وثيقة:مع نسويات قاتلات البهجة...تأملات
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | أندرية طال |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | اختيار |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | http://www.ikhtyar.org/?page_id=20946
|
تاريخ الاسترجاع |
|
ترجمة | راوية صادق |
لغة الأصل | غير معيّن |
العنوان الأصلي | غير معيّن |
تاريخ نشر الأصل | غير معيّن |
هذا النصّ موجود كذلك في ملف:مع نسويات قاتلات البهجة… تأملات-إصدارة قاتلات البهجة-اختيار.pdf
قد توجد وثائق أخرى مصدرها اختيار
أندرية طال Andrea Thal هي المديرة حاليا في مركز الصورة المعاصرة في القاهرة. ومن عام 2007 إلى 2014 أدارت (Les Complies) وهى مساحة ذاتية التنظيم في زيورخ، سويسرا. وكانت مشاركة في عده مشروعات معظمها مشروعات مشتركة تتضمن مزج بين الممارسات من منظور تعليمي وتنظيمي وإنتاجي.
هذا النص هو مجموعة من الأفكار والذكريات والملاحظات حول عملية تشاركية بدأت بدعوة من مجموعة “اختيار” النسوية لإدارة حلقة من متتالية حلقات دراسية عن النوع الاجتماعي[1] في نوفمبر 2015، وفيما بعد، وعلى نحو غير متوقع إلى حد ما، استمرت كتجمع أسبوعي. تحاول تأملاتي هذه أن تتبع كيف وماذا ناقشنا، فتنسج معا الذكريات، التأملات الشخصية، وملاحظات سجلتها عن تعليقات أثارها المشاركون. أنا أهتم بإمكانيات التعلم الجماعي وتبادل المعارف عبر الاختلافات التي أُثيرت خلال الحلقة ودور الترجمة- بين اللغات، السياقات والمواقف- بداخلها.
دارت جلستنا، في نوفمبر 2015، حول البعد السياسي للمشاعر من خلال نص سارة أحمد ”قاتلات البهجة النسوية (بالإضافة إلى مواضيع قصدية أخرى)[2]” من كتابها “وعد السعادة” الصادر عام 2010. تستند معظم الأفكار التالية على الحلقة الدراسية الأولى هذه وحلقة دراسية مماثلة جرت بعد أربعة أشهر، فضلا عن سلسلة من اللقاءات الجماعية وتعاون انبثق من الاجتماع الأول.
إذا كانت التعاسة تسبب كل هذا الانزعاج، هل يمكننا أن نفترض أن السعادة هي ستار للمجتمع الأبوي والقمع؟
على ورقة صغيرة سلم أحدى المشاركين تلك الكلمات المكتوبة بخط اليد بالإنجليزية خلال فترة الظهيرة في نوفمبر عام 2015. نحن نتحدث عن نص سارة أحمد؛ المتاح فقط باللغة الإنجليزية. انتقلت إلى مصر منذ عام مضى وأتحدث بالإنجليزية خلال أغلب الجلسة، اللغة مثقلة بأحمال هائلة وهي ليست اللغة الأم لي ولا للمشاركين/ا، تقوم عضوتان من مجموعة اختيار بالترجمة وحين أنصت لما تشاركه المجموعة الجالسة حول الغرفة عن النص وتجاربها. افهم الحوار بنسبة كبيرة، فسماع اللغة العربية أسهل من التحدث بها. ينتابني مزيج من الخوف من ارتكاب الأخطاء والحرج؛ وأتساءل هل لاحظوا توتري من عائق اللغة وحرجي من ارتكاب الأخطاء.
في كتابها وعد السعادة تحلل سارة أحمد كيف تُستخدم السعادة لتبرير الأعراف وما يعنيه استحقاق السعادة. اللحظات التي يفترض أن نشعر فيها بالسعادة معدة لنا سلفا. ولكن ماذا لو إني، على سبيل المثال، لا أشعر بالسعادة مع عائلتي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة في يوم زفافي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة إزاء قرارات الأغلبية السياسية؟ وبناء عليه، تجادل سارة أحمد من أجل مساحة للتعاسة وتلتفت نحو هؤلاء غير السعداء بما ينبغي أن يسعدهم وتفصح عن صوتهم المعارض : الـ نسويات قاتلات البهجة. يبدأ نص نسويات قاتلات البهجة بأسرة جالسة حول مائدة العشاء. يجلس كل فرد من الأسرة في نفس المكان دائما، الأب على رأس المائدة يطرح الأسئلة، دائما نجلس بهذا الشكل، وكأننا نحاول تأمين أكثر من مكاننا فقط“[3]، وتأتي مواقع الكلام مثبتة بنمط محدد لمن يوجه الأسئلة إلى من، من يجيب، ومن يظل صامتا، كل يوم.
