وثيقة:قراءة في تحولات الحركة النسوية السعودية: من الهامش إلى المركز

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
ورقة بحثية
تأليف نورة الدعيجي
تحرير غير معيّن
المصدر مركز الخليج لسياسات التنمية
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-10-30
مسار الاسترجاع https://gulfpolicies.org/2019-10-30-15-38-55
تاريخ الاسترجاع 2021-03-14
نسخة أرشيفية https://archive.ph/JpNHl



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مركز الخليج لسياسات التنمية



في السادس والعشرين من سبتمبر عام 2017، صدر أمر ملكي يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة ابتداءً من يونيو 2018. قوبل هذا القرار المفاجئ بمشاعر البهجة والاحتفاء من قبل الكثير من السعوديات والسعوديين، فيما تراوحت مواقف المعلقين داخل وخارج المملكة بين عدة توجهات. فهناك أولئك الذين اعتبروا الأمر خطوة محدودة جدًا في اتجاه "التقدم"[1]، وأولئك الذين اعتبروه مجرد حملة علاقات عامة[2] لتحسين صورة المملكة وتشتيت الأنظار عن الانتقادات الدولية، سواء تلك التي تتعلق بحرب اليمن أو بالـ "التطرف الديني" وداعش، كما أن هناك من رأى أن القرار جاء ليغطي على حملة الاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين والمثقفين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي والمحسوبين على التيار الإسلامي. وأخيراً هناك من رأى فيه محاولة لتعزيز شرعية الدولة[3] داخليًا عبر الانفتاح الاجتماعي واحتواء النشاط النسوي السعودي.

إلا أن ما تخفق مثل هذه التحليلات في رؤيته هو كون رفع المنع عن قيادة المرأة للسيارة لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء كثمرة لنضال طويل قادته الناشطات النسويات السعوديات، وإن هذا النضال قاد لنتائج ذات تأثير حقيقي على حياة المرأة السعودية على المستوى اليومي وأبعد ما تكون من مجرد مكاسب رمزية. وحتى في الحالات القليلة التي تقر فيها بعض التحليلات بنشاط المرأة السعودية، فإنه سرعان ما يتم إهمال دوره[4] واستبعاد كونه أحد مسببات للأمر الملكي أو الاكتفاء باعتباره نشاطًا أقل "جدية" من أشكال أخرى من الحراك الذي حدث في المملكة، إذ يقومون بحصر معنى "جدي" هنا في النشاط السياسيً، أي ذلك الذي يتحدى الدولة، ويهدف لتغيير طريقة الحكم ولإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة.

وخلافاً لهذه التحليلات، ستوضح هذه الورقة كيف أن النسوية السعودية تطورت في الفترة من 2011-2018 إلى حركة مستقلة خارج الدولة. ففي القسم الأول والثاني، سأقدم تحليلاً للحركة النسوية السعودية وأستعرض تطورها من خلال حملات مطلبية متتابعة، وذلك عبر التركيز على لحظتين تاريخيتين رئيستين: لحظة الربيع العربي، ولحظة الحزم ورؤية 2030 [5]. في هذا الاستعراض، سأركّز على توضيح كيفية ظهور نموذج المرأة "الناشطة" في الفضاء العام السعودي، وكيف أفضى هذا التطور إلى صدور الأمر القاضي بالسماح للمرأة بالقيادة. إن تتبع هذا التطور سيبين كيف أن الحملات التي قامت بها الناشطات النسويات قد وجهت مطالباتها للدولة وفقًا لرؤاها وإطارها الخاص، حيث ركزت الحملات على تبديد الكثير من الأساطير التي روجت عن الدولة، مثل تأكيدهن على أن الدولة ليست الحامية، وأنهن أنفسهن لسن مجرد كائنات ضعيفة، بلا حيلة، ومتنفعة من حماية الدولة ودعمها. بالإضافة لذلك، قدمت الناشطات رؤى للدين والمجتمع مخالفة للرؤى السائدة التي وظّفت كمبررات لحقوق مواطنة ناقصة للنساء، كما أنهن استخدمن لغة المواطنة والحقوق بشكل مكثف، ودافعن عن أسلوب ومبدأ الحراك والمطالبة من خارج الدولة كوسيلة مشروعة في الفضاء السياسي في السعودية.

لكن ماذا يحدث عندما تنجح حركة كانت مهمشة في تحقيق أحد أهدافها، كالحصول على قرار قيادة المرأة؟ إنها دائماً ما تجد نفسها في مفترق طرق: هل ستتوقف؟ هل ستخبو اندفاعتها؟ هل سيتم احتواؤها؟ هذه هي المرحلة التي تمر بها الحركة النسوية السعودية اليوم. ستحاول الورقة في قسمها الثالث أن تنظر إلى تداعيات استجابة الدولة بشكل مباشر لأحد المطالب المركزية للحركة النسوية السعودية. بعد ذلك، سيسعى القسم الرابع إلى تحديد وتحليل تداعيات القرار واللحظة الراهنة التي تشهد صعود الناشطات النسويات من الهامش واحتكاكهن بالأخريات القابعات في المركز، وكذلك بالحركات الأخرى ذات الطابع الإقصائي. وسيأتي القسم الأخير ليقدم ملاحظات نقدية وتحذيرية لبعض الاتجاهات والخطابات الإقصائية داخل الحملة نتيجة احتكاكها بالحملات الأخرى ذات الخطاب الإقصائي وانعكاسات بيئة لحظة الحزم الجديدة عليها، وستشدد هذه الملاحظات على التذكير بما مثلته الحملة من مظلة جامعة ومناهضة للإقصاء وتأكيدها على المواطنة الجامعة.

أولاً: لحظة الربيع العربي

مثّل الربيع العربي للنساء السعوديات لحظة ظهور الحركة النسوية السعودية وتشكل شبكات الناشطات والناشطين التي أنجبت بدورها حملات المطالبة بقيادة السيارة والتصويت في الانتخابات البلدية. بالإضافة إلى ذلك، مثل الربيع العربي لحظة تحشيد للنساء اللاتي كنّ غير فاعلات في الفضاء العام سابقاً، وجاء هذا التحشيد على شكل احتجاجات جماعية داخل الجامعات، وقاد إلى تطوّر رئيسي في الحركة النسوية الصاعدة وتقاطعها مع المجموعات الناشطة الأخرى.

في هذه الفقرة، سأستعرض كيف أثرت لحظة الربيع العربي على بزوغ أشكال مختلفة لما سأسميه بنموذج المرأة الناشطة في الفضاء العام السعودي، وسأركز نقاشي على ثلاثة أشكال لهذا النموذج، حيث سأبدأ بفئة "الناشطات"، ثم سأعرج سريعاً على كل من فئتي "الحقوقيات"[6] والشابات غير الفاعلات في الفضاء العام سابقاً. فهذه الأشكال الثلاثة تشكلت وحظيت بشرعيتها بطرق غير مسبوقة وخارج إطار الدولة ونماذجها المقبولة لظهور المرأة في الفضاء العام. بالإضافة إلى ذلك، سأبين كيف أن النسوية السعودية، كما تشكلت على أيدي الفاعلات ضمن هذه الفئات الثلاثة، لم تكتفي بتحسين موقعها التفاوضي أمام الدولة، بل قامت بنقد والاعتراض على الأسس التي بنيت عليها العلاقة بين المواطنات السعوديات والدولة.[7]

1- الناشطات

"الناشطات" هن النساء ذوات الميول الليبرالية اللاتي شاركن في حملات قيادة المرأة وحق التصويت في الانتخابات البلدية. ويعود تاريخ نشاط بعضهن للتسعينات الميلادية، لكن غالبيتهن بدأ نشاطهن في فترة الربيع العربي. وتكمن أهميتهن في الدور الذي لعبنه في تغيير خطاب الدولة على عدد من الجبهات. فهن قد رفضن فكرة أن هناك علاقة حماية أبوية بين النساء والدولة ودفعن باتجاه علاقة مختلفة بين هذه الأخيرة والمواطنات. ورغم أن هذا الدور بدأ في أواسط عام 2011، إلا أنه بلغ ذروته في حملة قيادة المرأة للسيارة "Women2Drive" في 2012 وحملة السادس والعشرين من أكتوبر "October 26" في عامي 2013 و2014. وبشكل أكثر تحديداً، نجد أن تأطير خطابهن لمظلوميتهن اتجه للدولة بدلاً من المجتمع أو الدين في المرحلة الانتقالية من حملة عام 2011 و2012 إلى حملة عامي 2013 و2014. كما أن هذه الفترة شهدت تزايد تقاطع هذه الفئة مع غيرها من الحركات الحقوقية المطلبية. وهذه التوجهات أدت لبروز نزعة ترفض استجداء الحقوق من الدولة الأبوية كوسيلة لتحقيق الأهداف النسوية.

إن المحرك الرئيسي وراء هذا التحول على مستوى الخطاب هو استجابة الناشطات للنقد العام الذي وجه لهن في وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، وأثناء البدايات الخجولة لنشاطهن، اعتبر نقاد الحملة أن هدف "كسر التابو الاجتماعي" الذي تبنته الحملة لم يكن مصيباً في إلقاءه اللوم على المجتمع وفي تركيزه على قضايا محدودة وهامشية. وعادة ما كان هؤلاء النقاد يقارنون هذا الهدف بالإصلاح القانوني المطلوب لقضايا المطلقات والأرامل اللاتي تقدم تجاربهن على أنها تعبير عن المعاناة "الحقيقية" لقضية حقوق المرأة في السعودية. ولمواجهة هذه الانتقادات، أعادت حملة قيادة المرأة للسيارة تأطير مطالبها بطريقة تجعلها جذابه كحملة ذات معنى وأهمية. ففي سبتمبر من عام 2011، أعلنت الحملة بأن المطالبة بقيادة السيارة ليست سوى حملة واحدة ضمن إطار حركة أكبر اسمها: "حقي كرامتي". عندما أعلنت منال الشريف هذا على تويتر، أدرجت ضمن إعلانها وسم: #SaudiWomenSpring أو ربيع النساء السعوديات، وذلك في إشارة إلى أن المبادرة لم تبتعد عن تأثرها بالربيع العربي. ونجد هذا الأمر أيضاً في اسم الحركة الجديد نفسه، ذلك أنه في تأكيده على مفاهيم "الحق" و"الكرامة" كان يستحضر مُثُل الربيع العربي.

من جهة أخرى، جاء البيان الأول لحملة القيادة بعد انضوائها تحت حملة حقي كرامتي بعنوان "هويتنا وأسماءنا" وفي تاريخ 25 سبتمبر من عام 2011،[8] ذكر البيان أن هدف الحركة هو القضاء على التمييز المترسخ في العادات الاجتماعية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية[9]. وإلى جانب هذا الموقف الرئيسي، استشهدت ناشطات الحملة بشكل متكرر بتصريح ادلى به الأمير نايف، وزير الداخلية آنذاك، في عام 2005، جاء فيه أن قيادة المرأة للسيارة شأن اجتماعي يقرره المجتمع. أضف إلى ذلك أن الناشطة الرئيسية للحملة، منال الشريف، صورت موضوع منع القيادة على أنه محظور اجتماعي يجب كسره، متجاهلة منع الدولة لقيادة المرأة. تضع هذه الأساليب الخطابية الحملة بشكل واضح في إطار نسوية الدولة، وهو الإطار الذي تظهر فيه الدولة كمحسنة تقدم للمرأة حقوقاً سلبتها إياها الأعراف الاجتماعية. ولهذا، فإنه قد يبدو أن هذه الحملة تمثل ببساطة استمراراً للوسائل المتخذة في حملة القيادة السابقة في فترة 2007-2009، التي لا تبدو أنها مختلفة عن نسوية الدولة في الطريقة التي حددت فيها الناشطات علاقتهن بالدولة. إلا أنه من الخطأ أن نتسرع في اصدار مثل هذا الحكم، ذلك أن هذا الأسلوب ينبغي أن يفهم باعتباره مناورة لتجنب تداعيات الحملة، وليس باعتباره التزاماً إيديولوجياً ثابتاً، حيث أثار الخطاب الشكوك في بداياته عام 2011، قبل بروز نموذج المرأة الناشطة خارج إطار الدولة كبديل "مقبول" لنماذج المرأة الفاعلة في الفضاء العام المعمّدة من قبل الدولة.

