وثيقة:في البحث عن المرأة الحقيقية
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
العنوان | في البحث عن المرأة الحقيقية |
---|---|
تأليف | سارة قدورة |
تحرير | غير معيّن |
المصدر | سحماتيّة |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://suhmatiya.wordpress.com/2019/09/14/في-البحث-عن-المرأة-الحقيقية/
|
تاريخ الاسترجاع |
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها سحماتيّة
لندردش قليلاً عمّا يعنيه أن نكون نساء. دردشة حميمة، سأخوضها أنا بنفسي هنا، وأدعوكن كقارئات أن تخضنها معي في ذهونكن، مع صديقاتكن، وفي الحلقات النسوية – سواء كانت في الفضاء الافتراضي أم خارجها. دعوة ليس الهدف منها خلق المزيد من الحقد والانقسامات (الموجودة فعليًا)، بل الحدّ من العنف الذي نساهم أحيانًا في استمراريته، ربما دون قصد. كما أنّه حديثٌ لطيف، ننسى أن نخوضه أحيانًا، بالرغم من أننا كنساء ونسويات نقضي وقتًا طويلاً ونحن نحاول الإضاءة على الحيوات التي نعيشها كنساء.
ما الذي يعنيه أن تكوني امرأة؟ عن نفسي، أنا امرأة تنسى كثيرًا. لا أذكر العديد من التعريفات التي قرأتها على يد نسويات ومفكرات حاولن فهم ما تعنيه تلك الكلمة واستنتاج الاضطهاد الذي نتعرض له من خلال ذلك التعريف. التعريف الوحيد الذي علق بذهني هو ما تبتدئ به المفكرة الفيلسوفة سيمون دو بوفوار كتابها الأشهر “الجنس الثاني”، فتقول “الشخص لا تولد، بل تصبح، امرأة”. كان ذلك مختلفًا عن العديد من التعريفات التي سبقتها ولحقتها بالنسبة لي، والتي وضعت تعريف المرأة بين فخذيها. المرأة تلك التي تولد بكُسّ. التي تملك مبيضين. التي تملك رحمُا. تلك التي تملك القدرة الإنجابية. تلك التي يمكن أن تصبح أمًّا إذا اختارت. تلك التي تتحمّل آلام الولادة. تلك التي تحيض شهريًّا وتتألم بصمت. المرأة قوية، رائعة، مبهرة، كونها تعيش، تنجو، تستمر، رغم كل مآسيها البيولوجية. تلك هي التعريفات التي نقرأها من نسويات وغير نسويات، يشرحنها، يحتفلن بها، وينظّمن على أساسها. لا أدري ما الذي قصدته دو بوفوار أكثر من الواضح للقارئات، أنّ تعريف المرأة تعريف اجتماعي أكثر مما هو بيولوجي. لا أعتقد أنها أرادت للعبارة أن تأخذ بعدًا أبعد من ذلك، لكنني أريد أن آخذها هناك. لنتسلّى قليلاً ونفكك تلك العبارة. كيف نصبح نساءً؟ قبل الغوص بالموضوع، لنمر على بعض الشروحات؟
لنعد إلى أساسيّات من المهم التفكير بها قبل أن نعود إلى دو بوفوار. قد تكوني ملمّة بها، وقد تكون جديدة بالنسبة لك. كيف نعرّف الجنس (الخانة اللطيفة على الهوية)؟ الجنس يحدد بيولوجيًا، وربما يظهر الأمر على أنه واضحٌ وبسيط، لكن الجنس بحد ذاته معقّد. فالمؤسسة الطبيّة تحدد الجنس بمجرّد النظر إلى الأعضاء التناسلية، ولا أحد ينظر أبعد من ذلك. بناءً على هذا الجنس، يمكن أن يعيش توأم حياتين مختلفتين بشكل جذري، أحدهما يستطيع السهر على راحته، والأخرى عليها العودة إلى المنزل مبكرًا خوفًا من التحرّش ومن غضب الوالد والأخ. وقد يكون الجنس هذا نفسه مبهما أحيانا للأطباء. فحوالي نسبة ٢٪ من الأشخاص يولدون ويصنفون كإنترسكس*، أي أنّ أعضاءهم التناسلية لا يمكن حصرها في ثنائية ذكر أو أنثى، ربما لأنهم ولدوا بقضيب ومهبل، أو ببظر* أكبر من متوسط حجم البظر عادةً، أو بقضيب صغير جدًا، أو بتركيبة حمض نووي زلّت عن ثنائية xx و xy، فيكون لديهم خصائص ليست معتادة. الشرح المختصر عادةً هو أن الجنس بيولوجي، وبناءً عليه تُحدد ضوابط مختلفة لحياتنا، على عكس أمور أخرى كلون الشعر وحجم الأنف مثلاً. فالتصنيف أقرب للون البشرة والعرق الذي ننتمي إليه، ولكنه أكثر عبثية. وبالرغم من عبثيته، فهو تصنيف مهم جدًّا اجتماعيًا، عادةً نعرفه قبل أن نعرف إذا كانت صحة الطفل جيّدة أم لا.
