وثيقة:لماذا يهدد الإجهاض الآمن حكومات البلدان العربية؟
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | غدير أحمد |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | شريكة ولكن |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.sharikawalaken.media/2021/09/28/لماذا-يهدد-الإجهاض-الآمن-حكومات-البلد/?fbclid=IwAR0bm047gKGoBmgnk0DybSPWYCPpP3iCnmPkNo96x8tStxC0JqKCTpaTYbo
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.is/Fknxl
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها شريكة ولكن
إنهم يخدعوننا يا عزيزتي. يقولون إننا نأتي بالحياة من أرحامنا كي نغفل عن أجسامنا التي تمزقها تلك الحياة في الخروج. يرسمون لنا صورة الأم منذ أن كنا نمتص الحياة ذاتها من أثداء أمهاتنا.
الأمر أشبه بوردية في مصنع؛ رحم يُسلِّم الآخر، وثديٌ موصول بآخر.
وبين الآخر الأول والآخر الأخير نساء رفضن الاشتراك في اللعبة.
عُرفت مؤسسة العائلة أو الأسرة النووية على مدار قرون بأنها نواة المجتمعات الحديثة. تلك التي تخطّت المراحل البدائية للتاريخ الإنساني ودخلت حيّز الحضارة.
والحضارة هي الفاصل بين تجمعاتٍ بشرية قامت على الأعمال البسيطة كالزراعة والصيد وتمتعت فيها النساء بملكية أجسامهن، وأخرى قائمة على الأنشطة المُعقدة كالصناعة وسحبت من النساء هذه الملكية. تُضيف النسويات أن هذه النقلة بين البدائية والحضارة، صاحبها ظهور لفكرة الملكية الخاصة: امتلاك الرجال الأراضي وقوة العمل وأجسام النساء.
تتكون العائلة من رجل وامرأة وأطفال. هي مؤسسة اجتماعية حصرية على الأفراد مُغايري/مُغايرات الجنس. وتُعيد إنتاج تلك الهويات الاجتماعية والميول الجنسية مرةً أخرى بالإنجاب وتعليم الأطفال كيف يكونون ذوي/ذوات هويات اجتماعية مقبولة ومُنتجة.
تتلخص فكرة الإنتاج هنا في أمرين. الأول: إنجاب النساء داخل العائلة ورعاية الأطفال. والثاني: التحاق هؤلاء الأطفال بالقوة المُنتجة، على أن يعمل الرجال خارج المنزل وتعمل النساء داخله، وهكذا. لم يكن ظهور العائلة الغيرية والملكية الخاصة أمراً مُنعزلاً عن ظهور الرأسمالية كنظامٍ اقتصادي سياسي واجتماعي استغل عمل الرجال خارج المنزل لتحقيق فائض ربح. وعمل النساء الإنجابي لاستمرار وجود العمالة وضمان بقاء المجتمعات الحداثية في خدمة هذا النظام. لضمان بقاء هذا النظام، كانت مؤسسة العائلة الغيرية حجر الأساس في السيطرة على أجسام أفرادها وهوياتهم/ن الاجتماعية. فلم يكن هناك متسعاً لهويات اجتماعية غير الثنائية: رجل-امرأة. أو لميولٍ جنسية يُعتقد أنها غير مُنتجة لقوة عمل، كالمثلية. وكانت السيطرة على أجسام النساء داخل العائلة أمراً هاماً لاستمرارها. فسُحبت من النساء ملكية أجسامهن وأُعطيت إلى رجال العائلة. وُصمت النساء وتعرّضن للعنف لو مارسن الجنس من دون زواج. ووصمت النساء اللواتي امتنعن عن الإنجاب. وتم الاحتفاء بالمُنجبات (ذوات الأرحام المنتجة)، واُنتقصت من إنسانيتها كل امرأة غير مُنجبة لأسباب بيولوجية. من هنا جاء تقديس الإنجاب وما يُعرف اجتماعياً بالأمومة واعتبارها كيان النساء الوحيد ووسيلة تحققهن وقبولهن الاجتماعي. ومن هُنا أيضاً، تم نبذ المُجهضات ووصم الإجهاض.
لماذا تُجرم حكوماتنا الإجهاض الآمن؟
العائلة الغيرية ليست مؤسسة اجتماعية فقط، إنما اقتصادية وسياسية أيضاً. والبلدان العربية جزء من تاريخ إنساني استغل أجسام النساء وعنّفها. بينما لعب الاستعمار في تاريخنا العربي دوراً في نَقل تقديس العائلة الغيرية إلى مجتمعاتنا، التي كانت مستعدةً لهذا النوع من التقديس. أشياء مثل استعارة قوانين العقوبات والدساتير التي تنص على أن الأسرة نواة المجتمع من المستعمر، تم اعتمادها في بلداننا منذ فترات الاستعمار وحتى الآن.