والدليل على هذا هو ابتعاد الحملة بعد ذلك عن هذا الأسلوب، حيث تخلت المساهمات في الحملة عن حصر أنفسهن في مطلب القيادة، الذي اعتبر مطلبًا غير سياسي، وتبنيهم عوضًا عن ذلك لمشروع سياسي أوسع يعني بالمكانة السياسية للمرأة، أي بعلاقة المرأة بالدولة وبالمجال العام وبطبيعة مواطنة النساء[10]. نتج عن هذا تعرّض الحملة لضغوطات مستمرة لأن تكون أكثر اتساعاً في مطالباتها، كما قاد أيضًا إلى زيادة تسيّس كل من الحركة وعضواتها. وتعزز هذا التحوّل أكثر عن طريق التأثير المتبادل بين الحملة والحركات الأخرى كالنشاط السياسي الذي مثله الربيع العربي، بالإضافة إلى تجربة الناشطات أنفسهن من ردّات الفعل الأمنية التي تعرضن لها من قبل الدولة وليس من المؤسسات الاجتماعية أو الدينية. فعلى سبيل المثال، جاء البيان الثاني للحملة، الذي صدر بعد عدّة أيام من البيان الأول، ليدين استهداف قوات الأمن لعضوات الحملة[11] ونساء أخريات حاولن قيادة سياراتهن[12]، وكذلك حكم الجلد الذي صدر ضد إحداهن[13]. كما أنه انتقد بجرأة وزارة الداخلية، وشجع النساء على رفض التحقيق قبل التواصل مع محامي، ودعاهن للإعلان عن أي حالات يتعرضن فيها للمضايقات القانونية والجسدية، وذلك انطلاقاً من أن مواجهة الدولة "بالإعلان هو أفضل علاج لإنهاء هذه المضايقات".


من هذه الإشارات والمواقف والأساليب التي تبنتها حملة "حقي كرامتي" في فترة 2011 و2012، يمكن ملاحظة ولادة حركة نسوية لا تتبنى أسلوب نسوية الدولة (أي اعتبار الدولة هي الحامي للمرأة والطريق الأمثل لتحصيل حقوقها)، وهو الأمر الذي ازداد نموّاً ووضوحاً مع حملة "26 أكتوبر" لقيادة السيارة في عامي 2013-2014. فعلى سبيل المثال، جاء البيان الرئيسي لهذه الحملة ليقول: "نحن نطالب بهذا لأننا لا نجد أي مبرر لمعارضة الحكومة لقيادة النساء لسياراتهم. الدولة ليست أب ولا المواطنين أطفال أو قصّر[14]." وهذا الرفض النسوي للدخول "بصفقة أبوية" مع الدولة تكرر أيضاً في النقاشات على الإنترنت والمقابلات التلفزيونية وغيرها من المناسبات الإعلامية. إضافة إلى ذلك، بدأت الحملة باعتبار قيادة المرأة قضية سياسية، وليست قضية اجتماعية. فقد أكدت الحملة في بيانها الأساسي، المنشور على شكل عريضة في موقع على الإنترنت قامت السلطات السعودية بحجبه، على رفضها التركيز على الأسباب الاجتماعية لمطلب القيادة، وطالبت الدولة أن تتحمل مسؤوليتها [15]. بل إن البيان تضمن مطالبة سياسية بامتياز: "وفي حالة لم تقم الحكومة برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، ولم تقدم تبريراً لرفضها المستمر، فإننا نطالبها بتوفير آلية لتمكين المجتمع من أن يعبر عن رغبته في هذا الموضوع". إن استدعاء البيان لحقيقة أن المجتمع لم يتم أخذ رأيه في الموضوع يعني قلب التركيز على الجانب الاجتماعي على رأسه، وتحويله إلى نقد للدولة وطريقتها في الحكم، مع إلماح لمطالبة بنظام سياسي يسمح بمشاركة شعبية أوسع.


وبشكل عام، تطلبت مقاربة الناشطات للبعد الاجتماعي لمطالبهن أن يقدمن صورة جديدة أكثر حيوية للمجتمع، وليس كمجتمع متخلف مناهض للحقوق كما تحاول الرواية الرسمية تصويره. فعلى سبيل المثال، في حملة 26 أكتوبر، أبرزت الناشطات مساندة أفراد المجتمع لهن عندما خرجن يقدن سياراتهن في الشوارع، وذلك عبر نشر مقاطع مرئية على الأنترنت يظهرن فيها وهن يقدن سياراتهن دون أن يتم التعرض لهن. بل إن داعمين مجهولين قاموا بالتبرع بمبلغ من المال لشراء سيارة لإحدى الناشطات اللاتي قامت الدولة بمصادرة سيارتها. واستطاعت حملة 26 أكتوبر أن تزيل الشكوك المحيطة بكون قيادة المرأة مسألة خارجة عن النطاق الاجتماعي، وذلك حين حاولت لجين الهذلول عبور الحدود السعودية الإماراتية بسيارتها. فلم يكن المجتمع هو الذي ينتظرها على الحدود لمنعها من دخول المملكة فقط لكونها جالسة في مقعد السائقة، ولم يكن المجتمع هو الذي أجبرها على البقاء في المنطقة الحدودية لأربع وعشرين ساعة لتأتي صديقتها الناشطة ميساء العمودي لمساعدتها. ولم يقم المجتمع باعتقالها هي وصديقتها لمدة شهرين، وهي المدة الأطول التي تقضيها امرأة في السجن في قضية تتعلق بمسألة قيادة المرأة. ولم يكن المجتمع هو من أحال قضيتها للمحكمة الجزائية المتخصصة (التي تنظر في قضايا الإرهاب). بل كل ذلك كان من عمل الدولة وأجهزتها. قامت الناشطات بترديد هذه الحقائق والوقائع بشكل مستمر أثناء الحادثة وبعدها في خطاباتهم العلنية.

بالإضافة إلى إثارة التساؤل حول دور كل من الدولة والمجتمع، كان لحملات "الناشطات" دور مهم في النقاشات الدائرة حول مدى فعالية الحراك من خارج إطار الدولة. فعلى سبيل المثال، كتبت إحدى الكاتبات المتعاطفات مع هذه الحملات مقالاً معنون بـ "مشروعية ليّ ذراع الدولة" دافعت فيه عن أنواع من الحراك قد تصنف بأنها "سياسية"، في إشارة مبطنة لتركيز النساء على أهداف متأثرة بخطاب ومطالب الربيع العربي، وكذلك لاعتمادهن أسلوب الحراك من خارج الدولة في حملة القيادة وذلك بتحديد تاريخ جديد كل شهر يناشدون فيه النساء بقيادة السيارة رغم المنع. تتساءل إيمان: "وما العيب في لي الذراع؟ كل الحركات الاجتماعية السلمية المجيدة التي تطالب بحق حرمت منه... هي صراع قوة وحركات "لي ذراع". عندما تغلق كل القنوات السياسية لتغيير القوانين، فإن منطق "ليّ الذراع" يصبح مشروعاً، لأن هناك خياراً واحداً آخر عداه، وهو الاستسلام. ليّ الذراع التي تسلب الناس حقوقهم وتتشبث بحرمانهم منها، أمر مشروع، وأكثر من شرعية مما تفعله الذراع ذاتها"[16].

2- الحقوقيات

أثناء الربيع العربي، كانت النزعة للحراك من خارج الدولة أكثر وضوحاً في حملات أخرى غير قيادة السيارة، وتمثلت في فئة أخرى من الناشطات اللاتي دعين بـ "الحقوقيات"، واللاتي انخرطن بشكل أكثر صراحة في حراك المطالبة بمجلس شورى منتخب وفي قضايا معتقلي الرأي ومحاكماتهم. فهن قد ساهمن بدعم هذا الحراك من خلال الكتابة والترجمة ونشر أعمال أبرز الناشطين فيه. وبشكل أعم، ساهمت هؤلاء الحقوقيات بتعزيز مفاهيم الربيع العربي، كالحق في الاحتجاج السلمي وفي المحاكمات العادلة وحرية التعبير والمشاركة السياسية عبر الانتخاب وما إلى ذلك. كما قمن في إحدى المرات بالإضراب عن الطعام لنشر الوعي حول عدد من القضايا السياسية، تحديدًا قضية معتقلي الرأي التي نشطوا فيها كثيرًا. من خلال هذه الأنشطة أعادت هؤلاء الحقوقيات إنتاج النسوية السعودية خارج إطار نسوية الدولة وكامتداد للربيع العربي، معتبرات أن النشاط السياسي لا ينفك عن تطلعاتهم كناشطات نسويات. اتخذت هذه الفئة من الناشطات لقب "الحقوقيات" لوصف أنفسهن، معتبرات أنفسهن "ناشطات نساء في الحقوق"، أي لسن "ناشطات في حقوق المرأة". وهن أيديولوجياً عبارة عن خليط من المجموعات التالية: يساريات، وعروبيات، وتنويريات[17]، وشابات لم يكن مسيسات مسبقًا بالإضافة إلى الليبراليات اللواتي لا يتحسسن من العمل إلى جانب ناشطات ذوي ميول إسلامية.

عادة ما تشدد الحقوقيات على إيمانهن بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان، حيث يميزن بين اهتمامهن المحايد بحقوق كل إنسان وبين غيرهن من الناشطات الأخريات، سواء من الإسلاميات أو الليبراليات، اللاتي اعتبروهن منحازات وإقصائيات في قضاياهن واهتماماتهن. فعلى سبيل المثال، انتقدت الحقوقيات صمت الناشطات إزاء اعتقال النساء الفاعلات في قضايا المعتقلين باعتبارهن نساء ذوات أفكار متطرفة أو ممثلات لهجوم الإسلاميات على النساء المطالبات بالقيادة والانتخابات باعتبارها أفكار ليبرالية.

3- الشابات

كما برز نوع آخر من الناشطات في لحظة الربيع العربي، مكوّن من شابات سعوديات توجهت أنشطتهن نحو غايات لا يبدو أنها سياسية لكنها متأثرة بالمنعرج السياسي العام. أعني هنا تحديدًا أولئك اللاتي شاركن في عدد من مظاهرات الجامعات في تبوك وبريدة والرس وأبها، التي غطتها وسائل الإعلام التقليدي والجديد. فمثل هذه المظاهرات الكبيرة والعلنية لم تكن ممارسة معتادة في الحياة اليومية للطالبات والنساء عموماً في المملكة، وكان واضحاً تماهيها مع التوجهات الجديدة في أخذ زمام المبادرة خارج إطار الدولة وقنواتها الرسمية.

أهم الأمثلة على هذا النوع من الحراك جاء في مارس 2012 عندما قامت المئات من الطالبات بالمشاركة في مظاهرة في جامعة الملك خالد بأبها جنوبي المملكة العربية السعودية، تطالب بتحسين الخدمات المقدمة لهن. بدأت المظاهرات من قسم الطالبات، ثم بعد ذلك تبعهن الطلاب في قسم الرجال. قام المعلقون في وسائل التواصل الاجتماعي بالمساعدة في تأطير الحدث باعتباره "احتجاج سلمي" وقارنوهم بالطلاب الذين شاركوا في ثورات الربيع العربي. كانت هذه الأحداث هي المظاهرات الوحيدة في المملكة التي قوبلت باستجابة من الحكومة وتضمنت مكاسب ملموسة أهمها إزالة مدير الجامعة. بعد مظاهرة أبها، قامت مظاهرة أخرى في جامعة القصيم ببريدة وكذلك في جامعة تبوك ولم يتوانى المشاركين في هذه التظاهرات عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، كبرنامج "يا هلا" على قناة روتانا خليجية لإيصال أصواتهم. إن قيام فاعلين لم يكونوا مسيسين قبل الحدث بمثل هذه الاحتجاجات لهو أمر جدير بالاهتمام، ذلك أن التظاهر في السعودية ممنوع وأن مثل هذا الفعل قد يفسر سلبياً على أنه معارضة للدولة.


إن هذا المزيج بين الخطاب الحقوقي الذي يستلهم الربيع العربي والرغبة في الانخراط في الشأن العام وربما خسارة القدرة على استجداء الدولة يمثل نموذجاً آخراً لظهور حراك نسوي سعودي خارج إطار الدولة، كما أنه يبين كيفية تأثر النساء السعوديات بالربيع العربي وتعزيزه لـ "الشباب" كفئة اجتماعية أصبح لها حضور متزايد في المجال العام ووعي بأنفسهم كفاعل صاحب شرعية ومواقف ومطالب لم تسمع بعد وتتمظهر عادة على شكل احتجاجات. إن هذا الإحساس بالشرعية ظل مستمراً وظهر بشكل قوي في 2016 عندما شارك الكثير من الفتيات التي لم يكن مسيسات سابقاً بطرق ودرجات مختلفة في الحملة ضد نظام ولاية الرجل الذي وضعته الدولة.


ثانياً: لحظة الحزم ورؤية 2030

تبدأ هذه اللحظة من نهاية عام 2014، مع استئناف الدولة السعودية لمرحلة جديدة من مشروعها الوطني الذي تميّز بتعامل مختلف مع قضية الجندر عن المراحل السابقة. فما يميز هذه المرحلة عن غيرها هو أنها لم تعتمد على نموذج "الوطنية الدينية" القديم، ولا على نموذج الوطنية "الأنثوي" العصري والتحديثي،[18] بل اعتمدت على ما أسميه بنموذج "وطنية الحزم"[19]. تتسّم وطنية الحزم هذه بصفتين: أولاً، أن حضور العنصر الديني فيها موجّه للخارج، وذلك غالباً لمواجهة إيران، وأن حضوره شبه منعدم في الداخل، وذلك غالباً لمواجهة داعش والصحوة. قد يبدو للوهلة الأولى بأن هذا مشابه لنموذج الوطنية الدينية الذي تبناه الملك فيصل حيث تبنى التنمية لمواجهة الناصرية، أو مشابهاً لنموذج التحديث الذي تبناه الملك عبد الله كردة فعل على أحداث 11 سبتمبر، إلا أن هذه اللحظة التي أصفها هنا بـ"وطنية الحزم" تختلف عن كلا هذين النموذجين: فهي من جهة أكثر تغييباً للعنصر الديني داخلياً من عهد الملك فيصل، ومن جهة أخرى تتبنى نزعة تحديثية أكثر بكثير من المتبناة في عهد الملك عبدالله.

