وثيقة:الشعر والسلطة.. حكايات السيطرة بحلاقة الرؤوس في السودان
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | رؤيا حسن |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مدى مصر |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.madamasr.com/ar/2022/03/24/feature/سياسة/الشَعر-والسلطة-حكايات-السيطرة-بحلاقة/
|
تاريخ الاسترجاع |
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدى مصر
مقدمة المصدر
ننشر هذا النص ضمن فترة التدريب والدراسة الخاصة ب«الأكاديمية البديلة للصحافة العربية»، حيث نعمل عن قرب مع كُتّاب وكاتبات من المنطقة في تطوير مهاراتهم الصحفية. الأكاديمية هي برنامج زمالة مُكثف مدته عام، يشجع على الإبداع والتفكير النقدي في الصحافة وتشرف عليه «فبراير»: شبكة وسائل الإعلام التقدمية المستقلة الرائدة في الشرق الأوسط: مدى مصر | الجمهورية | معازف | ميغافون | صوت. على مدار عامٍ كاملٍ من القراءة والنقاش والممارسة والعمل في هذه المؤسسات الصحافية، تحاول الأكاديمية تجريب واختبار مساحات جديدة وخلّاقة للسرد والتعبير، والاشتباك مع الكثير من المسلمات في سياقنا العربي، والتدرب على نهج مختلف في طرح الأسئلة والاستقصاء والبحث، ومناقشة علاقة الصحافة بالتاريخ والمكان والتراكمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
المقالة
تم الاشتباه في وجود جثمان الشهيد (ودعكر) في مشرحة مستشفى التميز منذ 25 أبريل 2021، وتواصلت المجهودات للتحقُّق من أن جثةً تحملُ ذات ملامح (ودعكر)، وترتدي ذات الملابس التي كان يرتديها لحظة اختفائه. والآن هو حليق الشَعر، وجزءٌ من شعره محشورٌ في جيب بنطاله [هي طريقة معروفة للإذلال ولتغيير ملامح الوجه، طريقة عُرفت بها الأنظمة الفاشية]؛ كل هذه الدلائل تشير إلى جريمة جنائية ارتُكِبَت في حَقِّه»
في الخامس والعشرين من مايو 2021، نشرت حملة «حماية الحق في الحياة» –التي تأسست في يوليو 2020 من مثقفين وناشطين وإعلاميين وشخصيات مؤثرة سودانية– عبر فيسبوك بيانًا بعنوان «مَن قتل ودعكر؟ ومَن يحاول إسكات الأصوات الحرة» الذي تشرح فيه فساد الأجهزة الأمنية، منددةً بتقاعس مشرحة التمييز، والإدارة العامة للأدلة الجنائية عن العمل.
يتكرر هذا الفعل والمشهد الانتقامي مع جثمان محمد إسماعيل، بحلاقة شَعره. إسماعيل هو عضو لجان مقاومة حي الجريف شرق بمدينة الخرطوم الذي تعرض للإخفاء القسري والتعذيب والاغتيال، ومعه سياسات الإذلال في جميع الجغرافيات السودانية٬ وتهين كرامة الشعوب أمواتًا كانوا أم أحياء.
يقول أحمد* ذو ال24 عامًا، وهو من ضمن المنخرطين في لجان المقاومة، إنه «في موكب 17 يناير 2022* في أشخاص قبضوهم في أماكن بعيدة عن الموكب. برضو حلقوا ليهم شعرهم حتى لو كان الواحد شعره ما كتير. طريقة الحلاقة عنيفة يعني بشيلوا أجزاء من فروة الرأس. دى طريقة بتاعت زول مغبون. أنا بسأل روحي الناس ديل بعملوا ليهم شنو عشان يفقدو الإنسانية بالطريقة دي»
يتحدث علي*٬ 31 عامًا، من الفاعلين في لجان المقاومة٬ عما حدث له في يوم فض الاعتصام، الذي يُعرف أيضًا بمجزرة القيادة العامة في 3 يونيو 2019*. يقول إنه في تلك الفترة، كان شَعره طويل، يصل إلى نصف ظهره. وعندما وصل منطقة ارتكاز حيث مجموعة كثيفة من العساكر و«تاتشرات» الجيش والمليشيات٬ اخذوا يتشاجرون مَن سيكون من نصيبه أن «يحلق له شعره»، يتذكر علي قائلًا: «سألني القائد إنت المحومك شنو؟ إنت جاى من الاعتصام؟ إنتو كفار وشيوعيين». أخبره قائد الإرتكاز أنهم سيقومون بحلق شَعره ثم يتركونه يذهب، وإذا رفض سيقومون بضربه وحلاقة شَعره بالقوة. ضَربَ العساكر علي وحُلق شَعره.