الجنس البيولوجي يمهّد للجندر الاجتماعي، أو ما يسمّى أحيانًا بالنوع الاجتماعي. فبعد ذكر وأنثى، لدينا بنت وصبي، ولاحقًا امرأة ورجل. منذ الولادة، نبدأ بفرض توقعات عليهما لم تخلق معهما، بل زرعناها وغذيّناها وشجعناها. يتحجج البعض أن الاختلافات تلك بيولوجية لأنهم يرونها في أطفال بعمر العامين حتّى، لكن التنشئة الاجتماعية للجندر توجد قبل ذلك. فهي توجد بالتعامل والدلع مع الأطفال، توجد في من يسمح له من الطفلين إظهار أعضائهم التناسلية أمام “عمو” والفخر بها والضحك عليها، توجد في الكلام والألعاب والاهتمام. على عمر السنتين تحمل الفتاة دمية ونبدأ بإخبارها أن عليها الاهتمام بها وإلا ستموت، فهي لاحقًا ستصبح أمًّا، بينما يمكن لأخيها أن يحطم الطائرات البلاستيكية في لعبة الحرب على راحته. من أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيدًا، نحن نبني الرجل ونبني المرأة. دور الأم أساسي وجوهري هنا في المنظومة الأبوية، فليس المتوقع منها فقط أن تؤدي مهام الطبخ والتنظيف والجنس والولادة والتربية، بل عليها أن تعيد إنتاج ذلك الدور في أطفالها أيضًا لكي يستمر النظام. لذا، فعلى الأم تربية الأطفال على ثنائية الجندر. عليها أن تعلم الصبي كيف يصبح رجلاً، كيف يكون واثقًا ومدافعًا وقويًا وخاليًا من مشاعر الحساسية، وأن تعلم البنت كيف تصبح امرأة، حنونة وعاطفية ومؤدبة وملمة بأمور التدبير المنزلي. إذا فشلت الأم في تخريج أطفال يؤدون تلك المهام بشكل سويّ، تُلام على خروج أي من أطفالها عن حدود تلك الثنائية. والأم في طبيعة الأمر، وبالرغم من انزعاجها أحيانًا من تلك الأدوار، ستحاول تأدية دورها على أكمل وجه كي تتجنب اللوم والعنف القائم عليه.
