وثيقة:أن تصيري مناضلة عربية كويرية: ميم كمثال
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
العنوان | أن-تصيري-مناضلةً-عربيّةً-كويريّةً: “ميم” كمثال |
---|---|
تأليف | سارة حمدان |
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مجلة كُحل لأبحاث الجسد والجندر |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://kohljournal.press/ar/becoming-queer-arab-activist
|
تاريخ الاسترجاع |
|
ترجمة | سحر مندور |
لغة الأصل | الإنجليزية |
العنوان الأصلي | Becoming-Queer-Arab-Activist: The Case of Meem |
تاريخ نشر الأصل |
هذه الوثيقة هي مقالة من العدد الثاني من المجلد الأول لمجلة كحل، نشرت بالنسخة الإنجليزية والنسخة العريبة المترجمة. يمكن الرجوع للنسخة الإنجليزية على الرابط https://kohljournal.press/becoming-queer-arab-activist
المقدّمة
في 26 حزيران /يونيو 2015، شرّعت المحكمة العليا الأميركيّة زواج المثليين /ات في جميع الولايات المتّحدة. في بضع دقائق، إجتاحت ألوان قوس القزح الصور التعريفيّة الخاصة بمعارفي على موقع “فايسبوك”. برزت ثلاثة توجّهاتٍ في أراء أصدقائي /صديقاتي العرب بالعلاقة مع الحدث. الأول هو توجّه المجموعة المحتفلة التي نشرت صوراً بألوان قوس القزح وتعليقاتٍ مرفقة بوسم #الحب_يكسب. وقد ضمّت هذه المجموعة من العرب الأفراد المثليّين والمثليّات ومزدوجي الميول الجنسيّة والمتحوّليّن/ات جنسيّاً (م.م.م.م.)، والمناضلين /ات، والداعمين /ات، والملتزمين /ات بالإلحاد، كما أشخاصاً يعادون /ين الإسلام / علمانيّين /ات، يحكون /ين في إدانة تخلّف العالم العربيّ ومدح “تقدّم” الغرب. الثاني هو توجّه النقّاد (الذين /اللواتي أصنّفهم /ن ضمن “ذكوريّة الفوضويّة” العربيّة)، مُعادي الإسلام / العلمانيّين /ات، ومُعادي المثليّة المتديّنين /ات، حيث ظهرت إما سخريةٌ من حملة ألوان قوس القزح (وبالتالي، المثليّة) أو نقداً للنضال من أجل حقوق المثليّين في العالم العربيّ بحجّة الهامشيّة على جدول الأهميّة السياسيّة بالمقارنة مع “القضايا الكبرى”. التوجّه الثالث أبدته مجموعة (أقلويّة) ضمّت مناضلي /ات عرب /يّات كويريّين /ات ونسويّين /ات، بما في ذلك أعضاء مجموعة “ميم”[1] الكويريّة (مقرّها بيروت)، التي كنتُ منتسبةً إليها. انتقدت هذه المجموعة الجرعة الزائدة من أقواس القزح، مستخدمةً وسوماً مثل #إلغاء_الزواج، تدين مؤسسة الزواج (من وجهة نظرٍ ماديّة)، الإمبرياليّة الأميركيّة النيوليبراليّة، التطبيع المثليّ، الوطنيّة المثليّة، الغسيل الورديّ، توزيع الثروات العرقيّ واستغلال القوّة العاملة، الحصريّة والعنف ضد النساء المتحوّلات، سياسات الهجرة، سياسات الإحترام، سرديّات التطوّر والتقدّم، النضال من أجل الحقوق، إلخ.
لاحقاً، تلقّت المجموعة الثالثة (المرتدّة) ردود فعلٍ سلبيّة من المجموعة الأولى (مناضلي /ات م.م.م.م. المحليين /ات)، اعتبرتها “مفسدة للملذّات” (صالح، حزيران /يونيو 27، 2015)، ووجّهت لها اتهاماتٍ بالراديكاليّة، الطبقيّة والنخبويّة الأكاديميّة، معاداة الإنتاجيّة، وحتى رهاب المثليّة. الإدعاء بـ”إفساد الملذّات” (أو، المنغّصات النسويّة[2]) ليس خارجاً عن المعتاد. لكن الإتهام برهاب المثليّة / النخبويّة، رغم ركاكته، تصعب المجادلة ضده على مواقع الإنترنت: القراءات الإستقطابيّة أخطأت بدوافع البعض منّا خالطةً بينها وبين القوى القمعيّة البطركيّة التغايريّة والمعادية للمثليّة في العالم العربيّ. في موقع التلاقي هذا، يقيم إحساسٌ بالإنزعاج، بينما يتّهم العديدُ من الأكاديميّين /ات مناهضي /ات الإمبرياليّة (خاصةً في الشتات الأميركيّ) المناضلين /ات المحليّين /ات في قضايا الجندر وم.م.م.م. في العالم العربيّ بالتواطؤ مع الهيمنة الغربيّة[3]. أوافق نقد أبو عودة للأكاديميا المعادية للإمبرياليّة، وبالتالي، فأنا لا أتجاهل نضال م.م.م.م. المحليّ ونتاجه. وفي الوقت عينه، لن أتغاضى عن بعضٍ من أراء هؤلاء المناضلين /ات الإشكاليّة.
تأتي هذه الورقة البحثيّة كمحاولةٍ في الكتابة المرتحلة للتفكير عبر “مناطق الصمت” هذه و”الصلّة المتينة بالا-إنتماء الراديكاليّ” (برايدوتّي، 2011، ص. 44) التي اختبرتُها لمّا حاولتُ أن أصوغ وأتخيّل حركةً عربيّة كويريّة لا تتّسق مع أيٍّ من طرفَي الثنائيّة الأكثرويّة[4] مثلما يجسّدها توجها المجموعتين الأولى والثانية. بدا وكأن “الإختلاف المختلف” في سياسات المناضلين /ات الكويريّين /ات يتعرّض للتسكيت والمحو من قبل الإثنين، منضالي م.م.م.م. المطالبين /ات بالمساواة والخندق المعادي للمثليّة[5]. أولاً، أجادل مسعد في نقده لـ”المثليّة العالميّة”، وأنأى بمشروعي العربيّ الكويريّ عن الأطر الخطابيّة والهويّاتيّة التي تعتمد حصراً على نقد الغرب. ثانياً، أوضّح مفهوم الصيرورة والرغبة في فلسفة دولوز للإختلاف، ومفهوم لورد عن الإيروتيكيّ، وهما على تغايرٍ مع الإكزوتيكيّ. بعد ذلك، أعيد موضعة الكينونة العربيّة لا كهويّة وإنما كسياسات موقع تظهّر الرغبة الإيروتيكيّة وآلية إزالة الأقلمة. ختاماً، أجادل بأن الثنائية القطبيّة غرب / عرب هي صورة فكريّة في نموذج الإيروتيكيّ / الإكزوتيكيّ.
تحديد خريطة إزالة الأقلمة، الوطآت الإيجابيّة، والترابطيّة في لقاء “ميم” النضاليّ، زعزع أطر الهويّة والديالكتيك الإكزوتيكيّة. تقديم مفاهيم دولوزيّة للصيرورة[6]، جنباً إلى جنب مع مفهوم لورد عن الإيروتيكيّ، قادرٌ على إلتقاط “الإختلاف المختلف” في النضال العربيّ الكويريّ، وهو اللا-إكزوتكيّ إيروتيكيّ. من هنا، كيف تمكن قراءة قوّة اللا-إكزوتيكيّ إيروتيكيّ في مواجهة فكرة هويّة جنسيّة أصيلة ثقافيّاً؟
التحوّل عن نقد “المثليّة العالميّة”
كتاب جوزف مسعد “إشتهاء العرب” (2007) هو واحدٌ من أعمال مرحلة ما بعد الإستعمار الأكاديمية الرائجة في مقاربتها للجنسانيّات في العالم العربيّ. انتقد فيه مسعد الخطاب المعمّم عالميّاً والمهيمن، الذي تعتمده منظمات حقوق الإنسان الداعمة لـ م.م.م.م.، واستحدث له تعبيراً يصفه هو “المثليّة العالميّة”. تفعّل “المثليّة العالميّة” في إطارٍ يستحضر فوكّو لجهة “الحضّ على إنتاج خطاب”، يفرض فيه الخطاب الإستشراقيّ، ابستمولوجياًّ وأنطولوجيّاً، تصنيف مثليّة /مغايَرة كمكرّسٍ عالميّ. كما انتقد تواطؤ مناضلي /ات م.م.م.م. العرب في فرض هويّة مثليّة عالميّة (جنباً إلى جنب مع رهاب المثليّة المقاوم لها)، لا تنتمي إلى الثقافة العربيّة السابقة للإستعمار، نظراً إلى كون الثنائيّة مثليّة / مغايَرة هي نتاج الحداثة الغربيّة.
