وثيقة:التحدث والكتابة في جنسانيتنا: الفعاليات النسوية حول العذرية واختبارات فحص العذرية في تركيا
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | عائشة گُل التيناي |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | منتدى الجنسانية |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | http://www.jensaneya.org/مقالات/التحد-ث-والكتاب-عن-جنسانيتنا-الفعالي-ات-النسوي-حول-العذري-واختبارات-فحص-العذري-في-تركيا
|
تاريخ الاسترجاع |
|
ترجمة | معين الإمام |
لغة الأصل | التركية |
العنوان الأصلي | غير معيّن |
تاريخ نشر الأصل | غير معيّن |
نشر هذا المقال في الأصل في كتاب المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية لدار المدى (2004)، وأعادت مؤسسة المرأة والذاكرة نشره في كتاب النسوية والجنسانية (2016).
"الكتابة لا تسكت الصّوت، بل توقظه، وفوق كلّ شيء تعيد الحياة الى العديد من الأخوات الغائبات". - آسيا جبار، "فانتازيا"
"الأدوات في أغلب الاحوال حكايا، حكايا أعيدت روايتها، نسخ تعكس وتفك الثنائيات الازدواجيّة الترابية حول الهوايات المتبناة". - دونا هوارد، "مانيفستو سيبورغ".
أصبحت ناشطة نسويّة أتحدث وأكتب حول العذرية. مناقشاتنا في الجماعة النسائيّة التي تأسّست داخل جامعة بوغازيتشي حول العذريّة والجنسانية، ومختلف الأنشطة التي انخرطنا بها، شكّلت جميعا معتقداتي النسويّة والشعور بالذات بشتّى الطرق. أمّا الكتابة بعد سبع سنوات حول الفعاليّات التي قمنا بها فهي فوق كل شيء محاولة لإعادة الحياة الى ذاتي (الغائبة). لقد تمثّلت أدواتنا في تلك الفترة في التحدّث والكتابة عن قصص العذريّة والجنسانيّة. أمّا الأداة التي سأستخدمها فهي إعادة رواية تلك القصص والحكايا، إضافة الى تقديم نبذة عن أنشطتنا وفعّالياتنا آنذاك.
اختبارات فحص العذريّة الإجباريّة
ليست العذريّة مجرّد قضيّة عابرة ينبغي على الفتاة التعامل معها الى أن يحين موعد الزواج. فهي تمثّل (وهذه حقيقة قابلة للنقاش) واحدا من أهم المفاهيم التي تحدد وتعرّف جنسانيّة المرأة وتتحكّم بها في تركيا. في عام 1992، أقدمت فتاتان على الانتحار في مدينتين واقعتين في جنوب تركيا بسبب إجبارهما على إجراء "اختبار فحص العذريّة"، وهو إختبار تؤخذ فيه الفتاة الى الطبيب لتقرير ما إذا كان غشاء بكارتها سليما أم لا. قد يطالب بإجراء هذا الاختبار أفراد العائلة ذاتها أحيانا، أو مسؤولو الدولة، بناء على طلب من مدير مدرسة الطالبات مثلا، أو من قائد الشرطة للتحقيق في إحدى القضايا، أو من مؤسسات الدولة حين تتقدّم إمرأة بطلب للعمل في وظيفة حكوميّة.
أدّى خبر موت الفتاتين إلى إقامة مظاهرات إحتجاج نسائيّة في كل من إستنبول، وأنقرة، وأزمير. في أنقرة، تجمّعت عدّة جماعات نسائيّة معا وبدأت حملة أطلقت عليها اسم "لا لاختبارات العذريّة! هذا جسدي!"(1) . وصدرت نشرة بعنوان Yeter (هذا يكفي!) خلال الحملة التي استمرّت ستة أشهر، نشر في نهايتها كتيب تضمّن تحليلا للعذريّة بإعتبارها قضية وللحملة بوصفها عمليّة سياسيّة. في استنبول، كانت الاحتجاجات متفرّقة، فقد عقدت عدّة لقاءات بين ناشطات الحركة النسوية لمناقشة القضيّة، لكن لم يتم تنظيم أيّة حملة. في حين عملت الجماعة النسائيّة في جامعة بوغازيتشي، التي كنت عضوة فيها، على تسييس القضيّة طيلة السنة، وذلك من خلال الدعوة الى لقاءات داخل وخارج الجامعة، إضافة الى إصدار نشرتين حملت الاولى عنوان "حول العذريّة" والثانية "حول الجنسانيّة"، والمشاركة في معرض الكتاب الوطني بمنصة حول العذريّة. في أزمير أيضا اجتمعت النساء للاحتجاج على حادثتي الانتحار واختبارات فحص العذريّة الاجباريّة.
