وثيقة:الفاشية نموذجًا - لماذا نعتبر تمرد المرأة مرضًا نفسيًّا؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
العنوان الفاشية نموذجًا: لماذا نعتبر تمرد المرأة مرضًا نفسيًّا؟
تأليف جنان الهاملي
تحرير غير معيّن
المصدر منشور
اللغة العربية
تاريخ النشر 2017-08-21
مسار الاسترجاع https://manshoor.com/people/state-corrects-deviancy-women-mussolini/
تاريخ الاسترجاع 2017-11-08
نسخة أرشيفية https://archive.fo/HTQ14



قد توجد وثائق أخرى مصدرها منشور



مقدمة

قد لا تستغرب أبدًا حين تسمع عن محاولات المجتمع لتصحيح ما يراه إخلالًا بالآداب العامة، خصوصًا حين يخص الموضوع امرأة أو فتاة، لكن حين تُسخِّر الدولة منشآتها ومواردها وطاقاتها البشرية لذلك، فهذا ما قد يدعوك إلى القلق.

في عالمنا العربي، تنتشر دور رعاية الفتيات لأسباب عديدة تدور في مجملها حول قضية الانحراف الأخلاقي، سواء كان واقعًا أو تحمل الفتاة بوادره، وفي السعودية مثلًا، تستقبل مؤسسة رعاية الفتيات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الفتيات حتى سِن 30 عامًا.

تناقلت وسائل الإعلام العالمية في يناير الماضي قصة فتاة أيرلندية زارت عيادة طبيب لإجراء عملية إجهاض، فرأى الطبيب أن ما تريده غير سوي وحوَّلها إلى الطب النفسي، حيث شُخِّصت بالاكتئاب وبأن لديها ميولًا انتحارية، وحُبست على إثر ذلك عدة أيام قبل أن يأمر قاضٍ بإطلاق سراحها.

تشير الشواهد التي بين أيدينا إلى أن تجربة دخول مؤسسات الدولة التأهيلية تخلِّف وصمة عار على جبين المرأة، وإلى أن المجتمع اللاتي عشن فيه سابقًا لا يرحب بعودتهن. ومن بين النساء اللاتي عشن في تلك المؤسسات، لا زالت المرأة السعودية تضطر إلى الانتظار كي يُخرجها أحد [[أقربائها الذكور، بعد أن تقرر الدولة أنها صالحة للعيش في مجتمعها مرةً أخرى.

وفي الأردن، تُسجن النساء تحت مسمى «الوقف الإداري»، في حال رأت المحكمة أنها معرضة للخطر من عائلتها، ولا تخرج حتى تقبل أسرتها عودتها إلى المنزل، وهو ما يعني سنوات طويلة خلف أسوار هذه المؤسسات الإصلاحية لبعض النساء السعوديات والأردنيات.

ليس هذا الميل عند الدولة إلى تصحيح ما تراه مخلًّا في سلوك المرأة أمرًا جديدًا، فإيطاليا الفاشية كانت لها تجربة طويلة في وصم نساء صحيحات تمامًا بالمرض النفسي لمجرد أنهن أظهرن بعض ملامح التمرد، وكانت هذه التجربة موضوعًا لمقال منشور على موقع «Vice».


تجربة الفاشية في تصحيح «انحراف المرأة»

فكرة تصحيح الدولة ما تراه «انحرافًا» في المرأة هو ما دعا الباحثين «آنا كارلا فاليريانو» و«كوستانيتو دي سانتي»، من جامعة تيرامو في إيطاليا، إلى بدء مشروع معرض متنقل يُعنَى خصيصًا بنزيلات مصحة «سانت آنتونيو أباتي» الإيطالية خلال فترة الحكم الفاشي (بين 1922 و1943)، وحاورتهما كاتبة المقال بشأن هذا المعرض والاكتشافات التي ألهمته.

كانت فالاريانو قد لاحظت بعد دراسة أرشيف 22 ألفًا من نزلاء المصحة في تلك الفترة أن أعداد النساء بينهم كبيرة، وأغلبهن شُخِّصن بـ«الانحراف»، وأثمرت هذه الدراسة كتابًا بعنوان «تاريخ مصحات تيرامو»، بدأ بعده الباحثان في العمل على المعرض المتنقل الذي يعرض سجلات طبية للنزيلات وصورهن الشخصية، وكذلك رسائلهن التي كتبنها إلى أقاربهن ولم يُكتب لها الخروج من أسوار المصحة.

كانت الصور ذات أهمية كبيرة، فقد اعتمد الأطباء في تشخيصهم لمرضاهم على النظرية الوضعية التي كانت رائجة وقتها، وتنص على إمكانية معرفة إذا كان الانسان مجرمًا أو مريضًا عقليًّا عن طريق النظر إلى أبعاد جمجمته وحجم عظمتي وجنتيه وموقع عينيه، واستُخدمت الصور كذلك لمعرفة من حاول الهرب.


