ترجمة:نحن في حاجة إلى الحديث عن العملية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Tango Globe of Letters.svg

محتوى متن هذه الصفحة مترجم من لغة غير العربية أنجزته المساهموت في ويكي الجندر وفق سياسة الترجمة.

شعار ويكي الجندر.svg
مقالة رأي
ترجمة تامر موافي من eng
تحرير
بيانات الأصل:
العنوان الأصلي We need to Talk about Process
المصدر troubleandstrife
تأليف إيما ستونبريدج
تاريخ النشر غير معيّن
تاريخ الاسترجاع 2018-04-10
مسار الأصل http://www.troubleandstrife.org/new-articles/we-need-to-talk-about-process


قد توجد وثائق أخرى من نفس المصدر مصنّفة على تصنيف:وثائق مصدرها troubleandstrife

{{#createpageifnotex:تصنيف:مقالات رأي|{{صفحة_تصنيف_نوع_وثائق}}}} {{#createpageifnotex:تصنيف:وثائق مصدرها troubleandstrife |{{صفحة_تصنيف_مصدر_وثائق}}}}



في حركة سياسية متنوعة، سيكون ثمة بالضرورة جدالات وخلافات، ولكن كيف ينبغي للنسويات أن يتعاملن مع الخلاف الداخلي؟ تعتقد إما ستونبريدج أن الوقت قد حان لحوار جديد حول الطريقة التي نخوض بها نقاشاتنا.

في مؤتمر نسوي، في غرفة مملوءة بالنساء (وقلة من الرجال المتناثرين بالمكان). نستمع إلى حديث حول مشروع "الذكورية اليومية"، والذي يمنح النساء والفتيات منصة لمشاركة خبراتهن في التعرض للتحرش والمضايقة. المناخ داعم، والحاضرات بالغرفة يشعرن بالوحدة.

لاحقًا، يتغير المزاج. تقاطع امرأة من بين الحضور، متحدثة أخرى، وتطالبها بأن تصمت، لأن ما تقوله مسيء. تطالب رئيسة الجلسة المرأة بأن تدع المتحدثة تنهي حديثها، فتستجيب المرأة في النهاية. في النقاش التالي، تنتقد أقلية طريقة المرأة في التدخل، ولكن لا تعارض أي منهن حقها في التعبير عن اعتراضاتها، وهي تُعطى المساحة لإيضاحها. ليس ثمة توافق نهائي، والحاضرات بالغرفة يشعرن بالانقسام.


فيما بعد، تكتشف المتحدثة أن بعض حضور المؤتمر قد قاطعنها. فإذا حاولت محادثتهن التفتن بعيدًا في صمت. ووجدت أيضا أن البعض قد وضعن تعليقات على تويتر، كتبن أنها عنصرية، وأنها معادية للعابرين/ات جنسيًا و عاملات الجنس. وذكرتها مشاعرها -الصدمة، الغضب، الضيق- بما قالته المتحدثة السابقة عليها، عن ردود أفعال النساء للذكورية اليومية. ولكن من هاجمنها لسن رجالا ذكوريين. فمثلها تماما هن نساء نسويات.

إذا ما أمضيتِ وقتًا في المنتديات النسوية، فأغلب الظن أن الخطوط العامة لهذا الخلاف ستكون معتادة لكِ. وإذا ما كنتِ نسوية لوقت طويل، فربما يكون رد فعلك هو، "ما الجديد؟" لقد كان ثمة دائمًا خلاف بين النسويات، وكان ثمة دائمًا مناسبات أصبح الخلاف فيها بشعًا. فبالنسبة لبعضنا، أعادت الواقعة بالمؤتمر ذكريات خلاف مشابه اندلع في مدرسة صيفية للمثليات عام 1988. وكان قد بدأ أيضًا عندما اتهمت امرأة الأخريات بالتمسك برؤى لا يمكن التسامح معها في فضاء نسوي، وتصاعد هذا الخلاف إلى حد قارب الانحراف بالفعالية كلها عن مسارها.