لم يكن للفعالية النسويّة تأثير مباشر على القضيّة عامي 1992 و 1993 ، فيما يتعلّق بإحداث تغييرات على النظام القانوني. لكن تمت تعبئة وسائل الاعلام وحشد تأييد الرأي العام. ومنذ ذلك الحين، أصدرت جمعيّة الاطباء عدّة بيانات توصي فيها الاطباء بوجوب رفض إجراء فحوصات العذريّة الإجباريّة تحت أي ظرف من الظروف. وفي عام 1994، أصدرت لجنة حقوق الانسان تقريرا بعنوان "المسألة مسألة سلطة: سيطرة الدولة على عذريّة المرأة في تركيا"، وأعلنت أن اختبارات العذريّة الاجباريّة تشكّل انتهاكا لحقوق الانسان الاساسيّة في السيادة على جسده وخصوصيته.
في عام 1998 ، إحتلت قضيّة العذريّة الواجهة مرّة أخرى حين أعلنت وزيرة المرأة وشؤون الاسرة، ايشلاي سايغن، في إحدى المقابلات أنّها مع إجراء اختبارات العذريّة، حيث قالت: "وماذا لو انتحرت بعض الفتايات بسبب هذه الممارسة. نحن بحاجة اليها لحماية أطفالنا. إن هذا المجتمع يمتلك قيماً معيّنة". وعندما نشر هذا التصريح، نظمت الجماعات النسائيّة حملة مشتركة وطالبت باستقالتها. لم تستقل الوزيرة، لكنها فقدت منصبها بعد شهرين حين تغيّرت الحكومة. سرعان ما تبنى قضيّة اختبارات العذريّة وزير شؤون حقوق الانسان ووزير العدل. وصرح الاثنان بأن اختبارات العذريّة تشكّل انتهاكا لحقوق الانسان. وأدّت الجهود التي بذلتها الوزارتان الى مرسوم وقعه وزير العدل في يناير من عام 1999 ، اعتبر قيام مسؤولي الدولة بإجراء اختبارات العذريّة لأغراض تأديبيّة وبدون موافقة الفتاة/المرأة المعنية أمرا غير قانوني. وتبعا للمرسوم، لا يمكن فرض إجراء اختبار العذريّة إلا في القضايا الجنائيّة المتّصلة بالاغتصاب والدعارة غير القانونيّة حين لا يكون أي دليل آخر كافيا لإثبات الدعوى. كما أصدر وزير التربية الوطنيّة بيانا قال فيه إنّه سيمنع المسؤولين الاداريين في المدارس من إجراء أيّة تحقيقات تتعلّق بعذريّة/ شرف طالباتهم. لكن لم تتخذ أيّة خطوات فعليّة بهذا الشأن حتى الآن.
موقفنا الآن يتصل باختبارات العذريّة واستخدامها من قبل الدولة. لقد جرت محاولات لمنعها أو الحد من استخدامها، لكن لم تبذل حتى الآن أيّة جهود نظاميّة لإلغاء الممارسة. وهنالك مشكلتان لن يتم التعامل معهما من خلال هذه التغييرات المتزايدة في النظام القانوني. أولا، توجد مواد في قانون العقوبات تعطي قيمة كبيرة لـِ "العرض" وتفرق بين الجرائم المرتكبة ضد النساء وتلك المرتكبة بحق الفتيات (الفتاة هي "العذراء" بالتعريف). وطالما بقيت هذه المواد موجودة في قانون العقوبات، سوف تظل اختبارات العذريّة ممارسة ضروريّة لتحديد العقوبة المناسبة اعتمادا على وضع غشاء بكارة الضحيّة، لا سيما في حالات الاغتصاب. علاوة على ذلك، لا يحل المشكل أيضا اقتصار استخدام اختبارات العذريّة في الحالات الاخرى على موافقة الفتاة. فالضغوط التي تمارسها العائلة والمجتمع عموما تجعل من الصعب رفض إجراء الاختبار، لأنّه يفسّر كمحاولة البذاءة وقلّة الاحتشام.