مؤخراً، اعتبر أكاديميّون /ات ومناضلون /ات توكيد مسعد لوجود أصالةٍ ثقافيّة في الجنسانيّة العربيّة إشكاليّاً (أبو عودة، 2015. عامر، 2010. أندرسن، 2010. حبيب، 2007. حمدان، 2015. مكارم، 2009. طه، 2013). يدّعي مسعد أن “المثليّة العالميّة” مقحمةٌ في سياسات مجموعات م.م.م.م. العربيّة، ما يظهر جليّاً عبر ردّ الفعل الداعم الذي أبدته مجموعات م.م.م.م. المحليّة العربيّة تجاه خطاب المساواة الأميركيّ. مع ذلك، يظهر موطنُ جهلٍ في تحليله: سقط من نقده الإلتفات إلى تعقيدات مجموعات م.م.م.م. ولا-تجانسها في العالم العربيّ، مثلما اتضح آنفاً عبر الخلاف الذي شهدته وسائل التواصل الإجتماعيّ بين مناضلي /ات م.م.م.م. المحليين /ات ومناضلي /ات “ميم”. كذلك، فإن طرح مسعد عاجزٌ عن تقديم تصوّر مفهوميّ للذاتيّات العربيّة خارج الإطار الخطابيّ والهويّاتيّ المتواطئ مع الغرب (حمدان، 2015). لتفادي خطابات الثنائيّة الضدّية في الجنسانية، بين تلك الخاصّة بـ”المثليّة العالميّة” الغربيّة وتلك الخاصّة بالأخر، لن أجازف في القول بوجود ذاتيّات غير ملوّثة / أصيلة، سابقة للإستعمار. في المقابل، سأعتمد المفاهيم ما بعد البنيويّة التي انتهجها دولوز في مقاربة الذاتيّة بصفتها لا-وحدويّة، لا-هويّاتيّة، وتعدّدية، ترتكز على علاقات هجينة وماديّة-سيميائية ما بين الأجسام البشريّة وغير البشريّة.
أقرأ النقد الذي قدّمه مسعد كمشروعٍ سياسيّ موازٍ لأعمال طلال أسد وصبا محمود (أسد، 2003. محمود، 2005)، التي ركّزت أساساً على تحدّي المبادئ العلمانيّة / الليبراليّة والخطاب الإستشراقيّ حول الإسلام في الغرب. وعلى الرغم من أني ألتحق بنهجهما في إعادة تعريف مفهوم الوكالة وفضح الخطابات الإستعماريّة / العلمانيّة في العالم العربي، إلا أن أعمالهما تبدو واقعةً أولاً في سياق جيوبوليتيكيّ غربيّ. في المقابل، أُمَوْضِع مشروعي الكويريّ العربيّ أولاً وأساساً في إطار عمل جيوبوليتيكيّ لا-غربيّ يسعى لأن يكون لا-جدليّ ولا-هويّاتيّ. بكلمات أخرى، هذا المشروع منغرس ومتجسّد في معارف جيوبوليتيكيّة مختلفة على المستويات الماديّة والخطابيّة. بشكلٍ خاص، هو معنيّ بنمط من السياسات الأكثرويّة في العالم العربيّ – تحديداً، القوى القمعيّة (التي تظهر رهاب المثلية) – وهي قَطْعاً متشابكة مع السياسات الأكثرويّة المهيمنة الغربيّة. ومع ذلك، لا يمكن تخطيط السياسات الأكثرويّة العربيّة بشكلٍ ملائم من موقعٍ ماديّ غربيّ منعزل عن سياسات المناضلين /ات المحليّين /ات وعلاقات القوّة التي تؤرّض معارفهم /ن.
صياغة إختلافٍ مختلف في نموذج الإكزوتيكيّ / الإيروتيكيّ
يعرّف دولوز وغاتّاري (1980) الصيرورة كنتاج تجميعٍ جديد، يحمل إزالة أقلمة[7] مزدوجة ولا-متناسقة. الصيرورة لا ترافق موضوعاً مستقلّاً بذاته عنها، ولا يوجد هدفٌ منفصل عن كتلة الصيرورة، وإنما يحدث التغيير بالدخول إلى التجميع الجديد. مفهوم الصيرورة يزعزع فهم الهويّات كفئاتٍ ثابتة، متجانسة، وتعبّر عن الذات (ووكر، 2014، ص. 50). بدلاً من ذلك، يشدّد على أن تزايد الهويّات والحركات يشكّل أنطولوجيا إختلافٍ لا ترى “كينونة” وإنما “نهج كينونة” في ذاتيّةٍ مرتحلة[8]. أفهم أنطولوجيا الصيرورة بكونها أكثر من إدعاءٍ لا-هويّاتيّ. هي تُعيّن زمانيّةً لا ترى الوقت ككرونولوجيا تعدّ اللحظات، وإنما كمتوالية تغييرٍ تدوم فترى لحظاتٍ متمايزةٍ أو الحاضرَ بحدّ ذاته كصيرورةٍ (المصدر السابق، ص. 50).
في تقديمه لكتاب “ضد أوديب” (2009)، يخوض فوكو في فكر دولوز وغاتّاري عبر معالجة أهمية إدخال الرغبة في الفكر، الخطاب، والعمل السياسيّ. يسأل: “كيف يمكن للرغبة ويجب عليها أن تنشر قواها في النطاق السياسيّ وتتكثّف خلال عمليّة قلب النظام القائم؟” (2009، xii). يرى أن إعداد الرغبة[9] عبر التكاثر، المُتاخمة، والإنخلاع هو عاملٌ حاسم، في مواجهة التفرّع والهرميّة. هذا الفهم للرغبة، النابع من أفكار دولوز وغاتّاري، يتلاقى مع فهم أودري لورد لقوّة الإيروتيكيّ. لورد (1984) تزعزع القوّتين المهيمنتين، الإمبرياليّة والأبويّة / التمييزيّة المغايرة. تحلّ الإيروتيكيّة من إستخداماتها الأبويّة والإستعمارويّة، التي تسمّيها بورنوغرافيّة. البورنوغرافيّ هو إلغاء قوّة الإيروتيكيّ والإحساس الحقيقيّ (لورد، 1984، ص. 88). تصف الفصل القمعيّ للحاجة الإيروتيكيّة عن المساحات الحيويّة في الحياة غير الجنس، التي تحوي الطاقات السياسيّة والإبداعيّة. تشير إلى ثنائيّتين ضدّيتين زائفتين تَحْجُبان المعرفة الإيروتيكيّة: ثنائيّة الروحيّ / العاطفيّ التي تم فصلها عن السياسيّ، وثنائيّة الروحيّ / العاطفيّ المنفصلة أيضاً عن الإيروتيكيّ.
بهذا المعنى، يصبح الإيروتيكيّ قوّة تجسيريّة تنبعث من إحساسٍ لم يُعبّر عنه أو لم يُعترَف به، يبتغي
التوكيد على قوّة حياة المرأة، على الطاقة الإبداعيّة مُمكّنة، المعرفة وإستخدامها الذي نطالب باسترداده في لغتنا، تاريخنا، حبّنا، عملنا، حيواتنا (المصدر السابق، ص. 89).
توكيد الحياة في قوّة الإيروتيكيّ يستدعي الرغبة الدولوزيّة، التي تعيّن لورد لها القدرة على زيادة العقلانيّة ومشاركة الإمكان. مثلما يبدو لاحقاً في النقاش، أو اللقاء، ما بين مناضلات “ميم” السابقات، فإن تأسيس ترابطات جسديّة، فكريّة، عاطفيّة، أو نفسانيّة عبر الإيروتيكيّ يزيد من إمكانيّة فهم الأخرين، ليس فقط عبر نقاط التشابه، ولكن أيضاً عبر الإختلافات وما لا يشاركنه مع المجموعة (المصدر السابق، ص. 91). على نحوٍ مماثل، تدفع المعرفة الإيروتيكيّة بأحاسيس المعاناة واليأس الناتجة عن تجربة القمع بعيداً عن حالة اللا-قوّة ونكران الذات. فتقودها، بدلاً من ذلك، نحو تحفيز التشكّل ضمن مجموعة عمل وخلق التضامن في الممارسة النسويّة.
