وثيقة:السجالات والتحديات داخل النسوية العربية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف إكرام البدوي
تحرير غير معيّن
المصدر مجلة الفلق
اللغة العربية
تاريخ النشر 15-01-2023
مسار الاسترجاع https://www.alfalq.com/?p=26878
تاريخ الاسترجاع 14-05 -2023



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة الفلق



يُعتقد أن هناك صعوبات للتنقل يبن الخطابات الثقافية المختلفة، ولذلك، علينا أن نتساءل هل يُسمح لمن يتصفون بالُغرباء أن يشاركوا في تقييم الممارسات النسوية الثقافية الأخرى؟ ويتبادر إلى ذهن المنشغلين بالخطاب النسوي في العالم الثالث سؤالاً مُلحّا، عن مدى شرعية مقاييس النسوية الغربية وملاءمتها للسياقات الثقافية والاجتماعية لقضايا المرأة في عالمنا الثالث، خصوصا بعد ظهور فكرة التقاطعية Intersectionality””(*) في الغرب على إثر الاختلافات بين النساء وتجاربهن، فتختلف تجارب النساء البيض عن تجارب النساء السود على سبيل المثال، ومبدئياً لكي تصبح النسوية عالمية؛ يجب على النسويات الغربيات ألا يفكرن في أنفسهن كمبشراتٍ يحملّن الحضارة إلى الأراضي البربرية والبدائية.

علاوة على ذلك، يجب على النسويات في كل ثقافة “أن يعدّن فحص التزاماتنا في ضوء وجهات النظر التي تنتجها النسويات الأخريات، حتى نتمكن من التعرف على بعض حدود وتحيزات معتقداتنا.”(1) وعلى جانب آخر، “يشكك النسويات الغربيات أنفسهن في إمكانية إجراء حوار نسوي عالمي، باعتبار أن الحركة النسوية ليست حركة عالمية، وبالتالي افترضن أنه لا يمكن تحسين أوضاع الكثير من النساء غير الغربيات إلا من خلال إدخال الأفكار النسوية الغربية فقط.”(2)

ولكنه من غير المنطقي- بالنسبة للغربيين- “الجمع بين جهلهم بالثقافات الأخرى وافتراض المعرفة عنها.”(3) وكيف يمكن لشخص “أن يكون منغمسا بشكل كافي في السياق الاجتماعي لثقافة ما دون أن يكون لديه أي عمق معرفي حقيقي بها، بل ولديه بُعد نقدي عنها!.”(4) على أي حال، لا يمكننا نسج تعميمات في المطلق حول ثقافة ما، ولذلك؛ على أي أساس يفترض أن النسويات الغربيات لديهن فقط المعرفة الكاملة؟ وهل ثمة معرفة تُدعى افتراضية أو كاملة من الأساس؟

بيد أن الاختلافات بين النسويات، سواء اختلافات ثقافية، أو عرقيّة، دينية، لها سطوة واضحة في السياق النسوي، ولكي تتبلور فكرة النسوية في العالم الثالث لابد لها من مشروعين: أولاً، تفكيك هيمنة النسوية الغربية وثانياً، تشكيل قضايا نسوية مستقلة تقوم على أسس ثقافية وتاريخية، وهذا ما بدأ يلاحظ في الساحة الإسلامية من دعاوى تمرد نسوي على الدين والثوابت والقيم.(5) وتطرح النسوية الفلسطينية (ليلى أبو لغد) تساؤلا في بحثها المعنون (هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ؟)، قائلة: “لماذا يعتقد أن معرفة ثقافة المنطقة، وخصوصا المعتقدات الدينية السائدة فيها وأساليب معاملة النساء، أهم من الكشف عن تاريخ تطوّر الأنظمة القمعية في المنطقة؟ ولمَ كانت المرأة المسلمة، بمثل هذه الأهمية لهذا النمط من التحليل الثقافي(*) الذي يتجاهل التشابكات المعقدة التي نجد أنفسنا متورطين جرائها في بعض التحالفات الصادمة؟”(6) ربما ما يمنع الكشف الجاد عن جذور هذه المعاناة وخصوصية طبيعتها في المنطقة هو حصر الأمر في إطاره الثقافي فحسب. وتطرقت (أبو لغد)، إلى الهجوم العسكري على أفغانستان حيث قالت: “أن الخطاب الأمريكي قد وظّف مسألة المرأة لتبرير القصف والتدخل الأمريكي في أفغانستان، بينما لا نرى أي عريضة تدعو إلى الدفاع عن حق الفلسطينيّات والمضايقات التي يتعرضن لها يومياً عند معابر التفتيش، علاوة على تهمشيهن وحرمانهم من العمل وحقوق المواطنة.”(7) وانتهت أبو لغد، في دراستها لإخفاق النموذج الغربي في تخطي الخصوصيات الحضارية لنساء العالم الثالث، من ناحية، والخطاب الاستعماري الذي ترك نساء العالم الثالث متواريات إلى حد كبير من ناحية أخرى.