يعبر أحد المشاركين/ات عن تجاوبه، من خلال الترجمة، مع سيناريو سارة أحمد للعائلة المجتمعة حول مائدة العشاء. عائلته أو عائلتها لم تجلس أبدا حول المائدة، وتكاد لا تجتمع لتناول الطعام معا، كما شاركه بعض آخر من المشاركين/ات نفس الملاحظة. فهم أيضا لا يجلسون حول المائدة مع أسرهم. نحن بحاجة إلى ترجمة صورة الأسرة وهي تجلس حول المائدة، الطريقة التي يجلس بها دائما كل فرد في نفس المكان، ودور قتل البهجة. توقعت حدوث ثغرات من شأنها شق مناقشة النص، تنتج فجوات خلال قراءات مختلفة لكلمات مثل “النسوية” أيضا، أو بسبب اللغة الانجليزية والمصطلحات المحددة في النص ولكني لم أكن أتوقع أن السيناريو الذي افتتح النص سيأخذنا بالفعل حيث نحن هنا.
السيناريو الأبوي لا يؤدى دائما وفقط حول مائدة، بل يمكن أن يدور في غرفة معيشة، في السيارة في رحلة لزيارة الأقارب وأماكن أخرى كثيرة، بعد العائلة، نجده مرارا وتكرارا، في الفصول الدراسية، في المناسبات الاجتماعية أو على مائدة الأمور السياسية. قاتل/ة البهجة في هذا السياق هو الشخص الذي يشعر بالتوتر ويتحدث عنه، الذي يُعلن عن الأشياء التي لا ينبغي الإفصاح عنها، فهي مشاعر “غير لائقة”. الشخص الذي يتحدث بصراحة يصنع المشكلة، من يعرقل المناسبة السعيدة، تصبح أنت المشكلة التي خلقتها.
يتمهل النص عند الكلمات، يكررها ويقلبها. وهنا أشعر بالأوزان المختلفة التي يمكن للكلمات أن تحملها وفقا لموقعها في الجملة، ما هو قبل وما هو بعد. متى أصبحت “النسوية” كلمة لا تتحدث فقط إليك، بل تتحدث عنك، تتحدث عن وجودك أو حتى تحدثك في الوجود؟
نواصل الحديث عن النص، والقفز جيئة وذهابا بين السطور، الفقرات والصفحات، في تلك الغرفة، يتحدث كثيرون عن تجارب شخصية. بدأت الاستراحة في وقت متأخر، ولم يتبق سوى وقت قليل، أقترح حينها مشاهدة فيلم قصير معا: أبجدية المشاعر السيئة[4] لـ كارين ميشالسكي[5]. يظهر الفيديو المُنظِّرة والناشطة آن سفكافيتش[6] التي كان عملها عن “المشاعر العامة” [7] مصدر إلهام للفيلم ولنفسي. إنها تسرد في الفيلم قائمة من المشاعر السيئة مثل “الوحدة”، “العجز” أو “الاكتئاب”، وتستفيض في معانيها وهي تجلس على فراش تناثرت عليه ملابس قذرة، أدوية، مناديل ورقية…إلخ وفي غرفة-فضلا عن ذلك- فارغة على نحو غريب. بدلا من اعتبار المشاعر السلبية فشلا شخصيا، تحاول “أبجدية المشاعر السيئة” أن ترى إمكانية التواصل مع الآخرين من خلال المشاعر السيئة وقدرتها على أن تجعلنا ندرك البُنى القمعية التي تجلبها، على سبيل المثال، التفرقة الجنسية، رهاب المثلية، وظروف العمل في ظل الليبرالية الجديدة. المشاعر السيئة تقول لنا شيئا، إنها تشير إلى شيء ما خاطئ. الراء تمثل الرأسمالية، كما في عبارة ربما أنت تعاني من الرأسمالية.
