وثيقة:الجنس في زمن كاترين دونوف

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
تدوينة
تأليف سحر مندور
تحرير غير معيّن
المصدر مدونة سحر مندور
اللغة العربية
تاريخ النشر 2018-01-24
مسار الاسترجاع https://saharmandour.com/2018/01/24/sex-in-time-of-deneuve/
تاريخ الاسترجاع 2018-02-11



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدونة سحر مندور



الخلط القائم بين الجنس و الإعتداء الجنسيّ لا يبدو بريئاً من ذكوريّةٍ ترفض التنازل عن مكتسباتها أو مراجعة تصرّفاتها الماضية. وإن كان الرجال هم المعنيين أولاً بهذا الكلام، فالنساء أيضاً معنيات وهنّ اللواتي عشن الذكورية وتشرّبنها منذ الوعي، وبنين مساحاتهن وعلاقاتهن ومفاهيمهن على أسسها.منذ أشهرٍ، خرجت حملةٌ عالمية، أتت تاليةً لحملاتٍ كثيرة ومؤثّرة وشجاعة في منطقتنا، تستهدف الإعتداء الجنسيّ كبنيةٍ قائمةٍ وحاكمةٍ ومزمنة. وقد بلغت المقاومة بالنساء حدّ القدرة على الجهر الذي لم يكن ممكناً لولا عقود النضال النسويّ التي منحتنا واقعاً أقوى، إن هنا أو في العالم. وإذا كان واقع التحرّش في الولايات المتحدة وأوروبا يتصارع مع الصمت الذي فرضه مريدو الذكورية والمدافعون عنها، فنحن هنا في منطقتنا لا نزال نعاني مع أصوات المعتدين التي تعلو فوقنا وفوق أصواتنا متسلّحةً بالدين والقانون والمجتمع.

عند هذه النقطة، لا بد للكلام أن يفصّل ليميّز بين هنا و”هناك”. إذ ظهرت إنفعالاتٌ كثيرة في منطقتنا “تضمّ صوتها” إلى النجمة الفرنسية كاترين دونوف و99 إمراة فرنسية وقّعن بياناً نشرنه في “لوموند”، ينقد حملات البوح بالإعتداء الجنسيّ على اعتبار أنها: حركات طهرانية ضد الجنس، تصوّر النساء كضحايا ضعيفات عاجزات عن التحكّم بمحيطهن الغزليّ، تجرّد الغزل و”الدسدسة” من إلحاحه الممل وهو جزء من الحرية الجنسيّة، تستبيح الرجال، وتروّج للعفّة في الحياة والفن. وقد سجّل البيان إدانةً لأصواتٍ تهجّمت على أعمالٍ فنية تاريخية بصفتها تتضمن عنفاً بنيوياً بحق النساء.

فلنبدأ من التجربة الفرنسية:

اعتبر بيان المئة إمرأة فرنسيّة أن حملة #مي_تو تتراجع عن مكتسبات الثورة الجنسية في الستينيّات. الثورات ليست دساتير ولا هي كتب دينية ولا تحف جامدة. الثورات هي أقرب لكسرٍ حادّ مع واقعٍ سائدٍ استلزم الحدّة لإعلان خللٍ فيه. وهي محطّات يتمّ نحت مفاهميها ومطالبها مع الوقت، لتشدّ نحو العدالة مع كلّ إستقرارٍ يليها، في كلّ مستنقعٍ تصوغه سلطات كلّ عصر. الثورة الجنسية كسواها من الثورات تستلزم متابعات كثيرة، وقد استوعب أجزاءً كثيرة من عدالتها النظام البطريركي. السلطات تشدّ دائماً لهضم الثورات. لمّا تخرج النساء بآلاف القصص التي تروي الإعتداء المنهجي، أكانت كلها مقنعةً للجميع أو كان بعضها غير مقنعٍ للجميع، فهن يروين مواداً تصوغ مواقف من واقع زمنها، لا ماضي الثورة الجنسية (مضى أكثر من نصف قرن عليها، نشأ خلالها أكثر من 3 أجيال). لسن مضادات للجنس، وإنما سوادهن الأعظم يمارسنه بخيارهن، ويشرن إلى اعتداء منهجيّ اختبرنه في مساحة الجنس لا خارجها، ويسعين للعدالة داخلها لا إلغاءها. وثورة الستينيّات قادرةٌ على أن تمد تطوّر الحياة بخبرتها، بدلاً من صدّه بإصبع الواعظ المحذّر. وهذا إصبعٌ، بالمناسبة، بطريركي.

الفارق كبير بين الغزل والإعتداء، كالفارق الذي لا يخطئه أحد بين الإبتياع والسرقة. ومع ذلك، ما أن يصدر صوتٌ نسائيّ أو نسويّ يخلط بينهما، حتى تراه يفتح الباب أمام جوقة الذكورية بمنفتحيها وشرسيها وكامنيها و”خفيفي ظلّها”، لتهبّ وترفعه كالدليل القاطع الآتي منهنّ ليدلّ على مبالغاتهنّ. و”شهد شاهدٌ من أهله” لينسف الحقّ المطلق ويرسي مكانه النسبيّة. إن مفهوم الرضا في الحب والجنس (consent) ليس اختراعاً، وإنما هو أمر بديهي بالنسبة إلى الرجال في حياتهم اليومية بلا تفكيرٍ أو حسبان. امتلاكه بين فئاتٍ جديدة، النساء تحديداً والأشخاص غير المتوافقين/ات مع الأدوار الجندرية المتوقعة منهم/ن، هو التغيير. هو موضوع هذا الصراع.