ولكن جاءت النتيجة معاكسة لتخيلات العساكر عن إذلال علي، ويقول: «ما أثرت فيني الحلاقة، ولا الاستفزاز لأن فيه ناس كانت بتموت في اللحظات دي. من اللحظة ديك لم أقم بحلاقة شعري، من فض الاعتصام لحدي هسع انا ح اربّى شعري مهما انتو عملتوا ليّ»
توثق نهلة النمر، في مقالها «الاحتجاجات السودانية تشعلها الكنداكات»، الإذلال الذي تتعرض له المتظاهرات من قِبل القوات الأمنية في 2019. تقول: «لم تُستثنى النساء من أشكال الإذلال التي استخدمتها قوات الأمن مع المتظاهرين، مثل جود طارق وعفرا تركي، ونساء غيرهما تم قص شَعرهن على يد قوات الأمن»
تناقش يوت فريفرتيس٬ باحثة ألمانية٬ في مقالها «تاريخ الذل ومستقبل كرامة الإنسان»٬ الأدوات التى تستخدمها السلطة للسيطرة والإذلال والتشهير. يمكن أن يكون حلق الرأس عقوبة مهينة ينصّ عليها القانون، ولكنها أيضًا شيء يتم إجراؤه على أنه «عدالة الغوغاء» ومن الأمثلة على ذلك آلاف النساء الأوروبيات اللاتي حلقن رؤوسهن أمام الجماهير المبتهجة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عقابًا لهن على اتصالهن بالاحتلال النازي خلال الحرب.
ولكن الأمر يتجاوز سلطة الأجهزة الأمنية. في حكايات أحمد وعلي٬ تعود علاقة شَعرهما بالسلطة الى مؤسسة المدرسة والأسرة بشكل عام. فالأمر يبدو أكثر هيكلية.
يحكي أحمد: «من أنا صغير قاعد أحب أخلي شعري كتير. مَا حصل يوم سألت نفسي ليه أنا بربّي شعري. لكن لو سُألت السؤال دا؟ بِكون لأن شعرى دا جزء من شخصيتى. بذكر من نحن صغار لازم نلتزم بحلاقة شَعر معينة وإلا ح ننضرب في طابور الصباح في المدرسة، والتعنيف المستمر من قِبل الأستاذة والأسرة. في بداية السنة الثالثة من المرحلة الثانوية لمّا رفضت أحلق شعري٬ قررت إدارة المدرسة حرماني من حضور السنة الدراسية، وأن بس امتحن الامتحانات النهائية للشهادة الثانوية، واخترت إني أقعد في البيت، وإني ما أرضخ للحاجة الدايرنها»
في السنة الأولى من المرحلة الثانوية كان أحمد ورفقاء الدراسة يتسللون من المدرسة للذهاب الى جزيرة توتي في نهر النيل الأزرق من أجل الاستمتاع والمرح حتى نهاية اليوم الدراسي. في أيام تصادفهم شرطة النظام العام. تقوم الشرطة بإخضاعهم للتفتيش والضرب وسرقة التليفونات وحلق شَعرهم بطريقة عقابية. «القصص دى بتصف رفضنا للوضع السياسي، وليه نحن هسع منخرطين في المجال العام، لأن العنف الذي واجهناه بخلينا نشكك في الأنظمة الحاكمة والانظمة الاجتماعية. بنشوف دا في قوانين معظم الجامعات السودانية فيما يخص الشَعر والمظهر. وفي المدارس أيضًا، [حلاقة] الشَعر وسيلة وأداة بتاعة قمع لا تستخدمه فقط قوات الشرطة أو الجيش أو الميليشيات، الأساتذة بيستخدموه في المدرسة أيضًا، مثلًا لو رسبت في مادة يحلقوا ليك صلعة في نص الحوش كوسيلة عقابية».