أما الصفة الثانية التي تتسم بها "وطنية الحزم" هذه فتتمثل في تدشينها لنوع جديد من الخصوصية الرجولية السعودية (masculine Saudi exceptionalism) تزاحم فكرة خصوصيتها الدينية وذلك من خلال عسكرة فكرة الوطن السعودي. ومرّة أخرى، يبدو أن هذه السمة الثانية جاءت نتيجة للصراع مع إيران على النفوذ في المنطقة. إلا أنه من المهم ألا نفهم من ذلك أن هذه الصفة تنحصر فقط في الحملة العسكرية التي تشنّها الحكومة السعودية على الحوثيين في اليمن (عاصفة الحزم) وطرق تبريرها محلياً، بل إن هذه السمة لوطنية الحزم باتت طاغية بشكل كبير، خصوصاً بالنسبة لدولة كان الجيش فيها لفترة طويلة منحّىً عن مخيالها الوطني والاجتماعي. ففي لحظة الحزم هذه، قامت الدولة بتقديم القوّة العسكريّة والسياسة الخارجية "الحازمة" باعتبارهما ركنان أساسيان في مشروعها الوطني الرجولي الجديد. وفيما بعد، وابتداء من النصف الثاني من عام 2017، اتجهت هذه النزعة الرجولية للداخل، وذلك عبر اتخاذ الدولة لسياسات "حازمة" تجاه المحسوبين على "الصحوة" أولاً، وذلك استمراراً للسياسات المناهضة للإسلاميين في السعودية، ولسياسات أخرى "حازمة" ضد الفساد المالي والاعتماد على النفط. وضمن هذا السياق بدأت الصحافة المحلية بتسمية الملك سلمان بـ “ملك الحزم" وذلك كمقابل لمسمى "ملك الإنسانية" التي كانت تمنحها للملك عبد الله.

في هذه الأجواء الجديدة، توقع كثير من الفاعلين في الشأن العام من مختلف التوجهات الفكرية استمراراً للتضييق الأمني الذي بدأ في عام 2013 بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي في مصر، وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، واعتقال لجين الهذلول على الحدود السعودية الإماراتية، واعتماد نظامين جديدين أحدهما عن الإرهاب والثاني عن الجرائم الإلكترونية، وكيفية استخدامهما ضد ناشطي حركة الحقوق المدنية والسياسية وناشطات قيادة المرأة. فالكثيرون قد ترقبوا معرفة تفاصيل "رؤية 2030" على اعتبار أنها ستحمل إشارات واضحة لنوايا الدولة فيما يتعلق بالمجالين السياسي والاجتماعي. وعندما أعلنت رؤية 2030 في عام 2016، ظهر أنها تتضمن شكلاً من المزاوجة بين وطنية الحزم واللبرلة الاقتصادية. إلا أنها لم تجب عن أسئلة الناشطات والناشطين فيما يتعلق بمصير قضاياهم. صحيح أن سلسلة اللقاءات الصحفية التي أجراها الأمير محمد بن سلمان فتحت المجال للتوقعات حول الأهداف التي ستنشدها الدولة، إلا أنه كان من الصعب على الكثير من المراقبين معرفة المسار الذي ستتخذه في سبيل تحقيقها.


ورغم عدم الوضوح الأوليّ هذا، إلا أن تركيز الدولة السعودية الجديدة على المشاركة الاقتصادية والوطنية كانتا مفيدتان من وجهة نظر الحركات الاجتماعية والسياسية لإعادة بعث مسألة المواطنة. إذ فقط ضمن هذا السياق تمكنت الناشطات، خصوصاً اللاتي كنّ غير مسيسات قبل ذلك، من إطلاق حملة "أنا وليّة أمري"، التي بدأت السعوديات فيها بالمطالبة بالمواطنة الكاملة باعتبارهن شريكات في التحول الاقتصادي ومكوّن رئيسي من مكونات الوطن. ونظراً لأن هذه الحملة كانت مكونة من شبكات متماسكة من الناشطات تطورت عبر الزمن وخلال العديد من الحملات السابقة، ولأنها تعلمت الكثير من الدروس وكونّت خبرات كثيرة في فترة الربيع العربي، ولأن بعض اتجاهاتها الفكرية وأعضائها تقاطعوا مع أشكال الحراك الأخرى، فإن مطالبتها بالمواطنة الكاملة ترافق مع إصرار على التمسك بموقعهن في الفضاء السياسي كـ "ناشطات" وعلى شرعية نشاطهن خارج إطار الدولة.

في هذه الفقرة، سأوضح كيف تفاعلت هذه التغيرات في مجموعة النساء اللاتي بات يطلق عليهن مسمى النسويات، وكيف قمن بتمييز أنفسهن عن غيرهن من نماذج المرأة في الفضاء العام السعودي. كما سأبين كيفية تم إقصاء بعض المجموعات النسائية في لحظة الحزم هذه.

إقصاء التنويريات والمحافظات

أحد أعراض لحظة الحزم، بالإضافة لعوامل أخرى، تمثّل في أن بعض نماذج النساء اللاتي كنّ فاعلات خلال فترة الربيع العربي وجدن أنه من الصعب جداً أن يلعبن دوراً ضمن نموذج النساء "الناشطات". أول هذه النماذج هن النساء ذوات الميول الإسلامية اللاتي انخرطن في حملات المعتقلين السياسيين ومظاهراتها المختلفة سواء كانت في الإنترنت أو على أرض الواقع. فهؤلاء تلطخت سمعتهن بعد أن قامت مجموعة صغيرة منهن، على إثر الاعتقالات والمحاكمات، بالهرب لسوريا والانضمام لداعش، مما أضعف الدعم الشعبي لهن بشكل عام[20].


يضاف إلى هؤلاء النساء من الخلفية الشيعية اللاتي كنّ ناشطات في مظاهراتهن المتعلقة بالمعتقلين السياسيين والقضايا الإقليمية، فهنّ أيضاً قد وجدن أنه بات من الصعب التحرّك مع زيادة حدّة توتر الفضاء العام تجاه إيران وبدء الحرب ضد الحوثيين، التي صوّرت في الخطاب السعودي الرسمي على أنها حرب غير مباشرة ضد إيران في اليمن، وكذلك مع تزايد العنف في القطيف، خصوصاً في العواميّة، وكذلك إعدام نمر النمر.

أما النموذج الأخير فهن فئات ضمن ما تعورف عليه باسم الحقوقيات، وتحديداً أولئك اللاتي كن يعرفن في الفضاء العام بأنهن ذوات ميول تنويرية في الفكر والانتماء واللاتي كن داعمات لحملات المعتقلين السياسيين. فهؤلاء تم تصنيفهن بأنهن "إخوانيات ثوريات" تم "تدريبهن" في قطر من أجل "التحريض" على التمرد العلني في السعودية.

النسويات ورؤية 2030

مثّل الإفصاح عن رؤية 2030 في شهر أبريل من عام 2016 لحظة انتهاء الترقب والتوقع لدى كثير من الفئات الفاعلة في الفضاء العام وبدء التعاطي معها. فبالنسبة للنساء، شابهت خطة رؤية 2030 الاقتصادية في تعاطيها مع المرأة الطريقة التي تبنتها الدولة في أعقاب 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب. ومحور هذا التشابه هو تبني الدولة في كلتا الحالتين لما يمكن تسميته بـ "نسوية السوق"(market feminism)[21]، كما يشير إليه اعتبار النساء في الرؤية "ثروة عظيمة" والاهتمام بـ"مواهبهن" و"قدراتهن الإنتاجية"، وكذلك في الرغبة بدعمهن لـ"المساهمة في تنمية مجتمعنا واقتصادنا". سابقاً، كانت هذه المقاربة تؤول كعلاقة بين الدولة ومواطناتها تكون فيها الدولة هي الفاعل "التحديثي" الرئيسي وذلك بتكفلها بتحرير المرأة من القيود الاجتماعية والدينية. أي أن مقاربة "نسوية السوق" تترافق مع نوع آخر من النسوية يمكن تسميته بنسوية الدولة. بالمقابل، في حالة رؤية 2030، لم تترافق مقاربة "نسوية السوق" مع "نسوية الدولة"، وذلك بسبب ظهور حملة الولاية وتمسّك النسويات السعوديات بمطلب المواطنة الكاملة، وتأكيدهن على أسلوب الحراك من خارج الدولة الذي يتصادم بشكل مباشر مع نسوية الدولة.

فبالتزامن مع إطلاق رؤية 2030، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرها[22] عن نظام الولاية في المملكة العربية السعودية[23]. عندما أعلن عنه بتويتر، رافقته حملة استعملت وسماً (هاشتاق) باللغة الإنجليزية #TogetherToEndMaleGuardianship ترجمته: "معاً لإنهاء نظام ولاية الرجل". غالبية المشاركات الرئيسيات في هذه المرحلة الأولى من الحملة كنّ من النساء المعروفات سابقاً بنشاطهن في قضايا المرأة السعودية، خصوصا من حملة 26 أكتوبر، واللاتي قدمن عريضة يطالبن فيها بإنهاء نظام ولاية الرجل بعد ذلك بشهر.


استخدم الهاشتاق الإنجليزي لمدة أسبوع تقريباً، إلا أن الحملة سرعان ما خرجت عن سيطرة النساء اللاتي أطلقنها[24]. تمثّل ذلك في تغيّر اسم الهاشتاق إلى عدد من الهاشتاقات، مثل الهاشتاق المكتوب باللغة الإنجليزية #StopEnslavingSaudiWomen (أوقفوا استعباد المرأة السعودية)، أو الهاشتاق العربي الذي اشتهر وأصبح ملازما للحملة: (سعوديات نطالب بإسقاط الولاية) والذي يضاف عليه كل يوم رقم جديد للإشارة لعدد أيام الحملة والمطالبة.


وفي هذه اللحظة تحديداً بدأت الحملة بالتوسع لتصبح حملة كبيرة شملت العديد من دوائر ومجموعات النساء والرجال. وبشكل أكثر تحديداً، فقد شملت الأصناف التي تحدثنا عنها سابقاً: الناشطات، والحقوقيات، بالإضافة للشباب والفتيات غير المسيسين بشكل مباشر من الذين عايشوا لحظة الربيع العربي. كانت الحملة قويّة في شعبيتها وقدرتها على الحشد لدرجة أنها جذبت أولئك النسويات اللواتي يتبنين التغيير من داخل الدولة: نسويات من نوع الكاتبات الصحفيات ذوات الميول اللبرالية، وعضوات مجلس الشورى، وغيرهن من الناشطات السابقات اللاتي تحولن للعمل من داخل الدولة بعد فترة من النشاط خارجها.

إلا أن الجانب الأكثر أهمية في هذه الحملة هو الحضور المتصاعد للشابات اللاتي لم يكن لهن نشاط معروف مسبقاً وتكاد تنحصر مشاركتهن خلال الربيع العربي ضمن احتجاجات الجامعات. فقد نمى عددهن وتنوعت مشاربهن الفكرية وتقوّى حس الهوية النسوية لديهن. والحملة كانت ضخمة لدرجة أنها شملت بعض الملحدات السعوديات، واللاتي عادة ما يعبرن عن أنفسهن بتوجهاتهن الجنسية والجندرية، كما شملت شبكة متضخمة من المهاجرات، وهن مجموعة من السعوديات اللاتي هاجرن عن المملكة لأسباب متعددة، بعضها أسري وبعضها ديني وبعضها سياسي. فقد بدى كما لو أن هاتين المجموعتين الأخيرتين أردن أن يتجاوزوا الدولة بالمعنى الحرفي للكلمة: إما تجاوز دينها أو حدودها.

ومع استمرار الحملة، اندمجت مختلف هذه المجموعات المتنوعة وغير المتجانسة ضمن تصنيف واحد جديد: النسويات، وهو المسمى الذي بات يستخدم كبديل مكافئ لتصنيف الحقوقيات. وبهذه الطريقة، نجد أن المشاريع السابقة لكل من الناشطات والحقوقيات قد اندمجت في حملة ومشروع واحد. ويتجلى هذا الأمر بشكل مدهش عندما نلاحظ كيف أن بعض الحقوقيات اللاتي كنّ سابقاً غير متقبلات للنسوية كنظرية أو قضية وفضلن الدفاع عن حقوق الإنسان أصبحن يعرفون أنفسهن كنسويات وضمن الحملة.

