وثيقة:الإعتداء الجنسي في الصحراء الغربية بين تستر القبيلة وتواطؤ الدولة
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | نحو وعي نسوي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | نحو وعي نسوي |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2019/11/07/الإعتداء-الجنسي-في-الصحراء-الغربية-بي/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.vn/iUopS
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي
لم يكن الاعتداء الجنسي يوما ظاهرة غريبة على المرأة الصحراوية، التي عانت من الانتهاكات الجنسية بدءًا بالتحرش وصولا للاغتصاب والعنف منذ أمد بعيد، إلا أن التغيرات الكبرى التي طرأت على منطقة الصحراء الغربية بفعل الاستعمار الإسباني وبعده المغربي وما خلفه غزو هذا الأخير من تشريد وتقسيم للشعب الصحراوي، ستؤسس للعنف الجنسي الممنهج الذي تعاني منه الصحراويات إلى اليوم، إضافة للاعتداء الجنسي اليومي الذي يتغذى من ثقافة ذكورية تجيد تطبيعه والتغطية على مجرميه.
إن ظاهرة الإعتداء الجنسي في السياق الصحراوي ليست ظاهرة معزولة أو نادرة الحدوث كما تعمل المنظومة الأبوية على تقديمها من خلال منع الحديث عنها وإحاطتها بسياج العار الذي يلحق بالضحايا وعائلاتهن، بل هي شمولية وتتسم بالتكرار نظرا للثقافة الذكورية التي ترسخ الإعتداء الجنسي كوجه لإحكام السيطرة على النساء.
"قبل سنة تعرضت فتاة صحراوية 19 سنة من مخيمات اللاجئين لاغتصاب جماعي على يد 7 رجال. وعند تقديمها لشكاية لدى السلطات اتهموها بالكذب والعهر."
لكننا نواجه باستمرار طمسا ممنهجا لهذه الجرائم مما يدفعنا للتساؤل عن الدور الذي تلعبه الدولة والقبيلة في تطبيع العنف الجنسي وشرعنته.
وعن كيف يؤثر غياب الإحصائيات والمنظمات النسوية في تحقيق العدالة للناجيات؟
المرأة الصحراوية من انتهاك الدولة لانتهاك القبيلة وإدامة العنف الجنسي:
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا كبيرا في جرائم الاعتداء الجنسي خصوصا جرائم الاغتصابات الجماعية التي شهدتها مخيمات اللاجئين/ات، لكن عوض أن نشهد تحقيقا للعدالة أو خطوات رسمية تجاه تتبع أثر هذه الجرائم، عادت للواجهة السلوكات القديمة الجديدة للأبوية الصحراوية، فإلى جانب الإنكار المجتمعي ولوم الضحية، نجد تواطؤ المؤسسات الرسمية مع الجناة ليس فقط من خلال انكار الجريمة وعدم وجود قوانين واضحة وصريحة تجرم الاغتصاب والتحرش ورفض التحرك في اتجاه سنها، بل تحرص الدولة الصحراوية على اعتقال وسجن من تبلغ عن الاغتصاب ومن اغتصبها لمدة سنتين أو تزويجها إياه بتسوية قبيلة. وفي حالات نادرة يسجن المغتصب ستة أشهر ويخرج بعد صلح قبلي.
"من الأمور التي تحرص عليها الدولة الصحراوية هي اعتقال وسجن مرتكبي الاغتصاب وضحاياهم لمدة سنتين، وبعدها يتم تزويج الضحية، هذا في حالة تدخل الدولة اما في حالة تولي العائلة والقبيلة القضية، فيتم تزويج الضحية بمغتصبها لغسل “عار” أن تلك الفتاة المغتصبة لم يعد لها “شرف” ولم تعد مرغوبة بل هي “نجسة” ويجب تزويجها لحفظ كرامة العائلة والقبيلة. هذه الممارسات لا تدل سوى على سيادة الذكورية وطغيان الأبوية في الدولة وتحكمها في النساء"
لا يكشف هذا حجم كراهية النساء وانتهاك حقوقهن القانونية كمواطنات فقط، بل يعطي تفسيرا واضحا عن تفاقم جرائم الاعتداء الجنسي وأخذها طابعا أعنف في كل مرة. وكيف تفضل معظم الناجيات ألا يبلغن السلطات نظرا لحمولة التجريم التي سيتعرضن لها.