“الشخص لا تولد، بل تصبح، امرأة،” لأن كل ما نربطه بالنساء هي أمور نتعلمها كنساء، ما عدا الكُس والمبيضين والرحم. فنحن كنساء لا نحاسب على أساس تلك الأمور بقدر ما نحاسب على تأدية دورنا الاجتماعي. نحاسب إذا لم نرد أن نكون أمهات، ونعامل بشفقة إذا كنا عقيمات بيولوجيًا. نحاسب إذا لم نرد الزواج واخترنا حياة بعيدةً عن ذلك العقد وتلك العلاقة، ونعامل بشفقة إذا لم يأتي نصيبنا بالرغم من أننا أدينا كل ما علينا. نحاسب على إلمامنا بالمهام المنزلية كالطبخ والتنظيف والترتيب بالرغم من أنها ليست بأمور نعي تدبيرها بالفطرة بمجرد كوننا وُلدنا إناثًا. نحاسب إذا أخليّنا بالأخلاق المفروضة علينا كوننا نساء، كالحشمة وعدم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج وطاعة رجال العائلة وتأدية الحنية والعطف… إلخ. كلما أخطأنا أكثر، كلما أصبحنا نساءً أقل. “ولا كأنه بنت”، “حسن صبي”، “قليلة مروة”، “ما بتعرف تهتم بحالها متل البنات”، “معقدة لهيك ما بدها تتزوج/تخلف”، كلها أمور نسمعها، مبنية على تأديتنا لما يعنيه أن نكون نساءً، بعدما تعلمنا، من المفترض، أن نصبح نساءً.
هل كنت ستكوني بالأنوثة التي أنت عليها اليوم إذا ما تعلمتها من أماكن مختلفة (العائلة، المدرسة، الإعلام، الثقافة السائدة) يا ترى؟ هل كانت ستكون أحلامك وطموحاتك هي نفسها إذا لم تُنحت بشكل متقن على يد المجتمع؟ ربما، وربما كانت ستختلف جذريًا. أفكر بذلك كثيرًا، فأنا امرأة اشمأزّت من الأنوثة لفترة طويلة جدًّا، لأني ربطتها بمنظومة تحاول ترويضي. تصالحت بعدها مع الأنوثة عندما رأيتها كأمر منفصل وخارج وغير مسؤول عن اضطهادي كامرأة. لكني لليوم أفكر ما إذا كنت سأكون نفس الشخص، بنفس التأدية الاجتماعية لما يعنيه أن أكون امرأة، إذا لم تبهدلني أمي مئات المرّات في مراهقتي على مشيتي الصبيانية أو على عدم ارتدائي صدريات، وإذا لم يطلب منّي حبيب المراهقة أن “أتدلّع” أكثر، وإذا لم يخبرني شريكي السابق أن شعري القصير يجعلني أقل جمالاً من صديقته بشعرها الطويل الناعم، وإذا لم تكن تلك الأمور والتعليقات والتأديبات أقل شيوعًا. فتلك عبارات اعتادت غالبيتنا على سماعها، وقد تظهر الإهانة الواضحة بها حين أكتبها بهذه المباشرة هنا، لكن عندما تأتي على شكل طرافة أو اهتمام، فهي تظهر عادية جدًّا. غير أنها تُسهم في المراكمة اليومية للتربية والمحاسبة المجتمعية لما علينا أن نكونه لكي نصبح نساءً جيدات وجميلات وحقيقيات.
ما الذي يعنيه أن نكون نساءً؟ تقول بعض النسويات أنّ الاضطهاد الذي نتشاركه يدخل في تعريفنا لما يعنيه أن نكون نساءً. فالنساء أشبه بمجموعة مشتتة من البشر، معرّضات لاضطهاد تاريخي، ولكنهن متفرقات على عوائلهن ورجالهن. تفرقنا أيضًا أمورٌ تفصل بيننا وتعطي بعضنا امتيازات على نساء ورجال آخرين، مما يجعله من الصعب أحيانًا أن ننظر لأنفسنا على أنّنا مجموعة واحدة. كنت تمنيت لو أن الأمور بتلك البساطة، ولو أننا التقينا خارج عائلاتنا في مكان ما، سنندمج وننظم ونحقق العدالة التي نريدها. لكن الأمور أكثر تعقيدًا. أُنبّه هنا إلى أن النسوية التقاطعية لا تعني أننا سنتغاضى عن اختلافاتنا ونلتقي في الوسط، بل أننا سنأخذ اختلافاتنا في عين الاعتبار عند التنظيم سويًّا، لكي نتجنب الأذى والعنف والتسكيت والتغطية على درجات أخرى من التقسيم والاضهاد، كالطبقة والعرق والجنسانية. فأنا لا يعنيني أن أتشارك مع امرأة نفس الأعضاء التناسلية والجندر، إذا كانت ثرية جدًّا، وتساهم في استغلال وتفقير نساء أخريات عبر عملها. ولا يهمني أن أتضامن مع اسرائيلية صهيونية، هويتها بحد ذاتها محوٌ لوجودي وتاريخي، لمجرد أنها تعيش في مجتمع أبوي.
