وثيقة:منهجيات الأرشيف البديلة: الأرشيف النسوي نموذجا
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | هدى الصدة |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | المجلس العربي للعلوم الاجتماعية |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | http://www.theacss.org/pages/fora-and-debates/857/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.fo/ZC0jp
|
عقدت في 14-15 ديسمبر 2018 مجموعة العمل حول الممارسات النقدية التابعة للمجلس العربي للعلوم الإجتماعية "ملتقى الممارسات الأرشيفية البديلة" في بيروت. وفي سبيل توسيع النقاش ومشاركة الأفكار التي عرضت في خلال الملتقى مع شريحة أوسع من الناس، ننشر في ما يلي مداخلة الدكتورة هدى الصدة بعنوان "منهجيات الأرشيف البديلة: الأرشيف النسويّ نموذجًا" في خلال هذا المنتدى. الصدى هي إحدى مؤسسي مؤسسة المرأة والذاكرة، وترأس حاليًّا مجلس أمناء المؤسسة.
يسعدني المشاركة في هذه الندوة حول الممارسات الأرشيفية البديلة، وذلك من خلال عرض تجربة مؤسسة المرأة والذاكرة في بناء أرشيف نسويّ للنساء في مصر والعالم العربي.
مؤسسة المرأة والذاكرة هي مؤسسة بحثية نسوية. البداية كانت عام 1995 في شكل مجموعة بحثية نسوية اضطلعت بمهمّة ما أسمته المجموعة إعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي من وجهة نظر المرأة، وإنتاج معرفة بديلة داعمة لحركة تحرير النساء على اعتبار أن التراث المعرفي يشكل العمود الفقري للحركات الاجتماعية الداعية إلى التغيير أو التي تسعى إلى إعادة ترتيب علاقات القوة بين أطراف المجتمع من أجل تحقيق العدالة. وبالتدريج وعلى مدار ما يقرب من ربع قرن، تطور عمل المجموعة وتضمّن: القيام بأبحاث، نشر الكتب، عقد مؤتمرات وورش عمل، ترجمة كتب متخصصة في دراسات الجندر، تنظيم دورات تعليمية في دراسات الجندر في الجامعات.
كما تضمن عمل المرأة والذاكرة إنشاء أرشيف نسويّ للنساء في مصر والعالم العربي في إطار مشروع ثقافي نسوي يسعى إلى تأصيل ونشر الدراسات النسوية في العالم العربي بهدف إنتاج معرفة بديلة داعمة للمدافعات والمدافعين عن حقوق النساء من أجل تحقيق العدالة .
يتكون أرشيف المرأة والذاكرة من أربع دعائم أساسية:
- مكتبة متخصصة في دراسات الجندر تحتوي على الإنتاج المعرفي في هذا المجال المنشور باللغة العربية، والأدبيات محدودة التداول التي صدرت في العالم العربي، وهي المنشورات والكتب وأعمال المؤتمرات التي تشكل الإنتاج المعرفي الثري جدًّا في مجال دراسات المرأة والجندر باللغة العربية.
- أرشيف صحف ومجلات، صور، أفلام ذات صلة بقضايا الجندر.
- الأوراق الخاصة لنساء مصريات.
- أرشيف التاريخ الشفوي للنساء المصريات.