طالما ظلّ المجتمع يسبغ قيمة كبيرة على العذريّة، ويعتبر الشرف شيئا يملكه الرّجل، لكن تحمله المرأة في جسدها، سوف تستمر اختبارات العذريّة الاجباريّة، أو التهديد بإجرائها، في تحديد جنسانية المرأة وعلاقتها بجسدها. ولهذا السبب، شملت الفعاليّة النسويّة المناهضة لاختبارات العذريّة المسائلة الشاملة لمفهوم العذريّة ومحوريته في تحديد جنسانيتنا.
بقيّة ورقة البحث هذه سوف تعتمد على قصصنا المتعلّقة بالعذريّة، وجهودنا المبذولة لمناقشة المفهوم (وفي بعض الحالات، تأثيره المميت). في القسمين التاليين، سوف أقدم مقتطفات من منشورات الجماعات النسائيّة في استنبول وأنقرة خلال عامي 1992 و 1993، لأبيّن كيف تمّ اختبار ومناقشة العذريّة والحملة المتّصلة بها. وأنا أراها قصصا تسلط الضوء على أهميّة الفعاليّة النسويّة، والصعوبات التي لاقتها عند التصدّي للقضايا المتعلّقة بجنسانيتنا.
"حول العذريّة" و "حول الجنسانيّة" : كتابات الجماعة النسائيّة في جامعة بوغازيتشي في استنبول(2)
مقدّمة الى "حول الجنسانية": نحن جماعة نسائيّة من جامعة بوغازيتشي، نجحنا في الاجتماع معا برغم الاختلافات فيما بيننا. في السنة الماضية و (1991)، قمنا بتنظيم سلسلة من المناسبات (جرت قيها مناقشات، ومحاورات، وحفلات موسيقيّة) خلال الأسبوع الأول من شهر مارس للاحتفال بيوم المرأة العالمي. بعد هذه المناسبات، استمرّت جماعتنا باللقاء لمناقشة الكتب التي قرأناها وتبادل خبراتنا وتجاربنا كنساء. وبالنسبة للشهرين الماضيين، قمنا بتنظيم لقاءات في الجامعة (في مؤسسة ملاذ المرأة) للتباحث بشأن مسألة "العذريّة". تتناول هذه النشرة بعضا من تلك المناقشات. ونحن نخطط لإصدار نشرة أخرى خلال الاشهر القادمة. وفي حالة عدم الاجتماع بكن في اللقاءات التي سوف ننظمها حول هذه القضيّة.. نأمل منكن قراءة نشراتنا القادمة.. نحن نهدي هذه النشرة الناطقة باسم جماعتنا الى كلّ النساء في تاريخنا غير المعترف به، النساء اللاتي نجحن، من خلال الاحتجاجات والكتابات خلال الحقبة العثمانيّة، ثمّ منذ عام 1982، في فتح أفاق جديدة أمامنا وتقديم يد العون لنا لتطوير الوعي النسوي..
التحضير للحملة
ظهرت فكرة الحملة أول ما ظهرت حين التقينا في "مؤسسة ملاذ المرأة" لمناقشة مسألة العذريّة. أما السؤال الأهم الذي طرح فتمحور حول ما إذا كانت الحملة ستتصدّى لاختبارات العذريّة أم لمفهوم العذريّة على وجه العموم. وحين قرر الرأي لدينا على الخيار الثاني، كنا ندرك الصعوبات التي سنواجهها. وطيلة فصل الصيف، ناقشنا مسألة العذريّة واحتمال تنظيم الحملة. في كل مناقشة، كنا نكتشف بعدا مختلفا من أبعاد القضيّة وندرك مركزانية العذريّة في حماية التراتبية القائمة في المجتمع.. ولربما تكون هذه النشرة، وغيرها مما نريد نشره، هي الحملة التي سوف ننظمها، أو ربما سوف نهز العالم مع النساء اللاتي سوف يشاركننا التفكير ونعيد تحديد وتنظيم حملة أوسع معا.