قبل الدخول إلى الواقع في المنطقة وتماهي البعض هنا مع بيان المئة هناك، يبدو ممتعاً وذا دلالة التوقّف للحظةٍ عند كاترين دونوف التي اعتذرت من ضحايا الإعتداء الجنسيّ اللواتي أذاهنّ البيان، وميّزت موقفها عن موقّعات شرسات في عداء حالة البوح، كتلك التي قالت أن النساء ينتشين أحياناً أثناء الاغتصاب (أيّ أنه يمكن للإعتداء أن يحمل هدايا للنساء). كاترين، في الستينيّات، كانت واحدة من 343 إمراةً وقّعن، في فرنسا أيضاً، بياناً أطلقته سيمون دو بوفوار، بعنوان: “أنا أجهضت نفسي”. سُمّي آنذاك بـ “مانيفستو الـ 343 عاهرة”. وكنّ، بطبيعة الحال، يشهرن الإجهاض في سياق نضالهن لحقّ المرأة بامتلاك جسمها، والجنس، فالإجهاض.

في الواقع المحلي، هل من سياق لهذا كله؟

الأخوة والأخوات المتحمسين/ات جداً لصدّ موجة الكلام عن الإعتداء الجنسيّ عبر تهذيبها وتعليمها أسس الكلام وتمييعها بمياه الغزل و.. هل ينطلقون/ن من واقع الحال هنا؟ الواقع الإجتماعي، القانوني، السياسي، الإجتماعي، الطبي.. الأخوة والأخوات المتماهين/ات مع كاترين دونوف، هل هم/نّ على تواصل مع حريات الجنس خارج الزواج هنا، حريات الإجهاض هنا، قوانين الأحوال الشخصية وحتى القوانين المدنية هنا، أو كيفية تصوير المرأة في السينما والنحت والمسرح والرواية والشعر وسواها من الوسائط هنا..

واقع القرى والمدن. واقع الدين المسلّح، المموّل أو المتسلّط. الواقع الجندري في المجتمع، في حالات الحرب، في حالات القمع، في العائلات، في الوظائف، القدرة على الكلام في وسط هذا كله، مَن تمتلكها، ومَن لا تمتلكها. وهناك طبعاً اللواتي صارت أيامهن حروباً متتالية لامتلاكها. أيّ قوانين، أيّ تنميط، أيّ دروس، أيّ برامج تسري وتسود هنا..

هذا التماهي في منطقتنا مع بيان الفرنسيات، يبدو كمزايدةٍ نسويّةٍ وغزلٍ بطريركيّ معاً. يدٌ هنا ويدٌ هناك، عصفوران بحجر. وهو ربما يدافع بوعي تام أو لاوعي ثقيل عن مكتسباتٍ ذكورية، عن تأقلمٍ سبق وأنجزته الذات مع واقعٍ ذكوري، لها ذكرياتها وعمرها فيه، لها كلّ ناسها فيه، فما عادت النفس تستطيع إلى مساءلته ومساءلة لذّاتها وأفراحها الصغيرة فيه سبيلاً.

تكثر التحليلات في مصادر موقفٍ كهذا، الآن وهنا، إن لم يكن نابعاً من محض ذكورية تبحث عن صوت إمرأةٍ لتضرب به كافة النساء، كافة النسويات، وكافة المطالب الراهنة. إن كان الموقف آتياً من باب الحرص النسوي لا الذكوري، ومهما تعددت تحليلات مصادره والنوايا، فإن الفائدة منه تبقى منعدمة. لم يسبق لرجلٍ هنا أن أدين بالتحرّش وتم التشهير به وكان مظلوماً حزيناً مدمّر المهنة. أساساً، لا يزال نقاش قانون التحرش في البرلمان فعل تحرّشٍ بحدّ ذاته، عبر النكات بين النواب وتوقعهم الإستغلال النسائي للقانون المطروح! من أين تأتي ثقة نقد البوح هنا، ونحن لم نبدأ بعد بإرساء الغصب بمختلف مراحله (وليس الإغتصاب الوحشي المترافق مع القتل فحسب!) كجريمةٍ مطلقةٍ متفقٍ عليها؟

نحن في خضمّ التصدّي لجرائم قتل عرفنا بوقوع خمسٍ منها في ظرف شهر. وقبلها، أربعٌ في ظرف أسبوع. والجرائم مستمرة. ترف التماهي مع كاترين دونوف يحشر نفسه في واقعٍ آخر، من دون أن يخلّف إلا الأذى في واقعه، إذ يستهدف خطاباً يناضل. ربما الأجدى بهذا التماهي أن يبدأ من إشهار الإجهاض، إشهار الجنس، صدم المجتمع واستدراجه إلى مواجهة صلبة، قبل القفز إلى حريات ميكيلانجلو أنطونيوني والغزل.