ولكنني أعتقد بالفعل أن شيئا قد تغير منذ الثمانينات، ولسوف ألخص ذلك (بشكل بدائي) على النحو التالي. فالأمور التي اعتادت الحدوث نادرًا أصبحت أكثر شيوعًا. والسلوك الذي كان من المعتاد رفضه، أو النظر إليه كمشكلة، أصبح مقبولًا أكثر. والخلافات التي تورط فيها سابقًا مجتمع مغلق وصغير نسبيًا، يتفاعل وجهًا لوجه، أصبحت الآن تتم في منتديات أكثر انفتاحًا وعلانية. ويبدو أننا لم نعد نتحدث بتلك الأمور بالطريقة نفسها التي تحدثت النسويات بها سابقا.

العملية

عندما انخرطت، بادئ الأمر، في الحركة النسوية، كان ثمة كثير من الحديث عن "العملية"، وتعني الطريقة التي تُؤدى بها الأمور في المجموعات النسوية. وعوملت هذه المسألة على أنها قضية سياسية في حد ذاتها؛ فممارستنا كان مقصودًا بها أن تجسد التزاماتنا النظرية بعلاقات مساواتية وغير هرمية. لم يكن للمجموعات النسوية قادة أو مسؤولات منتخبات؛ اتُّخذت القرارات بشكل جماعي، وليس بتصويت الأغلبية. وتطلبت طريقة العمل هذه الاعتناء بالعملية الجماعية. فإذا كان الهدف هو ضمان الاستماع إلى رؤى الجميع، وأن تُوزع المهام بشكل عادل، وأن تُتخذ القرارات بالتوافق، فكان ينبغي أن يكون لك قواعد أساسية لممارسة تفاعلاتك.


إحدى القواعد التي أذكر تطبيقها بصرامة كانت ألا تقاطعي النساء الأخريات، أو أن تطالبيهن بأن يهدأن أو أن تستخدمي لهجة مسيئة لهن أو عنهن. مثل هذا السلوك غير " الأُختيّ" كان مرفوضًا بقوة. وكان لبعض المجموعات أيضا قواعد للحديث بالتتابع (مثلا، أن تنتقل الكلمة من متحدثة إلى أخرى حول الغرفة، أو أن يكون لكل امرأة عددًا محددًا من المداخلات)، وقصد بها وقف أن يهيمن على المناقشة النساء الأكثر ثقة بذواتهن، أو الأكثر طلاقة. وكان لكثير من المجموعات قاعدة تقضي بضرورة سماع سرد النساء لخبراتهن الشخصية دون أحكام أو انتقادات أو جدل.


انتقدت المعلقات اللاحقات هذه السبل لإنجاز الأمور، لأسباب عملية -يمكن للعملية النسوية قديمة الطراز أن تكون متثاقلة، وهذا يعيق أحيانا العمل على الحملات بفعالية- وأيضا لأسباب نظرية أكثر. أحد الانتقادات، والذي أبدته بعض النسويات حتى في ذلك الحين، كان أنه في الممارسة العملية لم تقضي القواعد على عدم المساواة والهرمية. في مقالها الكلاسيكي من بدايات السبعينات، "دكتاتورية غياب الهيكلية"، جادلت جو فريمان بأن غياب بنى السلطة الرسمية في المجموعات النسوية، ترك فحسب الطريق مفتوحًا لأن تظهر سلطات غير رسمية وغير مسؤولة دائمًا، مستندة إلى صداقات النساء الشخصية.

انتقاد آخر، أُبدي دائمًا، هو أن المعايير القديمة (مثل أن تكوني داعمة، ألا تجادلي أو تنتقدي، إلخ) جعل من الصعب تحدي توافق المجموعة. وحيث أن هذا التوافق قد عكس بصفة معتادة خبرات ورؤى النساء الأكثر امتيازًا -بيض، من الطبقة المتوسطة، صحيحات البدن، و غيريات- فقد مال إلى إقصاء وجهات نظر غيرهن من النساء، وصادر جهودهن للفت الانتباه إلى (ما سوف ندعوه اليوم) مظاهر القمع المتقاطعة.