(اسرا)
اختبارات العذريّة والهويّة
لكي نفهم اختبارات العذريّة، نحتاج أولا إلى فهم المعنى الاجتماعي للعذريّة. والقيام بذلك يعني البدء بتفكيك النموذج ألبطركي في المجتمع. ربما سوف يفكر العديد من النساء أن من الجنون التصدّي لهذا الوحش المتعدّد الرؤوس حين لا يكون لدينا أي خيار سوى النوم تحت ظله. لكننا بحاجة إلى الخروج من تحت جناحه بأسرع ما يمكن، لأنّه من خلال سيطرة الرجال على جنسانيتنا، يحدّدون أجسادنا، ويتحكّمون بهويّتنا، ويحكمون قبضتهم على عملنا ومستقبلنا.
(كان)
أي نوع من الجنسانية يجري بناؤها ولماذا؟
لم تعتبر العذريّة على هذه الدرجة من الأهمية؟ كيف تمكن أول رجل مارسنا معه الجنس (حدث أنّه كان الزوج) من السيطرة على أجسادنا؟ كيف "تمتلك" النساء أجسادهن؟ كيف يبني المجتمع الجنسانية بطريقة تحمل فيها العذريّة المعنى الذي تحمله؟.. لقد حاولنا في مناقشاتنا حل غموض الكيفيّة التي يتم بها إدخال السلطة إلى فهم الجنسانيّة.. أمّا النتيجة النهائيّة التي توصّلنا إليها فهي أنّ مسألة العذريّة تتصل بالمنافسة بين الرجال أكثر من اتصالها بنا، معشر النساء. لقد أصبحنا أهدافا، لا للعلاقات الجنسيّة فحسب، بل لصراع الرجال على السلطة عموما.. وإذا لم نبدأ بالتشكيك بالجنسانية كما تحددت من المنظور الذكوري وأعدنا تحديدها وتعريفها من منظورنا الخاص، سوف تبقى أجسادنا مجرد "أشياء" في البناء القائم للجنسانية إضافة إلى الحياة الاجتماعية؛ ولن تتمكن امرأة أبدا من أن تقول: "هذا جسدي حقا".
(عائشة غول).
"لعنة الشرف"
أيتها النساء! هل جلسنا يوما وفكرنا بما يعنيه الشرف؟ لنفعل ذلك سويا. هل املك حقا "شرفا" ادّعي انّه حقي، واحدده واعرفه من منظوري الخاص أو أتنازل عنه؟ أن فعلت ذلك، لم يلوّث أبي، أو شقيقي.. يديه بالدم حين اختار الاستمتاع بجنسانية (تلويث شرفي).. دعونا نفكر: ألا توجد علاقة بين أن يكون الرجل سيّد المرأة في المنزل، وبين التنافس المستمر على امتلاك/ والوصول إلى السلطة في كل جانب من جوانب الحياة؟ بالمناسبة، لقد انتهى عصر الإماء والجواري، ولكن ماذا عن عصر الخليلات والمحظيات؟
(غوكشين).
غضبي هو غضبك..
هذا اليوم يشبه كل الأيام، ولن يكون الغد مختلفا. حين أسير بالشوارع، سوف أتعرّض للمضايقة والتحرش عدّة مرّات. لسوف أقاتل لحماية جسدي في الأماكن المزدحمة ( لكن حتى لو تمكنت من حماية جسدي، ماذا عن صحتي العقلية، وجهازي العصبي؟ سوف يحملان دون شك آثار هذا القتال). غضبي هو غضبك. مشاعر اليأس التي تسيطر علي تشبه مشاعرك.. لم أتعرض للاغتصاب، ولم يرسلوني لإجراء اختبار العذريّة. لكني اعرف بوجود خطأ فادح وان الوقت قد حان لتغيير وضعنا. العاصفة التي تجتاح كياني هي إرادة التغيير، وتصحيح الخطأ، عاصفة تقول إن ذلك ليس قدرك. أنت، نحن، كلنا معا، لسنا وحدنا. أنا اعرف. لان غضبي هو غضبك، غضبي هو غضبك.
(اوزليم).
