وثيقة:وددت لو كنت رجلاً

تدوينة

العنوان	وددتُ لو كُنتُ رجلاً
تأليف	مروة البلوشي
تحرير	غير معيّن
المصدر	نحو وعي نسوي
اللغة	العربية
تاريخ النشر	2020-06-22
مسار الاسترجاع	https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2020/06/22/وددتُ-لو-كُنتُ-رجلاً/
تاريخ الاسترجاع	2020-07-24
نسخة أرشيفية	http://archive.vn/WarCa

قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي

في الصف الخامس، عندما اختبرت الحيضَ لأولِ مرة، تحولقت نساء العائلة حولي، كنَّ يجهزنني لأحمل الأمانة، أمانة الشرف، فأنا فخر العائلة لما سأحققه من إنجازات وأنا عارها الأكبر، أنا الفتاة التي بلغت للتو. حملت الدورة الشهرية معها دورة متجددة من الخجل، الخجل من هذا الجسد الذي بات ينزف الدماء. حينها، وددت لو كنت رجلاً، حتى لا أخضع كل شهرٍ لهواجسٍ مقيتة.

خائفة، من أن يعلم أحد ذكورِ عائلتي بهذا العار الذي يلازمني، والمرتبط بأُنوثتي، الأنوثة التي تود الأبوية أن تسلبها مني حين أتوقف عن النزيف بعد سنّ الأربعين. حتى اليوم، لازال شعري المجعد هاجسًا في العائلة. نعم، هو أسودٌ قاتم ولكنه ليس ناعمًا منسدلا على كتفيّ، الأمر الذي استدعى بنساء العائلة أن يبعثن بالحنّاءِ المعالج والكيميائيات التي ستعيدني مرةً أخرى للفطرة الأبوية، للنموذجِ الأمثل، الشعر الأسود الناعم، الطويل جداً. كنت عصيةً على هذه الفطرة الأبوية، فلازالت عمتي تنهرني: “مروة، عليكِ أن تبدأي بخسارة الوزن، الرجال لايريدون الزواج بجسد كجسدكِ” وددتُ لو كنتُ رجلاً حينها؛ حتى أتوقف عن استفراغ الطعام في الحمام، كل يوم، أقرفص أمام المرحاض، واضعة اصبعي في حلقي، أستفرغ الطعام والكثير من الدماء بسبب تقرح بلعومي. انقباضات جسدي كلّه تجعلني أرجف وتدفع بعينيّ لتدمعا.

أيّ أغنية بعدها كفيلة لإزاحة الكمّ الهائل من المشاعر، انتصارٌ وارتياح لإنهائي العملية اليومية بسلام، والقليل من تأنيب الضمير للألم الذي مررت به. بلا شكٍّ، لو كنتُ رجلا، كان أبي سيقبل بإرسالي للدراسة في الخارج، لم تكن تلك الصراعات لتحدث بيني وبينه، كنت سأملك حقي في الاختيار. وددت لو كنت رجلاً؛ لأن الطالب في جامعتنا يستطيع الخروج عبر البوابة متى ما أراد، أما أنا، فقد كُنت سجينة الجامعة. لماذا تُسجن طالبات الجامعة في بلادي؟ لأنهن ولدنَ إناثًا. إن رفاهية الخروج بكل بساطة، خارج الأسوار، تبدو حلمًا لي كطالبة، ولكنها جزء من طبيعة الحياة لزميلي في الجامعة. إنني مُدركة للأبعاد القانونية والسياسية التي تحملها هذه القضية، ولكنها تحمل بعداً آخر أيضاً، بعدُ القرف الذي يعتريني كل مرة في مكتب المُشرفة، لأطلب التصريح.