لذا، ما هو الاضطهاد الذي نتشاركه فعلاً والذي يجمعنا ويدخل في تعريف هويتنا؟ تناقش البعض أنها الميزة الإنجابية. فالحيض والحمل والولادة شكلوا تاريخيًا عراقيلًا أمام مشاركة النساء في الحيز العام وأخذ أدوار كبيرة. أمّا قدر النساء البيولوجي بالإنجاب فيجعلهن أكثر حاجة للتواجد في المساحات الخاصة، كونهن أكثر عرضة للخطر والتهميش والأذى إذا كنّ يحضن أو حوامل. وبالرغم من أهمية أخذ القدر البيولوجي بعين الاعتبار لفهم الظلم الذي نتعرض له كنساء، علينا ألّا ننسى أنّ النساء اللواتي لا يتشاركن معنا تلك الوظائف البيولوجية لا يُحمين من الاضطهاد الأبوي. فالنساء ذوات الخصوبة القليلة أو المنعدمة يتعرّضن لإقصاء مجتمعي عنيف، ويشعرن دائمًا أن أنوثتهن ناقصة (بسبب استبطان الأفكار عمّا يعنيه أن نكون نساءً). كذلك النساء اللواتي انقطع طمثهن ودخلن ما يسميه المجتمع “سن اليأس”، والتسمية بحد ذاتها دليل على تهميش المجتمع للنساء اللواتي لم يعد باستطاعتهن الحمل والإنجاب، وكأن هذا هو فقط ما يحدد قيمتنا. أسأل أمي عن العوارض التي رافقتها بعد انقطاع طمثها، فتخبرني بالحرارة فوق منطقة الصدر وتوقف الإفرازات وبعض التعب والإرهاق. وفي الوقت نفسه، تخبرني أنّها ارتاحت من الدورة الشهرية وشراء مستلزمات الحيض والفوط الصحيّة، وأنّ رغباتها وحبّها للحياة وإعجابها بالوسيمين ونشاطها لم ينقطع كما توقعت، ولم يأتِ اليأس الذي تتنبأ به المرحلة. أخبرها أنّه لهذا السبب بدأت بعض النسويات باعتماد تسمية “سن الأمان”، لأنها أكثر وصفًا لاطمئنان النساء من ناحية الحيض والحمل وبعض السرطانات، عكس الوصف الذكوري الذي يقيّد النساء ويربط قيمتهن وسعادتهن بقدرتهن على الإنجاب. مع ذلك، تخبرني بأنها تُحرج من إخبار صديقاتها أنّ طمثها انقطع، لأنها ستُحسس بالشفقة، وكأنها امرأة أقل.
