أختية
الأختية ممارسة نسوية نضالية تشير إلى التضامن بين النساء اللواتي تشعرن بصلات وتجارب متشابهة، وهو النظير الأنثوي لمفهوم الأخُوَّة الذي يستثني النساء برغم اعتباره مفهومًا كونيًا. وتحفز الأختية الوعي الجماعي للنساء من خلال التضامن والرعاية المتبادلة، وتأخذ بعين الاعتبار أن القمع يرتكز ويتغذى من الانقسام و العزلة بين النساء. (بالإنجليزية: sisterhood)
أصل الكلمة
الكلمة الإنجليزية sororoty أصلها في soror اللاتينية، والتي تعني الأخت.
تطور المفهوم
تعني كلمة Sorority في العصور الوسطى مجموعات دينية تتألف بشكل حصري من النساء. ظهرت فكرة الأختية كنادي نسائي جامعي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في الجامعات الأمريكية كرد فعل على نوادي الطلبة الفتيان حيث تأسس أول نادي أختية عام 1874 في جامعة سيراكيوز، وهو أقدم المنظمات الجامعية النسائية الشبه سرية. و في بداية القرن العشرين، جاء مفهوم الأختية أيضاً إلى الحركة الكشفية، كبديل نسائي للأخوة الكشفية. يشير هذا المصطلح إلى روح التوحد بين فتيات الكشافة باعتبار أنفسهن أخوات.
الأختية في الحركة النسوية
تتطور المصطلح ليصبح Sisterhood واستخدم مفهوم "الأختية" في بعده السياسي في سياق الموجة النسوية الثانية خلال السبعينيات، عندما ظهرت حلقات النقاش الغير رسمية، فعرفت الأختية لحظات متميزة بصداقات نسائية تجمع بين الألفة والنضالات المتشاركة ضد قمع خصوصي ومشترك وهو النظام الأبوي. وبالتالي فقد مثلت الأختية طوال هذه الفترة وعي بوجود "نحن النساء" يبنى ويختبر تدريجيًا خلال اللقاءات التي تنظمنها الناشطات، خلال الاجتماعات السياسية وحلقات النقاش النسائية الرسمية وغير الرسمية والودية، وبالصلات المتعددة التي تنسج بين صديقات الحركة.
انطلاقا من مبدأ أن "الحياة الخاصة هي فعل سياسي" (The personal is political)ركزت مجموعات التوعية النسوية خلال السبعينات سوى في الولايات المتحدة أو في أوروبا خلال هذه الحلقات على شهادات حية تساعد تدريجيًا النساء على معرفة ذواتهن، وتفكيك منظور القمع الأبوي والخطابي الذي يتم من خلاله تصورهن. لا تفصل الأخوات بين الحياة والنضال السياسي بل ترسخن النضال السياسي في الحياة. الأخت هي المرأة والنسوية، الصديقة والشخص الذي يشترك معنا القمع. في حلقات التوعية أيضًا، تمتلك النساء معارف جديدة من خلال تبادل تجارب الواقع المشترك واستخدامها للانفتاح على هويات جديدة. هويات جديدة متجذرة في الشعور بنفس الظلم والنضال فكان شعار المظاهرات النسوية بالشوارع سنة 1968 "إن الأختية هي القوة" (Sisterhood is powerful). بمعنى آخر، تملكت النساء من خلال الأختية شعورًا بالقوة وعمقت معرفتهن بأنفسهن كنساء، أي "كشعب" من النساء.
تفترض الأختية تحفيز وعي جماعي بمعاناة المشتركة لدى النساء و تقوم على علاقات المحبة والتضامن والرعاية المتبادلة بينهن كما تتطلب الفصل مع النماذج والمرجعيات الذكورية التي تؤدي إلى "احتقار" النساء لأنفسهن لتغيير النظرة السائدة بأن النساء منقسمات ومتنافسات. تأخذ الأختية بعين الاعتبار أن هذا القمع يرتكز ويتغذى من الانقسام و العزلة والتنافس بين النساء وأنها ليست إلا بنيات اجتماعية ذكورية تكرست من خلال التربية والعادات الاجتماعية، لحساب امتيازات اجتماعية أو سياسية ذكورية. بالتالي فإن الأختية تتناقض مع فكرة هذا الانقسام.