كان الواقع، كما أذكره، أكثر تعقيدًا وتنوعًا مما توحي به هذه الانتقادات اللاحقة. فأنا أذكر وجودي في مجموعات حيث ولّدت الفروق -بين نساء الطبقة العاملة والمتوسطة، المثليات و الغيريات، الأمهات وغيرهن- احتكاكات وضغائن مرت في معظمها دون التعامل معها. ولكنني أذكر أيضا مجموعات أمكننا فيها أن نناقش الفروق بيننا بشكل منفتح وبناء. كانت هذه المجموعات عادة هي تلك التي أمكن للنساء فيها أن يعرفن بعضهن البعض جيدا، ويطورن مستويات مرتفعة من الثقة الشخصية.


مثل معظم الأمور، كان للعملية النسوية قديمة الطراز جوانب جيدة وأخرى سيئة. ومثل كل شيء، كانت منتجًا لزمنها. وإذا لم تتغير بشكل كبير في الثلاثين عاما الماضية فإن ذلك في حد ذاته سيكون مشكلة. ولكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا، أو أنه لا ينبغي علينا، أن نتأمل بشكل نقدي في الطريقة التي نُؤدي بها الأمور الآن. فكيف تبدو العملية النسوية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟ وكيف ينبغي أن تبدو في اعتقادنا؟

السياق والرسالة

تأثرت النسوية، مثل كل شيء غيرها، بقدوم التكنولوجيا الرقمية. يحدث كثير من العمل على الحملات والمناقشات السياسية على الشبكة اليوم؛ حتى المجموعات المحلية، التي تعقد اجتماعات منتظمة، ربما تتفاعل من خلال الفيسبوك أكثر مما تفعل وجهًا لوجه. المزايا الإيجابية للتكنولوجيا الجديدة، مثل السرعة، والراحة، واتساع إمكانية الوصول، واضحة. ولكن اعتمادنا المتزايد على الوسائط الرقمية له عواقب، بالنسبة للطريقة التي ننتسب بها لبعضنا البعض، ربما تكون أقل وضوحًا.


مقارنة بمعظم المواقف التي يتواصل فيها الناس وجهًا لوجه، فإن منتديات الشبكة هي بيئات تنخفض فيها الثقة المتبادلة، وحيث يكون من الحكمة أن تسلك بحرص، وتقترب من الآخرين بقدر من التشكك. ففي وسيط يسمح بالتواصل اللحظي مع عدد غير محدود من الناس، الموجودون في أي مكان في العالم، لا يمكنك أن تعرف يقينًا من تتفاعل معه بالضبط. وليس الأمر فقط أن الناس قد يكمنون في صمت على هامش المناقشة (وقد تكون دوافعهم عدائية -فقد يشاركون معلومات ذات حساسية مع آخرين، أو يجمعون المعلومات لحملة معادية للنسوية). وحتى حينما تكون واعيًا بوجودهم، فلن تعرف دائمًا أكثر مما اختاروا الكشف عنه. وربما لا يكون ذلك هو الحقيقة، بل إنه قد يكون حزمة من الأكاذيب المتعمدة.


في بيئة محدودة الثقة، نميل بدرجة أقل إلى أن نتعامل مع عدم الوضوح أو عدم اليقين بأن نفترض حسن نوايا بعضنا البعض. والاتصالات الرقمية معرضة دائما لعدم الوضوح، ليس فقط للافتقاد إلى السياق المشترك، ولكن أبضا لأنها قائمة على النص وتعتمد على الكلمة المكتوبة. الحوارات على الشبكة قد تبدو كأنها "حوارات"، ولكنها تفتقد إلى بعض الملامح الأساسية للحوار الشفاهي، حيث يعتمد قدر كبير من المعنى، وكل التفاصيل الشعورية تقريبا، على التباديل الدقيقة للصوت، إضافة إلى التواصل بالعينين (في اللقاءات وجها لوجه)، وتعبيرات الوجه، ولغة الجسد. وبدون هذه المفاتيح تكون قراءة مشاعر الناس أكثر صعوبة، ومن السهل إساءة تفسير نواياهم. وعندما يحدث ذلك، تجعل طبيعة الوسيط من المتوقع أكثر أن يستجيب الناس بعدائية. فعندما يكون محاورونا على مبعدة منا يكون لدينا كوابح أقل لأن نصدر تعليقات غاضبة أو مسيئة.