التصريح الذي يوّكل فيه والدي من يشاء، ليحمّله أمانة نقلي من الجامعة إلى المنزل، التصريح الذي يسنّه النظام الأبوي الغاشم، الذي يوافقُ عليهِ والدي، والمُشرفة وحارس الأمن، والوالي، وشيخ حارتنا، إلا أنا. إن النظام لا يرى فيّ كطالبة سوى جسدي، وهذا مايشعرني بالقرف، والإنزعاج المُقيت، إن النظام لايودّ حمايتي من “المجهول”، قيُبقي عليّ سجينة خلف أسوار الجامعة، وأنا وجسدي وعقلي، نرفض المسافة والسور والباب والحارس، ولكنّ النظام يمتهن سلبَ صوتي، ويلقي عليّ المجتمع وصم العهر، فأنا عاهِرة، وباغية؛ لأني أريد الحرية، والخلاص. أليس الحديث عن القضايا الجنسية، كالختان، أو غشاء البكارة كان ليبدو أسهل لو كنت رجلا؟

هل كان رفض الجريمة التي فرضت على جسدي ليعتبر دعوةً لممارسة الجنس لو كنت رجلا؟ قبل أيام, أحد شيوخ الأزهر أعلن أن غشاء البكارة ليس دليلا على عذرية النساء, نعم هكذا ببساطة، لم يرمه أحدهم بالعهر والانحلال. يتحدث رجال الدين عن نعيم الجنة الجنسي، عن تمتعهم الجنسي بأجساد النساء المسخرات لهم هناك، يصفون ثدي المرأة وفرجها، من أين يحصلون على هذه الحصانة؟ هل تستلزم هذه الحضانة وجود العضو الذكري؟

يحل لشيخ الدين أن يحكم على جسدي و يفتي بأن قطع أعضائه التناسلية “مستحب”؛ لأنه وعلى حد قوله يرى بأن ذلك أفضل للعلاقة الجنسية بيني وبين زوجي في المستقبل، بينما لا يحق لي أن أبدي اعتراضي، أن أقول لا! فهذا الجسد ملكٌ لي، أعيدوا إليّ ملكيته. بطُلت أحكامكم وقوانينكم وفتاويكم وعاداتكم وأعرافكم، أعيدوا إليّ الملكية. وللتأكيد: هذه ليست دعوة لممارسة الجنس.

وددتُ لو كنتُ رجلاً؛ لأنني لن أقلق حينها من أن يضاف اسمي للقائمة الطويلة لشهيدات الغدر الذكوري اللاتي لم تنصرهن الأنظمة ولا القوانين. وربّما لو كنت رجلاً، سأتمكن من المضيّ في أي طريق، دون أن تلازمني هواجس الرعب من التعرض للتحرش، دون أن يأمرني أخي الصغير بتغطية رقبتي، أو خصلات شعري التي تناثرت سهوًا من حجابي، دون أن أبكي وأنا أنهره ليكفّ وصايته عليّ، دون أن أمتعض وأنا أرى أمي تبارك لهُ هذه الوصاية، دون أن تتجذر فيّ الرغبة في البقاء على السرير في غرفتي، بعيداً عن الأشخاص، بعيداً عن العالم الذي يُعزز الأبوية، وينقلها موروثاً مصوناً عبر الأجيال.

إن ما يميزنا كنساء، هو أن الواحدة منا لا تحمل جرحها فقط، بل تحمل جرح الأخت والأم والخالة والعمّة والصديقات، جرح جميع النساء. بالقدر الذي يبدو عليه هذا درامياً جداً، إلا أن الجراح تقرّبنا أكثر، لأننا نتشارك الألم، آلام الأبوية المغروسة فينا منذ الصغر، حتى نموت، أو تُطمس أصواتنا على الأقل.

حتى الآن، “ماذا لو كنتُ رجلا” تساؤل طبيعي وتلقائي لأحداث عديدة مررت بها. وتبدو فكرة أن أكون رجلا أسهل بكثير من كوني امرأة، في كل مكان، في العائلة، والحارة، والجامعة، والعمل، في الأدب والإعلام، في السياسة كذلك، “أن أكون رجلا” أسهل بكثير من كوني امرأة. ولكن الآن أنا امرأة لا تود أن تكون رجلا، أعلم أن “الجنس” ليس داعٍ للفخر ولكن أن نكون نساءً في خضمّ عالم ذكوري، وأن نرفض هذه الذكورية، أن نقاتل بشراسة، أن نغضب، أن نكتب، أن نتضامن، أمرٌ يدعو للفخر. إننا نساء صامدات بالرغم من تغلغل جراح الأبوية فينا، نحن باقيات، نناضل، لتأتي نساء الأجيال القادمة راضياتٍ وسعيدات بكونهن نساء.