من جهة أخرى تظهر القبيلة أمام كل جريمة تتعرض لها امرأة ما خصوصا الجرائم الجنسية، كحائط منيع أمام أي تجريم للجناة. إذ تتدخل في حالة سجن المغتصب أو المعتدي وترسل “سربة” من قبيلته لقبيلة الضحية للضغط عليهم للتنازل وتزويج الضحية من مغتصبها أو تطوع أحد أبناء عمها للزواج منها و “غسل عارها”، حيث ينظر للناجية من الاغتصاب أو من بلغت عن التحرش، بأن “شرفها” قد تم تدنيسه وألحقت العار بعائلتها وقبيلتها وعليه لابد أن يظهر رجل ليخلصها من حالة العار هذه. فالمرأة في الوعي الجمعي الصحراوي لا ينظر لجسدها إلا داخل بعدي الجسد المقدس والجسد المدنس ويختزل حضورها في إثارة الرغبة والفتنة والغواية. لذلك لا تؤخذ الجرائم ضدها على محمل الجد فهي ليست ذاتا مستقلة بل هي ملكية للعائلة والقبيلة وهذه الأخيرة من تحدد مدى استحقاقها للعدالة والذي يخضع لمقاييس أبوية تحمل المرأة دائما جريمة لم ترتكبها.
لا يعد تدخل القبيلة كمفوض للعنف الجنسي وحامية للمعتدين شيئا جديدا، فقبل أن تعرف الصحراء الغربية الإستعمار الذي خلف واقعا سياسيا واجتماعيا مغايرا، كان التجمع القبلي ينتهك العدالة من خلال طقس الصلح بين الرجال وتزويج الضحية بمغتصبها في مشهد تغيب عنه من تعرضت للجرم إذ يعد رجال عائلتها وقبيلتها هم المركز الذي يجب أن يقدم له الاعتذار لانتهاك “عرضه” و “شرفه” ، العرض والشرف ذلك الغول الجاثم على مصائر النساء ويختبرن من خلاله أفظع أنواع الانتهاكات يمثل بالنسبة للأبوية صمام الأمان الذي سيواصل مسلسل الإخضاع والترهيب.
فالوصاية العنيفة والتحكم والمحاصرة وجعل المرأة محكومة بجسدها ومحكوم عليها بما ألصق به من قيم، تحيل للخضوع والتهميش وجعل الجسد يتأرجح بين بعدي “الطهارة/الدنس” و “الشرف/العار”. وهو ما يرسخ العنف والإعتداء الجنسي تجاه النساء والذي لا يمكن عزله عن سياق التمثلات والمفاهيم المنتجة عن جسد المرأة فيكون استخدام الإعتداء كسلاح هيمنة واخضاع و “تدنيس” و “سلب” نابع أساسا من صورة الجسد الأنثوي في المخيال الإجتماعي.
ولا يمكن القضاء على هذه الإنتهاكات والعنف أو تقديم المساعدة للنساء اللواتي عانين منه دون تفكيك هذه المفاهيم والتمثلات، وفهم عدم مقدرتهن على مشاركة تجاربهن مع العنف في سياق الصمت والخوف واللوم المضروب على أجسادهن.
إن تفشي حمولة العار ولوم الضحية والتستر على الاعتداء الجنسي ومرتكبيه لم تؤثر على النساء اللواتي تعرضن لهذه الجرائم من طرف صحراويين سواء داخل مخيمات اللجوء أو الأرض المحتلة فقط، بل أثر حتى على مشاركة الجرائم الجنسية التي تعرضت لها النساء الصحراويات من قبل قوات الغزو المغربي سواء في المدن والبوادي أو في المعتقلات السرية.