يقول مشارك فور انتهاء الفيديو : "أعتقد أنه يمكننا جميعا التجاوب مع هذه الأبجدية، لكني قد أضيف كلمات مختلفة"، من هنا تطورت فكرة الإضافة إلى قائمة كلمات الفيلم أو بالأحرى عمل قائمة جديدة تماما، قائمة مؤسسة على الأبجدية العربية. جاءت الكلمة الأولى المقترحة بإلحاح: الذنب. الشعور بالـ “الذنب” المتعلق بذكريات الآونة الأخيرة، عندما كان هو/هي أكثر نشاطا في الشوارع مع مجموعات مختلفة. الشعور بالذنب تجاه الأصدقاء والرفاق الذين هم في السجن. يتسائل أحد المشاركين، “لماذا لا أستطيع أن أشعر بالسعادة لعدم سجني؟ لماذا أظل أتجنب والدتي رغم رؤيتي لمدى تعقيد وضعها؟” تحدثنا عن مشاعر الأسى، الخوف والغضب المرتبطة بالمجال العام، والاضطرار لأن تناسب أدوار النوع الاجتماعي المتوقعة، أو السير في الشوارع المكتظة برجال الأمن. تناول جزء كبير من الحوار التوتر في الأسرة (أغلب المشاركين مازالوا يعيشون مع عائلاتهم). تحدثنا أيضا عن أماكن العمل الباعثة على الاكتئاب وعن المناطق المحيطة بشكل عام، التي ترهقنا. عاد الحوار، مرات عديدة، إلى كيف يُلفظ الشخص الذي يملك مشاعر سلبية إزاء حالة ما، ويُطالب بـ”تجاوزها”، والعودة عند الشعور بالتحسن والقدرة على الاندماج. يسود التوقع بالقدرة على المشاركة، وتصبح مساحة كل ما هو غير مناسب نادرة لحد كبير فهو يثير الاضطراب فيما يمكن أن يكون مناسبة سعيدة. كيف يمكننا خلق مساحات للمشاعر السيئة تساعدنا على الإشارة إلى البني ذاتها التي تجعلنا غير سعداء؟ تذكرنا سارة أحمد بالضرورة الملحة للتساؤل عمن "لا يجلس حول مائدة السعادة" التي نسميها موائدنا، الموائد النسوية، مائدة النشطاء، الدوائر الصغيرة التي نسميها عائلاتنا الأخرى.
تقترح أيضا أن نعيد التفكير في شكل قاتلة البهجة مثلما يُعبر عنها في “سياسات القصدية.
ننهي اليوم بدائرة، كل واحد منا يتحدث عما نشعر به وعن النهار الذي قضيناه معا، ولكني لست متأكدة إذا كنا نجحنا في الوصول لنهاية جيدة؛ فانفتحت مساحة للمشاعر السيئة. ضحك، دموع، وتظل التأملات في الفضاء لفترة أطول، وكأن بعضنا لا يريد المغادرة ، ولكن يبقى شيء مفقود.
يستمر الحوار بيني وبين المنظمات بعد الجلسة؛ شيء ما تبدى في الجلسة وشعرنا بعدم الارتياح لتركه معلقا على هذا النحو، لاسيما وأن سلسلة الحلقات الدراسية كانت على وشك الانتهاء. لوهلة، أصبحت فكرة جمع كلمات وجمل عن المشاعر السيئة، أبجديات مختلفة، نقطة الوصل بين من يريد مواصلة هذا العمل. عندما التقينا مرة أخرى في مجموعة صغيرة، بعد بضعة أسابيع، كان الملف المشترك قد نما من بضع كلمات لقائمة كبيرة.
كان هيكل الاجتماعات مختلفا الآن ورغم أننا نجتمع في نفس المكان لكن أدوارنا لم تعد محددة كما من قبل، نتحدث عما نستطيع ولا نستطيع القيام به، ولكن مرة أخرى شعرنا بالقيود فما يمكننا عمله معا كان قليلا بالقياس إلى عمق الموضوع. قررنا مؤقتا أن نجتمع كل يوم سبت وأن يكون هناك بنية ما للاجتماعات، كتابة نصوص قصيرة حول موضوعات متصلة، وربما قراءتها لبعضنا البعض. الكتابة أساسية للغاية لأنشطة مجموعة اختيار، ولديهن خبرة في كيفية العمل مع الكتابة في إطار جماعي. بالنسبة لي أكافح مع الكتابة، وأدرك أن كتابتي، تقريبا على وجه حصري، أصبحت كتابة لغرض يتعلق بالعمل، وأنا بحاجة إلى أن أتعلم من جديد كيف أكتب بشكل مختلف.
الشخص الأقرب إلي في المجموعة تجلس بجواري، وتكتب أحيانا كلمات أو جمل باللغة الإنجليزية على ورقة لأقرأها، هي تشعر بحدود فهمي وبما يفلت منه، ولكننا قد وجدنا طريقتنا الخاصة في الترجمة.