لذا، بالرغم من موافقتنا أن تلك الأقدار الإنجابية تلعب دورًا أساسيًا في اضطهادنا، وأنّه تاريخيًا، ارتبطت مفاهيم عديدة كالشرف والعذرية والعلاقات الأحادية والزواج والغيرة والسترة، ارتباطًا وثيقًا بالحاجة للتحكّم بالذريّة عبر تقييد النساء – كون أمومة الأم ليست بحاجة لشهادة، أمّا أبوة الأب بحاجة لفحص الحمض النووي – إلّا أنّه علينا أن نفهم أن ربط قيمة النساء ومعنى الأنوثة بذلك القدر لا يقاوم الخطاب الأبوي، بل يؤكد عليّه، ويربطنا مرة أخرى بأمور لسنا مضطرات إلى حبّها وتقديرها وتقديسها. فهل أكون امرأة سيئة إذا كرهت أني أحيض شهريًا؟ هل أخون جنسي إذا رفضت أن أكون أمًّا في حين أنّ غيري من النساء يلجأن إلى تدخلات طبيّة من أجل الإنجاب؟ هل عليّ أن أحتفل بمهبلي وفرجي لكي أقاوم الخطاب نفسه الذي يراني مهبلاً وفرجًا؟
الأكيد هو أنّنا نقاوم بطرق مختلفة، لكن فرض نموذج واحد من المقاومة يحتفل بالأنوثة نفسها التي يفرضها علينا النظام الأبوي واعتبارها الطريقة الأنسب للرد على هذا النظام يعود إلى تهميش النساء اللواتي همّشتهن الأبوية من الأساس. النساء اللواتي يعشن خارج قوالب الأنوثة. النساء اللواتي لا يستطعن الحمل. النساء اللواتي يقمن بالإجهاض (أي ثلث النساء). النساء اللواتي استأصلن أثداءهن لمختلف الأسباب. النساء اللواتي استأصلن أرحامهن لمختلف الأسباب. النساء اللواتي لم يولدن بأرحام أساسًا.
هل علينا أن نتشارك التجربة نفسها لنكون نساءً؟ غالبًا ما ننسى النساء العابرات (الترانس) من المحادثة. العبور كلمة جميلة جدًّا، استبدلت كلمة “المتحولة” التي كانت تستخدم لوصف النساء اللواتي يولدن بما يصنفه الطبّ كجسد ذكر، ويعاملن اجتماعيًا كرجال طوال حيواتهن، أحيانًا حتّى بعد إفصاحهن عن هوياتهن. في ندوة خاصّة حضرتها من فترة، سُئلِت امرأة عابرة عن أنواع الاضطهاد التي تتعرض لها. كانت أول مرّة أسمع بها تصريحا واثقا بأن أول عنف تعرضت له هو تعريف الطبيب، الذي ولّد أمّها، لها بالذكر بناء على وجود القضيب. فالمؤسسة الطبية، كما ذكرنا سابقًا، تحدد جنس الأطفال، ويؤخذ بذلك التعريف بشكل ديني حتّى، لا يمكن مناقشته، بالرغم من أنّه سيحدد لنا كيف سنعيش كل حياتنا، وسيفرّق بيننا وبين الجنس الآخر بشكل جذري. هذا هو التحديد الذي سيجعلنا نفخر بأننا نملك فرجًا، بالرغم من أنّه حدد لنا أن الأنوثة والفرج مرتبطين، بناءً على لا شيء. عليه، تواجه النساء العابرات منظومة تقمع مشاعرهن بأنهن نساء، لأنهن لم يُولدن بالأعضاء المناسبة. فيطرح السؤال مجددًا، ما الذي يجعلنا نساءً؟ هل التي تضطر إلى التخلي عن الأعضاء التي وُلدت بها لأسباب صحية لا تعود امرأة؟ أو التي لا تعمل أعضاؤها بالشكل المفروض، أقل من المرأة الحقيقية؟ ماذا عن التي وُلدت ببظر، ثم خُتنت، وحُرمت من أحد أكثر أنواع النشوة الجنسية انتشارًا عند النساء، هل نعتبرها ناقصة؟ لماذا نعود ونربط أقدارنا وتعريفنا للمرأة بما تحدده المنظومة الطبية والمجتمع الأبوي؟
تعريف الجندر بحد ذاته معقد أحيانًا، ويختلف من مكان لآخر، ولكنه مرتبط بالجنس الذي ولدت به، وعلاقته بتعريفك عن نفسك اليوم. فإذا ولدت بمهبل وتُعرّفي عن نفسك كامرأة، فأنت امرأة غير عابرة (cis woman). أمّا إذا وُلدتِ بقضيب وتعرّفي عن نفسك كامرأة، فأنت امرأة عابرة (trans woman) كونك عبرتِ الجنس المحدد لك عند الولادة إلى النوع الإجتماعي الذي تعيشين به. والنساء العابرات، بالرغم من أنهن يتعرضن لعنف اجتماعي مخيف وعنيف، وغالبًا ما يكنّ في أعلى قائمة المعرضات للقتل حول العالم، الكثير من النسويات لا تعتبر وجودهن مرّحبًا به ضمن الدوائر النسوية، بل تُسمّيهن البعض بالرجال المتلصصين، وكأنّ واحدة ما ستضع نفسها في كمّ الخطر والتهميش هذا لمجرد التلصص.