الاستراتيجية الرئيسية التي طُورت للتعامل مع هذه الظروف هي إدارة المواقع: فتُراقب المشاركات في الموقع، ويمكن أن تزال (أو ألا يُقبل نشرها من الأساس)، إذا لم تتفق مع "معايير المجتمع الافتراضي". أما ماهية هذه المعايير فأمر متغير: بعض مجتمعات الشبكة تزيل فقط المشاركات إذا كان من الممكن أن تمثل خرقًا للقانون، بينما البعض الآخر أكثر تدخلية. في المجموعات النسوية، تضم سياسات إدارة المواقع غالبًا التزامًا صريحًا بقيم سياسية مثل المساواة، والشمول، والتقاطعية. وبعضها ينص على أن المشاركات ستزال إذا ما رُؤي أنها تناقض هذه القيم (كمثال، إذا ما كانت ذكورية، متحيزة ضد ذوي الإعاقة، معادية للمثليين أو عابري الجنس و[[[جندر | النوع الاجتماعي]]).


ربما هذا ما تبدو عليه العملية النسوية اليوم: بدلا من قواعد غير مكتوبة تنظم النقاش وجهًا لوجه، لدينا اليوم سياسات مكتوبة تنظم مكافئها الرقمي. ولكن ثمة فروقًا بين المقاربتين القديمة والجديدة. الإدارة على الشبكة هي استراتيجية دفاعية، مصممة لظروف تنخفض فيها الثقة: والتركيز في معظم السياسات هو على ما لن يتم التسامح معه، أكثر مما هو على ذلك الذي سيُشَجَّع بشكل إيجابي. القواعد النسوية القديمة ضمت بالفعل بعض المحظورات (كمثال: عدم المقاطعة)، ولكنها كانت أقل دفاعية في مفهومها العام، لأنها كانت مصممة لبيئة بها مجال أضيق للخداع، ومن ثم مبررات أقل للشك بدوافع الآخرين. ففي المجموعات التي تتلاقى وجهًا لوجه كان الاحتمال ضئيلًا أن تواجه متسللين أتوا فقط لتخريب المناقشة والإساءة للمشاركين الآخرين. مثل هذه المضايقات شائعة للغاية على الشبكة بحيث أنه ثمة حاجة للعقوبات للتعامل معها.


اختلاف آخر هو أن العملية النسوية قديمة الطراز تضمنت قواعد كانت في معظمها غير مكتوبة ومن ثمة عرضة للنقاش والتفاوض المستمرين. الإدارة على الشبكة أكثر فوقية، من حيث أن ثمة سياسة مكتوبة يفرضها جزء صغير من أعضاء المجموعة. وربما يكون الآخرون قد استشيروا عندما طُورت السياسة، ولكن كثيرين سينضمون إلى المجموعة عندما تكون القواعد مفروضة بالفعل. نسبة كبيرة من الذين يستخدمون منتدى ربما حتى لم يطالعوا قط سياسة إدارته، تمامًا كما لا يقرأ الغالبية كل الشروط والأحكام عندما ينشؤون حسابًا على تويتر أو باي بال.


ثمة أيضا اختلاف لا ينشأ مباشرة عن طبيعة الوسيط، ولكن يبدو أنه يتعلق أكثر بالتغيرات في فرضياتنا السياسية. فقد ركزت العملية النسوية قديمة الطراز بشكل رئيسي على تنظيم الطريقة التي أُدي بها الحوار؛ عوملت بعض طرق التفاعل، مثل المقاطعة أو استخدام لغة مسيئة، على أنها غير مقبولة بغض النظر عن الرأي المطروح. في المقابل، أنواع القواعد الشائعة في منتديات الشبكة اليوم أقل اهتمامًا بشكل المساهمات وأكثر اهتمامًا بمحتواها السياسي. فالنص، على سبيل المثال، على أنه لن يُتسامح مع التعليقات العنصرية أو المعادية لعابري الجنس، لا يشمل فقط الحالات التي وجه فيها أحدهم تعليقات مسيئة أو استخدم لغة عدائية تجاه شخص أو مجموعة من الناس، ولكنه يشمل أيضا الحالات التي قدم فيها أحدهم، بلغة مهذبة، طرحًا سياسًيا يمكن الحكم عليه بأنه عنصري أو معادٍ لعابري الجنس. على الجانب الآخر، لا تنطبق القاعدة على الحالات التي يرد فيها أحدهم على تعليق يعتبرونه عنصريا/معادٍ لعابري الجنس، بـ"فضح" الشخص الذي أطلقه، حتى وإن اتخذ الفضح صورة هجوم شخصي غاضب مغلف بلغة عدائية/مسيئة.