من الضروريّ إمعان النظر أكثر في مفهوم اإيروتيكيّ عبر فصله عن الإكزوتيكيّ. مسقط (2015) اشتغلت على مفهوم “الإكزوتيكيّ ما بعد الإستعماريّ”، حيث تبدو وظيفةٌ مكوّنة ومتباينة في (إعادة) إنتاج الأخرويّة. هذه الوظيفة تعيد إنتاج المنطق الإكزوتيكيّ ذاته – مع أن هذا الأخر (العربيّ /ة الأصيل /ة) يتجلّى وكأنه مختلفٌ عن “المثليّة العالميّة” الغربيّة – وهو مُلحقٌ بخطابات نيو-إستشراقيّة سائدة تُبقي على ثنائيّة غرب / شرق. بهذا المعنى، تتجلّى حاجةٌ لجعل الإيروتيكيّ مقاوماً للإمبرياليّة الإستشراقيّة، وإعادة ترميزه في مواجهة قوّة الإكزوتيكيّة المريحة التي تسعى إلى إرساء التماثل على حساب الإختلاف المختلف.
تفيد الفلسفة الدولوزيّة عن الصيرورة الترحّلية في صوغ السياسات الجنسانيّة التي تجد منفذاً من الثنائيّات الإكزوتيكيّة في “المثليّة العالميّة” / أصالة الكينونة العربيّة، وغرب / شرق. يمكن لإعادة تخيّل اللقاء مع الإختلاف أن تنبعث من قوّة الرغبة الإيروتيكيّة. كما يمكنها أن تحاول تصوّر الإختاف الكويريّ العربيّ كمهرَب من إقتصاد النظير ونُظم الإعتراف المحوريّة في تركيزها على الذكورة (غروسز، 2005) التي تحاول ثنائيّة غرب / شرق أن تفرضها.
أن-تصيري-إمرأةً-عربيّةً-كويريّة
إعادة تحديد موقع الكينونة العربيّة
نقطة الإنطلاق لسياسات ماديّة لا-هويّاتيّة نسوية تنتقد الشخص الإنسانويّ الكونيّ لـ”المثلّية العالميّة” هي إعادة التأريض الجوهريّة أو سياسة الموقع. هذا الأسلوب يصوغ الإختلاف المختلف (الكينونة العربيّة، برأيي) عبر إدغام محاسبة إبستمولوجيّة وسياسيّة، مع الحرص على تفادي سقطة النسبيّة (برايدوتّي، 2011، ص. 15). سياسة الموقع تحلّل مواقع القوّة المتعدّدة التي يسكنها الشخص العربيّ الكويريّ إلى جانب صيغٍ علاقاتيّة داخل وخارج جماعة “ميم”. النشاط الجماعيّ يرتبط بمفهومَين: الذاكرة والسرديّات (المصدر السابق، ص. 16). هذان المفهومان ينشّطان عملية جلب الموقع الذي يتم تشييده جماعياً إلى التمثيل الرمزيّ. بالتالي، أشير إلى الكينونة العربيّة كموقعٍ لجماعات متخيَّلة، ثقافة، لغة، وتاريخ (جوزف، 2012). تشرح برايدوتّي أن سياسة الموقع هي عمليّة نشر-وعي تستتبع إنتاج معرفةٍ نسويّة تكون نقديّة، إنعاكسيّة على الذات، وعلائقيّة. بكلماتٍ دولوزيّة، هي عمليّة إزالة الأقلمة التي ينسلخ فيها الفرد عن المألوف وينغمس في إعادة تخيّلٍ جماعيّةٍ للنضال العربيّ الكويريّ[10]. فوكو سمّى هذه العمليّة الميكرو-سياسة، وهي صناعة-ذات إنعكاسيّة تدور حول ممارسات سرديّة (لورز، 2012، ص. 27) وتستملك الرغبة الإيروتيكيّة، كالسرديّات التي استُحضرت خلال اللقاء مع مناضلات “ميم”. بهذا المعنى، فإن إستعادة الكينونة العربيّة (والإقامة فيها) كسياسة موقعٍ للفرد هي محاولة لإعادة إختراع متخيّلٍ جماعيّ بطريقةٍ لا-جوهرانيّة ولا-نسبيّة. الذاتيّات العربيّة هي عملية تدفّق وانجراف تتعرّض فيها خطابات القوّة التطبيعيّة لإزالة أقلمةٍ ومن ثم إعادة أقلمةٍ إزاء وجدانيّات موكّدة تحوّل الشغف السلبيّ إلى إيجابيّ (برايدوتّي، 2011، ص. 18).
مناضلات “ميم” يتواجدن ضمن آلية إزالة الأقلمة، التي تصبح موقعاً للكينونة العربيّة و”الذاكرة المنغرسة والمتجسّدة” (برايدوتّي، 2006، ص. 29). “ميم”، ومقرّها بيروت، كانت مجموعة دعم كويّريّة للسحاقيّات، مزدوجي الميول، الكويريّات، والنساء المتسائلات، والأشخاص الترانس*، خلال الفترة الممتدّة ما بين 2007-2014. نشطت في مجال تمكين النساء وبناء الجماعة. “ميم” اعتمدت استراتيجيّة “الخفاء المبهم” أو النسبيّ (لين، 12 كانون الأول /ديسمبر 2010): منذ كانت مجموعةً مغلقة وآمنة، لم تركّز على التغيير القانونيّ / خطاب حقوق م.م.م.م.[11]، ولا على المناسَبات العامّة. بدلاً من ذك، تصدّت مقاربتها النسويّة للقسمة ما بين الإشهار / الإختباء (الخزانة) والظهور / الخفاء، التي يحكي بها خطاب م.م.م.م. الغربيّ مستنداً على مثال ما بعد ستونووليّ في الإشهار، الخروج إلى العلن من خزانة السرّ (موسوي، 2015). بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت المقاربة النسويّة في “ميم” على نقد الأنظمة القمعيّة، كالأبويّة، العنصريّة، الطائفيّة، التطبيعيّة المغايرة، الصهيونيّة، الطبقيّة، بدلاً من إستخدام إطار عملٍ قانونيّ للتنظّم. على سبيل المثال، نضال حركة الـ”بي دي أس” (حركة المقاطعة، سحب الإستثمارات، والعقوبات ضد إسرائيل) وإستعادة اللغة العربيّة عبر الكتابة عن الجنسانيّة بالعربيّة (بدلاً من تعابير أسهل / إمبرياليّة باللغة الإنكليزيّة أو الفرنسيّة) هما جانبان حاسمان في سياسة “ميم”[12]. هذه الإستراتيجيّات تصلها بالسياسة المنغرسة والمتجسّدة في المنطقة العربيّة عبر قوّة الإيروتيكيّ، وتنأى بها عن “المثليّة العالميّة” المُفرَغة من السياسة والكونيّة في الحيّز الإكزوتيكيّ.
دعامات المَوْقَعة الإيروتيكيّة المستكشَفة أعلاه تظهّر تعريفاً للكويريّة في الكينونة العربيّة. بكلماتٍ أخرى، الذاتيّات العربيّة الكويريّة هي دائماً في حالة صيرورة لمّا يُنظر إليها من خارج تأطير الأصالة كإكزوتيكيّة. أعرض الصيرورة-العربيّة كـ”علامة حلولٍ حيويّة لكن لا-جوهرانيّة تتجاوز الفرديّة الليبراليّة وتفكّ إنحياز الجماعانيّة البشريّ التمركز” (برايدوتّي، ص. 152). في مشروعي البحثيّ، الكينونة العربيّة ليست موقعاً جوهرانيّاً ولا محمّلاً بالرومنسيّة. لا تستدعي هويّةً سابقة-الوجودِ أصيلة، وهي ليست معنيّة بمعارضة الغرب أو الإسلام. مفهوم الكينونة العربيّة يأتي مُشْبَعاً بوفرة من المعاني الممكنة. أستخدم الكينونة العربيّة بدلاً من اللبنانيّة لأعرّفها كـ صيرورة-ذاتيّات سياسيّة.