وبينما تعتقد الثقافة الغربية نفسها ملتزمة بثبات إزاء قيمٍ مثل الحرية والمساواة، بصفتها ميِّزة الثقافة الغربيّة وعلامة على تفردّها، إلا أن تصور الثقافة الغربية لنفسها بهذا الشكل لم يُكَدِّره حقيقة أن القوى الغربيّة كانت متورطة في الاسترقاق والاستعمار، أو أنها قاومت منح الحقوق السياسيّة والمدنية لكثيرين منهم حتى المواطنون الغربيّون، ومن بينهم النساء. وفي هذا الصدد طرحت النسوية المصرية (ليلى أحمد) ما أطلقت عليه (تيار النسوية الاستعمارية) الذي استعار لغة النسوية في الهجوم على المجتمعات الإسلامية. فتقول: “قد قام الرجال المستعمرون والذين كانوا أعداء للنسوية في مجتمعاتهم، بتبني لغة النسوية خارج بلادهم، واستخدموا حجج أن ثقافات الشعوب الُمستعمرَة تقلل من شأن المرأة في إضفاء الشرعية على الهيمنة الغربية ولتبرير السياسات الاستعمارية.”(8)

بيد أن الإشكالية المزدوجة التي تقع على عاتق نساء العالم الثالث بسبب الاستعمار وما بعده؛ أولا، أن يجابهن السلطة الذكورية الراسخة داخليا، وثانيا، أن ينبذن الفكر النسوي برمته باعتباره فكراً مستورداً غربياً. وهو ما أكدت عليه عالمة الاجتماع المغربية (فاطمة المرنيسي) في سيرتها الذاتية (نساء على أجنحة الحلم)، حين أشارت إلى “الطبعة الحديثة لألف ليلة وليلة صدرت عام 1985م، وفوجئت بأن شهرزاد الغربية التي تعرض في مدينة برلين ترقص باستمرار، مجردة تماما من أقوي أسلحتها في الجاذبية أي التكلّم، ومن العقل كمصدر لهذا الكلام، وفي الحقيقة إن شهرزاد الشرقية لا ترقص ولكنها تفكر وتتحدث.”(9) وكشفت المرنيسي عن رحلة من الامتهان والاحتقار والتشويه المتعمد لحكاية شهرزاد التي جُردت من أهم صفاتها العقل والدهاء التي استطاعت بهما أن توقف السلطة الذكورية الاستبدادية في حكاية شهرزاد، ويعود في تفسيرها هذا التهكم إلى أسباب ثأرية انتقاما ًمن الاستعمار القديم.

علاوة على أن النسوية الغربية ذاتها لم تكن ناجحة بدرجة كافية لتجعلنا نستبعد أي سردية نسوية أخرى، ومن ثَم فلا داعي على الإطلاق لهذه النظرة الاستعلائية من الغرب إزاء نسويات العالم الثالث. وحديثا، أكدت النسوية الكويتية (حنين الغبرا) في كتابها المعنون (النسوية الغربية وتهميش نساء العالم الثالث) على إسهام الخطاب الغربي في توطيد الاستعمار، وتعززه النسوية البيضاء، فتبقى النسوة الملونات حبيسات تلك الثنائية المعولمة.(10) ويتضح أن العولمة والنسوية الغربية لا يساعدان المرأة في العالم الثالث بل يختصرون في كونهم مواد للتعاطف والشفقة، لأهداف الأجندات النيوليبرالية. علاوة على “أن تحديد موقع الثقافات هو تدخل محمود ليس فقط في الدراسات النسوية وما بعد الكولونيالية ولكن أيضًا في مجالات الدراسات الثقافية والعرق الاجتماعي، فتتمثل وظيفة الاستراتيجيات الخطابية في تقويض الخطابات السائدة، وإساءة تفسيرها.”(11) فالتعددية الثقافية في حد ذاتها ليست ثقافية فحسب، بل هي أيضًا سياسية واقتصادية بشكل قطعي، مرتبطة بتدفق رأس مال الشركات، وفي كل هذه السياقات، قانون القيمة لا يضعف.