التسامح، في ظروف معينة، مع طرق للسلوك كانت تعتبر عادة إشكالية، كان ظاهرًا أيضًا في واقعة المؤتمر (والتي كانت، بالطبع، حدثًا خارج الفراغ الافتراضي، برغم أنها أثارت نقاشًا على الشبكة). فالإساءة الملاحظة فيما قالته المتحدثة اعتُبرت مُبررة لتكتيكات مثل المقاطعة لمطالبتها بالصمت، ولاحقا استبعادها ومعايرتها علنا. لم يدعم الجميع ذلك، فبعض النساء تدخلن لإعلان عدم موافقتهن، واستخدمت واحدة أو اثنتين منهن الفكرة النسوية الأقدم للسلوك "الأختيّ". ومع ذلك فهؤلاء اللاتي استخدمن التكتيكات المختلف عليها شعرن بوضوح أنهن كن يدافعن عن مبدأ سياسي أكثر أهمية.


الوسائط (ضد) الاجتماعية

كنت أتحدث، حتى الآن، عن مجموعات مغلقة، حيث يمكن للنسويات أن ينشئن القواعد الخاصة بهن. ولكن كثيرًا من التفاعل النسوية يحدث أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة وغير المنظمة (أو على الأقل التي لا يقوم على تنظيمها نسويات). وتجعل اللحظية والوصول المتسع من وسائل التواصل الاجتماعية أدوات قوية، ففي بعض المجالات (الحملات بصفة خاصة) تكون لذلك فائدة إيجابية، ولكن يمكن أيضا أن يكون لقوتها عواقب سلبية.


ذكرت سابقا المدرسة الصيفية في الثمانينات التي وُرطت في خلاف. وقد شعرت نساء كثيرات في أعقاب ذلك بالحاجة للتأمل فيما حدث، وخلقت المنظمات مساحة يمكن لهؤلاء النساء فيها مشاركة مشاعرهن تجاه الأمر. في تلك الأيام عنى ذلك مساحة مادية، ونقاشًا وجها لوجه بين نساء كن جميعا هناك. اليوم، في مقابل ذلك، تقع نقاشات مثل هذه غالبا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن القيام بها "لحظيا" (بمتابعة الأحداث بينما تطور من لحظة لأخرى)، وحيث يمكن للمشاركات أن تشاهد، وتمرر لآخرين، ويرد عليها كثيرات لم يشهدن في الواقع الأحداث موضع النقاش.


ذلك ما حدث بالمؤتمر، حيث بث البعض ردود أفعالهن على الخلاف من خلال تويتر -وهو منصة تصل بفقدان السياق المشترك إلى حدوده القصوى بحصر الرسائل عليه في 140 حرفًا للرسالة الواحدة. فإذا قرأت (تويتة) تخبرك أن شخصًا لا تعرفه في حدث لا تحضره، قد علق بشكل مسيء، لن يكون بإمكانك تقييم هذا الحكم بشكل كامل، لأن التويتة لم توضح (وفي حدود ال140 حرفًا لا يمكن لها أن توضح) ما قيل وماذا كانت الظروف المحيطة. إضافة إلى ذلك، إذا كان كاتب التويتة يكتب على تويتر لحظة الحدث فإن الأقرب للواقع أن ما يشاركه هو حكم تكون من وحي اللحظة. وتويتر يعيش على هذه الأحكام السريعة والقاطعة، ويجعل من السهل أيضا أن تنتشر بإعادة الناس لبثها، وردهم عليها، ونشرهم لها على مواقع أخرى. وإذا ما تورط عدد كاف من الناس، فيمكن لذلك أن يخلق على الشبكة ما يكافئ الجموع الغاضبة التي تهاجم علنا أهداف غضبها على أساس معلومات محدودة، بحد أدنى من السياقية، وعادة منقولة عن الشخص الثاني أو الثالث بعد الشاهد المباشر. فلا تُنقل الجدالات فقط إلى ساحة عامة أوسع قبل أن يتاح للمعنيين الوقت لتحليل استجاباتهم، ولكن أيضا قبل أن تكون هناك مناقشة مع الآخرين في السياق المباشر. مثل هذا النوع من النقاش هو فحص للواقعية، وهو قد يكشف أن تفسيراتك للأحداث لا يشاركك فيه جميع من اختبروها. حتى إذا لم يغير ذلك من موقفك الأساسي، فهو يجعلك تعي أن ثمة وجهات نظر أخرى.