ظننت أنّ العذرية لم تعد أمرا مهما بالنسبة لي
أفكر باليوم التالي على أول علاقة جنسية خضتها. حتى ذلك اليوم, كانت أفكاري واضحة. لقد استنكرت كافة المحرمات المتعلقّة بجسدي دون مساءلة أبعادها الاجتماعية. قاومت فكرة العذرية، او قاومت بالأحرى فكرة الزواج وأنا عذراء. قدّم الزواج لي باعتباره حقيقة حياتيّة، ولذلك كان احتجاجي عليه ينطلق آنئذ من منظور أراه الآن ساذجا، "لا أريد الزاج من رجل يقيمني على أساس عذريتي". حسبت بأنني متأكدة تماما من هذه النقطة. وأتذكر الصدمة التي أصابتني والحنق الذي شعرت به في اليوم التالي لعلاقتي الجنسية الأولى حين أدركت انه لا رجوع إلى الوراء وأنني أعاني من شعور مروّع بالذنب. فكرت بأن العذرية لم تعد مهمة بالنسبة لي. ما الذي كان يحدث؟
(بدون توقيع).
حملة "لا لاختبارات العذرية! هذا جسدي!": كتابات نساء أنقرة (3)
ما الفائدة من "اللغة" ؟
دارت هذه الحملة حول موضوع يصعب كثيرا تسييسه. كنّا نفتقد اللغة المناسبة لذلك. لم يكن يكفي القول "هذا جسدي!".. نحن بحاجة إلى إيجاد لغة تسمح لنا بإشراك النساء الأخريات، وليس إلى كليشيهات ومفاهيم فقدت معانيها لابتذالها وكثرة استعمالها. نحن بحاجة إلى كلمات تعبر عن غضبنا المشترك، وتدعو النساء إلى التشارك في الغضب وتجعلهن يشعرن بأننا نقف إلى جانبهن (لكن اللغة السياسية تتحول إلى لغة اصطلاحية طنّانة بسرعة لا تصدق وترسم حدودا فاصلة بدلا من تسهيل الاتصال). قد يبدو ذلك مفارقة، لكنني اعتقد أن اكتشاف هذه الحقيقة مثل واحدا من انجازات الحملة.. لقد دار احد النقاشات الرئيسيّة في أول لقاءين حول أهداف الحملة. على الرغم من أن نقطة الانطلاق كانت اختبارات العذرية الإجبارية، إلا أننا فكرنا بأن علينا التصدي لقضية العذرية ككل، لا الاختبارات فقط. ولذلك، قمنا بتحديد هدفين رئيسيين. أولا، التصدي لاختبارات العذرية، والأماكن التي تجري فيها، والأشخاص الذين يجرونها؛ ثانيا، محاولة تسييس المحرم (taboo) المتعلق بالعذرية وتوضيح الرعب الذي نعانيه جميعا نتيجة هذا المحرم.. الحملة كانت عبارة عن عملية "تأنيث" لكافة النساء اللاتي شاركن فيها.. (وكانت) ناجحة جدا فيما يتعلق بمشاركة عدد كبير من النساء فيها وشكلت خبرة مهمة في حياتنا.
(اكسو).
أحببنا هذه الحملة
حقيقة أن هذه الحملة لم تصبح معركة نضالية تجري في الشوارع تتصل بالتأكيد بطبيعة القضيّة. فالعذرية ليست قضيّة يسهل نقاشها أو تسييسها. وحتى حين كنّا نتحدث عن المسألة فيما بيننا، كان الحديث يتحول إلى قضايا مثل التحرش الجنسي الذي اعتدنا النقاش حوله أكثر.. ومع اقتراب الحملة من نهايتها، اعتقد أن أهم ما حققنا أننا أقمنا شبكة تتمتع بالقدرات الكامنة والمرونة الكافية لجعل البدء بحملات جديدة أمرا ممكنا
(اوزلم و.).
اللقاء في مركز "التنداغ" للتضامن مع المرأة
لا نستطيع، كنساء، أن نميز دائما التدخلات في جنسانيتنا؛ أو أن نراها كتدخلات. كما وجدنا صعوبة في التعبير عن تأثير العذرية في تشكيل حياتنا، وشخصياتنا، وأجسادنا. ومن الصعب أيضا التحدث عن أجسادنا، أو نشاطاتنا الجنسية. ولا يعود السبب في ذلك إلى عدم رغبتنا في الكلام، بل لأننا لا نعرف الكيفيّة. لا نستطيع أن نجد الكلمات. إذ يصعب على النساء التحدث عن أنفسهن بلغة صممت لتعبر عن مشاعر الرجال.