حدود الأختية
لكن مشروع الأختية واجه عراقيل بسبب تضارب الامتيازات الطبقية و الاثنية وتعدد الانتماءات فبحلول نهاية السبعينيات، بدأت بعض الخلافات الأيديولوجية والسياسية تظهر تدريجياً في الموجة النسوية الثانية بين النسويات الراديكاليات والاشتراكيات والمغايرات جنسياً والمثليات، النسويات السوداوات والنسويات البيض، نساء الطبقة الوسطى ونساء الطبقة العاملة، إلخ.
خلال الثمانيات ومع صعود اليسار، انضمت شخصيات نسوية رمزية للجماعات النسائية إلى هيئات ونقابات ومن ثم إلى السلطة القائمة لإيجاد مراكز مؤسسية وسياسية وإعلامية إذ لم يعد الانتماء إلى العصيان أو الثورة وسيلة لمسائلة الواقع الحقيقي للهيمنة الذكورية.
وقد تعالت أصوات مناضلات الحركة النسوية السوداء والنسوية ما بعد الاستعمارية للتصدي لهذه الرؤية الجوهرية لل"المرأة" وللتضامن النسوي الكوني، داعيات إلى الاعتراف باختلافات النساء واختلاف أشكال الهيمنة وتقاطعات مختلف العلاقات الاجتماعية كالطبقة والعرق و الجندر.
في عام 1984، إنتقدت النسوية أدريان ريتش (Adrienne Rich) تمركز نسوية نضرية بيضاء في الولايات المتحدة في مقال عن "سياسة الموضع"(Politics of Location) مشيرة إلى مخاطر تحديد موضعنا في المركز.
الأختية والنسوية التقاطعية
انتقدت النسوية السوداء فكرة وجود قمع مشترك و "أبوية" واحدة تؤثر بشكل مماثل على جميع النساء.إذ تعتبر المفكرة و الناشطة النسوية بال هوكس bell hooks أن الإلزامات على الأختية قد ساهمت في إخفاء مختلف أشكال الاضطهاد التي تواجهها النساء السود، المثليات أو نساء الطبقة العاملة.
كما انتقدت بال هوكس بشدة التجربة النسوية المنقسمة: "إذا كانت الناشطات النسويات البيض غير مستعدات لمواجهة مسألة العنصرية، فذلك لأنهن كن مقتنعات بأن دعوتهن إلى الأختية كانت حركة غير عنصرية".
وفي كتابها "الأختية: التضامن السياسي بين النساء" (1984) اعتبرت بيل هوكس أن لا يمكن للأختية أن تتحقق من خلال تبني مفاهيم نابعة من الثقافة السائدة ودعت النسويات إلى محاربة أشكال القمع التي لا تعنينا بالضرورة كأفراد و إلى التجمع حول الالتزام السياسي في حركة نسوية تهدف إلى القضاء على القمع الأبوي. لتحقق تجربة الأختية الحقيقية، يجب على النساء الكفاح ضد العنصرية، والطبقية، والتمييز الجنسي.