ثنائيّة غرب / عرب كصورة الفكر في نموذج إيروتيكيّ / إكزوتيكيّ
مفهوم الكينونة العربيّة الكويريّة يلفت إلى حاجةٍ لرسم خريطة جديدة للجنسانيّة الكويريّة المرتكزة على مقاربة ترحّلية وإيروتيكيّة للرغبات والملذّات بدلاً من إستراتيجية “التحرير من خلال الجنسانيّة” في سياسات الهويّة (برايدوتّي، 2011، ص. 285). الثنائيّات التي تعكسها علاقات تشريع زواج المثليّين /ات في الولايات المتّحدة وحجّة “المثليّة العالميّة” إبستمولوجيّاً وأونطولوجيّاً تبني على الأشكال المتضادّة من الذاتيّات المُجَنّسة الغربيّة والعربيّة. بالإستناد إلى أعمال دولوز ومفهوم لورد للإيروتيكيّ، يجب إعتبار هذه الثنائيّات “صور فكر” أو قوى مقدَّمة كإكزوتيكيّة تكتم الإيروتيكيّ.
“صور الفكر” هي توجّهات وجدانيّة تصير مسيّطرة في المجتمعات ومتعارفاً عليها كحقيقة أو التفكير السليم. هي “دوغمائيّة، محافظة المنهج، وأخلاقيّة” و”تحريفيّة” (دولوز، 1994، في “النقيب” 2013، ص. 466)، وتحدّ من إنتشار العواطف الجسميّة[13]. إلا أنها تختلف عن مفهوم الإيديولوجيا. صور الفكر هي أفكارٌ في المجتمعات العربيّة حول المثليّة كحالةٍ غير طبيعيّة (ماركس، 2015)، وأن الذاتيّة الجنسيّة تنحصر ضمن إطار الثنائيّة الضدّية غرب / شرق (تماماً كما مثليّة / مغايرة، رجل / إمرأة، إلخ). كيف نصوغ شكلاً من النضال السياسيّ من دون ترداد ديالكتيك النفي وصور الفكر؟ دولوز يعتبر النفي فهماً هيغيليّاً للذاتيّة يختصر الهويّات في تأطيرٍ زائفٍ يؤخّر قدرتنا على فهم تعدّديّة الإختلاف الموكِّد في الذاتيّات (لالور، 2015، ص. 11). من هنا، يجب على النضال العربيّ الكويريّ ألا يبدأ بنفي وتكرار ثنائيّة غرب / شرق. عوضاً عن ذلك، يجب أن يخوض في إشكاليّة أو تعدّديّة الإختلاف. بصفتها كذلك، الهويّات وثنائيّة غرب / شرق هي مشكلةٌ زائفة. وسياسات الهويّة التي تعرّف بالنضال ضد “المثليّة العالميّة” بهدف التصدّي للأطر الإمبرياليّة المسيطرة، تعتّم على “الإختلافات المختلفة” العربيّة الكويريّة الإيجابيّة التي يمكنها أن تُنتِج المزيد من الإختلافات (دولوز، 1990، في النقيب، 2013).
ولكن، الإمكانيّة المنتجة التي تتصل مباشرةً بقدرة الحقوق تحتلّ، على نحوٍ تناقضيّ، موقعَين مختلفين ومتواجهَين في الوقت عينه، ويمكن تصوّر هذا الفائض كإدارةٍ باطنيّةٍ للحقوق موجودةٍ كعنصرٍ غير متحقّق (لالور، 2015، ص. 12). هذه المفارقة في الحقوق يمكن أن تبيّنها صور مسيرة الفخر المثليّ للعام 2015 في سان فرانسيسكو إزاءها في إسطنبول حيث أطلقت الشرطة خراطيم المياه وقنابل الغاز على الناس في 29 حزيران / يونيو. في كلٍّ من هذين الموقعَين المختلفَين، يجب أن يُنظر إلى الحقوق كآلية ناشطة تتفاعل مع لحظاتٍ من الديناميّة في حالاتٍ مختلفة (المصدر السابق). يمكن لهذه الحجّة أن تعقّد المقاربة اللا-قانونيّة واللا-حقوقيّة التي عرضتها مناضلات “ميم”.
في “أحاديث”: “أيّ “حركة سياسية” في لبنان؟ نقاش في النسويّة والكويريّة” (2015)، تنشر سناء ه. مقتطفات من جلسة نقاشٍ عُقدت في أيّار / مايو 2015، شاركت فيها خمسُ عضواتٍ سابقاتٍ في “ميم” ومجموعة “نسويّة”. طال الحديث تجارب المشاركات وأراءهنّ في أزمات وإخفاقات الحركة السياسيّة النسويّة الكويريّة في لبنان، منظومة القيم في تنظيم المجموعة، والعلاقات الشخصيّة التي تشكّل الجماعة الكويريّة (سناء ه.، 2015). مع أن النقاش لا يعبّر عن المجموعة ككلّ، إلا أنه يقدّم بعضاً من السرديّات العديدة التي تمتلكها عضوات سابقات في “ميم”.
المناضلات الكويريّات في اللقاء أشرن إلى أن “ميم”، رغم وجود خلافات، دعمت حقوقاً وتدابير قانونيّة معيّنة:
لم نتخلّف يوماً عن العمل السياسيّ الحقوقيّ كقانون حماية المرأة من العنف الأسريّ، على الرغم من ملاحظات بعضنا عليه، وكنّا مستعدات للذهاب إلى الإضراب عن الطعام من أجل إقراره. لعلّ الأفعال الراديكاليّة تنبثق عن أهدافٍ تكتيكيّة محدّدة؟ (سناء ه.، 2015، ص. 97).
سناء تتصدّى لفكرة الأصالة الثقافيّة عبر إزالة الأقلمة عن المواقع السياسيّة لجهة الأنماط الثابتة للأهداف والنتائج:
كانت “ميم” مكاناً سياسيّاً ومسيّساً. ولعلّ ما جعل لـ”ميم” هويّةً خاصّة بها هو غياب الهدف التقليديّ المكتوب الذي يميّز عمل الجمعيات والحركات. (المصدر السابق).
كيف نفهم تناقضات ومفارقات شبيهة، مثل دعم الحقوق في مقاربةٍ لا ترتكز على المطالبة بالحقوق؟ وكيف يمكننا التفكير بمفهوم “غياب الهدف التقليديّ المكتوب” الذي صاغته سناء كصيرورة لا-هويّاتيّة؟
أن-تصيري-مناضلةً-عربيّةً-مرتحلة من خلال التناقضات، الخلافات، تكاثر الإختلافات
عمليّة أن تصيري عربيّةً كويريّةً مرتحلةً ليست تناقضاً ديالكتياً ولا إنكشافاً لجوهرانيّةٍ في الكينونة العربيّة بأسلوبٍ غائيّ. فالصيرورة المرتحلة هي “توكيدٌ على بنيّة الإختلاف الراسخة في الإيجابيّة، كآلية تغيّرٍ متعدّدة ومركّبة، جرفٌ من الصيرورات المتعدّدة، لعب التركيب، أو مبدأ اللا-واحد” (برايدوتّي، 2006، ص. 145). “التفكير بالذاتية العربيّة الكويريّة” ليس تعبيراً عن دونيّة-في-العمق عربيّة (أو كويريّة) ولا هو تشريعٌ لوعيٍّ متسامٍ. الصيرورة هي آلية في الوجدان والخيال الذي يفرغ الذات ويفتحها على لقاءاتٍ ممكنة. تجعل الشخص متلقٍّ لتجميعٍ من الأجساد، الأفكار، الأشياء، والمؤسّسات السياسيّة. ترقد على الإحداثيّات المكانيّة-الزمنيّة، لتعبّئ “قدرة الفرد على أن الشعور، الإحساس، المعالجة، وحفظ الأثر مع الماديّة المركّبة للخارج” (المصدر السابق، ص. 145). فهم الماديّة السبينوزيّة هو لا-متسامٍ وديناميّ، ويتيح لنا أن نتجاوز تشكّلات البحت خطابيّة. فهو يرسم خريطة الخيال الجماعيّ والرغبات المتشارَكة في تشكيل الشخص (المصدر السابق، ص. 147).
لقاء “ميم” إلتقط هذا “الإنتباه العائم (و) الحساسيّة السائليّة النافذَين إلى الخارج” (المصدر السابق، ص. 146). المشاركات بالنقاش يختلفن مراراً في ما بينهنّ ويستدعين مقارباتٍ وأفكاراً مختلفة من الماضي، الحاضر، والمستقبل عن كيفيّة بناء حركةٍ وجماعة. يسائلن كونهن قد شكّلن جماعةً ووجوب توحّدهنّ من عدمه” (سناء ه.، 2015).