لقد وجد الباحثون الذين يدرسون شبكات التواصل على الشبكة أنها تقصر الظهور على عدة وجهات نظر حول الحدث أو القضية ذاتها. ربما يبدو هذا عكس المتوقع، فمجتمع مستخدمي تويتر أكبر وأكثر تنوعا من أي مؤتمر أو اجتماع، ومن ثم ينبغي نظريا أن يوفر طيفا أوسع من الآراء. ولكن عمليا نمخر عباب الفضاء السيبري الواسع بأن نكون انتقائيين للغاية لمن نتصل بهم. في اجتماع أو في مؤتمر، لا يكون لنا أن نختار محاورينا، فنحن لا نعرف مسبقا ما هي الآراء التي يمكن التعبير عنها، ولا يمكننا فقط أن نحظر تلك التي لا نتفق معها. لدينا على الشبكة قدرا أكبر من التحكم، فأغلبنا قد بنى شبكة من الآخرين، الذين يتفاعل معظم الوقت معهم، ولهم آراء قريبة من آرائه (كما نميل في عالم تُغرقه المعلومات، إلى أن ننتقي في الأساس هذه المصادر التي تعكس، وتدعم، وتضخم، الآراء المسبقة لنا- ومن ثم نشارك تلك التي نحبها فيكون لأصدقائنا نفس المرجعيات).


المصطلح الفني لذلك هو "حب المثيل"، بمعنى تفضيل التشابه أو التماثل. ويعتقد بعض علماء السياسة أن نمو شبكات التواصل المثيلية، يسهم في استقطاب متزايد للجدال السياسي (السائد). فإذا كانت أغلب التفاعلات تقع في إطار مجتمعات مختارة ذاتيا من بين المشابهين في العقلية، فأعضاء كل مجتمع سيعززون بشكل مستمر من معتقداتهم، وعبر الوقت سيزيد ذلك من المسافة السياسية بين المجتمعات المختلفة.


ثمة مجال بالطبع للمجتمعات التي نعرف أن معتقداتنا متشاركة فيها. ولكننا إن قبلنا أن السياسة النسوية لا تتطلب فقط بناء المجتمعات وإنما أيضًا بناء التحالفات، والتي بدورها تتطلب الحوار بين المواقف المختلفة، فسيثير هذا تساؤلات حول الطريقة التي نستخدم بها الوسائط الاجتماعية كفراغ سياسي. فهل ما يحدث في هذه الفراغات حوار بحق، أم أنه أقرب إلى سلسلة من المونولوجات المتوازية؟


كيف نغلق الحوار

يمكن الجدل بأن المشاركات في المؤتمر اللاتي لجأن إلى تويتر، قد فضلن الخروج عن الحوار السياسي -متجاوزات المناقشة في الغرفة (حيث تُحترم أكثر من وجهة نظر واحدة)، وتوجهن بدلا من ذلك إلى مجتمع شبكي يمكنهن الاعتماد على اتفاقه/قبوله. أحد أدلة الإثبات لهذا التفسير هو المفردات المستخدمة. فعلى سبيل المثال يُكثّف مصطلح "معادية لعاملات الجنس" حزمة كاملة من الجدليات حول الجنس والعمل بالجنس/الدعارة، ويجسد موقفا بعينه من هذه القضية. مثل هذه الصيغة المختصرة لا تدعم الحوار، وإنما تعزز الانقسام، فوظيفتها هي تأكيد خيرية وصواب موقفك بمقارنته بسوء وخطأ الموقف الذي تتخذه مجموعة أخرى من النسويات. في نفس الوقت، تخوض النسويات الأخريات، في الركن الخاص بهن من الكون الافتراضي، نقاشهن المعزز للذات، مستخدمات الصيغ المختصرة الداخلية الخاصة بمجموعتهن. هذه الحوارات من طرف واحد المتوازية لا تعزز فقط الخلافات السياسية الأساسية، وإنما تعزز أيضا افتراضات الناس حول هؤلاء اللاتي لا يتفقن مع ما يعتقدن فيه ولماذا. وبعض هذه الافتراضات غير دقيق، فسيكون من الأصعب التمسك بها إن لم نمضي وقتًا أطول في الحديث عن بعضنا البعض مما نمضيه في الحديث إلى بعضنا البعض.