يسرد أحمد كيف فُصل مرتين من الجامعة. «المرة الأولى في 2017، كان هناك صرامة شديدة فيما يخص الشَعر والمظهر. ركبت راس مع الإدارة ومع الحرس الجامعي وعملت مخاطبة سياسية عمّا حصل ليَّ بناء على ذلك قاموا بفصلي. في الوقت دا مَا كان فيه حراك زي هسع، لذا قمت بكتابة تعهد ورجعت الجامعة. المرة الثانية بعد الثورة ظل قمع الحريات الشخصية، وعليه قدت تظاهرة في 2019 داخل جامعة الرباط الوطني». يضيف أحمد أن من أول المطالب في حراك 2019 كان منع التعدي على حريات الطلاب والطالبات، وحفظ حقهم في التعبير عن رأيهم. «بعض المؤسسات الجامعية عاوزة الطلاب والطالبات بنفس المظهر، ونفس الحلاقة بناء على متخيلهم للطالب أو الطالبة».
يحكي علي تجربته فيقول إن أول صراع حول الشَعر كان في المدرسة، حين تعرض للضرب كوسيلة عقابية / تأديبية بسبب كثافة وطول شَعره. بعد ذلك اكتشف كيف يُنمط الأشخاص بسبب هيئة شعورهم/ن. استمع الى عبارات على شاكلة «ديل ما أولاد ناس» أو «دا تشبه بالنساء». في كل مرة يلتقي فيها علي بعمه أو خاله٬ يقولان له «مربّي شَعرك زي البنات كدا».
يضيف علي أنه «عندما يرغب الأشخاص بنصحي يقولون لى ‘ياخ بتجيب الكلام لناس بيتكم’ لأن الناس اللي بتربّي شعورها بتاعين بنقو [بانجو]» أو أن «الشعر الطويل بمسك وسخ». في فترة الجامعة٬ كانت المضايقات بسبب موقع جامعة السودان بالقرب من مباني الشرطة ورئاسة هيئة العمليات [شرطة مكافحة الشغب]، وأيضًا قسم الشرطة الشمالي. يحكي علي: «كنت بالنسبة لهم مروج أو متعاطي بنقو دائمًا مُعرّض للتفتيش: تعال يا راستا يا بوب مارلي. أول حاجة بقولها لي: ‘طلع البنقو ال في جيبك’. يا جماعة أنا ما عندي بنقو. ‘لا لا نفتشك. معقولة يا راستا وما شايل ليك مدورة ما شايل ليك سيجارة داسيها؟’ التفتيش كان يطغى عليه الاستهتار وفرض سلطة أكثر من أى شئ آخر».
ذلك ما أخبر به المنظر الماركسي، لوي ألتوسير٬ في مقاله «الأيديولوجيا وأجهزة الدولة الأيديولوجية»٬ عن استخدام الدولة للأسرة والنظام التعليمي والديني والإعلامي لإعادة إنتاج الأفراد حسب تصورات الدولة وتعيد المختلفين/ات إلى القطيع.
عند الحديث إلى سعاد*٬ ذات ال25 عامًا٬ خريجة كلية التمريض جامعة الخرطوم٬ وتعمل كعارضة أيضًا والتي عانت بسبب ضغوط مارستها عائلتها عليها حتى تفرد شعرها، وذلك لاختزال الجمال في المعايير الأوروبية التي تعلي من الشعر الأملس المفرود. وهو ما عرّض سعاد للكثير من المضايقات؛ فقد طُردت من محاضرة في السنة الدراسية الثالثة من كلية التمريض، وتحكي: «أول ما أنا داخلة القاعة، أشارت [الأستاذة محاضرة] لي ‘إنتي بتدرسي معانا؟’ وبعدبن تابعت ‘أيوا إنتي الكنتِ لابسة لبسة كعب’ كنت لابسة تيشيرت قالت لى: ‘اطلعي من المحاضرة’. قلت ليها ليه أطلع من المحاضرة؟ أجابت: ‘عشان شكلك غريب و شاذ». ثم تطور الأمر بين سعاد والأستاذة إلى تخيير الأخيرة طلاب الدفعة بين إخرج سعاد من المحاضرة أو حرمانهم منها. تكمل سعاد: « قالت لي: ‘شوفي القاعة دي كلها فيه زول بشبهك’، وبعدين وجهت الكلام الى القاعة، ‘الزولة دى مَن دخلت هى شكلها كده، نحن في تمريض مافي زولة ناكشة شعرها’».