وعلى امتداد الحملة، روجت هذه المجموعة من الناشطات بكثافة لأفكارهن التي طورنها سابقاً في لحظة الربيع العربي: بأن قضية المرأة السعودية قضية سياسية، وليست قضية اجتماعية أو دينية. وبأن الدولة هي المسؤول الرئيسي عن وضعهن كمواطنات من الدرجة الثانية، وليس المجتمع أو الإسلام. بل إنهم استدعوا قصص الحملات السابقة وتجاربهم السلبية مع الدولة لإثبات هذه النقطة. فأياً كان الاتجاه الذي تمضي فيه الحملة، فإن المشاركات كن حريصات على التأكيد على هذه النقطة وتوظيف العديد من الأحداث لإثباتها ودعمها.

لسن محافظات، ولسن عصريات[25]، ولسن درر، إنهن نسويات

بشكل عام، كانت حملة الولاية الحملة الأكبر والأطول في التاريخ الحقوقي انسائي السعودي. وكونها حدثت في سياق تحول سياسي اجتماعي قضى بتوفرها على عدد كبير من النقاشات الحيّة حول التمثيل السياسي والشعبي، وحول تطلعات الشابات، وحول الاختلافات في المستوى الاقتصادي وفي مستوى الامتيازات بين النساء، بالإضافة للانتماء الاجتماعي والوطني، وغيرها من المواضيع. إلا أن أهم ما ميّز الحملة هو تثبيت وترسيخ نموذج المرأة الناشطة في الفضاء العام بشكل مستقل عن الدولة، باعتباره مقابلاً لنماذج المرأة الأخرى التي كانت مهيمنة سابقاً على هذا الفضاء، مثل المرأة المحافظة أو العصرية.


وتوسلت هؤلاء النساء عدداً من الأدوات من أجل تثبيت هويتهن وترسيخها. أحد هذه الأدوات هو صياغة تاريخ لحركة حقوق المرأة وصناعة "بطلات" و"قدوات" من بين النسويات وجعل طرق نشاطهن ضد الدولة نماذج تحتذى. بالإضافة لهذا، كان الناشطات يقمن بترسيخ وجودهن في الفضاء العام عن طريق تمييز أنفسهن عن غيرهن من النساء الفاعلات في الفضاء العام، وذلك عبر شنّ هاشتاقات دورية ضد هذه النماذج الأخرى. والجامع ما بين نماذج النساء المستهدفات في هذه الهاشتاقات هو أنهن ضمن ناشطات الدولة، أو ضمن ما تسميهن مضاوي الرشيد بالوجوه "المحافظة" و"العصرية" للدولة. ففي كتابها الدولة الأكثر ذكورية، رأت مضاوي الرشيد أن الدولة روّجت خلال فترات متنوعة لعدّة أشكال من نماذج المرأة المقبولة لديها. ففي الفترة التي تبنت الدولة فيها نوعاً من الوطنية الدينية، كان النموذج المقبول للمرأة هو المرأة المحافظة التي تم الاحتفاء بها باعتبارها أساس الوطن وخصوصيته[26]. أما في الفترة التي تبنت فيها الدولة جهوداً متنوعة لمواجهة الضغوط عليها خلال فترة الحرب على الإرهاب التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، فقد تم الترويج لنموذج "المرأة العصرية" باعتبارها "دليلاً على حداثة" الدولة السعودية[27]. في فترة لاحقة من الحملة، سلطت الناشطات سهام نقدهن للنموذج الصاعد ضمن لحظة الحزم: نموذج نساء دولة الحزم.

ولعل أكثر أسلوب ميّز الحملة في مواجهة هذه النماذج التي رُوِّج لها على أنها النماذج "المقبولة" للمرأة السعودية هو أسلوب قائمة العار[28]. فضمن هذه القوائم، تمت مساءلة الكثيرات من اللاتي تم تصورهن على أنهن خصوم للحملة من النساء عن موقفهن تجاه مسألة الولاية وعن اصطفافهن ضمن نماذج المرأة التي تروج لها الدولة. وتمت هذه المساءلة عبر عدد كبير من التعليقات المستمرة وسيل من التغريدات المصورة. فكل مساءلة كانت تنتشر بطريقة منظمة ضمن قائمة العار بواسطة فئة قليلة من المشاركات بالحملة اللاتي يفضلن هذا التكتيك، ثم تنتشر بعد ذلك عبر العديد من التعليقات المستقلة من قبل متابعات هذه القوائم والمؤيدات للحملة. وهذه هي المرة الأولى التي استخدم مثل هذا الأسلوب بهذا الشكل المنظم والذي لم يقتصر في استهدافه على النساء المحافظات، بل شمل غيرهن من الشخصيات النسائية العامة غير الدينية، ففي حملات قيادة المرأة السابقة كانت أغلب القوائم مخصصة لاستهداف الرجال المحافظين.

من المهم ملاحظة أن هذه الانتقادات لم تكن عابرة أو قصيرة، بل كانت انتقادات متكررة وممتدة تستمر في بعض الحالات لأيام، ثم تتكرر لاحقاً في سياقات ومراحل أخرى للحملة، وبهذا الشكل تترسخ في "ذاكرة"[29] الحملة وأدواتها الخطابية الإقناعية. أي أن المشاركات في الحملة عقدن سلسلة من المحاكمات الافتراضية لكل نماذج المرأة المباركة من قبل الدولة التي عارضت الحملة، أو هدفها في إنهاء نظام الولاية، أو ممارستها للنشاط من خارج الدولة.

كما يمكن ملاحظة طغيان التحليل النفسي في الانتقادات التي وجهتها النسويات ضد خصومهن[30]. فالمحافظات المعارضات لمطلب الحملة بإسقاط نظام الولاية، كان يتم انتقادهن بشكل عام دون التركيز على شخصيات محددة بتقسيمهن لقسمين: إذا كنّ من النخبة فهنّ "مرفهات مستنفعات من الوضع القائم"، أما إذا كنّ غير نخبويات فهن "مخدوعات يرثى لهن". وعادة ما يتم تسمية المنتميات للنموذج الثاني من غير النخبويات بـ "الدرر"، في إشارة لوصف "الدرّة" الذي يستخدمه الخطاب الوعظي المحلي "للمرأة المحترمة". اعتبر النسويات في الحملة الدرر بحاجة لجرعة من الوعيّ النسوي[31] حتى يفقن من "الاستعباد النفسي والذكوري". أما بالنسبة للنموذج الأول من النخبويات المحافظات، فبالإضافة لاعتبارهن مستفيدات من الوضع القائم، فإن النسويات استخدمن وصف "مستشرفات"[32] لنوع خاص منهم، وهن النساء اللاتي يستخدمن خطاباً محافظاً دون أن يكن محافظات.

أما بالنسبة للمعارضات للحملة من النساء اللاتي لا يروجن للمحافظة ويندرجن تحت نموذج اللبراليات، فإن النسويات في الحملة غالباً ما يصفونهن بأنهن "أنانيات". فهن لسن بحاجة لرفع وعيّهن لأنهن يعرفن جيداً "حقوق المرأة" والنسوية. لهذا جرت العادة على تصويرهن بأنهن يردن الحفاظ على "وضعهن الخاص" كصاحبات امتيازات ولا يردن خسارته، أو أنهن تجاهلن الحملة أو انتقدنها كي يتم التصفيق لهن ومباركتهن من قبل "الذكور" السعوديين. والمهم هنا هو أنه غالباً ما يتم وصف معارضتهن للحملة بأنه مبني على حسبة عقلانية وليس لأسباب سيكولوجية كما هو الحال مع المحافظات. فإضافة للأسباب السابقة، تم اعتبار معارضتهن على أنها ناشئة عن تمسكهن بعلاقتهن الأبوية مع الدولة، أو أنهن كن مهتمات بالصورة السياسية للسعودية لدرجة رفض الحديث عن مكانة المرأة فيها.

استجابت بعض النساء النخبويات بأن قمن بتبني خطاب وطنية الحزم[33]، وقدموا أنفسهن باعتبارهن الأصوات الأكثر تمثيلاً للمرأة في الفضاء العام مقابل الحقوقيات والنسويات. فقد سعين لنزع الشرعية عن الحملة وتأطير موقفهن بأنه الأكثر صواباً، نظراً لكونه موقفاً يسعى للحل من داخل الدولة وليس في مواجهتها. وضمن هذا الخطاب، حاولت هذه الفئة إعادة موضعة النسوية السعودية باعتبارها مسألة اجتماعية وليست قضية سياسية، وذلك عبر إعادة تقديم الدولة في ثوب المنقذ. وهذا يعني أنهن حاولن الدفع باتجاه العودة للحالة التي كان فيها نشاط المرأة مقصوراً في الحيز الاجتماعي وأقل تحدياً للدولة وشرعنةً لسياساتها. إلا أن ردة فعل النسويات تمثلت بإدانة كل إعادة تأطير لقضية المرأة السعودية باعتبارها مسألة اجتماعية، وشبهن هذه المحاولات بالخطاب التبريري الذي يتبناه المدافعون عن الوضع القائم. كما أنهن رفضن طرق التفاوض التي روجت لها نسويات الدولة وذلك عبر الإصرار على حقهن كمواطنات في ممارسة النشاط خارج الدولة وأن هذا النشاط عادل ونبيل. كما أنهن رددن على هذه المحاولات عبر رفض ترويج نسويات الدولة لوطنية الحزم معتبرين إياها نوعاً من التبعية أكثر منها وطنية وانتماء.

ثالثاً: قرار قيادة المرأة باعتباره باكورة رؤية الأمير محمد بن سلمان الاجتماعية والسياسية

جاءت ردود الفعل الرسمية تجاه الحراك النسوي متناقضة ودون نتائج واضحة. فصحيح أنه كان هناك بعض التغيرات المهمة منذ الربيع العربي، لكن إذا ما تعاملنا معها ضمن سياقاتها فإن تناقضاتها ستبدو جليّة. ففي 26 سبتمبر 2011، أعلنت الحكومة السعودية أنها ستعين مجموعة من النساء في مجلس الشورى وأنها ستسمح للنساء بالتصويت والترشح للانتخابات البلدية لعام 2015. ورغم أن هناك مبادرة أطلقتها مجموعة من الناشطات السعوديات عام 2005 اسمها "بلدي"، طالبت بمشاركة النساء في الدورة الأولى للانتخابات البلدية، إلا أن هؤلاء الناشطات شعرن بالحيرة من توقيت الدولة، ذلك لأن تركيز نشاطهم انتقل لموضوع القيادة في ذلك الوقت، مما دفعهن للتساؤل حول دوافع هذه القرارات. وتأكيداً لمخاوفهن، لم يمر يومان على إعلان هذه القرارات إلا وصدر حكم بجلد امرأة عشر جلدات لقيادتها سيارتها. وبسبب جهود الحملة في تلك الأيام، إضافة للضغوط الدولية، صدر عفو ملكي أوقف تنفيذ الحكم. وبنفس الطريقة التي صاحبت إعلان تعيين المرأة في مجلس الشورى، سمحت الدولة للمرأة بالمشاركة في الألعاب الأولمبية في شهر يونيو 2012، وذلك بعد ضغط دولي رافقه خطر استبعاد السعودية من المشاركة فيها. فهذا القرار اتخذ بينما كانت الحكومة ترفض الاستجابة لمطالب حملة قيادة المرأة "Women2Drive" الناشطة في تلك الفترة.

وفي خضم حملة "أنا ولية أمري"، صدر تعميم ملكي في 17 أبريل من عام 2017 يطلب من كافة الجهات الحكومية المعنية بعدم طلب موافقة ولي الأمر في معاملات النساء "ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب". كما تضمن التعميم بأن تقوم هذه الجهات بتطبيق هذا التوجيه خلال فترة ثلاثة أشهر، حيث تقوم كل جهة برفع تقرير يشمل كافة الأنظمة التي تطلب موافقة ولي الأمر من المرأة، والتي يتوقع أن تتضمن تقييد قدرة المرأة على السفر والحصول على جواز سفر والزواج. كما تضمن التعميم مطالبة الجهات الحكومية بتوفير وسائل مواصلات ميسرة للنساء العاملات لديهن، وأن تقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بإلزام أصحاب العمل بتوفير هذه الوسائل للموظفات العاملات لديهم.

إلا أن نمط التناقضات الذي لاحظناه سابقاً كان حاضراً هنا أيضاً. فقبل هذا التعميم بأيّام، في 11 أبريل، تم إرجاع المواطنة دينا علي السلوم اليامي قسراً إلى السعودية، وذلك بطلب من أعمامها، من مطار مانيلا في الفلبين في رحلة كانت متجهة لأستراليا حيث كانت دينا تريد طلب اللجوء هناك. وبعد التعميم بأيام، تم اعتقال الناشطة مريم العتيبي في 19 أبريل، حيث كان المحرك وراء اعتقالها طلب من وليّها الذي استجابت له السلطات الرسمية باعتقالها ما نتج عنه تسريحها عن عملها.

إلا أن الأمر الملكي التاريخي الذي صدر في 26 سبتمبر 2017، والذي قرر بأن المرأة ستتمكن من القيادة ابتداء من شهر يونيو 2018، كان مختلفاً. فقد كان أول مطلب صريح تم تحصيله من قبل ناشطات حقوق المرأة السعودية منذ تسعينات القرن الماضي. كما أنه كان مختلفاً من ناحية كونه باكورة مسار جديد لكل من الدولة والمجتمع. بمعنى آخر، فبسبب كون مسألة القيادة قضية ذات حساسية اجتماعية عالية، فإن القرار قد جعل رؤية 2030 واضحة، سواء من ناحية توضيح لأي جمهور هي موجهة، أو من ناحية كونها علامة على انفتاح اجتماعي يحدث ضمن انغلاق في الأفق السياسي.