ونظراً لخلفية المواجهة بين الأجندات الكولونياليّة والأجندات القوميّة، كانت أي نقاشات جادة بشأن تأثير هذه الممارسات على سلامة النساء لا تكاد تفلت من التورط في الصراعات بين الكولونياليّة والقوميّة، وقد جعل هذا الموقف من النساء عرضة للاستقطاب من كلٍ من الأجندتيّن.(12) وهنا يجدر بنا الإشارة، إلى أنه مع تراجع الاستعمار وصعود العولمة النيوليبرالية استمر الغرب في احتكار الهيمنة المعرفية، فظل إنتاج المعرفة هو المعيار الرئيسي لإرساء دعائم ما يطلق عليه بالاستعمار الحديث. وبالعادة ما كانت النقاشات بخصوص الممارسات الإشكاليّة المؤثرة على النساء تتحول إلى رهائن خطابيّة لاستعراض التفوق الثقافيّ والأخلاقيّ النسبيّ للثقافة الغربيّة.

هوامش

(*) النظرية النسوية التقاطعية، حيث تتقاطع التفرقة العرقية والجندرية التي تواجهها النساء الملونات على مستوى النظام القانوني والقضائي والحق في الخدمات العامة والقدرة على النفاذ إليها. وتطوّرت النظرية بعد ذلك لتشمل جميع تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة والتمييز، وتقاطعها مع الجندر والإثنية واللون والطبقة الاقتصادية والاجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية، لتفكيك وفهم تجارب النساء المركبة. انظر: https://webcache.googleusercontent.com/

1- Alison M. Jagger, Globalizing Feminist Ethics, Hypanthia vol. 13, no. 2 (Spring 1998), p.21

2- Chandra Mohanty, Under Western Eyes: Feminist Scholarship and Colonial Discourses, Duke University Press, 1991, p.343.

3- Shubhra Sharma, “Neo liberalization” as Betrayal, State, Feminism, and a Women’s Education Program in India, Palgrave Macmillan, New York, 2011, p. 60:62.

4- Susan Moller Okin, Feminism, Women’s Human Rights, and Cultural Differences, Hypanthia, Vol. 13, No. 2 (Spring, 1998), p.46.

5- عبد الله إبراهيم، الفكر النسوي خارج المجال الغربي، نشر في مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، بتاريخ 29ديسمبر 2018. https://www.mominoun.com/articles/

(*) اللافت للنظر كما ترى (ليلي أبو لغد) هو التركيز المفرط على الجانب الثقافي، كما أن اكتساب معلومة ما حول مسألة المرأة والإسلام أو تبيان معنى طقس ديني سيساعد على شرح الأسباب الكامنة وراء الهجوم المأساوي على مركز التجارة العالمية بنيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية، أو توضيح كيفية تولّي طالبان الحكم في أفغانستان. انظر: ليلى أبو لغد، هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ؟، تأملات إناسيّة في النسبية الثقافية وحواشيها، ترجمة جهاد الحاج سالم، في أنثروبولوجيا: المجلة العربيّة للدراسات الأنثربولوجيّة المعاصرة، إصدار مركز فاعلون، الجزائر، مارس 2015 – العدد الأول، ص 209- 187

6- ليلى أبو لغد، هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ؟، مرجع سابق.

7- المرجع نفسه

8- ليلى أحمد، المرأة والجنوسة في الإسلام، الجذور التاريخية لقضية جدلية حديثة، ترجمة/ منى إبراهيم، هالة كمال، المجلس الأعلى للثقافة، 1999، ص 255: 262

9- فاطمة المرنيسي، شهرزاد ترحل إلى الغرب، ترجمة/ فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقافي العربي ، 2003، ص 57.

10- حنين الغبرا، كيف تنتقل ثقافة البياض عبر الذوات المسلمة؟ النساء المسلمات في مواجهة الأنثوية البيضاء.. التماهي والمقاومة ترجمة: عبد الله البياري، الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بتاريخ، 15 إبريل 2022، https://arabi21.com/story/1431715/

11- Azfar Hussain, Rocky Mountain Modern Language Association, by: Rocky Mountain Modern Language Association, Vol. 54, No. 2 (2000), pp. 143:146.

12- Uma Narayan, Dislocating Cultures, Identities, Traditions, and Third- World Feminism, New York & London, 1997, p.18