تذكر كلمات سعاد بمقال النسوية الشاعرة، أودري لورد، « ألا يزال شعرك سياسيًا» الذي يقول: «وجدت مثالًا آخر لاستخدام السود كأداة إدانة لسود آخرين، مستخدمين أسلحة أعدائنا ضد بعضنا، بأن نحكم على بعضنا وفق لون بشرتنا، وتصميم أزيائنا، وطريقة تصفيفنا لشعورنا. إلى متى سنسمح لأنفسنا كنساء سوداوات بأن نُستخدم كأدوات قهر ضد بعضنا؟ على جزيرة كاريبية سوداء، نظرت امرأة سوداء إلى وجه امرأة سوداء أخرى ووجدتها غير مقبولة. ليس بسبب شيء فعلته، وليس لمَن تكون [هي]، ولا حتى بسبب ما تعتقد فيه. ولكن بسبب مظهرها. ما الذي تعنيه ممارسة السود لهذا النوع من كراهية الذات تجاه بعضهم؟»
تخبرنا لورد أيضًا عن تجربتها في نفس المقال متسائلة عن وجودها كمرأة سوداء «هل أنا في ألمانيا النازية؟ إسبانيا الفاشية؟ جنوب إفريقيا العنصرية؟ واحد من هذه الأماكن حيث لعقود طويلة أقصى البيض السود بسبب مظهرهم؟ ولكن لا، لقد كانت امرأة سوداء في الكاريبي هي مَن تخبرني أنني لست مقبولة كسائحة في بلادها، ليس لأي شيء فعلته، ولا حتى بسبب مَن أكون، ولكن بسبب الطريقة التي أصفف بها شعري».
من خلال أحاديث أحمد وعلي وسعاد٬ نستعيد وصف المُنظِّر فرانز فانون عن أيدي الاستعمار التي تقف وراء هذا النمط من التحكم في الجسد: «أن غالبًا ما ينقش المُسَتعمِر في الذات المُستعمَرة أفكار التخلف ونقص التعاطف والعقلانية. وبالتالي، ينزع المستعمِر الإنسانية عن الذات المُستعمَرة لدرجة أنه ‘يحوله إلى حيوان’. ومن ثم يُصبح من الطبيعي أن ينشر المُستعمِر العنف في السياق الاستعماري، لأن الذات المُستعمَرة مجردة من الإنسانية ولن تستجيب لأي شيء آخر»
سعاد دائمًا ما تُلاحق بعبارات التنميط الجندري بسبب شكلها حيث تصف بالولد أو/و بالمثلية بسبب حلاقة شعرها، تقول إن الأمر تصاعد أثناء فترة الاعتصام مع أفراد الجيش والمليشيات وفي المواكب / المظاهرات عليه تضطر الى لَبس الطُرح رغم أنها غير محجبة تفاديًا لأي مضايقات أو تحرش وعنف. كما تتذكر سعاد قصة قيامها مع أصدقاء آخرين برحلة ترفيهية إلى جبل مرة، وعند وصولهم مناطق التفتيش كان الشرطي يحدق فيها بشدة، ولم يكتف بتفتيش الأوراق فقط بل ترصدها، عن هذه الواقعة تقول: «فتش العربية وشنطتي، وبعدها قال ‘عاوز أفتش الزولة دي بالذات شاكك فيها’». وقبلها «وُصفت في الجامعة بالكافرة، رغم إن دا شعري بحررنى لأن دا اختياري، وقاعد يعزز ثقتي في نفسي ويصالحنى مع ذاتي» تحكي سعاد.
هوامش
- أسماء مُستعارة.
- دعت إلى هذا الموكب لجان المقاومة، وطالب فيه المتظاهرون/ات بإسقاط انقلاب عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، ولجنتهما الأمنية، وعودة العسكر للثكنات، وقيام الحكم المدني.
- في الثالث من يونيو 2019 اقتحمت قوات مسلحة تَتبع للمجلس العسكري، وبدعمٍ كبيرٍ من ميليشيات الدعم السريع، منطقة اعتصام الثورة٬ وقُتل أكثر من 100 متظاهر وسقط مئات الجرحى.