في سعيها للتفكير بماهيّة الحركة السياسيّة في لبنان، تركّز غنوة على طبيعتها “المجزّأة والمفكّكة” (سناء ه.، 2015، ص. 94)، بينما أبدى/ت كيد عدم موافقةٍ على اعتبارهنّ /م قد شكّلوا /نّ حركةً سياسيّة، إنطلاقاً من أن “ميم” و”نسويّة” كانتا منظّمتين تروقان فقط للطبقات الوسطى والميسورة. يـ /تُطلق كيد الرغبة الإيروتيكيّة ضد الهرميّة الإكزوتيكيّة، مع الإصرار على جعل الطبقات جزءاً من تشكيلات النطاق السياسيّ المتعدّد والمركّب في نضالهنّ /م:
بصراحة، أنا لا أرى في “ميم” أو “نسويّة” حركة سياسيّة. في الواقع، التحرّك الوحيد الذي أسمّيه خركة كانت حملة إسقاط النظام الطائفيّ، لأنها الوحيدة التي كنت أشعر أني قد أجد أمي تسير فيها أيضاً. المعيار بالنسبة إليّ كان دائماً: هل تشارك أمي في هذا التحرّك؟ كانت مشكلتي مع “المسيرة العلمانيّة”، وحتى مع “نسويّة” و”ميم” و”حلم”، أن خطاباتها تتوجّه إلى طبقة معيّنة، وتفرض معايير طبقيّةٍ معيّنةٍ طالبةً من الناس “الصعود” إليها. (سناء ه.، 2015، ص. 95).
عبر إستخدام دلالات اللغة والطبقة مربوطةً بإستخدام الإنكيزيّة على حساب العربيّة، يـ /تفكّك كيد سياسة “ميم” الظاهرة في إستخدام العربيّة:
بالنسبة إليّ كشخصٍ من خلفيّة معيّنة، حيث لا نستخدم أيّ كلمات إنكليزيّة في البيت على سبيل المثال، كان عليّ أن أجاري متطلبات ونمط حياة الطبقة الوسطى والوسطى العليا حتى، لكي أجد مكاناً لي في ما يُسمّى “حركة سياسيّة”. (المصدر السابق).
رأي أليسار يأتي مخالفاً، إذ تؤكّد على أن “ميم” كانت حركةً سياسيّة “أنتجت أشخاصاً ماهرات /ين ومتمكّنات /ين في مجالات عدّة، وجمعت بينهنّ /م من خلفيّات ومتنوّعة ومتعدّدة، أنظرن إلى كلّ ما تبادلناه وتعلّمناه من بعضنا البعض، وكلّ ما أنجزناه، “بخصوص” المنتشرة على نطاق عالميّ، “بريد مستعجل”” (المصدر السابق، ص. 98). الخلاف بين كيد وأليسار حول ما إذا كانت “ميم” حركةً سياسيّة أو لا، يكشف عن ميكرو-حركات الطاقات التي تُكثِر المعاني، والأهم أنه لا يسعى وراء تطابق المعنى. هكذا تشتغل أنطولوجيا الصيرورة. مفهوم الحركة السياسيّة الثابتة مثلما تتصوّرها الأُطر الهويّاتيّة يحلّ ضمن الدوائر الخطابيّة-الماديّة المسيّطرة وينغرس في القواعد الأبويّة والهيمنة. في المقابل، يقدر التفكير بالحركة السياسيّة كصيرورة على الإحاطة بهذه التناقضات التي أشار /ت إليها كيد وأليسار. بالإقتران مع نقصٍ في التجانس تظهره معماريّة أن-تصيري-مناضةً-عربيّةً-كويريّة، هي تبرهن الحاجة إلى التخلّي عن إدراكنا للكلّيّ.
في الحقيقة، تشدّد جو على الطابع اللا-هويّاتيّ للحركة السياسيّة وتفصح عن الإنتاجيّة الثوريّة في التدفّق والإختلافات:
على الحركة أن تتخطّى حدود سياسات الهويّة. أعني، على أيّ حركة أن تأخذ بالحسبان الإختلاف المحتمل في سياسات الهويّة بين أعضائها، من دون جعل تلك الهويّات هدفاً لها (المصدر السابق، ص. 94).
لين تزيل الأقلمة عن تعريفها الثابت السابق لمعنى الحركة السياسيّة، وتمضي نحو تكاثرٍ يحفّز تخيّل جماعةٍ جديدة:
قلّلت من أهمية بناء المجتمع. لكن اليوم، أفكر، لعلّه من غير الممكن بناء حركة من دون بناء مجتمعٍ لها. (المصدر السابق، ص. 94).
عند هذه النقطة، ننتقل من نقاش الحركة السياسيّة (وتناقضاتها) نحو تركيزٍ على أهميّة الجماعة في هذه الحركة السياسيّة. فتتقدّم سناء بقلب تعريف السياسات النسويّة ومكاثرة إختلافات معاني النضال السياسيّ (أو “الفعل السياسيّ”) بدلاً من نفيها هي والمثال الديالكتيكيّ. تكاثر المعاني هذا في تعريف سناء يُشرك ميكرو-حركات لا تلتقطها التشكّلات الهويّاتيّة والخطابيّة. فهي تربط السياسيّ بالتضامن والوعيّ، ما يفسّر بدوره مفهوم الإيروتيكيّ. فتطلق تالياً قوى الرغبة الإيروتيكيّة لتنمّي العقلانيّة:
بالنسبة إليّ، إجتماع النسويّات معاً هو فعلٌ سياسيّ. أولاً، التعريف عن الذات كذات نسويّة هو فعل سياسيّ. وثانياً، تبادل الدعم والتكافل والتضامن على مختلف الأصعدة هو فعل سياسيَ أيضاً. (المصدر السابق، ص. 100).
بشكلٍ لافت، تتابع سناء وتلمّح إلى الآلية الإبداعيّة والإيجابيّة في الصيرورة، يحرّكها إحساسٌ وجدانيّ وإيروتيكيّ بالأمل المستقرّ. أنطولوجيا الإختلاف تؤكّد دفقاً متواصلاً من الرغبة لا يقوده نقصٌ، كمفهومٍ مشترك للجماعة المتخيّلة يجسّر هذه الفجوة:
أعتقد أن ما يبقينا معاً ويجمعنا هو الأمل الدائم ببناء حركة سياسيّة. فنحن نجتمع ونعود إلى بعضنا البعض في كثيرٍ من الأحيان، من أجل العمل على أمور تتعلّق بـ”ميم”. فليس المجتمع وحده هو ما يبقي الحركة موجودةً ومتماسكة، بل الحركة أيضاً تُبقي المجتمع موجوداً ومتماسكاً.
في هيكليّة مفترضٌ أنها غير منظّمة، تقترن الرغبة الإيروتيكيّة بإزالة الأقلمة للتفريق ما بين الميكرو والماكرو على مستوى التنظيم السياسيّ. إذ بينما تعتمد سياسات الميكرو على الجماعات الداخليّة لتقوّض مساحة الإكزوتيكيّ، تتحصّن سياسات الماكرو في صيغ التنظيم الثابتة:
هنا، بتنا نتحدث عن مستويين سياسيّين، الأول هو المجتمع السياسيّ المصغّر والشعبيّ، وعادةً يكون غير منظّم. والأخر هو الحركة السياسيّة الأكبر المبنيّة على التحالفات الإستراتيجيّة، وليس الأهداف التكتيكيّة، وتكون منظّمة ومهيكلة. (المصدر السابق).
في هذه المقتطفات، تفكّر مناضلات “ميم” بمفاهيم جديدة عبر محاولة تعريف مفهوم الحركة السياسيّة والجماعة، وتحقيق الإفتراضيّة ضمن خصوصية سياق بيروت الفعليّ. لا يجب أن يُنظَر إلى صوغ التناقضات، الخلافات، التكاثر، وغياب الأهداف سلبياً، فهو الحصاد الميكرو-سياسيّ والمرتحل للإفتراضيّ الذي يمارس التجريب مع الوطآت الإيجابيّة. العاطفيّ، تالياً، يولّد آلية الصيرورة عبر تمزيق المساحات الهويّاتيّة التي تسيطر عليها البنى المهيمنة للتنظيم والحركات.