لذا، اعتبار أنه علينا جميعا المرور بنفس التجربة هو اعتبار يُلقى عادة في وجه العابرات لسحب شرعيّتهن كنساء منهن، ولكنه لا يظهر في وجه نساء من طبقات عليا أو نساء يشاركن في سيرورة الاضطهاد بحكم مواقعهن الاجتماعية كسياسيات وحاكمات. التناقض في فرض التجربة والأعضاء التناسلية والقدر الإنجابي كمعيار لما تعنيه المرأة الحقيقية صارخ، علينا التأمل فعلا في مصدره وتبعاته على أخواتنا العابرات وعلى حركتنا النسوية وتعريفنا للتضامن والتكاتف والثورة المفاهيمية الفكرية التي نطمح بها.
دون هذا التأمل، سنجد أنفسنا أحيانًا واقفات على بوابة “النساء”، نحدد من يمكنها الدخول ومن عليّها الانتظار خارجًا، ونعيد إنتاج العنف الذي يشنّه علينا النظام الأبوي، لنحدد مجددًا من هي المرأة الحقيقية، المرأة المثالية… المرأة البيولوجية حقًّا، متناسيات أنّنا يوميًّا ننتج النساء في مصنع العائلة، عندما نحدد لبسهن ومشيتهن وطول شعرهن وكيفية جلوسهن ونبرة أصواتهن. يوميًا، نحن النساء الراشدات، نصبح نساءً، عندما نعتمد الأنوثة معيارًا لأذواقنا وكلامنا وعلاقاتنا، ويوميًا نُخلّ بما تُمليه كلمة “امرأة” عندما نعيش حياتنا خارج ذلك القالب. كلٌّ من الأنوثة والذكورة أسلوبا حياة وذوق وتفضيل وتصرّف وتمثيل، لا يجب أن يعطى أيًّ منهما قيمة أكثر من الآخر، خاصّةً بناء على الجنس الذي تحدد لنا عند الولادة. والأولى بنا عندما نتكلم عمّا يعنيه أن نكون نساءً هو أن نحتفل باختلافاتنا، لا بقهرنا وأقدارنا والتعريفات التي لم نخترها أساسًا، وأن نضمّ بعضنا بعضًا بناءً على ما يمكن أن نصنعه سويًا، مع النساء اللواتي يشبهننا بالطموح والأهداف بالحريّة والعدالة، بدلاً من النساء اللواتي يشبهننا بالأعضاء واللون والوظيفة الإنجابية، لأنّني أشبه في نسويتي صديقتي العابرة التي تُوقّف على الحواجز يوميًا أكثر مما أشبه وزيرة حرب تشارك في قتل نساء العالم الثالث، ولأنّ تعريف المرأة إمّا مفروض من النظام لقمعنا، أو عبثيٌ بحيث لا يمكننا الالتفاف حوله جميعًا.
شرح ==مصطلحات:==
- الإنترسكس (intersex): ثنائي الجنس. التعريف الرائد والمستخدم عادة هو أنهم الأشخاص الذين ولدوا بكلا العضوين التناسليين، لكن التصنيف الطبي أوسع من ذلك كما ذكرنا في النص، فيشمل أحجام الأعضاء التناسلية والأعضاء الإنجابية الداخلية والحمض النووي.
- البظر: عضو جنسي عند الإناث المحدَّدات عند الولادة، يقع فوق فوهة الإحليل، تتركز فيه الخلايا العصبية، وتحفيزه بالطريقة المناسبة يؤدي إلى الإثارة الجنسية والنشوة. كما أنه العضو الذي يُستأصل في كافة أنواع الختان.