فمعظم ما تمت مشاركته عن جرائم الغزو لم يتطرق للتعذيب بالعنف الجنسي الذي يعد عقيدة ثابتة في تعامل الأنظمة الشمولية والمحتلة مع الثائرات والإنتقام منهن ونشر الرعب في صفوف الشعب. ويمكن تفسير هذا الصمت المريب وعدم تشجيع الناجيات على مشاركة تجاربهن من خلال توفير مناخ من الأمن والثقة والدعم، أن مشاركة هذه التجارب ستشجع نساءا أكثر على كسر الصمت وستعطي تحليلا جديدا ينظر للاعتداء الجنسي من زاوية نظرية الهيمنة، مما سيجرد النظام السياسي والاجتماعي من سلاح لطالما رفعه في وجه النساء ناهلا من المنظومة الأبوية وقيمها التي رسختها عن جسد المرأة وعلاقات التراتبية السائدة من هندسة الفضاءات العامة والخاصة (الشارع، المؤسسات، المنزل..) بشكل هرمي يفوض ممارسة السلطة على النساء والأطفال.
وقبل أن نختم هذا الجزء الخاص بدور الدولة والقبيلة في إدامة العنف الجنسي سنتطرق لدورهما في مفاقمة المعاناة إذا كانت الضحية من الأقليات الاجتماعية مثل فئة “لمعلمين” و “لحراطين”.
حيث تواجه النساء السوداوات والحرفيات في المجتمع الصحراوي انتهاكا مضاعفا نظرا لهشاشة موقعهن الجندري والعرقي والطبقي، إذ لا تصنف الجرائم الجنسية التي يتعرضن لها كإعتداء، ذلك أن رمزية المرأة السوداء والحرفية في المخيال الاجتماعي الصحراوي لا تخرج عن ذهنية الرق والعنصرية التي كرستها البنية الدينية عن الإماء كمتاع يحق للرجل الاستمتاع به خارج إطار الزواج فيتم التعامل مع الاعتداء الجنسي عليهن خصوصا إن كان من رجال ينحدرون من القبائل المهيمنة بنوع من عدم الإهتمام وأحيانا بالسخرية.
ولعل الاغتصاب الجماعي الذي تعرضت له فتاة سوداء السنة الماضية من قبل شباب ينتمون لمكونات قبيلة من أعلى الهرم، وتعمدت السلطات عدم التحقيق في الجريمة رغم وجود كل الدلائل المادية التي تشير لهم، لهو خير دليل على التواطؤ الرسمي وتفشي العنصرية والذكورية في كافة المؤسسات التي يمكن أن يراهن عليها في تحقيق العدالة.
هذا بالإضافة إلى كون أن المجتمع نفسه يعامل النساء السوداوات والحرفيات بدونية وعنصرية تفوق ما تتعرض له باقي النساء وهذا تشهد عليه أيضا واقعة ليست بالبعيدة في حق امرأة من فئة “لمعلمين” تعرضت لجريمة اغتصاب بطلها الفنان الثوري “الناجم علال” وعوض أن تجد العدالة أو المؤازرة كانت عرضت لجريمة مضاعفة هي التنمر العنصري من المغتصب والمجتمع على حد سواء.
"قريبتي توفيت قبل سنتين ولم تتحقق لها العدالة، لقد تم اغتصابها من الفنان المشهور “الناجم علال” يومها وقفت عائلتها والمجتمع في وجهها حملوها مسؤولية ما جرى لها. لكن لا أحد أبدا أشار بإصبعه للمغتصب بل كان في مأمن من العقاب لدرجة أنه جعل الجميع يكررون معه أغنية “لمعلمة يكلع مولاها” التي كانت تصب في احتقار النساء الحرفيات وكانت رسالة منه أنه لم يغتصبها فحسب بل هي بالنسبة له وللمجتمع نكرة فهي بالنسبة لهم مجرد “معلمة”.
هكذا إذا نجد أن الدولة والقبيلة كمؤسسات تحتكر العنف وتفوضه حسب الامتياز الجندري والعرقي تتواطأ مع مرتكبي هذه الاعتداءات، وتوفر لهم الحماية والبيئة المناسبة التي تضمن أن يستمر اخضاع النساء وتهميشهن وسيادة منطق التراتبية الذي لا يفيد الرجال فقط بل يفيد الدولة والقبيلة نفسها التي لا يمكن لها التواجد والاستمرار دون وجود تسلسل تراتبي وفق منطق الهيمنة والإخضاع.