مثّل القرار إذن فاتحة لرغبة متزايدة نحو مستقبل مختلف، بانفتاح اجتماعي أكبر بكثير من السابق للسعودية. فصحيح أن الأمير محمد بن سلمان قد صرّح بأن "طموحنا هو عنان السماء" قبل إصدار القرار بأشهر، لكن فقط بعد القرارات المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة، وافتتاح السينما، وعرض أم كلثوم في القناة السعودية الرسمية، بدأ الكثير بتصديق بأنه كان يعني ما يقول. ونتيجة لهذا، بدأت معانٍ جديدة للوطن بالتشكّل مثل الانتقال "للدولة السعودية الرابعة"، وطغيان مفهوم "الشباب" وفكرة "نفض غبار الماضي" من أجل حياة "طبيعية"، وأخيراً، إنهاء "عصر عام 1979"، في إشارة الى ما يعرف بعصر الصحوة الإسلامية والثورة الإسلامية الإيرانية. ترافق مع هذه التغيرات حول التصورات عن الوطن تغيرات أخرى حول التصورات نحو الوظائف والفرص وخيارات الأنشطة وتشكل مساحات عامة جديدة تحت إشراف الدولة واقتصادها، كإنشاء هيئة الترفيه ومناسباتها وحفلاتها المتعددة. ونفس الأمر حدث أيضاً من خلال مؤسسة مسك الخيرية التي تركز على الشباب، وكذلك من خلال أذرعتها المتعددة كمدارس مسك وفعاليات مسك، ومن خلال برامجها الداخلية والدولية التي تكون بالشراكة مع مؤسسات دولية.

إلا أنه في الوقت نفسه الذي شهد هذا الانفتاح الاجتماعي، تواترت التقارير التي تشير إلى تدشين عهد جديد من الانغلاق السياسي. فقد تم اعتقال العديد من الشخصيات الدينية والمشهورة، كما تلقت العديد من الناشطات المشهورات اتصالات من الدولة تحذرهن من التعليق علناً على القرار الملكي سواء إيجاباً أو سلباً، مما أدى لبعضهن لأن يخترن الصمت منذ تلك اللحظة. بالإضافة لذلك، فقبل صدور الأمر الملكي بأيام، تواردت أخبار عن استجواب ثلاثة إسلاميات شهيرات وتوقيعهن على تعهد بأنهن لن ينتقدن قرار قيادة المرأة، وهو الأمر الذي أدى بهن، وغيرهن من الإسلاميات، لأن يكن حذرات في تعليقاتهن العلنية. ورغم أن هؤلاء النسوة ينتمين لتيارات إيديولوجية مختلفة، إلا أن ما يجمعهن هو أنهن كن أصوات مؤثرة خارج إطار الدولة.

إلا أن هناك أمراً مؤكداً: فعلى الرغم من تماثل بعض المصالح بين حملة إسقاط الولاية والدولة، إلا أن الدولة لم ترد الناشطات أن يعتبرن هذا القرار انتصاراً لهن. ولإن كانت الخطوة الأولى للتأكد من ذلك تتمثّل في منع الناشطات من التصريح علناً باعتبار القرار انتصاراً لهن، فإن الخطوة الثانية كانت في سعي الدولة للتحكم بالسردية المحلية والدولية المحيطة بالقرار. تجلّى ذلك في توقيت تعيين الأستاذة فاطمة باعشن، التي كانت تعمل في معهد الجزيرة العربية في واشنطن، لتصبح أول امرأة متحدثة باسم السفارة السعودية في أمريكا، كما قامت السفارة بنشر تصريح حول القرار وقامت متحدثتها الجديدة بإجراء عدد من اللقاءات مع السي إن إن والإي بي سي وغيرها من القنوات الكبرى في أمريكا. وفي كل هذه المحاولات كان التركيز على الإشارة لرؤية 2030 والإرادة السياسية للقيادة السعودية الجديدة.

وما يثير الدهشة هو أن سردية الدولة الجديدة حول القرار استعارت كثيراً من حملة قيادة المرأة. فعلى سبيل المثال، فكل من حملة 26 أكتوبر وتصريح السفارة ذكرا أن "وسائل التنقل كالجمال كانت تستخدم في فترة النبي" من قبل الرجال والنساء. بالإضافة لذلك، فإن الحملة كانت كثيراً ما تستدعي تاريخ المملكة قبل الثمانينات لتدعيم مطالبهن، وهو الأمر نفسه الذي قامت به السفارة عندما ذكرت أن وسائل التنقل للمرأة كانت موجودة "في فترة أجدادنا". بالإضافة لذلك، قامت السفارة بترديد توجهات الحملات النسائية عندما ذكرت "أن مسألة قيادة المرأة لم تكن يوماً حول الثقافة أو الدين". وهذه النقطة تحديداً كان مدهشاً أن تصدر من الدولة التي قضت سنيناً تستخدم الثقافة أو الدين لتبرير منع قيادة المرأة. إلا أن القرينة الأكثر وضوحاً حول تأثير خطاب الحملة على سردية الدولة جاء في الطريقة التي صوّرت فيها السفارة أو الدولة المجتمع وأولئك الذين يعارضون رفع الحظر عن القيادة. فقد ذكرت السفارة أن "لدينا قيادة متفاعلة ومجتمع حيوي، فالثابت الوحيد في السعودية هو التغيير". في المقابلات التي أجرتها، كررت المتحدثة باسم السفارة فاطمة باعشن هذه الفكرة لتفادي الأسئلة التي تناولت ردة الفعل الاجتماعية من القرار، حيث قالت: "نحن نحترم كل نسائنا. أنا سفيرة أمثل كل السعوديات بما فيهم أولئك اللاتي لا يردن القيادة، فهذا قرارهن الشخصي". هذا الموقف يتصادم بشكل مباشر مع الطريقة القديمة التي كانت الدولة فيها تصور المجتمع باعتباره متخلفاً والعائق الرئيسي لقيادة المرأة، وهي التصورات التي سعت حملات القيادة لمناهضتها. إضافة لكل ما سبق، كررت كل من السفارة ومتحدثتها فاطمة باعشن عبارات حول مناوئي رفع الحظر كانت تقريباً متطابقة مع شعار حملة 26 أكتوبر "قيادة المرأة خيار وليس إجبار". إن الإشارة لهذا الأمر مهمة خصوصاً أن نجاح حركة ما يقاس بمدى تحقق أهدافها وتحوّل خطابها لخطاب سائد أو متبنى. وحسب التحليل السباق يبدو أن هذا ما حدث للحركة النسوية السعودية.


رابعاً: ماذا يحدث عندما تتحول الحركة النسوية من حركة على الهامش إلى حركة في المركز؟

كان من نتائج جهود الدولة غير الناجحة تحول الناشطات بعد يوم أو يومين من الأمر الملكي من الاحتفال بالدولة للاحتفال بأنفسهن. فقد أطلقوا هاشتاقاً بعنوان "الحركة النسوية السعودية" احتفوا بها بحملتهن وناشطاتهن الرئيسيات وصورن القرار الأخير باعتباره إنجازاً لهن. وهذا السلوك تولد بسبب حالة التوجّس داخل الحملة من "تخلّي" الناشطات عنها أو من أن تتسلل شبكة الاحتواء الخاصة بوطنية الحزم داخلها فقط لأن الدولة وافقت على مطلب القيادة للنساء.

هذا التوجّس عبّر عن نفسه في النقاش العلني الذي دار بين منال الشريف وهالة الدوسري. فبعد إعلان الأمر الملكي، نشرت منال الشريف صورة لولي العهد محمد بن سلمان وعلقت عليها قائلة: "ويلوموني في حبك؟". ردّت عليها هالة بتغريدة حظيت بانتشار واسع: "حبك له لن يطلق سراح القحطاني، علاء، مصطفى، فهد، وليد، وعشرات غيرهم ممن ساندوا حقك من معتقلاته". فبعيداً عن إشكالية الطبيعة الأبوية لتغريدة منال فإنه من المرجّح أن ما دار في بال هالة إشكالية دعم قرار ملكي بعد أيام من اعتقال عدد من المثقفين ومشاهير وسائل التواصل والإسلاميين والاحتفال بنصر له مناصرين ما زالوا قابعين في السجون. بعد ذلك، أقرت منال أنها فقدت قرابة ألفاً متابع بسبب نظرتها الإيجابية لرؤية 2030 بعد قرار السماح بقيادة المرأة. كما أن منال نشرت مقالاً لكوثر الأربش عنون بـ "إذا لم تكوني نسوية، فإن النسويات سيأكلنك"، إلا أنها حذفتها بعد ذلك بسبب الانتقادات التي وجهت إليها من الناشطات اللاتي رأين في التغريدة دعماً لإحدى أوجه الأنوثة لوطنية الحزم.

ما يوضحه هذا المثال السابق هو أن ردّة الفعل السلبية التي تلقتها ناشطة مشهورة كمنال الشريف دليل على تواجد لشكل من الحيطة والحذر تجاه احتواء الدولة للنسويات السعوديات والعودة مجدداً للحيز الاجتماعي وترك السياسي، وذلك بعد قرار قيادة المرأة. إلا أن هذه الحيطة والحذر لم تكن مشتركة لدى الكل، فهناك من الناشطات من تفاعل مع القرار بنفس طريقة منال الشريف، وذلك لأنهن بتن يرين اتجاهاً جديداً نحو التحرر فأصبحن غير متخوفات على مستقبلهن، في مقابل صنف آخر قلن إنهن سيحتفلون بنفس الطريقة بعد صدور أمر اسقاط الولاية.

إلا أن هذا الاتجاه التحريري الذي تضمنته هذه القرارات لم يؤثر على كل الجماعات المنخرطة في الحملة بنفس الطريقة. فهناك مجموعات لم تقتنع بإجراءات الدولة لأسباب مختلفة، كالحقوقيات من جهة، وكذلك المهاجرات[34]، و الإسلاميات، والتنويريات، واللبراليات النخبويات من اللاتي جربن قبضة الدولة[35]، بالإضافة للقطاعات الأكثر نقدية من الشابات اللاتي بدأن نشاطهن في الفضاء العام مؤخراً. ما يجمع هذه المجموعات هو تصوراتهم تجاه الدولة وتجربتهم في ممارسة النشاط خارج إطارها، وكذلك اهتمامهم بالأحداث المحيطة بهم كـ"الاعتقالات غير المعتادة"- بحسب وصف المتخصص بالحركات الإسلامية في السعودية ستيفن لاكروا[36]- التي سبقت بفترة قصيرة الأمر الملكي لقيادة المرأة والتي مثلت إشارات سلبية من الدولة وتنبيهات تحذيرية للفاعلات. وقد يكون موقف هالة الدوسري السابق مثال على ذلك، وذلك لكونها تنتمي لأحد هذه المجموعات داخل النسوية السعودية التي تتبنى موقفا نقدياً أكثر من غيرها.

بالمقابل، قد يكون هذا الاتجاه التحريري من قبل الدولة مرضياً وكافياً لدى فئات أخرى من حملة "أنا ولية أمري"، ولأسباب مختلفة أيضاً، وبالتالي سيقلل من حجم مشاركتهن ونشاطهن في الحملة. وهذه الفئات تشمل اللبراليات النخبويات (خصوصاً من اللاتي كن يعملن مع الدولة قبل بدء الحملة، أو اللاتي يطمحن للعمل معها بعدها)، وجزء من الشابات (خصوصاً ذوات الامتيازات من اللاتي لم يبدأ نشاطهن في الفضاء العام إلا مع الحملة)[37]. فالارتباط الإيديولوجي لهاتين المجموعتين مع فكرة ممارسة النشاط وعلاقتهما مع شبكة الناشطات ضعيف، كما أن نظرتهما للدولة وقضيتهم مختلفة. فعادة ما يكون من السهل إقناع المنتميات لهاتين المجموعتين بحصر نشاط النسوية السعودية ضمن الحيز الاجتماعي وبالنظر للدولة باعتبارها الحامي والمنقذ وتوجيه نقدهن فقط نحو القوى الاجتماعية المعادية لهن. كما أنه من السهل لهؤلاء أن يتحولن للأساليب التقليدية التي ارتبطت بالنسويات الحكوميات أو نسويات الدولة. الأمثلة على هذا النوع يشمل اللبراليات المتفائلات كمنال الشريف وكذلك إنصاف الحيدر، زوجة المعتقل اللبرالي المشهور رائف بدوي، التي قالت للنيويورك تايمز "إنها فرصة للسعودية أن تؤسس مملكة لبرالية". فهاتان الناشطتان: لبراليات ومهاجرات، من اللاتي أبدين بشكل علني احتمالية أن يعودوا إلى مملكة سعودية لبرالية، وبذلك أصبحن يرددن مقولات مشابهة لحملة I Choose to Stay أو "أنا أخترت أن أبقى" التي تبنتها نسويات الدولة أو النسويات الحكوميات.