أن-تشعري-بأنك-كويريّةٌ-عربيّةٌ /سمراءٌ، أن تشعري بالقنوط
المراجعة الدولوزيّة للنضال تحفّز وتتخيّل سرديّة أن تكوني / تصيري بصفتها لا تقاوم فحسب شدّ الأطر الهويّاتيّة للعقلانيّة، بل تعتبر أيضاً “أن-تشعري-بأنك-كويريّةٌ-عربيّةٌ /سمراء” موقفاً أخلاقيّاً للصيرورة (مونوز، 2006). إنطلاقاً من سؤال غياتري سبيفاك الشهير “هل يمكن للتابع أن يتكلّم؟” (1988)، أودّ أن أحوّر التركيز باتجاه أسئلة “كيف يشعر التابع؟ كيف يمكن للتابعين /ات أن يشعروا /ن ببعضهم /نّ؟”” (مونوز، 2006، ص. 677). إن ذلك وثيق الصلة بجماعة النضال الكويريّ في بيروت، التي يمكن النظر إليها كتابعٍ إزاء الخطابات الوطنيّة والغربيّة الإمبرياليّة الأكثرويّة.
أساليب “الشعور بالسمار، الشعور بالقنوط” بالنسبة إلى الجماعة في بيروت وتجاربها مع الإحباط والخيبة، يجب أن يُنظر إليها كصيغة تنتجها الخصوصيات الوجدانيّة مرمّزة تبعاً لذاتيّات عرقيّة (المصدر السابق، ص. 679). وجدانيّات الذاتيّات العربيّة (الكويريّة) وصيَغ الإحباط تنتمي إلى الدائرة الأقلويّة. بالإضافة إلى الإحساس بالغضب والإحباط، من الهام لفت النظر في اللقاء أيضاً إلى السرديّة المتكرّرة على ألسنة بعض المشاركات عن أخطاء الحركة السياسيّة وإخفاقاتها. بحسب لين:
كانت هناك جهودٌ لنبني حركة، لكننا بنينا مجتمعاً من النساء الكويريّات، والترانس، والنسويّات، وغير ذلك، وكان هذا مجتمعاً بديلاً نوعاً ما في لبنان. لكن، إذا أردنا الحديث عن الحركة، علينا التفكير في تحالفاتنا وعلاقاتنا مع منظّمات وقضايا أخرى، ولا أعتقد أننا نجحنا في ذلك. فنحن اكتسبنا “شرعيّة” ما في نظر هذه الجمعيّات، عندما رأى أعضاؤها أن بإمكاننا الحشد في التظاهرات والإعتصامات، بينما كانوا هنّ /م يحشدون عشرة أشخاصٍ في تظاهراتهنّ /م. عندها، أراد هؤلاء أن ننضمّ إليهنّ /م. لكن، هل تحدّثن /وا يوماً عن قضايا كويريّة؟ عن حيوات بديلة؟ كانت قضايانا مُسكّتة في إجتماعاتهن /م، حتى عندما كنّا حاضرات فيها. (سناء ه.، 2015، ص. 103).
فشل إستراتيجيّات النضال الكويريّ يجب أن يؤطّر كلقاءٍ هو لحظةٌ تدفعنا للتفكير بدلاً من الفعل بموازاة صور الفكر أو ممارسات مُسبقة (دولوز، 2011، في لالور، 2015، ص. 13). ففي هذه اللحظة تحديداً، تمكن عرقلة صور الفكر ورؤية التحقّق الممكن للصيرورة العربيّة الكويريّة. يـ /تعبّر كيد عن مشاعر الخيبة:
أشعر بالضيق عندنا يربط بعضنا مصير الحركة السياسيّة بانتهاء “نسويّة” أو “ميم” مثلاً، ما يجعلها متمحورة حولنا فقط. (المصدر السابق، ص. 95).
كذلك، تنتقد لين الإستراتيجيّات المعتمدة سابقاً في “ميم”:
نحن عشنا وهماً بأننا مختلفات عن نظام المنظّمات غير الحكوميّة، إذ كنا نرى عملنا مسيّساً وشاملاً، وآمنّا بأننا سنغيّر العالم. (المصر السابق، ص. 96).
تذهب غنوة إلى أبعد معتبرةً أن إستراتيجيّات “ميم” لم تكن راديكاليّة بما فيه الكفاية:
أعتقد أن سبب فشلنا هو أننا لم نخاطر بأنفسنا أو بأجسادنا، لم ننزل إلى الطرقات ولم نثِر الشغب. كنا حركة مريحة تخوض نضالاً مريحاً، وآمِناً. لعلّ اللحظات الحاسمة كانت تلك التي خرجنا فيها إلى المجال العام، وحضرنا فيه بأجسادنا الكويريّة. (…) كنّا النسويّات اللطيفات الناشطات في الإطار المقبول. (المصدر السابق).
الحدث الدولوزيّ ليس ماديّاً ولا محقَّقاً، ولا يمكن استباقه: يقوم على حركة إفتراضيّة (رينولدز، 2007، في لالور، 2015، ص. 14). إلى ذلك، تحدّد اللقاءات العلاقات الجديدة، فيمكن بعدها تحقيقها وتحريرها عبر الأحداث. تُلتقط الصيرورة في إقتلاع كما تكرار التفرّدات في التوليفات الجديدة التي لم يُفكّر بها. يمكن وصف هذه الآلية كـ”تكرارٍ للمستقبل، تكرار الجديد” (لالور، 2015، ص. 15). بهذا المعنى، يتلاقى التفكير بإمكانيّة نضالٍ عربيّ كويريّ مع إعادة التفكير بـ”الإختلافات المتخلفة” عبر العلاقاتيّة، الإلتباس، والإعتراف بالفشل.
التفكير بـ”الإختلافات المختلفة” العربيّة الكويريّة في الزمن
في مفهوم الحدث واللقاء، تفيد الزمنيّات الدولوزيّة في فهم مستقبل الصيرورات العربيّة الكويريّة كتحقّق للأحداث الإفتراضيّة أو “ذاكرة ماضٍ أخر” (الساجي، 2004، في لالور، 2015، ص. 16). بصفتها كذلك، تسرد المشاركات في لقاء “ميم” الخطّ الزمنيّ للحركة عبر صياغة لائحةٍ بالمراحل والتغيّرات الكثيرة على المستويين السياسيّ والشخصيّ. آليات الميكرو-سياسة هذه بين القوى تبقى غير مستقرّةٍ باستمرار، فيتوجّب على النضال الكويريّ في العالم العربيّ أن يخوض في سياسة اللا-محسوسيّات، التي تُشرك قوى تنتج تغيّرات عبر تصنيفات العمل، وليس الذاتيّة (غروسز، 2005، في لالور، 2015، ص. 17). بشكلٍ خاص، أن-تصيري-لامحسوسةً هو ما تفهمه برايدوتّي كإندلاع أحداثٍ تطبع أنطولوجيّات سياسيّة جديدة وتشيّد مستقبلات مستدامة (برايدوتّي، 2006، ص. 152).
في حالة “ميم”، وبينما المشاركات منخرطات في سياسةٍ لامحسوسة تسائل مفهوم الظهوريّة، تراهنّ خضن أيضاً في نقاشات حول التضمين / الإقصاء. تمتاز أفعال “ميم” بالحركة الدائمة. الحركة، القوى، الوطآت في فعلٍ ما هي أنماط صيرورة، وتختلف تلك الأنماط عن تلك الحاضرة في سياسات الهويّة. البحث عن الحركة واللا-ثقة في سياسة اللا-محسوسيّة أو دائرة الميكرو-سياسات (في حوياتهنّ اليوميّة) يمكن أن يحقّق الحركة العربيّة الكويريّة الإفتراضيّة. تبدو مناضلات “ميم” وكأنهن كيانات منغرسة ومتجسّدة، منغمسةً في شبكةٍ من التدفّقات، التفاعلات، والمفاوضات الوجدانيّة مع أنفسهنّ ومع كيانات أخرى. مثلاً، لين تشارك شعوراً بالشلل، أنظر إليه كعاطفةٍ جسديّةٍ تبعث قواها الإيروتيكيّة نحو التحرّر من السياسات العنصريّة والوطنيّة عبر فهم الإختلافات. الوطآت المتصاعدة تحوّلت من معرفة لين الإيروتيكيّة إلى إزالة الأقلمة عن الماضيّات، ويمكن لهذه الطاقات السياسيّة المبدعة أن تتحرّك وتحقّق نضالاً عربيّاً كويريّاً:
شخصيّاً، أشعر حالياً بنوعٍ من العجز، بشكلٍ أساسيّ بسبب الوضع السياسيّ العام. أنظري ماذا يحدث في البلد، وعلى الحدود مع سوريا وفلسطين المحتلّة، كما في داخل سوريا ومصر. إذا نظّمنا أنفسنا، كيف سنعمل؟ على أيّ قضايا؟ كيف سيبدو نضالنا في مواضيع الجنسانيّة مثلاً، في سياقٍ يتغيّر بسرعةٍ فائقة، ولا يبدو المستقبل فيه واضحاً ولو بنسبةٍ بسيطة. لقد تغيّرت الأولويّات. (سناء ه.، 2015، ص. 101).