مشكلة أخرى للحوارات من طرف واحد المتوازية هو أن المصطلحات نفسها قد تستخدمها مجتمعات نسوية مختلفة، فعندما يتفاعلن مع بعضهن البعض قد يتحدثن بأغراض متقاطعة لأنهن ضمنيا يعملن من خلال تعريفات مختلفة لكلمات أو مفاهيم أساسية. وقد وجدت نفسي، بينما أقرأ مقال ديبي كاميرون الأخير في T&S، حول الأيديولوجيات والمخاوف المرضية، أفكر أن هذه المصطلحات هي مثال في محله. فما حدث في المؤتمر كان مثالا إيضاحيا، فعندما دعيت المرأة التي قاطعت المتحدثة لتفصيل اعتراضاتها، أوضحت أنها ترى أنها ممارسة قمعية إذا ما امرأة لا يمكنها ادعاء هوية أو خبرة ما، عبرت عن رأي حولها، أو بنت تحليلا لها، يتعارض مع ذلك الذي تفضله المجموعة المعنية. فإذا لم تكوني منخرطة في العمل بالجنس ينبغي أن تعودي إلى التحليل الذي أنتجته نساء انخرطن فيه. وإذا لم تكوني مسلمة فلا ينبغي أن تتحدثي عن قضايا مثل ارتداء الحجاب، إلا لتقدمي دعمك للموقف الذي تتخذه النساء المسلمات أنفسهن. وأي تقصير في التمسك بهذا المبدأ، هو بالنسبة لها، أساس للاتهام بالعداء للعاملات بالجنس أو بالعنصرية.


ولكن ما أن أعلن المبدأ صراحة، أصبح من الواضح أن ثمة مشكلة فيه، فهو يفترض مسبقا أن كل من يتشارك الهوية أو الخبرة ذاتها سيتفق مع الرأي السياسي نفسه، في حين أن ذلك ليس الحال في الواقع. ثمة نسويات مسلمات يدعمن حق النساء في ارتداء الحجاب ونسويات مسلمات أخريات يعارضن هذه الممارسة. وثمة نساء لهن خبرة بصناعة الجنس يدافعن عنها، وأخريات يقمن بحملات ضدها. فأي موقف ينبغي على النسويات اللاتي لا تشاركن هذه الهويات أن يعاملنه على أنه الموقف المعتمد؟ وكيف لأي أحد، بأي هوية، أن يصل إلى موقف مدروس من أية قضية إذا كان الإنصات إلى أكثر من رأي حولها هو قمعي بالتعريف؟ ومن يقرر أي الرؤى مقبول وأيها ينبغي إقصاؤه عن المنصة؟ هل هذه هي النسخة الجديدة مما اسمته جو فريمان بديكتاتورية غياب الهيكلية؟


يمكن لذلك بالتأكيد أن يبدو ديكتاتوريا، في بعض الأحيان. في بعض المنتديات التي انتمي إليها على الشبكة، عدد كبير من المشاركات هن شابات لم يكن في مجموعات نسوية من قبل. فليس لهن موقف ثابت من كل شيء، وفي بعض الأحيان يبدين نقصا في الوعي حول قضايا لم تكن جزءا من خبراتهن الحياتية، أو يطرحن أسئلة عن جدليات يأخذها البعض كمسلمات. وأحيانا يعيرن بذلك. وتكون استجاياتهن عادة اعتذارية، ولكن بعضهن يعلقن بأنهن يشعرن بالتهديد. والبعض يتوقفن عن المشاركة فحسب. إنني أجد ذلك محبطا، لأنه يبدو وكأننا لا نتيح المجال لتطور الأفكار الذي هو جزء من عملية أن تصبح أي واحدة نسوية (وأن تستمر في كونها كذلك أيضا).