أخيراً، برزت مجموعتان من النساء على إثر التغير في الإرادة السياسية للدولة، وكلتاهما جاءتا من خارج الحملة. الأولى، نساء نخبويات - محافظات أو عصريات - من اللاتي كن يعتبرن معارضات للحملة ويوصفن من قبل ناشطات الحملة بـ "الأنانيات" أو "المستشرفات"، لكن مسماهن الآن تغيّر، وصارت ناشطات الحملة يسمينهن بـ"المتسلقات" نظراً لرغبتهن بركوب الموجة والاستفادة مما كن يعارضنه. في حالة النخبويات العصريات، فقد فُهِم تغير موقفهن بأنهن يملن مع الدولة أينما اتجهت. أما في حالة المحافظات، فقد فُهم تغير موقفهن على أنه نتيجة لإدراكهن بأن نشر المحافظة لم يعد طريقاً للصعود الاجتماعي في السعودية الجديدة، ولهذا كان عليهن أن يغيرن توجههن ويتبعن اتجاه الدولة الإيديولوجي الجديد بنفس الطريقة التي اتبعها بعض المشايخ المشهورين، كمحمد العريفي.

أما المجموعة الثانية، فهن النساء المعينات حديثاً في مناصب جديدة في الدولة سواء في السلك الدبلوماسي كفاطمة باعشن أول متحدثة للسفارة السعودية في أمريكا، أو مناصب وزارية كالأميرة ريما بنت بندر آل سعود، أو بعض النساء المعينات في مجلس الشورى كموضي الخلف ولينا المعينا وكوثر الأربش. كل هؤلاء النسوة حظين بتغطية واسعة في الإعلام ومراكز الدراسات وكذلك ضمن حملات العلاقات العامة الرسمية والزيارات الرسمية للولايات المتحدة وغيرها من البلدان. وهؤلاء عادة ما يكن حريصات في خطابهن عن قضايا المرأة، فجزء منهن لا يعترف بوجود أي نشاط للنساء السعوديات وينسبن كل تغيير للحكومة التحديثية مقابل المجتمع المحافظ، أما الجزء الآخر فيقرون بوجود الناشطات، لكن يؤكدون بشكل مستمر أن التغييرات ليست نتيجة لجهودهن بل لجهود الحكومة بشكل حصري. أي أن كلا الفريقين يمارس عملية إنكار كلي لأي دور للنساء من أسفل للدفع باتجاه هذه التغيرات.


خامساً: الإقصاء والتخوين "الحازم": علامات تحذيرية من الهامش لحركة أصبحت للتوّ مركزية

ما تحاول عمله هذه المجموعات الفرعية وغير النقدية التي ظهرت من داخل وخارج الحملة هو سعيها لإعادة صياغة صورة الحملة واتجاهها بشكل تدريجي ومتسارع بما يتناسب مع اتجاهاتها، حيث قاد تزايد هيمنة هذه المجموعات على الحملة لتعزيز تصوراتهن عن هويات جندرية معينة لكل من الرجال والنساء، ولشكل محدد للعلاقات بين الجنسين في الفضاءات العامة، التي باتت تتآكل فيها سياسات عدم الاختلاط بين الجنسين المبثوثة فيها سابقاً.

ففي حين أن الصحوة وظّفت منطقاً دينياً من داخل الدولة للدفع بأجندتها، فإن هذه المجموعات ذات الميول الليبرالية ستلجأ للدولة أيضا مستندة على نوع من العقلانية القانونية لإعادة صياغة التصورات الموجودة عن الهويات الجندرية والعلاقات بين الجنسين بما يتوافق مع أفكارها. هذا أمر متوقع من حركة يتزايد نفوذها. وعلى الرغم من أني متفقة تماماً مع غايات الحركة، إلا أنه يتوجب عليها الحذر من تكرار نفس الخطأ الذي وقعت فيه حركة الصحوة عندما تعاظم نفوذها: وهو مطالبة الدولة بتجريم التيارات والتصورات المخالفة لها، أو حتى الصمت عن قيام الدولة بتجريمها. فمثل هذا المنهج الإقصائي غير مبرر ولا يخدم صورة الحركة ويحدّ من قبول الناس لها على المدى الطويل. إذ قد يحصل معها ما نراه اليوم من خسارة الصحوة لشعبيتها.

إن على الحملة أيضًا توخي الحذر عندما تتقاطع مع مطالب حركات إقصائية من خارج إطار الحملة، كحركة "السعودية للسعوديين" وحركة "هوية الحجاز." فمثل هذه الحركات، مستغلة لحظة وطنية الحزم، باتت تفرض خطاباتها الإقصائية التي باتت تسيء للعديد من القضايا النسوية، ولعل أشهرها قضية تجنيس أبناء السعوديات. فما يجمع بين كل هذه الحركات هو رفض تجنيس أبناء السعوديات والتجنيس بشكل عام، وهو رفض أشعلته الآراء الشعبوية التي تحمّل غير السعوديين مشكلة شح الوظائف. فانطلاقاً من هذه الآراء، بات ينظر لمسألة تجنيس أبناء المواطنات بأنها طريقة لغير السعوديين لسرقة الوظائف والمزايا من السعوديين.[38]

ففي نوفمبر وديسمبر من عام 2017، اقترحت لطيفة الشعلان، عضوة مجلس الشورى وإحدى داعمات الحركة النسوية السعودية، قانوناً لتجنيس أبناء السعوديات. وفي فبراير 2018، أعادت طرح هذا المقترح، معتبرة إياه استعادة لحق المرأة السعودية المسلوب في توريث جنسيتها لأطفالها وكذلك للمساواة بينها وبين الرجل الذي يتمتع بحق توريث أبناءه الجنسية أياً كانت جنسية أمهاتهم. إلا أن مطلبها هذا قوبل بردة فعل عنيفة تقاطعت فيها حملة "السعودية للسعوديين" مع حملة "هوية الحجاز"[39] شككت في ولائها للوطن والمواطنين. وكان الصوت النسائي المحوري في ردة الفعل هذه ضد اقتراح الشعلان هي منيرة المشخص التي تقدم نفسها كصحفية مثقفة غير نخبوية ومعبّرة عن "صوت الشعب" ومحافظة اجتماعياً، أي مؤمنة بالخصوصية الاجتماعية للمجتمع السعودي[40]. ومنطقها في رفض التجنيس هو أن هذا الرفض يعكس خلل الأولويات في مجلس الشورى الذي يضع مصالح الأجانب فوق السعوديين الباحثين عن عمل الذين وضعتهم رؤية 2030 في مقدمة أولوياتها.

وتبرز الصورة الشعبوية لمنيرة المشخص بأوضح أشكالها في مشاركتها في عدة حلقات شهيرة من برنامج "يا هلا" لتنتقد مجلس الشورى. ففي حلقة عرضت في ديسمبر 2017 خصصت عن مقترح لطيفة الشعلان في مجلس الشورى عن تجنيس أبناء السعوديات، قدمت منيرة المشخص حجج إقصائية عن التجنيس كقولها: "جيب لي واحد من الأبناء اللي أمهم سعودية دافع عن البلد من اللي قاعد يصير الآن"، مصورة باقي المجتمع السعودي مواطنين وطنيين مثاليين يمارس الإقصاء ضدهم من قبل اقتراحات مجلس الشورى. وما يدعو للمزيد من التساؤل هو بوادر التفكير المؤامراتي الذي يتضح في حديث المشخص، ففي هذه الحلقة لمحت إلى أن مجلس الشورى خاضع بشكل خفي لـ"دولة عميقة" يتحكم بها الأجانب عوضاً عن المواطنين السعوديين كما أشارت إلى مؤامرة[41] مجلس الشورى لطرح نظام ضد التمييز والكراهية[42]، والذي ترى أنه يهدف إلى حماية الأجانب وحماية المجلس من نقدها هي ونقد عموم السعوديين لهم. وقد أخذ الناشطون في كل من حملة "السعودية للسعوديين" وحملة "هوية الحجاز" بالنسج على هذا المنوال المؤامراتي بكتابة تعليقات إلكترونية على شاكلة هذه التغريدة: "سبحان الله إذا دافعنا عن وطننا قالوا حسابات داخليه وإذا هاجمنا أحد من الداخل قالوا قلة أو هم لم يرتكبون جريمة؟ وإذا رفضنا الدخلاء والتجنيس قالوا "عنسريين" لا وطالبوا بقانون مكافحة العنصرية الآن اللي يدافع عن وطنه عنصري واللي يشوه تاريخ بلد متحضر؟ مالكم كيف تحكمون"[43].


إن هذه الأمثلة توضح كيف أن الشعبوية[44] التي أمدت حملة الولاية بدفعة قوية قد تفعل نفس الشيء لحملات أخرى ذات أهداف سلبية. بل إنه في نفس اليوم الذي نُشر فيه لقاء المشخص، عملت الأخيرة في تويتر على تمييز نفسها كشعبوية عن لطيفة الشعلان. فقد شاركت في حملة إلكترونية على هاشتاق أطلقه مؤيدو حملة السعودية للسعوديين موجه ضد لطيفة الشعلان بوصفها ضد المجتمع السعودي وتقوم بحظره ووصفها إياه بأنه داعشي[45]. كما قامت بكتابة عدّة تغريدات أخرى[46] تصف فيها مقترح الشعلان وغيرها من أعضاء مجلس الشورى بأنها منحازة ضد المجتمع السعودي ومصطفة إلى جانب الأجانب. كما رددت في معظم تغريداتها نزعات حملة السعودية للسعوديين للاستقواء بالسلطة وتصوير الآخرين بأنهم "خونة" للوطن وبحاجة لمعاقبة الدولة[47].

شاركت النسويات في هذه النقاشات والصراعات الإلكترونية، لكن ردودهن تأثرت بلحظة الحزم والخطابات التي بعثتها بطريقة مقلقة تستدعي الحذر والانتباه. فبينما اعتبر الكثير منهن احتساب أبناء المواطنات المتزوجات من غير سعودي بشكل مساوي للمواطنين أمراً مندرجاً ضمن حقوقها كمواطنة، إلا أن هناك قلّة منهن اتخذن منحىً متطرفاً،[48] وقلن أنه طالما أن الأمهات هن أساس التكوين والتربية، فإن أبناء الرجال السعوديين من أمهات غير سعوديات أقل استحقاقاً للمواطنة من أبناء المواطنات، وذلك لأنهم غالباً سيتبعون أمهم وسيكونون غالباً غير آبهين بالوطن. أما اللبراليات النسويات اللاتي لا يتبنون خطاباً نقدياً تجاه الدولة فقد دافعن عن الشعلان بتوظيف نفس خطاب "التخوين" الذي استخدمه وطنيو الحزم. أشهر الأمثلة على ذلك هو الليبرالية الشهيرة سعاد الشمري التي دافعت عن لطيفة الشعلان قائلة[49]: "كثير ممن اتحدت مصالحهم ضد لطيفة الشعلان دواعش، خلايا عزمي، بقايا صحوه رتوتوا التغريدة وهم يعلمون أيضاً أنهم يكذبون".[50]

ولعل أسوأ تبعات هذا الحوار هو اضطرار الشعلان لتبني نفس نمط خطاب منتقديها لشرح وتوضيح موقفها ولكن من جهة مغايرة، حيث اعتبرت الشعلان أن الهجوم الذي يسعى لتشويه أهدافها ومشروعاتها فيما يتعلق بحقوق المرأة لم يترك لها خياراً [51] . كان بإمكان الشعلان أن تكتفي بردة فعل بسيطة، وهي حظر[52] من يهاجمها. إلا أن الشكل الذي اتخذه الهجمة وتبعاتها يعتبر مثالاً واضحاً لطبيعة الأثر الذي تمارسه لحظة الحزم وما صاحبها من صعود لخطابات إقصائية يتم توظيفها من قبل مختلف الفاعلين الذين تم نقلهم من الهامش إلى المركز ضد خصومهم ومخالفيهم. أي بنفس الطريقة التي توظفها المشخص، وإن كانت هذه الأخيرة تختلف باعتمادها أكثر على توظيف الأبعاد الاقتصادية من رؤية 2030 وتصور إقصائي لوطنية الحزم. فعلى سبيل المثال، بعد أيام من الحملة المناهضة للتجنيس الموجهة ضد الشعلان، شاركت هذه الأخيرة في حملة موجهة ضد ماراثون نسائي سميت #الانحلال_في_الشوارع_مرفوض. قالت الشعلان: "هذا الهاشتاق #الانحلال_في_الشوارع_مرفوض واصل لترند الآن. لعبة رفع الهاشتاقات التحريضية والنفخ فيها، بالتخفي تحت رداء الدين أو الحمية أو الوطنية، هل بقي أحد حتى الآن لم يفهمها؟". ردت عليها مغردة اسمها سارة العنزي، تعرف نفسها بأنها نسوية، قائلة "خلايا عزمي مجتهدين فيه"[53]، لترد عليها الشعلان "طبعا"[54]، وهو رد أثار غضب الكثيرين. في اليوم التالي، اقتبست الشعلان مقالاً وعلقت عليه: "إذا كانت الشعارات الدينية سابقاً هي الأكثر جاذبية لخلايا عزمي، فإن أفضل ميدان تندس فيه اليوم هو شعارات الوطن والهوية ومن يتابع تضخيم بعض الوسوم المشبوهة مؤخراً يفهم ماذا أعني"[55]. وبشكل عام، فقد أوضحت الشعلان أن هجمات خصومها عليها متوقعة، وذلك لأن "عالمهم القديم" يلفظ أنفاسه الأخيرة، وليس لهم إلا تنظيم هذه الهجمات التويترية على المثقفين والنساء والمناسبات مستخدمين شعارات الوطنية والدين لتفريغ إحباطهم.[56]