غياب الاحصائيات بين التواطؤ المؤسسي وثقافة الإعتداء الجنسي:
يمكن القول في سياق مجتمع مشتت أن تتبع خيط هذه الاعتداءات أمرا غاية في الصعوبة أمام منظومة أبوية صارمة تعمل بدقة على اخفاء الجرائم المرتكبة في حق النساء خصوصا ذات الطابع الجنسي. إضافة إلى إشكالية تقديم معلومات دقيقة دون أن تكون لدينا احصائيات أو مسوح تسمح بالإنطلاق نحو تقفي أثر هذه الجرائم فحتى النساء اللواتي يتقدمن بشكايات رسمية لا يتم التعامل مع قضاياهن بشكل جدي بل يظهر في كل مرة كيف أن سلطة الدولة تتعمد عدم إدراجها كجرائم، وتلجأ عوضا عن ذلك إلى سجنهم أو إحالة قضاياهن لسلطة القبيلة بإعتبار أن أجساد النساء هي ملكيات لرجال آخرين وهم الأحق بتسوية انتهاكاتها.
ويفسر هذا من ناحية أخرى تفشي ثقافة الاعتداء الجنسي في المؤسسات الرسمية مما يجعلها تتعمد تجاهل هذه القضايا والتعامل معها من زاوية ذكورية من خلال حرص الدولة على معاقبة الضحية أكثر من معاقبة الجاني، لأنها تكفل تدخل العائلة والقبيلة وتغطية الأمر دون اي اعتبار لتحقيق العدالة.
"لابد من وجود قوانين تحمي ضحايا الاغتصاب بغض النظر عن جنسهم، لأن أيضا توجد حالات اغتصاب الذكور كبارا وصغار، بالمخيمات توجد.حالات اغتصاب للأطفال والشباب من طرف الرجال. احدى صديقاتي كانت على علاقة عاطفية و حملت و تخلى عنها أب الطفل، وسجنت في سجن الغار وأصبح طفلها عرضة للكثير من التنمر والنبذ من المجتمع ومن أقرانه و تعرض للكثير من الاغتصابات ولم تفعل الدولة شيء لأنه في نظرها غير شرعي ولا يستحق العدالة ولا الحماية”.
ومن أوجه التواطؤ المؤسسي مع الاعتداء الجنسي الذي يتمثل في غياب احصاء أو توثيق هذه الجرائم هو عدم ادراجها في الإحصائيات الرسمية وعدم وجود أي منظمات مستقلة أو تابعة للدولة التي يمكن أن تشرف على تتبعها، ذلك أن التحرش والاغتصاب تحضر كسلوكات مطبع معها اجتماعيا ومؤسسيا بفعل سيادة ثقافة النظر للمرأة بنظرة تتركز في التحكم والترهيب، خصوصا في الفضاءات العامة والخاصة المهندسة وفق هرمية ذكورية، تمنح لرجال العائلة والمجتمع حق اخضاع النساء بأدوات عدة من بينها الاعتداء الجنسي نفسه.
يبدأ العنف الجنسي في كل مجتمع بالتجذر كثقافة عندما يطبع مع العنف ضد النساء والوصاية عليهن وجعل موقعهن داخل المنظومة يخضع لتراتبية الهيمنة الجندرية. ويبدأ حينما يتم اعتبار العنف وكراهية النساء واللغة الجنسية العنيفة التي تصور جسد المرأة كحامل للعرض والشرف كجزء من الخطاب اليومي والمشروع وتحميلها مسؤولية انتهاكه وتعنيفها من خلال تتبع تصرفاتها، وماذا كانت ترتدي، ومتى خرجت، وأين كانت. كل هذا يصب في خانة لوم الضحية وتبرئة الجاني لكي تتواصل حلقة اخضاع النساء والمساومة بهن.
فالعنف ضد المرأة “لا يحدث في معزل، إنه جزء من ثقافة اغتصاب ممنهجة. تبدأ من تطبيع الإعتداء الجنسي، مرورا بإهانة المرأة، والتي تتواصل لتشكل مزيدا من العنف والإعتداء”.