وبينما تخلّصت غالبية دول الاستعمار من هذه القوانين، أبقت حكوماتنا المتعاقبة عليها وروجت أن ما يميزها عن المجتمعات الغربية هو تقديسها للأسرة. والأسرة كما وضحنا سلفاً، قائمة على السيطرة على أجسام النساء. لعل تجريم الإجهاض واحد من أبرز الأمثلة على ذلك.
القوانين ولوائح الجزاءات العربية تُجرّم الإجهاض لأنها تعتقد أنها بذلك تضع رادعاً أمام النساء لعدم ممارسة الجنس من دون زواج. وبذلك، تعتبر الإنجاب عقاباً. أما في حالة المتزوجات، تعتبر المُجهضة رافضة لهبة الأمومة. لم يقتنع المشرع العربي أبداً أن هناك أسباباً تجعل النساء غير راغبات في الإنجاب: منها الوضع الاقتصادي والعنف الأسري، ومنها الرغبة الحرّة. الأمومة في هذا السياق أمومة إجبارية. ولأن الجميع يقدس الأم، فإن شعور المُجهضة بالذنب قد يدفعها إلى استكمال الحمل. وقد يُجبرها الزوج. يعتبر المشرع العربي أن الإنجاب أمر حتمي بعد ممارسة الجنس. وبالتالي، هناك لوم دائم للنساء اللواتي يرغبن في الإجهاض: “إذا لم ترغبي بالحمل، فلا تمارسي الجنس”. يأتي هنا دور الجهل بقضايا العدالة الجنسية والإنجابية. فالمُشرع العربي لا يعترف بحقيقةٍ طبية، هي أن وسائل منع الحمل غير فعالة بنسبة 100% وأن الحمل مع استخدام هذه الوسائل أمر وارد. كما أن هناك نساء يحملن بسبب اعتداءٍ جنسي، وعدم إتاحة وصولهن إلى الإجهاض الآمن يعتبر اعتداءً آخر.
وجدير بالذكر أن قوانين العقوبات في البلدان العربية تجرم الإجهاض حتى في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو عن زنا محارم- اعتداء جنسي من رجال الأسرة، فيما عدا تونس. في المغرب، طُرح تعديل قانوني لإباحة الإجهاض في هذه الحالات، إلا أن القوى المحافظة اعترضت ولم يتم تمريره.
تعتقد الحكومات العربية أن تجريم الإجهاض سيمنع النساء من ممارسة الجنس من دون زواج. وفي هذا السبيل، تسحق كل احتياج لأي امرأة أخرى تسعى إلى الإجهاض من دون أن يكون الحمل حدث خارج إطار الزواج، وتنتهك حقها في الوصول للرعاية الطبية. هذا الهوس بالأسرة وإجبار النساء على الإنجاب تحت أي ظرفٍ بتجريم الإجهاض، لم يدفع المشرع العربي إلى استحداث قوانين تسمح لهؤلاء النساء على الأقل بتسجيل المواليد بأسمائهن. بل إن غالبية المُجبرات على الإنجاب من دون زواج، إما يؤخذ منهن الأطفال عنوةً كما في ليبيا. أو يتم تسجيلهم/ن باسم الجد والجدة للأم، كما في مصر. أو حتى يترك الرضع فور الولادة في مكانٍ عام والهروب، كما حدث في الإمارات قبل سنوات.
الإجهاض يهدد استمرار الأسرة .. والحكومة أيضاً
لنترك حالات الحمل الناتج عن اغتصاب بما فيها الاغتصاب الزوجي والاغتصاب من المحارم جانباً. ونغوص قليلاً في فلسفة تجريم الإجهاض في المنطقة من منظور الحفاظ على الأسرة واستمرار مؤسسة العائلة ذات المنفعة الاقتصادية والسياسية للحكومات.
على الرغم من تجريم الإجهاض، لم تتوقف النساء (متزوجات وغير متزوجات) أبداً عن ممارسته حتى أثناء تعرضهن للموت والعداوات والمضاعفات الطبية والاستغلال المالي والابتزاز الجنسي. عندما تمارس النساء الإجهاض، تتجاوز الممارسة تحدي القانون وتصل إلى تحدي فلسفة وضعه في الأصل: استمرار العائلة الغيرية.