يبدو الإلتزام بالزمنيّة في حركتهنّ الكويريّة وكأنه يرغب بحاضرٍ حيّ وتمكينيّ، فيحيا تالياً في الكثافة والمستقبلات الممكنة المتكشّفة (المصدر اسابق، ص. 154).
ومع ذلك، يلوح خطرٌ أخر يجب التنبّه له. تحقّق إمكانيّة هذه المستقبلات يتكئ على التفكير بقوى الحاضر الوجدانيّة والجماعيّة (برايدوتّي، 2009، في الور، 2015، ص. 8). بينما هذه المقاربة المولِّدة لقوى التفكير بالحاضر هي محوريّة، هناك خطرٌ في أن تعلّق وعوداً مستقبليّة شبيهة بـ”صيرورة عربيّة كويريّة” في “صور الفكر” و”سيناريوهات السعادة” (أحمد، 2010، في لالور، 2015). “صور الفكر” هذه حول السياسة الكويريّة يمكن أن تقيّد قدرات الفعل لمّا تسعى للتفكير و”التعليم” حول كيف يجب على المستقبل “العربيّ الكويريّ” أن يبدو (بالمقارنة مع الحاضر المؤقّت التخلّف). فكيف يمكننا أن نفكّر بمفاهيم المستقبل ضمن سياسة عربيّة كويريّة موكّدة، بينما نتفادى فخّ “صور الفكر” وسرديّة الغائية / التطوّر التي تعيد إنتاج سياسات تحرّريّة / هويّاتيّة؟ يمكن لأطر العمل التي يحضر فيها الوقت والمستقبليّة بلا-خطيّة وتعدّدية في الأبعاد أن تساهم في فهم سياسةٍ لا ترتكز على سياسات هويّة جدليّة ومتعاكسة. يجب فهم الزمنيّة كقوّة كامنة في الآليات التوليديّة، لا تتحقّق أبداً، ولا هي ببساطة إستنساخٌ للماضي.
الخاتمة
بالإستناد إلى سياسة مجموعة “ميم” في بيروت، ترفض أخلاقيّات صيرورة-الذاتيّة العربيّة الكويريّة المرتحلة صيغة الأخلاق العالميّة في “المثليّة العالميّة”، عبر المجادلة في النموذج الإيروتيكيّ / الإكزوتيكيّ. مقاربتي التوكيدية لـ”الإختلافات المختلفة” تتحدّى فرضيّة الهويّات الجنسيّة الثقافيّة الأصيلة التي حافظت على الثنائيّة الضدّية غرب / شرق، مثلما تمّ رصدها في التفاعل على الإنترنت مع قانون زواج المثليّين /ات في الولايات المتّحدة. الموقع غير الثابت واللا-محسوس للمجموعة على “فايسبوك” والذي أشير إليه بوصفه صيرورة عربيّة كويريّة، هو سلاحٌ لإستعادة الرغبة الإيروتيكيّة، التي تزيل الإستعمار وتقاوم الإكزوتيكيّة في الخطابات التطبيع المثليّ / رهاب المثليّة.
القراءة المتأنيّة للنقاش بين مناضلات “ميم” تظهّر توتّرات الصيرورة، إن في صعوبات تعريف ماهيّة الحركة والجماعة أو في كيفية تقديمها العلاقاتيّة، العاطفة، المستقبليّة، الترحّل، واللا-توقعيّة. تبدو هذه الجماعة وكأنها تحاول صوغ “المساحات في الوسط” كمساحاتٍ للقاء والكثافة بينما تتعلّم النطق بلغةٍ جديدة (برايدوتّي، 2011). بشكلٍ خاص، النضال العربيّ الكويريّ اللاهويّاتي المتمثّل في هذا النقاش يفكّر بـ”إختلافٍ مختلف” إيروتيكيّ لسياسةٍ كويريّة توكيديّة في العالم العربيّ. في فكفكة هذا السؤال، يوفّر مفهوم سياسة الموقع، بحسب برايدوتّي، الأرضيّة للمحاسبة السياسيّة بالإرتكاز إلى رؤيةٍ للشخص كمرتحل ولا-وحدويّ، وبالتالي قادرٌ على التشديد على تعقيد صيرورات المستقبل بالنسبة إلى الشخص العربيّ الكويريّ.
ميكرو-سياسات التنظيم السياسيّ، التي ربطتها بالقوّة الإيروتيكيّة لدى لورد، تهزم منطق التطابق. عبر تظهير تعبير الحركات الأقلويّة، يمثّل لقاء “ميم” إزالة أقلمةٍ عن الماكرو-سياسات وجعلها كويريّة (رينولد ورينغروس، 2011، ص. 396). تزعزع الستاتو-كو الراهن عبر إظهار أن النضال لا يمكن ولا يجب أن يكون معمّماً. عوضاً عن ذك، يجب أن يتم تبنّي الإختلافات بما أن الأجسام منغرسة ومتكشّفة ضمن المساحات. المشاركات في لقاء “ميم” تبدون مشتاقات نشاطٍ إيجابي محتمل في المستقبل من أجل كسر قيود “التكرار-بلا-إختلاف” (برايدوتّي، 2006، ص. 154). يجري التفكير بالتركيب، التعدّد، والبحث عن التهجين في النضال الجنسانيّ. مناضلات “ميم” يعبّرن عن القوّة المطلقة للذاكرة، وهي قوّة تكرار المستقبل.
هوامش
- ↑ “ميم” لم تعد موجودة على شكل مجموعة دعم “منظّمة” منذ 2014، علماً أنها وُجدت خلال الفترة الممتدّة من 2007 إلى 2014. عندما أحكي عن “ميم” في ورقة البحث هذه، أعني تجمّعات العضوات السابقات في “ميم” اللواتي يشكّلن راهناً جماعة /شبكة نضاليّة كويريّة “غير رسميّة” في بيروت، وينخرطن في مشاريع نضاليّة متنوّعة.
- ↑ أستعير توصيف “منغّصات نسويّة” من سارة أحمد (2010)
- ↑ أبو عودة (5 أيار / مايو 2015) انتقدت الاكاديميا المعادية للإمبرياليّة والمستقرّة في أميركا، التي تهتم المناضلين /ات المحليّين /ات في قضايا الجندر وم.م.م.م. في العالم العربيّ بالتواطؤ مع الإمبرياليّة الغربيّة. هذه المجموعة من الأكاديميّين /ات تأتي غالباً من الشتات العربيّ، ومن الطبقات الإجتماعية الوسطى العليا، وبنبرة أولياء الأمر السلطويّة تجاه “المناضل /ة الساذج /ة” وإعادة انتاجه /ا للأمبراطورية. كذلك، أشارت أبو عودة إلى أن هذه المجموعة الناقدة نادراً ما تمتلك تاريخاً من النضال السياسيّ أو الإضطهاد /النفي، وإنما هي تستفيد من الرأسمال /الحظوة (الأكاديميّة) الأميركيّة التي تنتقدها. علاوةً على ذلك، يوجد تقاربٌ لا يمكن تجاهله ما بين موقف المجموعة الأكاديميّة المعادية للإمبراليّة المستقرّة في الولايات المتّحدة وموقف القوميّة / الإسلاميّة المحليّ السياسيّ. فكلاهما يتحلّان الكلام عن القمع الجندريّ والجنسانيّ.