خاتمة

كان لهذه الورقة ثلاثة أهداف. الهدف الأول نظري، يقدم حجة رئيسية مفادها أنه ابتداء من الربيع العربي ترسّخ نموذج جديد للمرأة السعودية في الفضاء العام اسمه نموذج المرأة الناشطة، وأن هناك علامتين رئيسيتين تميزان هذا النموذج عن غيره. أولاً، أنه نموذج يتبنى أسلوب الحراك والنشاط من خارج إطار الدولة؛ وثانياً، أنه نموذج يبني علاقته مع الدولة على أساس المواطنة وليس على أساس الرعاية الأبوية[57]. فقبل الربيع العربي، كان هناك نموذجان سائدان لظهور المرأة السعودية في الفضاء العام: نموذج المرأة المحافظة، ونموذج المرأة العصرية. ما سعت إليه هذه الورقة هو توضيح كيف أن الفضاء الذي خلقته لحظة الربيع العربي ساهم بتشكّل هذا النموذج الجديد ضمن فئات وأماكن متفرقه (ناشطات قيادة المرأة، احتجاجات طالبات الجامعات، حقوقيات، إلخ)، وتتبع كيف لهذه الفئات والتيارات المختلفة ضمن هذا النموذج مرّت بتحولات وتنقلات في خطابها ومطالبها وتموضعاتها حتى تم اندماجهم كلهم في حركة نسوية واحدة ضمن حملة "أنا ولية أمري" الشهيرة، التي حدثت في سياق لحظة أخرى هي لحظة الحزم ورؤية 2030. فالحركة النسوية في السعودية ليست حركة واحدة متجانسة، بل حركة تتضمن تيارات متنوعة بتوجهات وآراء وخيارات مختلفة، تجمع بين فئاتها الصفتين السابقتين.

أما الهدف الثاني للورقة فهو وصفي، حيث تتبعت الورقة تحولات علاقة هذا النموذج وهذه الحركة بالدولة باعتبار أن لحظة إعلان قرار القيادة هي اللحظة المفصلية التي كانت الحركة قبلها هامشية ثم تحولت بعدها إلى حركة مركزية. فقد تم تتبع كيف أثر القرار على مختلف فئات الحركة، وكيف تم تعاطي الدولة معها، وما هي الاصطفافات والتنقلات والتحولات والمسميات التي تغيرت بعد القرار.

أما الهدف الأخير فهو نقدي، حيث أن الحركة النسوية ليست الوحيدة التي أصبحت مركزية في لحظة الحزم ورؤية 2030، بل هناك حركات أخرى معها تحمل نزعات عنصرية وإقصائية، ولهذا تم توجيه بعض الانتقادات للطريقة التي تؤثر فيها هذه الحركات على خطاب النسوية السعودية وأساليبه. فكما قال يوماً فريدريك نيتشة: "كن حذراً عند محاربة الوحوش، لئلا تصبح واحداً منهم". هذا لا يعني أن النسويات السعوديات ملائكة بين وحوش، لكن عليهن أن يكن حذرات في الأساليب التي يتبعونها في خطواتهم القادمة. وهذا الحذر مطلوب اليوم أكثر من قبل مع انتقال الحركة النسوية السعودية من الهامش إلى المركز، ومع تعرض بعض أعضائها للإسكات القسري والمنع من السفر والاعتقال بحجة "الخيانة"، والتحول الطوعي الذي طرأ على بعضهن الآخر من اللاتي كنّ من أكثر الأصوات نقدية، وصعود بعض الأصوات غير النقدية وترويجها من قبل الدولة، بالإضافة لصعود بعض المفاهيم الإقصائية للمواطنة والوطن المرتبطة بلحظة الحزم. أتمنى أنه بمروري على بعض التحذيرات المذكورة آنفاً، وكذلك عبر تحليل تبعات معنى تحوّل الناشطات من الهامش إلى المركز، أن أكون قد ساهمت ولو بشيء قليل نحو استمرار الحركة النسوية السعودية كحركة حيّة ونشطة تسعى باستمرار لحثّ من هم في الأعلى للعمل من أجل من هم بالأسفل، وأن تكون مظلة جامعة لكل أولئك الذين يشعرون بأي نوع من الإقصاء داخل الوطن السعودي والخليج إجمالاً.



الهوامش

[1] Robin Wright, “Why Saudi Women Driving Is a Small Step Forward, Not a Great One,” The New Yorker, 26 Sept 2017, < https://www.newyorker.com/news/news-desk/why-saudi-women-driving-is-a-small-step-forward-not-a-great-one >.

[2] “Saudi decree allowing women to drive cars is about politics, not religion,” The Conversation, 28 Sept 2011, < theconversation.com/saudi-decree-allowing-women-to-drive-cars-is-about-politics-not-religion-84809 >.

[3] Dennis Ross, “America should get behind Saudi Arabia's revolutionary crown prince,” The Washington Post, 12 Feb 2018, < https://www.washingtonpost.com/news/global-opinions/wp/2018/02/12/america-should-get-behind-saudi-arabias-revolutionary-crown-prince/?utm_term=.eaa78ee833c1 >.

[4] عبدالرحمن بن مساعد (@Abdulrahman)، تويتر، 29 سبتمبر 2017، < https://twitter.com/abdulrahman/status/913788104410062848 >.

[5] لمزيد من التفاصيل حول هاتين اللحظتين، يرجى الرجوع إلى الفصل الذي كتبته بعنوان "من حسم إلى الحزم: النسوية السعودية متجاوزة للتفاوض الأبوي" (Hurst Publishing and Oxford University Press, March 2018)، حيث تناولت الإطار النظري لمفهوم "اللحظة" في دراسة الحركات الإجتماعية، وفيه ركزت على دراسة الحركة النسوية السعودية ضمن لحظتين هما: لحظة الربيع العربي من 2011-2014، والتي تلتها لحظة الحزم ورؤية 2030 من 2016 إلى الوقت الحاضر.

[6] ناشطات حقوق الإنسان.

[7] في كتاب "الدولة الأكثر ذكورية"، تصف مضاوي الرشيد الدولة السعودية بأنها بدأت ممثلة لنوع من "الوطنية الدينية". وداخل هذه الوطنية كان تشكيل نوع من النموذج المثالي للمرأة السعودية ضرورياً، حيث تم اعتبار المرأة السعودية النموذجية بأنها المرأة المسلمة المتديّنة، والتي اعتبرت رمزا للخصوصية السعودية وأحد مكونات الدولة الرئيسية لاكتساب الشرعية. بعد ذلك، وظفت الدولة المرأة السعودية خلال فترات التنمية والتحديات الإقليمية الإسلامية باعتبارها مؤشرا على الحداثة. أما بعد ذلك، وتحديدا في فترة ١١ سبتمبر وما تبعها من حرب على الإرهاب، ترى مضاوي الرشيد أن تحولاً قد طرأ على مشروع الدولة الوطني وخصوصاً في أبعاده المتعقلة بمسألة الجندر، حيث اتجهت لتأنيث المظاهر الذكورية فيها والتحوّل عن الاعتماد على نموذج المرأة المحافظة الغائبة لتبرير خصوصيتها.

[8] “My Right to Dignity: Our Identity & Our Names, My Right To Dignity, 25 Sept 2011, < ”https://right2dignity.wordpress.com/2011/09/25/right2dignity/ >.

[9] “Right2Dignity Campaign Condemns the Organized Actions Waged Against its Members,” My Right To Dignity, 28 Sept 2011, < https://right2dignity.wordpress.com/2011/09/28/right2dignitystatement/>.

[10] Doaiji, Nora. Saudi Feminism: Exploring Saudi Activists' Agency, MA Thesis. The George Washington University, (2016).

[11]“Right2Dignity Campaign Condemns the Organized Actions Waged Against its Members,” My Right To Dignity, 28 Sept 2011, < https://right2dignity.wordpress.com/2011/09/28/right2dignitystatement/>.

[12] “Right2Dignity Statement on Najla Hariri,” My Right To Dignity, 25 Sept 2011, < https://right2dignity.wordpress.com/2011/09/25/najlahariristatement/ >.

[13] “Right2Dignity Statement On Shaimaa’s Unjust Sentence of 10 Lashes for Driving,” My Right To Dignity, 27 Sept 2011, < https://right2dignity.wordpress.com/2011/09/27/right2dignity-statement-on-shaimaas-unjust-sentence-of-10-lashes-for-driving/ >.

[14] “Lift the Ban on Women Driving,” Change.org, < https://goo.gl/YigctT >.

[15] في حال رفضت الدولة أن ترفع الحظر الحالي على النساء، نطالبها بأن تقدم للمواطنين و المواطنات مبرراتها .للرفض، راجين ألا تنقل مسؤولية قرار كهذا للـ ”مجتمع” كبديل التبرير.

[16] مقالة إيمان القويفلي نشرت في < https://medium.com/p/8ba559d663ca >، لكنها حذفت بعد ذلك. لكن يمكن للقارئ الإطلاع على أجزاء منها في هذا الرابط <https://twitter.com/manal_alsharif/status/392917779939995648 >.

[17] المقصود هنا كاتبات وناشطات ومثقفات ممن يتبنين تأويلا للإسلام يجعله مناصرا للمرأة وقضاياها والحقوق والحريات والديمقراطية، و يسمي بعض الباحثين هذا التيار بالإسلام-اللبرالي، ولكن المسمى المحلي المتعارف عليه هو التنوير.

[18] راجع هامش سابق عن توصيف الدولة للسعودية للمرأة حسب كتاب "الدولة الأكثر ذكورية".

[19] “From Hasm to Hazm: Sauid Feminism beyond Patriarchal Bargaining”, Salman’s Legacy: The Dilemmas of a New Era in Saudi Arabia (Hurst Publishing and Oxford University Press, March 2018).

[20] المثال الأشهر هنا هو مثال ريما الجريش، فبعد أن كانت من أهم المنخرطين في حملات الإفراج عن المعتقلين المتهمين بقضايا العنف الذي كان زوجها أحدهم وكانت تحظى بتعاطف وتأييد لقضيتها، قررت الانتقال لسوريا للانضمام لداعش، وهو الأمر الذي أفقد هذه القضية تعاطف الناس وجعل من السهل ربطها بداعش والتنظيمات الجهادية.

[21] نسوية السوق هو ما وصفته نانسي فريزر بـ"الالتقاء المزعج" بين القيم والأولويات اللبرالية والنيولبرالية الصاعدة بعد الحرب العالمية الأولى. فهي ترى بأن هذا "الترافق الخطر مع النيولبرالية" نتيجة لنقد مشترك تجاه "السلطة التقليدية". فمنذ الخمسينات الميلادية، كانت سياسة اللبرالية التنموية وأولوياتها تسعى للترويج لمحاربة الأبوية الثقافية من خلال "التحرير الاقتصادي للمرأة"، إلا أن ما هو مشكل في هذا الأمر هو تضمنه لمركزية ذكورية في تحديد خيارات المرأة. أي أن هذه السياسات تطلب من المرأة الدخول للسوق، وعادة في أعمال ذات رواتب متدنية، وتجاهل كل قيمة لأي عمل منزلي (كأعمال الرعاية المنزلية) لأنه لا يتناسب مع مواصفات العمل داخل السوق ذو الأجر المادي. فبالنسبة لنسوية السوق، فإن المعيار الذي يتم من خلاله تحديد أي أشكال عمل المرأة هو المفضل هو الدرجة التي يساهم فيها هذا العمل في السوق. لمزيد حول هذا الموضوع يرجى مراجعة فصل نورة الدعيجي، القومية والنسوية، في كتاب في معنى العروبة: مفاهيم وتحديات، مجموعة مؤلفين، المركز الثقافي العربي، 2014.

[22] “Boxed In: Women and Saudi Arabia’s Male Guardianship System,” Human Rights Watch, 2016, < https://www.hrw.org/sites/default/files/report_pdf/saudiarabia0716web.pdf >.

[23] نفس المصدر السابق.