بسبب هذا وأكثر يندر أن تأخذ أي ناجية من الاعتداءات الجنسية اليومية خطوة الإبلاغ عن المجرم، فالمؤسسة التي تلجأ إليها بغية تحقيق العدالة هي نفسها من تعزز سلوكات الإجرام التي راحت ضحيتها، وهي من ترفض الإنصات للضحايا وتواجههن بالتكذيب واللوم.
نجد إذا في كل مرة أن ثقافة الاعتداء الجنسي السائدة في الوعي الجمعي داخل النظام السياسي والاجتماعي الصحراوي والتعتيم على الجرائم الجنسية من خلال عدم وجود احصائيات رسمية، وتفعيل “ سياسة الحماية كغطاء لانعدام المساءلة المجتمعية لظاهرة العنف الجنسي وكيف تترجم الحماية في الواقع إلى وسيلة للتحصين الاجتماعي والقانوني لمرتكبي جرائم العنف الجنسي” هي الوسيلة الفعالة التي تستخدمها الأبوية الصحراوية لكي تحافظ على مجتمع يسوده العنف والتراتبية وعدم المساءلة والمحاسبة.
منع المنظمات النسوية وسيادة العنف:
يعد وجود المنظمات والمؤسسات النسوية المستقلة مساهما أساسيا في تحسين أوضاع النساء ورفع أصواتهن والتعبير عن قضاياهن ورصد العنف الذي يطالهن وتنمية الوعي الاجتماعي والقانوني في المجتمعات التي تنشط فيها، كما يساهم غياب هذه المنظمات النسوية والحقوقية في مراكمة الإنكار المجتمعي لمختلف أشكال القمع والعنف التي تعاني منها النساء، كما هو الحال بالصحراء الغربية.
تعمل المنظمات النسوية على جمع الإحصائيات والبيانات الخاصة بالانتهاكات والخروقات التي تطال النساء بهدف إعداد البحوث والتأثير على الرأي العام ولضمان تأثير أكبر في اتجاه حل القضايا، إلا أن الظروف الاستثنائية التي يعيشها المجتمع الصحراوي القابع تحت وطأة الاحتلال من جهة وتحت سيادة قيادة فاسدة من جهة أخرى، يجعل الأمر ضربا من الخيال. ولأن استمرار أي حراك أو عمل نسوي بالصحراء الغربية يتطلب التطبيع مع المنظومة الأبوية والخضوع لرقابة القيادة وروايتها حول وضعية المرأة، أو التطبيع مع الإحتلال ومؤسساته فإن ذلك كان عائقا اضافيا منع وجود منظمات نسوية مستقلة لزمن طويل.
فإلى جانب أن الإحتلال المغربي يمنع أي تواجد لمنظمات حقوقية صحراوية دون أن تكون خاضعة له ومطبعة معه مع كل ما ينتج عن ذلك من انتهاكات تتعرض لها المرأة الصحراوية على يد الإحتلال ومؤسساته. ترفض الدولة الصحراوية تأسيس أو دخول أي منظمة تهدف لتفعيل الحراك النسوي الغائب منذ عقود طويلة عن ساحة تشهد احتكارا من إتحاد أسس سنة 1974 (الإتحاد الوطني للمرأة الصحراوية) والذي يسخر جهوده في خدمة النظام الفاسد وترسيخ أسطوانة التكريم والتسويق لمفهوم الحرية والمساواة في المحافل الدولية لتلميع صورة الدولة وتثمين جهودها المزعومة من أجل دعم ودمج المرأة الصحراوية في صناعة القرار السياسي وتمكينها الاجتماعي والمهني خلال مسيرة الكفاح.
لكن واقع التهميش والقمع الذي طبع حياة النساء الصحراويات يكشف زيف دعاية النظام ومؤسساته.
فلم يحقق الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية أي إنجازات فيما يتعلق بإقرار قانون العقوبات ضد الجرائم الجنسية أو فرض قانون للأحوال الشخصية أو تحسين أوضاع النساء ومتابعة قضاياهن والمرافعة عنها، لأن الهدف من تأسيسه لم يكن يوما إقرار مساواة فعلية إذ تتلخص كل أنشطته في التركيز على القضية الوطنية ولا تحضر المرأة فيه إلا كظل لرجال السلطة فهو يمثل بنية أبوية متسلطة قبلية تسعى لطمس ونكران الانتهاكات التي تطالنا كنساء، وهذا ما بينه عدم التعاطي مع الشكايات التي تقدمها الناجيات اللواتي كسرن الصمت حول الاعتداءات التي تعرضن لها.