- ↑ المفهوم الدولوزي عن السياسات الأكثرويّة (أو الطاحِنة) يُفهم كإطار عمل للذكر الأبيض، الليبرالي، محوريّ الإرتكاز على الذكورة، الذي يعيد إنتاج منطق الهرميّة المهيمن والأنماط التطبيعيّة من المقاربات السياسيّة، محدّداً لمحورٍ في الزمن. في الإتجاه المعاكس، فإن مفهوم الأقلويّة /الجزيئيّة هي الحركة اللا-جوهرانيّة، اللا-هويّاتيّة، والإنسياب السياسيّ على شكل صيرورةٍ موكّدة (برايدوتّي و دولفيجن، 2014، ص. 27)
- ↑ إثر القرار الذي أصدرته مؤخراً المحكمة العليا الأميركية، رسم الفنان المستقرّ في رام الله خالد جرّار قوس قزحٍ على جدار الفصل الإسرائيليّ، يوم الإثنين 29 تمّوز / يوليو 2015. دافع عن عمله بالقول أنه “تعبير دعمٍ للمطالبة بحريّة الشعب الفلسطينيّ المحتلّ” (شمس، 30 حزيران / يونيو 2015). مع حلول ليل الإثنين، كان علم قوس القزح قد دُهن بطلاءٍ أبيض خلال مسيرةٍ عامّة. اعتبر بعض الناس العمل مهيناً للأسرى والأسيرات الفلسطينيّات في سجون إسرائيل، نظراً لوجود غرافّيتي مجاور يطالب بإطلاق سراحهم /نّ. أتى مؤيّدو /ات هذا الموقف على تعابير معادية للمثليّة، ضمنيّة وصريحة. “القوس”، مجموعة فلسطينيّة كويريّة تخوض في النضال المعادي للغسيل الورديّ، أصدرت بياناً يدين التصريحات المعادية للمثليّة (“القوس”، 30 حزيران / يونيو 2015). في الوقت عينه، ساءل البيان عن خيار رسم قوس القزح وتهميش نضالهن /م الكويريّ الذي يعود تاريخه إلى 10 سنوات وسياساتهنّ النسويّة والمعادية للإحتلال، التي تختلف جذريّاً عن حركة م.م.م.م. الغربيّة.
- ↑ . أُسلّم بأن العديد من أكاديميّي /ات ما بعد الإستعمار مثل ترين مين-ها، أودري لورد، بل هوكس، غاياتري سبيفاك، غلوريا أنزلدوا، فرانتز فانون، وإدوارد غليسان قاربوا /نّ مفهوم الإختلاف، وبالتالي فمن الممكن الإستعانة بهذه الأعمال في التنظير لذاتيّة عربيّة كويريّة. إلا أن هذه الورقة البحثيّة تحدّ نفسها بالخوض في فلسفة دولوز / برايدوتّي، بينما تستدعي مفهوم لورد عن الإيروتيكيّ، وبالتالي يمكن اتهام الورقة بالإتّكال المتمادي على الفلاسفة الغربيّين /ات بدلاً من الإرتكاز على النسويّات ذوات البشرة الملوَنة. ومع أن هذا النقد يبقى محقّاً، فإني أذهب إلى أبعد من ثنائيّات غرب /شرق الضدّيّة عبر استخدام الأطر النظريّة التي أعتبرها الأنسب لهذه الورقة.
- ↑ استخدم دولوز وغاتّاري إزالة الأقلمة للإشارة إلى نزوح الهويّات، الأشخاص، والمعاني، ولتحديد موقع إزالة إلفةٍ تمكِّن الخيال لدى جماعةٍ قابلة، حتى لمّا ينتج عزلة أو اغتراباً (كابلان، 1987، ص. 188)
- ↑ بوحي من أعمال دولوز، تعرّف برايدوتّي الذاتيّة المرتحلة بصفتها لا-ثابتة، لا-وحدويّة، ولا-جوهرانيّة. تستخدم تصوير الترحّل للإشارة إلى الحركة، التحوّل، التعدّديّة، واللا-تعريف في تفكيرٍ فلسفيّ، غير مرتحل، ومحوريّ الإرتكاز على الذكورة (2011، ص. 22-24)، ما يصفه دولوز بإزالة الأقلمة. بالتناقض مع الأمثلة الإزدواجيّة في التشييديّة الإجتماعيّة، تنظر المقاربة المرتحلة إلى الجسم بصفته “عتبة التغيّرات (و) متعدّد الوظائف ومركّب، يحوّل التدفّقات والطاقات، الوجدانيّات، الرغبات، والخيالات” (برايدوتّي، 2011، ص. 25). الترحّل هي نظرة لا-جوهرانيّة للذاتيّة في فلسفة الإختلاف الما بعد البنيويّة، توجّه الإنتباه إلى المقاربات النسويّة للتجسّد.
- ↑ يفهم دولوز وغاتّاري الرغبة بصفتها غير ذاتيّة، وكمختلفة عن التوق إلى ما لا نملكه. بكلماتٍ أخرى، الرغبة ليست موجّهة نحو نقص. بالأحرى، هي عملية العقلنة والتلذّذ بالمادّة والقوى المندفعة عبر الأجساد في شبكات إنتاج (2009). عاوة على ذك، فإن التجميعات الإجتماعيّة تُعتبر “تراكيب الرغبة”، و”لا علاقة للرغبة بإرادةٍ طبيعيّة أو عفويّة. لا توجد رغبة بل جمع، مجمّع، رغبة” (1980، ص. 399)
- ↑ مفهوم دولوز عن الإختلاف المختلف / إزالة الأقلمة يتناسق مع مفهوم بابا عن المألوف الموحِش. بابا (1992) يتناول البيت وحسّ الإنتماء بانياً على مفهوم فرويد للمألوف الموحِش، الذي يدلّ على الإحساس بالإنسلاخ عند مصادفة شيءٍ مألوف ولكن مخيف يبقى في دائرة الحميميّ. بابا يشرح أن حسّ الإنتماء اهتزّ استقراره عبر مفهوم المالوف الموحِش، لأنه ليس نقيضه أو عدم إمتلاك بيت. الحدود بين البيت والعالم تغيّر مكانها. المأوف الموحِش هو مساحة الما-بين، بين العالم والبيت، بين العام والخاص.
- ↑ في لبنان، على الرغم من أن المادة 534 من قانون العقوبات تُستخدم تجريم “المجامعة خلافاً للطبيعة”، وبالتالي المثليّة الجنسيّة، تم تسجيل حكمَين قضائيّين خلصا إلى أن “المثليّة لا تخالف الطبيعة” (كيلبرايد، 8 آذار / مارس 2014). في الوقت ذاته، نفّذت الشرطة عدداً قليلاً من المداهمات استهدفت رجالاً (مثليّين) من الطبقة العاملة والمهاجرين في حمّامٍ عام وفي دار سينما. أيضاً، فإن عدم الإمتثال الجندريّ الذي تبديه الترانس-فامز يجعلهنّ أكثر عرضة لعنف الشرطة، وهي مثقلة بكراهيّة النساء، وهي تطال أيضاً النساء ال”سيس”. تالياً، من الهام الخوض في تحليلٍ يلحظ الطبقة والجندر (يشمل النساء الترانس) عند معالجة خصوصيّات النظام القانونيّ اللبناني إزاء المثليّة. المقاربة التي تحكي عن “الجنس الطبيعيّ” هي مقاربة إشكاليّة.
- ↑ 12. للقراءة عن نضال “ميم” في حركة المقاطعة، مثلاً حملة العام 2011 التي دعت المنظمات الأعضاء في تحالف شباب وطلبة م.م.م.م. العالميّ إلى التفاعل مع دعوة “بي دي أس” ومقاطعة إسرائيل، تمكن مراجعة: http://www.bekhsoos.com/2011/06/call-for-iglyo-member-organizations-vote... كثيراً ما نشرت مجلة “بخصوص” الإلكترونيّة مقالات وأشعاراً بالعربيّة، وعالجت أهميّة الكتابة بالعربيّة وإعادة إختراعها، إما عبر إبتكار كلمات أو إستعادتها. على سبيل المثال، كاتبة مقال “خصخصنا العربي” أصرّت على وجود حاجةٍ للتدرّب على إستخدام اللغة العربيّة في التواصل وإنتاج المعرفة حول الجندر والجنسانيّة: http://www.bekhsoos.com/2010/05/gayifying-arabic
- ↑ مفهوم العاطفيّ لدى سبينوزا هو القدرة الجسميّة على الدخول إلى أنماطٍ من العلاقة مع أخرين متعدّدين، والتأثّر والتأثير فيهم /ن بشكلٍ مستمر. غريغ وسيغوورث يعرّفان العواطف بصفتها تبرز “في خضمّ الما-بينيّة: في القدرات على التصرّف وتلقّي التصرّف. العاطفة هي إرتطامٌ أو إطلاق حالة علاقةٍ لحظيّة أو أحياناً أكثر مداومة كما المرور (ومدّة المرور) لقوى وكثافات” (2010، ص. 1)