يمكن لسياسات الإدارة على الشبكة أن تكون أدوات غشيمة، لا تفرق بين التعليقات المسيئة المستفزة بشكل عمدي، وبين تلك التي تؤدي إلى الإساءة دون قصد لأنها ساذجة أو يُعبر عنها بشكل مضطرب، وبين تعليقات ثالثة تعكس انقساما سياسيا حقيقيا. وأتساءل أحيانا عما قد يحدث إذا ما أقررنا قاعدة، كتجربة، أن المشاركات في مناقشة يجب أن يوضحن أساس خلافاتهن أو شعورهن بالإساءة بأكبر قدر ممكن من الوضوح دون استخدام مصطلحات مهينة هي دائما ستسمع كهجوم شخصي. لا يعني هذا أن لا واحدة يمكنها الاعتراض على إسهام أخرى، وإنما سيعني فقط أنه سيكون عليها فعل ذلك بشكل مختلف. فما يجعل المعايرة مهددة ليس فقط حقيقة أنها انتقادية. فلا أحد يسعده أن ينتقد، خاصة في العلن، ولكنه من الصعب التعامل مع النقد -أو التعلم منه- بشكل خاص عندما يؤطر في مثل هذه المصطلحات الثقيلة.


لكن المفردات ليست الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعل المنتديات النسوية تشعرك بالتهديد. في بعضها، وخاصة على الشبكة، يكاد النمط واللهجة لا يمتان بصلة إلى المثال القديم للتواصل التعاوني والداعم. وهي أقرب إلى صورة الخطاب المميز للنقاش السياسي في المنتديات غير النسوية، صراعي، استقطابي، ومليء بالصوابية الدفاعية، دون تحفظ في المشاعر أو تخفيف للكلمات. هذا النمط يمكن أن يكون محمسا عند قراءته، فكثير من المدونات النسويات الجذريات اللاتي أحبهن يستخدمنه بشكل ترفيهي. ومع ذلك ثمة أمور به تزعجني. وثمة تعبير بعينه يختزل مشكلتي معه، وهو "من الآخر"، كما في "القصة من الآخر". كما في "هذا الجدل انتهي لأني قلت ذلك". وكما في "أنت على خطأ، أنا على صواب، وأنا أخرسك."


وما يزعجني بخصوص ذلك ليس حقيقة الاختلاف، وإنما طريقة التعبير. فلست أقول أن على النسويات الامتناع عن إثارة المشاكل أو جذب الاهتمام إلى الانقسامات. ولا أنا اقترح أنه من غير المشروع مطلقا لنسوية أن تنتقد أخرى. إذا كان من شيء فإنني أعتقد أننا في حاجة إلى مزيد من النقاشات حول الأمور التي نختلف عليها، ولكننا نحتاج أيضا إلى التفكير في كيفية إدارتنا لهذه النقاشات.


الوسائل، الغايات وممارسة سياستنا

تصادف مؤخرا أن أعدت قراءة عمل كلاسيكي من الموجة الثانية، وهو البيان الذي أعدته "تعاونية كومباهي النسوية السوداء" في عام 1977. وأدهشتني الفقرة التي تناولت موضوع العملية النسوية:

في ممارسة سياستنا لا نؤمن بأن الغاية تبرر دائما الوسيلة. فكثير من الأفعال الرجعية والمدمرة مورست باسم تحقيق "أهداف سياسية صحيحة". كنسويات، لا نرغب في الإساءة لأحد باسم السياسة. نحن نؤمن بالعملية الجماعية والتوزيع غير الهرمي للسلطة داخل مجموعتنا وفي رؤيتنا لمجتمع ثوري. ونحن ملتزمات بالاختبار المستمر لسياستنا بينما تتطور من خلال النقد الخارجي والنقد الذاتي كأوجه أساسية لسياستنا.

ربما تكون اللغة قد تقادمت، ولكن الفكرة لا زالت مقنعة لي.