغيّرُ هذا المشهدُ—مشهد النساء اللواتي يطبخنَ للمعتصمات/ين—شيئاً ما في القيمةِ التي نعطيها لدورِ العمل الرعائي، لأن هذا المنحى وهذه القيمةَ لن يأتيا حتماً في نظامٍ أبوي، بل نتيجةَ كفاحٍ مستمرٍ للنسويات.

إنَّ تثمينَ العملِ الرعائي بشكلٍ حقيقي—وليسَ كخطابٍ فارغٍ نسمعُه كل سنةٍ في عيد الأم—قد يكونُ بدايةَ النهاية لتهميشِ النساء والعمل المرتبطِ بهن، كما قد يعني أنه لن يكونَ عيباً أو ينتقصَ من منزلةِ الرجولة (أو من الامتيازاتِ الطبقية) أن يشاركَ الجميعُ في العملِ المنزلي والرعائي.[2] إنَّ تثمينَ العملِ المنزلي تطرحُه بعض النسويات أيضاً كمنطلقٍ لوقفِ استغلالِ العاملاتِ في المنازلِ ومن ضمنهن العاملاتُ المهاجرات، لأنَّ العملَ الذي يثمّنه المجتمعٍ بشكلٍ فعلي يصبحُ ذا قيمةٍ أكبر أيضاً من حيثُ التعويضِ لهذه الخدمة، مادياً أو اجتماعياً. قد يكونُ وجود ُالمطبخِ في ساحاتِ الاعتصامِ ترسيخا ًلنمطية ما عن النساء وأدوارهنَ التقليدية، وقد يكونُ ترسيخا ً لشكلٍ نمطي واحدٍ من العائلةِ(الماما تطبخ والبابا ينظِّر وينظّم)، لكن لا أرى هذا يحصلُ خلالَ هذه الثورة. أرى ساحاتِ الاعتصامِ تفتحُ مساحاتٍ لمختلفِ الأدوارِ والأفعال، وتعترفُ بقيمتها(أو على الأقلّ بوجودها).

لذا كنسوياتٍ أرانا نعملُ مجدداً على أكثرِ من صعيد: نفكّكُ الصورَ النمطية، وننتبهُ أن لا يؤدي خطابُنا إلى تهميشٍ للنساء اللواتي يقمنَ بأدوارٍ تُعتبر تقليدية وخاصة (ولكن ليس فقط) اللواتي لا يتيحُ لهن وضعهُن الاقتصادي والاجتماعي بخياراتٍ كثيرة.

وبالذهاب أبعد من هذا، هل نستطيعُ أن نتخيّلَ، في ظهورِ العملِ الرعائي من خلال "المطبخِ" إلى العلن، ما قد يعنيه من خروجٍ هذا العملُ من نطاقِ العائلةِ البيولوجية إلى مجموعةٍ أكبر، مجموعة تنتمي من خلال أفكارِها وطموحهِا أو رؤيتِها السياسية وليسَ من خلال قرابةِ الدم؟ ففي تثمينِ العملِ الرعائي كمهارةٍ وممارسةٍ وعلاقاتٍ اجتماعية نتذكّرُ أن قيمتَها في أن نهتمَّ ببعضنا. أفكّر بالأخص باللواتي يحلمنَ بعائلاتٍ ومجموعاتٍ غير قائمة علـى الزواجِ وقرابةِ الدم فقط. أفكّرُ في الكويريات ولكن أيضاً في النساءِ العازبات في عمرٍ متقدّم. أفكّرُ في نفسي في مستقبلٍ ليس بعيداً جداً. كيف نعيدُ صياغةَ علاقاتٍ جديدة بيننا قائمة على مسؤوليةٍ ورعايةٍ متبادلة من دونِ استغلالٍ ومن دون قوالبَ تحدُّنا وتقلّصُ من طاقتنا في أن نعتني بأنفسِنا وبعضنا البعض.

نعم كل هذا يبدأ بتثمينِ فعلٍ "بسيطٍ" هو نزولُ أشخاصٍ، وخصوصاً نساءٌ إلى الساحةِ لتقديمِ الأكلِ لنا جميعاً خلال تظاهراتٍ واجتماعاتِ إسقاطِ النظام.

هوامش

  1. انظر مثلًا https://www.theaproject.org/ar/wages-againsthousework-federiciAr وبالانجليزية: https://www.theaproject.org/content/wages-againsthousework-federici
  2. بل هوكس كتبت مرّة عن العمل المنزلي كمسؤولية جماعية لكل من يشارك مساحة ما، بأن نهتم بما نخلفه ورائنا حين نكون في مساحة ما وان نفكّر بكيف يؤثّر وجودنا على من وما حولنا (كما تؤثر كلماتنا وافعالنا).