إن الإصرار على جعل الإتحاد الوطني للمرأة الصحراوية هو الإطار الوحيد الذي يمثل النساء الصحراويات في اللجوء والأرض المحتلة، مع كل أوجه القصور التي تطاله أبرزها عدم التعاطي بشكل نهائي مع شكايات الإعتداءات الجنسية، وعدم تقديم تقارير تسلط الضوء على الإنتهاكات التي تطال المرأة الصحراوية داخل المجال الخاص من الأسرة وداخل المجال العام المؤسسين على الهرمية الأبوية مع كل ما تحمله من عنف بتجلياته المادية والرمزية، هو إصرار على التواطؤ المؤسسي مع الجرائم الأبوية من رأس هرم النظام الصحراوي، ومساهمة في استمرار تهميش واضطهاد النساء .
كما يمثل هذا دليل قاطع على أن الأبوية الصحراوية الضاربة في عمق النظام السياسي والاجتماعي لن تدخر أي جهد لإعاقة أي مجهود يمكن أن يسلط الضوء على واقع الاضطهاد والتمييز والعنف الذي تعيشه المرأة الصحراوية على ضفتي الجدار من بينه العمل الحثيث على منع أي تواجد لتنظيم نسوي مستقل وشيطنة الحراك النسوي الناشئ والضغط على النساء اللواتي يشغلن مناصب ديبلوماسية بجعلهن يكررن الخطاب المشروخ عن مكانة المرأة الصحراوية المتميزة والنوعية، لكن ما لا تدركه الأبوية بأذرعها ومؤسستها وروافدها أن التغطية على العنف وتشجيعه في آن واحد لن يكون من مصلحتها بل هو دافع لفضح هذا القمع ومواصلة تفكيكه.
خاتمة تركيبية:
يظهر من خلال البحث في موضوع الاعتداء الجنسي الذي يعد فصلا لابد منه في حياة النساء داخل المجتمعات الأبوية وخصوصا المجتمع الصحراوي، أن تحقيق العدالة يصطدم بأكثر من عائق. أوله أن الدولة لا تمارس دورها في الحماية الذي يروج عنها في الأدبيات التقليدية (الحامي والساهر على أمن المواطنين) بل انسحبت بشكل مباشر نحو دورها الحقيقي كدولة أبوية لتكون المتواطئ والمحرض أيضاً، من خلال تبني خطاب عام يتركز في لوم النساء وتحميلهن مسؤولية انتهاكهن وعدم التعاطي مع الشكايات بل وصلت في عديد الحالات إلى سجن من تقدم شكاية أو احالة قضيتها للقبيلة باعتبار أن كل امرأة هي مسؤولية رجال آخرين عليهم حمايتها وهنا يظهر تفشي النظرة الذكورية لثنائية الرجل الحامي والمرأة الضعيفة.
فالدولة هنا تقوم بالوظيفة التقليدية للرجال، الذين يقدمون كحماة لكنهم في الحقيقة لا يحمون المرأة بل يشاركون في انتهاكها بشكل أو بآخر.
من ناحية أخرى تظهر القبيلة كالمسؤول الفعلي عن تنظيم المجتمع والأفراد والحكم بينهم وبالتالي تتولى إقرار العدالة من وجهة نظر مؤسسة يحتكر فيها الرجال امتياز اخضاع النساء والتملص من الجرم. فالقبيلة نفسها مؤسسة على فكرة أبوية يتولى فيها الرجل تنظيم شؤون أفرادها حسب الأدوار الجندرية النمطية مما يؤسس لفضاء عمومي محتكر ذكوريا ولا مكان فيه للمرأة لذلك تحمل دائما جرم الاعتداء عليها.
كل هذا بالإضافة لمنع تواجد تنظيمات نسوية مستقلة يساهم في التعتيم على هذه الجرائم وخنق أصوات الناجيات وتطبيع المجتمع مع هذا العنف بل وجعله ثقافة وجزءاً من حياة كل امرأة.