قضاء الوقت معا هو جزء مهم من الاجتماعات، والحديث العادي قبل وبعد أصبح أطول، مثلما كان العناق في البداية. أتذكر على نحو خاص اليوم الذي اقترحت فيه إحدانا أن نرسم خرائط أو تخطيطات معمارية لمشاعرنا. البعض رسم الشقق التي يعيش فيها مع عائلاته\تها ووضع قائمة بالمشاعر المرتبطة بكل مساحة على الخريطة، آخرون رسموا أشكالا مجردة وملونة مع تعليق عليها. إحدى الصفحات كانت شبه فارغة، بمربعات صغيرة مختلفة ألوانها، عالقة على حواف الورقة وكلمات مكتوبة بجوارها، وسحابة.
بعد بضعة أسابيع خلال تجمعنا الأسبوعي، ناقشنا إمكانية مساهمة المجموعة في معرض نعده أنا وزملائي، في ذلك الوقت، في مركز الصورة المعاصرة. يتطور تعاون بين فريق اجتماع يوم السبت الذي أخذ (الخوارج) أسم له ومجموعة اختيار، وفريقنا الذي يعمل على “لو لم يكن هذا الجدار”؛ وهو مشروع مستمر عن أشكال السجن والإقصاء المختلفة وهو مشروع طويل المدى معني بأنماط الحبس والعزل المختلفة. كنا آنذاك نستعد للفصل الثاني، الذي أصبح عنوانه في وقت لاحق “مزمن- عن التعب النفسي كحالة عامة”. بجانب اقتراح التفكير، على سبيل المثال، في الصراع من أجل فتح عنابر للأمراض النفسية وأشكال من التنظيم الذاتي للناس المصنفة “مريضة عقليا”، حاول “مزمن” تبني الإرهاق النفسي كمدخل لقراءة الواقع السياسي والاجتماعي الحالي المحيط بنا.
اتخذت المشاركة في مزمن شكل صحيفة جمعت مقاطع من كتابات بعض المشاركين. مقتطفات موجزة، والمزيد من تلميحات لمحتويات النص بدلا من النصوص الكاملة، إشارة، ربما، إلى ما يمكن أن يكون، بين الكلمات والفقرات كثير من المساحة الفارغة، ستُملأ المساحة بمحادثات وقصص لم تقل بعد. منتدى عام مرجح للمشاعر والانفعالات، بغض النظر عما إذا كان سيعتبر ملائما أو غير ملائم وشكل يجمع بين مجموعة من البشر حول الانفعالات التي تميل إلى عزل الناس عن بعضها البعض.
في ختام هذا النص أعود إلى سارة أحمد.ليس من السهل أحيانا أن نفسح مكانا “لرفض تجاهل ما تم التغاضي عنه بالفعل“. الأسهل أن تضع تصورا لمساحة من الشعور بالضيق، الغضب التوتر من الظلم بدلا من فهمه بشكل كامل، هذا النوع من الفهم الذي ينغرس بالجسد ويقود إلى أفعال مختلفة. مما يعيق الطريق ، ويبطئ وتيرة الأشياء. أتمنى أن تكون هذه اللحظة موضع تقدير، أن تكون مائدة فيها مكان للشعور بالضيق، التوتر والغضب من الظلم، مائدة مطمئنة مثلما هي متحدية في آن لمواقفنا وأفعالنا. نحتاج موائد تغذي إصرارنا، ونحتاج إلى التساؤل عمن لا يجلس حول هذه الموائد. فالتوتر مرحب به على المائدة.
مصادر ومراجع
- ↑ تعقد مجموعة اختيار سنويا “حلقات دراسية عن النوع الاجتماعي” وهي مساحة تستمر لمدة عشر جلسات، يتشاركها عدد من المحاضرين/ات المتخصصين مع الحضور لقراءة ومناقشة مواضيع تتعلق بالنوع الاجتماعي (الجندر).
- ↑ كلمة “قصدية” هي ترجمة لكلمة WILLFUL التي استخدمتها الكاتبة سارة أحمد في النص المشار إليه، وتعني اعتماد سياسة(العناد/التعنت).
- ↑ ما لم يرد ذكر ذلك، كل الاقتباس في النص مأخوذة من نص سارة أحمد: Feminist Killjoys (And Other Willful Subjects).
- ↑ فيلم قصير (12دقيقة)،برلين، 2012 http://www.lescomplices.ch/recollect/the-alphabet-of-feeling-bad/the-alphabet-of-feeling-bad
- ↑ Karin Michalski صانعة أفلام ألمانية http://www.karinmichalski.de
- ↑ آن سفكافيتش Ann Cvetkovich http://www.anncvetkovich.com
- ↑ اطلع على An Archive of Feelings: Trauma, Sexuality, and Lesbian Public Cultures, Durham: Duke UP, 2003 and Depression: A Public Feeling, Durham: Duke UP, 2012