الأختية والنسوية مابعدالاستعمارية
دعت نسويات ما بعد الاستعمارية متأثرات بفكر ريتش، مثل شاندرا موهانتي وسارة أحمد وغاياتري سبيفاك (من بين آخريات)إلى نفي المفهوم الطوباوي ل"الأختية الكونية" وأعادت مسائلة ال"نحن" ومن يتحدث باسم "نحن" في محاولة للامركزة النساء البيضاوات الغربيات وذلك من خلال خطاب واع بارتباط عميق بين القمع القائم على الجنس والقمع القائم على الطبقة الاجتماعية، الطائفة،أوالعرق، ولكن أيضًا القمع الجغرافي والتاريخي الناتج عن الخطاب الإمبريالي أو الاستشراقي. في حين ترفض موهانتي Mohanty فكرة الأختية في مشروع التضامن النسائي، لأنها تمحو التاريخ والآثار الإمبريالية قصد تحديد جميع النساء في موقع خارج عن تاريخ العالم المعاصر.
الأختية والترانس نسوية
على الرغم من مشاركة النساء المتحولات جنسيًا في الحركات النسوية، فقد مثلت مسألة هوية ومكانة النساء المتحولات جنسيًا خلافًا وانقسامًا داخل الحركة النسوية التقليدية على مدى عقود حيث انتقدت مثلا جيرمين جرير(Germaine Greer)القوالب النمطية الجنسية المعتمدة من قبل النساء المتحولات، وأيضًا جانيس ريموند (Janice Raymond)التي انتقدت في كتاب "إمبراطورية التحول الجنسي" (1979)(The Transsexual Empire: The Making of the She-Male) خضوع الترانس إلى عمليات جراحية معتبرة أن إمبراطورية التحول الجنسي هي "إمبراطورية طبية قائمة على نموذج بطرياركي". وفي كتاب "الأختية المقسمة" (Divided Sisterhood)(1980) انتقدت النسوية كارول ريدل(Carol Riddell)، وهي متحولة جنسية وأستاذة، موقف جانيس ريموند وأشارت إلى هشاشة مفهوم الأختية الذي يتطلب الالتزام بالمسائل البنيوية والخروج عن المركزة.
لا تزال الخلافات حول حضور النساء المتحولات جنسيًا في الفضاءات النسائية موضع صراع هام بين النسويات الراديكليات والمتحولات جنسياً. فمن بين الراديكيات من ٱطلق عليهن اسم T.E.R.F (نسويات راديكاليات قاصيات للمتحوليت (trans-exclusionary radical feminist) ومن تعتقدن أن النساء المتحولات جنسيًا لسن بنساء وأن تعريف أنفسهن كنساء من خلال صور نمطية للأنوثة يعزز النظام الأبوي، فيما إنتقدت الترانس نسوية أيضًا، مثل الحركة النسوية السوداء، فكرة "تجربة أنثوية عالمية" وسعت لتجديد مفهوم الأختية من خلال إطلاق شعارات مثل "الأختية ليست السيجندرية " (Sisterhood not Cisterhood). وإتهمت الراديكليات بالترانس فوبيا.
ولعل أهم حادثة مثلت في السنوات الأخيرة هذا الخلاف هي حادثة النسوية والصحفية المستقلة الكندية ميغان مورفي (Megan Murphy) والتي عرفت برفضها اعتبار المتحولات جنسيًا نساء من خلال كتاباتها وقد آ ثارت منشوراتها على التويتر جدل واسع بين جميع النسويات وغضب مجتمع المتحوليت، مما دفع تويتر إلى حجبها سنة 2018.
مراجع
- La SORORITE est-elle possible ? Michèle Baron-Bradshaw – Paris juillet 2017
- Sisterhood: Solidarity between Women» bell hooks»
- «Entretien de Sylvia Duverger avec Françoise Collin « De la sororité à la solidarité
- Et de nos soeurs séparées…" Lectures de la sororité, Lussaud, 2012. Préface de Geneviève Fraisse
- Sisterhood Is Global
- Sisterhood is Powerful
- Sisterhood Not Cisterhood
- La « Politics Of Location », Le postcolonialisme et la fin de la sororité
- Pour un féminisme critique», Rosi Braidotti»
- Transfeminism
- On the “dispute” between radical feminism and trans people
- Meghan Murphy, Twitter and the new trans misogyny