[24] LoujainHathloul, (@LoujainHathloul), Twitter, 18 Jul 2016, < twitter.com/LoujainHathloul/status/754944304280326144 >, LoujainHathloul, (@LoujainHathloul), Twitter, 18 Jul. 2016, < twitter.com/LoujainHathloul/status/754945260539613184 >, Halah Aldosari (@Hala_Aldosari), Twitter, 17 Jul. 2016, < https://twitter.com/Hala_Aldosari/status/754721627376463872 >,

[25] مصطلح "عصرية" هو ترجمة لمصطلح (cosmopolitan) الذي استخدمته مضاوي الرشيد في كتابها "أكثر الدول ذكورية". مترجمة الكتاب للعربية، صبا قاسم اختارت ترجمته إلى "كوني" أو "عالمي"، لكن هذه الترجمات لا تعكس المعنى بوضوح. لكن مصطلح "المرأة العصرية" يعكس المعنى بشكل دقيق، خصوصاً في استخداماته المتعددة في مجلات المرأة النسائية كمجلة سيدتي وغيرها. حيث يشير لنموذج للمرأة ذات المظهر الحديث القريب لمظهر المرأة المعولم (سواء من ناحية اللباس، أو الاهتمامات الفنية والثقافية والأدبية وغيرها)، لكن المهم في هذا النموذج هو أن تفاعله بالشأن العام عادةً ما يكون محصوراً في الفضاء الاجتماعي، وأن نوع النسوية التي يتبنونها تكون غالباً من نوع نسوية الدولة.

[26] Al-Rasheed, 2013, 73-75

[27] Al-Rasheed, 2013, 281-282

[28] Numy_Lumy, (@Numy_Lumy), Twitter, <https://twitter.com/Numy_Lumy/status/759932312452681728>, and agnostic (@J_mu001), twitter, 9 Sept 2016, < https://twitter.com/J_mu001/status/774112424337084417 >.

[29] hebatia_ma, (@hebatia_ma), Twitter, <https://twitter.com/hebatia_ma/status/762974746254405632>.

[30] mesfrah84, (@mesfrah84), Twitter, <https://twitter.com/hebatia_ma/status/762974746254405632>. أم ماجد (@dalsdas)، تويتر، 7 فبراير 2016، <https://twitter.com/dalsdas/status/696194470174392320 >.

[31] nouf_allli, (@nouf_allli), Twitter, <https://twitter.com/nouf_allli_/status/782667264436895744> and 3eed_18, (@s3eed_18), Twitter, <https://twitter.com/s3eed_18/status/783553561363902464 >, accessed 17 Feb 2018. and hebatia_ma, (@hebatia_ma), <https://twitter.com/mesfrah84/status/778830383009914880>. سارة العلي (@sss_i27)، تويتر، 5 اكتوبر 2016، < https://twitter.com/Sos123890/status/783654178920992768 >. hebatia_ma, (@hebatia_ma), <https://twitter.com/mesfrah84/status/778830383009914880>. علامة الصحوة ألماسة (@_mlllAKh)، تويتر، 6 اكتوبر 2016، < https://twitter.com/_mlllAKh/status/783867497741156352 >.

[32] agnostic (@J_mu001), twitter, 9 Sept 2016, 8:09 AM, < https://twitter.com/J_mu001/status/774112424337084417 >.

[33] مثال على ذلك النقاش الذي دار بين كوثر الأربش، عضوة مجلس الشورى وأحد الأصوات العالية في تمثيل وطنية الحزم، وبين المشاركات في الحملة. فقد كتبت الأربش: " مافائدة وضع الهاشتاق بالانجليزية؟ هذا نوع من التشهير بالبلاد ولا أقبل به.. أمورنا الداخلية نحلها بأنفسنا " وجاء رد المشاركات في الحملة على شكل هاشتاغ "كوثر الأربش لا تمثلني". وبهذه الطريقة لم ترفض الناشطات تعليق الأربش فحسب، بل رفضوا أيضًا صورة المرأة في اطار وطنية الحزم الذي تمثله الأربش بالإضافة إلى رفض أسلوب النشاط من "خلال الدولة"، كوثر الأربش (@kowthermusa)، تويتر، 24 يناير 2017، < https://twitter.com/kowthermusa/status/823834592742440960 >.

[34] المهاجرات مصطلح يستخدم بين النسويات ويشير لمجموعة من النساء اللاتي اخترن الهجرة لخارج المملكة (وغالباً لدول غربية) ولكن لم يقطعن صلاتهن بالسعودية ويساهمن في الحراك والنشاطات النسوية السعودية من الخارج. هذه المجموعة يغلب على عضواتها تصريحهن بخياراتهن الدينية (مثل أن يصنفوا أنفسهن كملحدات أو مسلمات سابقات).

[35] مثل الأكاديميات اللاتي قدن السيارات في التسعينات، والناشطات في فترة ما بعد ١١ سبتمبر وحتى بدايات الربيع العربي.

[36] “Saudi Arabia finally let women drive. Don't mistake it for democratic reform,” The Washington Post, 5 Oct 2017, < https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2017/10/05/saudi-arabia-finally-let-women-drive-dont-mistake-it-for-democratic-reform/?utm_term=.f0f6674b751d >.

[37] المقصود هنا الفتيات اللاتي من خلفيات اجتماعية واقتصادية تجعل من آثار ولاية الرجل عليهن أقل من غيرهن، وبالتالي قد لا يجدن محفزاً للاستمرار في الحملة بعد تحصيل مطلب القيادة، وبسبب هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي وحداثة تجربتهن في النشاط في الفضاء العام، فهن مرشحات لأن يعدن لحالة الخمول السياسي اللاتي كنّ عليها قبل بدء الحملة.

[38] فعلى سبيل المثال، تم إعلان أن أمهات وأبناء السعوديين غير السعوديين يتم معاملتهم معاملة المواطن في التوظيف في القطاع الخاص ويتم احتسابهم في برنامج نطاقات بنفس طريقة احتساب المواطن. بعده بقليل تم اقتراح تجنيس أبناء السعوديات من أزواج غير سعوديين. مثل هذه القرارات جعلت البعض من المنتمين للحملات المذكورة أعلاه يخاف على مصيره ويصبح مشحونا ضدها وضد أي فئة داخل المجتمع يعتبرها أقل "سعودية" منه.

[39] تم رصد هذا التقاطع من خلال تتبع تشابه المشاركين في هاتين الحملتين، ومن كون معظمهم يضع هاشتاقات الحملتين في تعريفه الشخصي في تويتر.

[40] سارة الغامدي (@Sarah_ghamde)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/Sarah_ghamde/status/972257489407365120 >، د فطيم العسبلي (@fofo_mahmadl )، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/fofo_mahmadl/status/972444190574612480 >، ريم العتيبي، (@Reem10_alotabi)، تويتر، 10 ديسمبر 2017، < https://twitter.com/Reem10_alotabi/status/939769248293015553 >، ابراهيم بن عطالله، (@ibharbi)، تويتر، 11 مارس 2018، < https://twitter.com/ibharbi/status/972884144219881474 >، ولو أن منيرة المشخص أيضاً مؤيدة للقضايا التي تصنف عادة على أنها "غير محافظة" مثل قيادة المرأة للسيارة وإسقاط الولاية ماعدا بالزواج وتتبنى القول بوجود خلاف حول كشف الوجه وما إلى ذلك.

[41] منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 6 يناير 2018، < https://twitter.com/see_moone/status/949723408060821504 >.

[42] منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 11 مارس 2018، < https://twitter.com/see_moone/status/972862770818568192 >.

[43] منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 24 فبراير 2018، < https://twitter.com/see_moone/status/967196496927121409 >.

[44] في حلقة أخرى، أذيعت في مارس 2018، شاركت المشخص في حلقة مع عضو مجلس الشورى سامي زيدان الذي غالباً ما ينادى بسياسات اقتصادية غير محببة وإجراءات تقشفية. في هذه الحلقة، وضحت المشخص كيف أن أعضاء المجلس يعيشون في "برج عاجي" مخيبين آمال السعوديين الذين يستحقون ما هو أفضل وخصوصاً من الوظائف العليا التي يهيمن عليها الأجانب، رابط الحلقة < https://www.youtube.com/watch?v=mL3tpWq1W9M >، قاسم بن ابراهيم، (@abushaden99)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/abushaden99/status/972257964915658752 >.

[45] هذه التهمة لفقت عليها بناء على تغريدة مصورة تظهر فيها لطيفة الشعلان ترد على أحد متابعيها. وتعليقا على هذا، ذكرت المشخص في تغريدة "أتمنى أن توقف عند حدها ونشوف من عزز لها وجلس سنه يتدرب على كلمة تنمر كيف بيكون موقفه لحظتها ترى فاهمينه غلط لكن يابنت الشعلان لا تختفي خلف أسوار وهمية اطلع وواجهي الشعب السعودي اللي يعرف الوطن وبيعلمك الوطنية صح ترى الكرسي دوار انتبهي لا يجيك دوار #عضوه_شوري_تعتبر_الشعب_دواعش" منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/see_moone/status/972289175373406208 >. ورد الشعلان على الهاشتاق يمكن مطالعته هنا: لطيفة الشعلان (@LatifahAshaalan)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/LatifahAshaalan/status/972222767671250944 >.

[46] منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 13 مارس 2018، < https://twitter.com/see_moone/status/973662324555841537 >.

[47] كتغريدتها التي تقول فيها: " #مواليد_السعوديه_يا_ملكنا2 اتمنى من أمن الدولة محاسبة كل من شجع هؤلاء على الجرأة والمطالبة بالتجنيس خاصة إعلاميين وأعضاء وعضوات الشورى وأغلب من طالب بالجنسيه خونه لأرض جعلتهم يعيشون بيننا فعاشوا وهم أن لهم حق في السعوديه،" منيرة المشخص (@see_moone)، تويتر، 19 نوفمبر 2017، < https://twitter.com/see_moone/status/932248383267500032 >. بل إن بعضهم كتب لمدير مكتب ولي العهد بدر العساكر وللمستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني يحرضون ضد لطيفة الشعلان معتبرينها غير جديرة بالثقة وكيف لمسؤول أن يتهم المجتمع بهذه الإتهامات رابطين بينها وبين الأزمة القطرية قائلين: "ما ندري نكافح تنظيم الحمدين ولا هذي العينات".

[48] فيروز (@F__ouz)، تويتر، 10 ديسمبر 2017، < https://twitter.com/F__ouz/status/939624437334364162>.

[49] سعاد الشمري(@SouadALshammary)، تويتر، 10 مارس2018، < https://twitter.com/SouadALshammary/status/972376580566798336 >.

[50] أحد اللبراليين الرجال، نايفكو، تساءل ما إذا كان أحد الأشخص الذين انتقدوا لطيفة داعشي حقيقة، واعتبر أن الهاشتاق الذي يهاجمها من صنع خلايا عزمي. أما محمد العصيمي فقد ذكر أن الهاشتاق "وراءه أجندة انتقامية (صحوية) وقطرية، حيث لا يمكن أن نصدق أن السبب رأيها في التجنيس وغيره فكلنا لنا آراء نتفق أو نختلف عليها". نايف (@naifco)، تويتر، 10 مارس 2018، <https://twitter.com/naifco/status/972353819337216000 >، نايف (@naifco)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/naifco/status/972358080204767232?s=12 >، محمد العصيمي (@ma_alisaimi)، تويتر، 10 مارس 2018، < https://twitter.com/ma_alosaimi/status/972377258542460928?s=12 >.

[51] لطيفة الشعلان (@LatifahAshaalan)، تويتر، 10 مارس 2018، <https://twitter.com/latifahashaalan/status/924975824545177600?s=12>.

[52] كانت مريم اللحياني، أستاذة علم النفس في جامعة أم القرى وأحد الأصوات المركزية في حملة "هوية الحجاز"، أحد أولئك الذين شنوا حملة "عضوة الشورى تبلك المواطنين" ضد الشعلان. أحد المشاركين بالحملة، واسمها الهذلي تساءلت كيف لمجلس يدعى أنه يمثل صوت الشعب يقوم بتبليك المواطنين، وقامت بتصوير الشعلان بأنها خائفة من السعوديين المعارضين لمقترحاتها غير الوطنية. MARAMSAAD33222 (@MARAMSAAD33222), Twitter, <https://twitter.com/MARAMSAAD33222/status/971409459884019714 >.

[53] sema1ss (@sema1ss), Twitter , < https://twitter.com/sema1ss/status/973179684547592192?s=12>.

[54] لطيفة الشعلان (@LatifahAshaalan)، تويتر، 12 مارس 2018، < https://twitter.com/LatifahAshaalan/status/973182331908513792 >.

[55] لطيفة الشعلان (@LatifahAshaalan)، تويتر، 13 مارس 2018، < https://twitter.com/latifahashaalan/status/973600167663472640?s=12 >.

[56] لطيفة الشعلان (@LatifahAshaalan)، تويتر، 19 مارس 2018، < https://twitter.com/LatifahAshaalan/status/975598797475778562 >.

[57] هذا لا يعني أنه لم يكن هناك ناشطات سعوديات قبل الربيع العربي تبنوا هذا الأسلوب وهذه النظرة. فالحجة هنا ليست أن هذا النموذج ظهر من العدم، بل الحجة هو أنه لم يترسخ ويتطبع كنموذج مقبول وموجود وسائد يزاحم برسوخه وطبيعيته وقبوله النماذج الأخرى للمرأة إلا بعد الربيع العربي.