هل أرشيف المرأة والذاكرة أرشيف بديل؟ ولماذا؟
يطرح موضوع الأرشيف النسوي وإنتاج المعرفة البديلة مجموعة من الأسئلة حول ماهية الأرشيف النسوي وعن المقصود بالمعرفة البديلة. هي أسئلة معرفية وسياسية في الأساس. وربما تتلخص في سؤال أولي وهو: ما هي المعرفة البديلة؟ أو ما هي معايير تعريف المعرفة الجديرة بأن تحفظ وتوثق؟ ومن يحق له تحديد تلك المعرفة؟
من الأفكار الشائعة عن الأرشيفات الرسمية أو الوطنية أنها تعبر عن الذاكرة الجماعية وتحافظ عليها. وفي المقابل، تتجه الدراسات النقدية الحديثة في مجال الأرشيفات إلى تفكيك بعض المسلمات عن الأرشيف بوصفه مستودعًا محايدًا للتاريخ وتقارب الأرشيف، والأرشيف الرسمي على وجه الخصوص، بوصفه أداة من أدوات السلطة التي تسعى إلى فرض سردية أحادية وتحييد الصراعات الفكرية حول التاريخ، حول معنى الأحداث، أو حولالروايات المتعددة عن حقبة تاريخية معينة، أو حول اليومي والروتيني الذي يشكل الديناميكية التاريخية ويلقى الاهتمام بفاعلين في المسار التاريخي وأحداث لا يتضمنها الأرشيف الرسمي. إن الأرشيفات لا تحافظ على الذاكرة فحسب ولكنها تصنع الذاكرة، وممارسة السلطة هي فعل يومي للقائمين على الأرشيفات.
ما هي مكونات الأرشيف الذي ينتج معرفة بديلة؟ أو ما هو نوع وشكل المادة التي يمكن حفظها أو يجب حفظها؟
الأرشيف، أي أرشيف، يضطلع بالضرورة في تشكيل روايات تاريخية عن أحداث أو حقب تاريخية أو مجموعات معينة من الناس. ومن ثم، فالأرشيف يؤدي دورًا أساسيًّا في الصراعات السياسية حول الذاكرة الجماعية. ومن هذا المنطلق، نجد أن بناء الأرشيفات تحول في كثير من الحالات إلى فعل من أفعال المقاومة في مواجهة سلطة معرفية سائدة تقصي الآخر أو المختلف أو الأضعف. من الأمثلة على ذلك أرشيفات التاريخ الشفوي للمواطنين الأميركيين من أصول أفريقية في الولايات المتحدة الأميركية، أو أرشيفات النساء في مختلف الدول. المعرفة البديلة تعرف بمغايرتها للمعرفة التي تحتويها الرواية الرسمية المهيمنة التي عادة ما تكون رواية إقصائية أو منقوصة. لكن، كيف نتوصل إلى تلك المعرفة البديلة الغائبة عن الأوراق الرسمية؟
نجحت الباحثات النسويات في القيام بعملية تنقيب واسعة عن مصادر تاريخية أهملها المؤرخون في المجالات كافة وعثروا على مطبوعات ووثائق مغمورة. فمثلًا، في مجال الأدب، عثرت النسويات على روايات وأعمال أدبية لكاتبات تم تهميشهنّ فقمنَ بإعادة نشرها وقراءتها ما أدى إلى إعادة كتابة تاريخ الرواية في إنجلترا مثلًا. لدينا قصة مماثلة في الأدب العربي وآداب أخرى.
أيضًا، كان التاريخ الشفوي من أهم السبل التي اتبعتها الباحثات النسويات في عملية بناء مصادر تاريخية بديلة مثلهنّ مثل مجموعات اجتماعية أخرى تم تهميشها في السردية التاريخية الرسمية، الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية مثالًا، أو جماعات إثنية الخ.