في حالة المتزوجات، تلجأ غالبيتهن إلى الإجهاض دون إخبار الشريك حتى لا يتم إجبارها على استكمال الحمل. وبعضهن تتعاون مع شريكها لإتمام الإجهاض بشكلٍ غير قانوني. وبذلك تتحدى الفكرة المتوارثة عن أن أدوار النساء محصورة فقط في الإنجاب- وهي الفكرة التي تستمد منها مؤسسة العائلة بقاءها. لا تعتبر نفسها أداة إنتاجٍ اجتماعي: رحم مُنجب. ولا تعتبر نفسها مُجبرة على الأمومة لتتحقق اجتماعياً. وقد يكون سبب الإجهاض هو وعيها بقدرتها المحدودة على الاعتناء بطفل، في بلدانٍ تخلو تماماً من أي نظامٍ اجتماعي وقانوني يُعين النساء على أدوار الرعاية القابعة على رؤوسهن دون الرجال.
أما في حالة غير المتزوجات، فتهديد العائلة الغيرية أوضح. في مجتمعاتنا، لا يسمح للنساء بممارسة الجنس. والقوانين تُعاقبهن على ممارسته. لكنهن يمارسنه، بل ويرفضن أن يُعاقبن عليه باستكمال حملٍ غير مرغوبٍ به. هؤلاء استعدن جزءاً أصيلاً من ملكية أجسامهن التي سلبتها منهن العائلة الغيرية كمؤسسة اجتماعية وصدقت على هذا الاستيلاء بقوانين مجحفة تحول بين النساء وبين حرية تقرير مصائرهن في أجسامهن. هذا التحايل على القانون، كان تحايلاً على الأسر التي نشأن فيها: الأب والأم والمجتمع الصغير الذي تعيش فيه المُجهضة. فقبول ممارسة النساء للجنس من دون زواج، شبه معدوم. وبالتالي، ممارسة الجنس من دون زواج هُنا، هي في الأساس خروج عن معايير استمرار العائلة الغيرية المُتحكمة في جنسانية النساء وأجسادهن لوجود الرحم بداخلها. الرحم المُنجب هو أداة إنتاج لم تتخلَ عنها المجتمعات الإنسانية منذ بدء ما يُسمى بالحضارة. أداة إنتاج تمت الهيمنة عليها وتقييدها للصالح الأكبر: الأبوية والرأسمالية. ومن المهم أن نتذكر النساء اللواتي حملن خارج إطار الزواج وأردن استكمال الحمل لكنهن لم يقدرن على ذلك بسبب الوصمات الاجتماعية التي ستلاحقهن وأطفالهن في المجتمعات العربية التي تعتبر أجسام النساء مرادفاً للشرف، وبسبب القوانين التي لا تسمح بالإنجاب إلا في إطارٍ رسمي. أي أن الأرحام أدوات إنتاج، لكن في إطارٍ وحيد: الزواج.
عندما تمارس النساء الجنس من دون زواج، يستعدن ملكية أجسامهن. وعندما يمارسن الإجهاض، يؤكدن على هذه الملكية بأكثر الطرق خطورة على حيواتهن. فمجتمعاتنا تقتل النساء إذا شكت في سلوكهن كما يحدث في فلسطين والأردن ومصر وغيرها من بلدان المنطقة. فكيف سيكون الوضع لو أنهن مارسن الجنس بالفعل؟ تلك مقاومة نسوية بمعناها الراديكالي: استعادة الجسد واستعادة الرحم.
جدير بالذكر أننا لا نضيف طابعاً رومانسياً وبطولياً على ممارسة الإجهاض. لكننا نفكك ما تعنيه ممارسة بعينها خارج إطار القانون والموروث الثقافي في بلداننا ذات السياقات العنيفة تجاه النساء وأجسامهن.
فهذه مقاومة تواجهها حكوماتنا بعنف مباشر بالتجريم ووقوع النساء المُجهضات تحت طائلة القانون. وعنف غير مباشر، بتعريض حيواتهن إلى الخطر في عيادات الإجهاض غير المجهزة طبياً وبشكلٍ غير قانوني والتي تجعل من ممارسة الإجهاض تهديداً لحياة المُجهِضة. بهذا النوع من العنف، تنتهك الحكومات العربية حقوق النساء في الرعاية الصحية الذي يعتبر انتهاكاً لحقوق المواطنة. فاستمرار العائلة الغيرية هو استمرار للنظام الاجتماعي والسياسي بأكمله حتى لو دفعت النساء الثمن غالياً من أجسامهن وأمنهن وسلامتهن الشخصية.