النموذج الحديث للمرأة والرجل في إيطاليا الفاشية

في عام 1774، كتب الفيلسوف التنويري «ميلكيوري ديلفيكو»، ابن مدينة تيرامو، عن حقوق المرأة كزوجة وربة بيت، وطالب بتعليمها، إلا أنه وضع سُلطة تطبيق هذه الحقوق في يد الرجل. ومنذ ذلك الوقت وحتى قيام الدولة الفاشية، يبدو أن النظرة العامة إلى المرأة الإيطالية لم تتغير بسبب حضور الكنيسة الطاغي في الحياة اليومية.

أدرك موسويلني هذه الحقيقة، فوظف السُّلطة الكنسية لصالحه في ما يخص نظرته إلى الوضع النسوي، رغم اختلافه مع الكنيسة في كثير من الأمور الجوهرية.

كان موسوليني مهووسًا بتطبيق نموذجه عن المرأة والرجل في الدولة، إذ كان يرى أن جنس المرأة أقل قدرًا من الرجل، وأن المرأة إما ملاك أو شيطان، وقد «خُلقت لتكون ربة منزل، وتنجب الأطفال لزوج خائن».

هذه النظرة الدونية إلى المرأة من أقوى رجل في الدولة أدت إلى ظهور فكرة «نموذج الذكورة تحت الحكم الفاشي»، الذي أصبح مصطلحًا رائجًا في ذلك الوقت، ويُلاحَظ استخدامه المتكرر في البروباغندا التي تدعو المرأة إلى لعب دورها المنوط بها من قبل الدولة والكنيسة.


تشخيص أم اتهام؟

كانت مَن تراها الدولة «أُمًّا منحطة» تُرسَل إلى مصحة مثل سانت أنطونيو أباتي، لتُعالج من اكتئاب ما بعد الولادة، أو من عدم رغبتها في إنجاب أطفال أكثر، لأن هذه الأم لا تمثل صورة الزوجة المثالية مثلما رآها موسوليني، الذي أراد أن يزيد عدد الإيطاليين من 40 مليونًا حين تولى مقاليد الحكم إلى 60 مليونًا في خمسينيات القرن الماضي، حتى أنه أقرَّ مساعدات مالية للأم التي لديها سبعة أطفال أو أكثر على قيد الحياة.

تقول فاليريانو إن أكثر مَن وُضعن تحت خانة «الأمهات المنحطات» كُنَّ نساء يعملن في الحقول ليُعِنَّ أزواجهن على تحمل مسؤولية الأطفال، الذين قد يصل عددهم إلى 14 طفلًا، بالإضافة إلى مسؤولياتهن الأخرى التي يزيدها الفقر الشديد والمجاعة هَمًّا، ممَّا يجعل المرأة عاجزة عن إنجاز مهامها التي وضعتها الدولة.

ورغم أن الدولة نظمت عمل بيوت الهوى لإيمانها بأهميتها للرجال المتزوجين، فإنها رأت المشكلة كامنة في بعض من يعملن هناك بسبب رفضهن الإذعان الكامل لزبائنهن، وكان الحل تطويع ما رأته الدولة نزعة متمردة في المصحات العقلية.


أساليب علاج «الانحراف» النسائي

تروي السجلات الطبية والرسائل التي كتبتها النزيلات إلى أقاربهن حكايا مروعة عن الحبس والتجويع، وغير ذلك من أنواع الإيذاء الذي تعرضن له. وتذكر فاليريانو أن الأمراض العقلية في ذلك الوقت كان تُعتبر خللًا عضويًّا، وكان من أكثر سُبُل مداواتها شيوعًا العلاج المائي، الذي تُغسل فيه النزيلة مرارًا بالماء الساخن ثم البارد، ومن طُرُق العلاج المتبعة كذلك ما عُرف بعلاج الراحة، الذي تُقيَّد فيه النزيلة إلى فراشها لفترات طويلة.

انتشر في العهد الفاشي العلاج بالصدمة الإنسولينية، الذي يعتمد على حقن الشخص بجُرعات هائلة من الإنسولين حتى يدخل في غيبوبة، ويحدث هذا يوميًّا لعدة أسابيع، واستخدم الأطباء كذلك علاج الصعق الكهربائي، وحقن المريضة بمرض الملاريا حتى ترتفع درجة حرارتها بصورة عالية، على أمل أن تدخل في حالة سُبات.

كان على النزيلات اللاتي رأى الأطباء أنهن صالحات للانخراط في المجتمع مجددًا أن ينتظرن أحد أقرابهن لاستلامهن من المصحة، وهو ما عنى الموت داخل أسوار المصحة بالنسبة إلى كثيرات، لأن وجود فرد من الأسرة في مصحة عقلية كان مصدرًا للعار. أما من استلمها أهلها لتبدأ حياتها من جديد، فإن فرص عودتها مرةً أخرى، خصوصًا مع سهولة التشخيص، كانت شديدة الارتفاع.

من المُستغرب أن الدول ما زالت تسخِّر طاقاتها البشرية والمادية حتى اليوم في سبيل جعل المرأة تتبع نموذج «الأنثى المثالية»، وهو ما لم يختلف كثيرًا عن نموذج المرأة الإيطالية الجديدة الذي وضعه موسوليني وسعى لتطبيقه. فهل تعترف الدولة والمجتمع أخيرًا، بعد فشل التجربة الفاشية، باستحالة تشخيص وتصحيح «الانحراف» المُتوهَّم عند المرأة؟