تجربة المرأة والذاكرة في بناء أرشيف نسوي طرحت علينا أسئلة وتحديات حاولنا مواجهتها:
مثلًا: هل يقتصر الأرشيف النسوي على وثائق تاريخية وروايات شفوية فحسب؟ وماذا عن أشكال التعبير المتنوعة؟ وهل من الممكن بناء أرشيف معبر عن الأحداث لا يتضمن الشعر أو الفن التشكيلي أو الأغاني، والأفلام والفيديوهات الخ؟ وماذا عن أشكال التعبير العابرة، مثل المناقشات على وسائل الاتصال الاجتماعي؟ أو تلك التي تعبر وترصد مشاعر وحواس أخرى بجانب ما هو مرئي أو منطوق؟ وماذا عن أشكال التعبير الزائلة، التي قد يكون من خصائصها الفناء وعدم الثبات، مثل الجرافيتي. وهل يمكن الحديث عن الأرشيف الزائل؟
ما هي خصائص الأرشيف النسوي؟ أو ما هي نقاط تميزه عن الأرشيفات بشكل عام؟ وهل يقتصر على ما يتعلق بالنساء؟
يثير الأرشيف النسوي أسئلة معرفية اشتبكت معها الباحثات النسويات عن ماهية الدراسات النسوية، مثلًا: هل توجد مناهج بحث نسوية؟ هل توجد نظرية نسوية؟ هناك شبه إجماع على أن النسوية نظرية معرفية تعيد تشكيل ماهية المعرفة، أو المعرفة التي تعدُّ جديرة بأن تعرف. وما هي خصائص من يقوم بتحديد معايير الجدارة تلك؟النظرية المعرفية النسوية تنطلق من افتراض أساسي وهو أن على مدار التاريخ، ولأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها هنا، تم إقصاء النساء من العملية المعرفية وتهميش أصواتهن، ومن ثم تحولت حيوات النساء ومساهماتهن إلى أفعال هامشية أو أفعال ليست جديرة بالتدوين والحفظ. جاءت النظرية المعرفية النسوية لتعيد تعريف ماهية المعرفة الجديرة بالحفظ والاهتمام وذلك من خلال تسليط الضوء على حيوات النساء واهتماماتهن.
على هذا الأساس، فالأرشيف النسوي يحكي الرواية التاريخية مع الأخذ في الاعتبار عنصر الجندر كأداة تحليلية، أي أنه يشمل وجهة نظر النساء وحيواتهن، ومن ثم فهو يتضمن مادة ووثائق عن النساء كما الرجال، عن الحياة والسياسة وطرائق الطبخ وتدبير المنزل الخ، أي أنه ليس مقصورًا على إبداعات النساء وتفاصيل حياتهن فقط. الأرشيف النسوي لا يفترض تراتبية بين أعمال الرجال وأعمال النساء، أو بين ما يدور في المجال العام و المجال الخاص، بل يفكك التعارض السائد بين العام والخاص ويحاول إبراز علاقات القوة وديناميكيات السلطة وأثرها على ماهية الاجتماعي و السياسي والثقافي في نطاق وسياق تاريخيَّين محددَين.
هل يتطابق الأرشيف النسوي مع أرشيف التاريخ الاجتماعي بشكل عام؟
الإجابة في رأيي لا لأسباب سياسية.الأرشيف النسوي يعمل بشكل واع على إبراز أدوار النساء وعلاقات القوة والسلطة التي رسخت التمييز والتهميش. ففي أثناء العمل على إنشاء أرشيف تاريخ شفوي نسوي مثلًا، يحتل سؤال القوة أو السلطة مكانة محورية في كل ما يتعلق بأسئلة المقابلات، اختيار الرواة، أخلاقيات العمل إلخ.
أيضًا قد يؤدي سؤال السلطة أو القوة إلى تخصيص أجزاء بارزة في الأرشيف لحيوات النساء وأعمالهن. فأرشيف التاريخ الشفوي النسوي بشكل عام يشمل روايات النساء كما الرجال. ولكن، بسبب وجود علاقات قوة غير متوازنة بين الرجال والنساء في مجتمع تعاني فيه النساء من التهميش والاقصاء، من الجائز جدًّا التركيز على روايات النساء وإبرازها. هذا قرار سياسي متعلق باللحظة التاريخية. الأرشيف النسوي، كما أرشيفات الفئات المهمشة في المجتمعات المختلفة، يسعى إلى تعويض النساء عن سنوات الإقصاء من خلال تسليط الضوء على حيواتهن وإنجازاتهن، ليس من منطلق الانحياز غير المبرر، ولكن من منطلق سد الفجوات وتحقيق التوازن على المدى البعيد أي الانحياز الموقت، أو التمييز الإيجابي لفترة من الزمن وطرح تصور مغاير لماهية المجتمع و تاريخه.
تحديات
تظل عملية بناء أرشيف بديل بشكل عام، وبناء أرشيف نسوي بشكل خاص، يجمع مادة مغمورة وروايات منسية بهدف بناء مصادر لكتابة سردية تاريخية بديلة أو مضادة للسردية السائدة، عملية يشوبها الكثير من المصاعب والمحاذير. فالأرشيفات، كل الأرشيفات، ليست بالبنى البريئة أو المحايدة ولكنها، أداة من أدوات جماعة ما تسعى إلى فرض نظام ومعايير قد تكون سياسية أو أخلاقية بهدف دعم مشروع قومي أو فئوي أو اجتماعي أو سياسي، والترويج لسردية تحقق مصالح فئة أو مجموعة معينة في المجتمع. قد تكون هذه السردية التي يتنباها أرشيف ما سردية بديلة أو مقاومة أو مضادة لسردية سائدة أو مهيمنة، ولكنها سردية، أي السردية البديلة في نزاع معلن أو مستتر مع سردية أخرى. على هذا الأساس، فالأرشيف يظل دائمًا ساحة للصراعات والفكرية والسياسية. الأرشيفات النسوية لا تدعي الحياد ولا تسعى إليه ولكنها تسعى إلى بناء سرديات مركبة تتحدى السردية السائدة وتبرز آليات القوة أو السلطة التي تمارسها.
الآن،ومع التطور الإلكتروني وما صحبه من إتاحة فرصة أكبر لمجموعات أو أصوات لبناء أرشيفات وهي لا تملك سلطة مادية أو سلطة سياسية ولكنها تستند إلى سلطة أخلاقية أو معرفية، كيف تتعامل هذه المجموعات مع سلطة الأرشيف؟ ما هي أخلاقيات العمل التي وجب اتباعها لتلافي علاقات قوة غير متوازنة بين القائمات على الأرشيف الشفوي مثلًا والراويات؟
أسئلة كثيرة وصعبة تفرض نفسها، مثل: من يملك الحقوق الفكرية في الأرشيف؟ هناك أيضًا تحديات خاصة ببناء أرشيفات بديلة في أوقات التغيير أو النزاعات. ثم هناك تحديات خاصة بموضوعات بعينها، خصوصًا إذا تشابكت تلك الموضوعات مع صراعات سياسية محلية أو إقليمية أو دولية.
الأرشيف النسوي في العالم العربي يواجه تحديات كثيرة من أبرزها الاستخدام السياسي لمسألة المرأة في العالم العربي، كما العالم الاسلامي، لتبرير التدخل في شؤون بلاد كثيرة بدعوى إنقاذ النساء المسلمات أو العربيات من ظلم يمارس ضدهنّ في مجتمعاتهنّ بسبب الثقافة السائدة (الخطاب الكولونيالي).وفي المقابل، هناك الاستخدام السياسي لمكانة النساء لدعم خطاب وطني يدافع عن أصالة متخيلة. نواجه أيضًا مشكلة تسليط الضوء على قضايا بعينها في المجتمعات العربية من دون قضايا أخرى، فيصبح العنف ضد النساء في صدارة الموضوعات التي تثار دائمًا في المحافل الدولية حينما يتعلق الأمر بالشأن العربي. هناك حقيقة لا جدال فيها أن العنف ضد النساء مشكلة في المجتمعات العربية تحتاج إلى عمل ومجهود وتركيز من قبل جميع المهتمين بالشأن العام. ومن ثم لا يمكن تحت أي مسمّى السكوت عن تلك المشكلة.التحدي هو: كيف نبني أرشيفات نسوية تبني سرديات مغايرة لما هو سائد أو مهيمن وتتجاوز التركة الثقيلة لموضوعات محملة بأبعاد سياسية معقدة؟