(غيف – غيفرين).
يكفي ذلك فعلا!
أيتها الطالبة، لقد عشت حياتك معتمدة على نفسك. أنت التي تعودين من العمل بعد الساعة التاسعة مساء، يمكن أن يأخذوك لإجراء اختبار العذرية أيضا. لا ليس من الضروري أن تعيشي في سكن الطالبات، أو مدرسة داخلية، أو مستشفى الأمراض العقلية، أو السجن لمواجهة اختبار العذرية؛ كلنا معرضات لهذا التهديد.. إن من الإرهاب سجن النساء ضمن تصنيفات مثل، متزوجات، أو عذراوات،أو عاهرات، أو مطلقات، وعدم إعطائهن أية حقوق أخرى. أدعو الجميع إلى قول "حسبكم" يكفي ذلك! ( اوزكان).
العذرية هي الفكرة المثالية لأولئك الذين يريدون اغتصاب عذرية المرأة
دعونا، كنساء، نعلم بناتنا الوقوف على أقدامهن والعيش اعتمادا على أنفسهن، بدلا من حماية عذريتهن وتجهيزهن للخضوع لهيمنة الرجل. دعونا نساعد النساء من حولنا، النساء اللاتي يحاولن العيش كما يشتهين، بدلا من تهميشهن بسبب تحدي الأفكار الراسخة؛ لان حياتهن تضيق غنى وثراء إلى حياة النساء. حياتهن تشبه منفذا يخترق الأسوار المحيطة بنا. دعونا نساعدهن. لان خسارتهن تعني خسارتنا أيضا. الضغوط علينا تتكثّف حين تحل بهنّ الهزيمة. دعونا نقف إلى جانب النساء حين تخضع أجسادهن وحياتهن للسيطرة، وحين يمنعن من بناء حياتهن.
(سلمى).
عذريّتنا، ذواتنا
"أجسادنا، ذواتنا؛ الأجساد خرائط السلطة والهويّة" - دونا هاراواي، "مانيفستو سيبورغ".
تطوّرت الحركة النسائيّة التركيّة في الثمانينات، ونجحت في تسييس عدد من الجوانب المهمة في حياة المرأة قبل أن تصبح العذريّة هي قضيّة. أمّا الحملة المستمرّة منذ مدّة طويلة ضد العنف داخل المنزل فقد أدّت إلى تأسيس ملجأين مستقلين للنساء في كل من استنبول وأنقرة. في أوائل التسعينات، عندما أردنا تسييس قضيّة العذريّة واختبارات العذريّة، كان هذان الحيّزان النسائيان، مع "مركز مصادر ومكتبة المرأة"، على درجة كبيرة من الأهمية. كان هناك أيضا تراث من النقاشات النسويّة حول الجنسانيّة والسياسة الجنسيّة. أمّا شعار "هذا جسدي!" فقد رفع أوّل مرّة في الحملة ضد التحرّش الجنسي.
لكن فعالياتنا اتصفت أيضا بعدم الاستمراريّة والافتقار إلى التواصل اللذين أصابا العديد من الجماعات النسائيّة في مختلف أنحاء العالم. وحين أصبحنا شابات ناشطات في الحركة النسويّة في البدايات المبكّرة من التسعينات، لم يكتب سوى القليل جدا (باستثناء بضع مقالات موضوعيّة) حول قضيّة الجنسانيّة كما خبرتها الناشطات النسويات (فيما بين أنفسهن وبينهن وبين الرجال). علاوة على ذلك، وباعتبارنا عضوات في الجماعة النسائيّة في جامعة بوغازيتشي، لم نكن على علم بفعاليات الجماعات النسائيّة في أنقرة ونشاطهن في مجال الجنسانيّة. وحتّى حين علمنا، لم نقم أيّة وسائل للاتصال أو التضامن. وحين نظرت إلى الماضي وقرأت ما كتبته النساء في أنقرة، وما كتبناه نحن، أدركت حجم الأمور المشتركة بيننا رغم عدم اتصالنا المباشر، ومدى ما يمكن أن نتعلّمه من بعضنا بعضا.
عندما قرأت ما كتبناه عن العذريّة واختبارات العذريّة ملأ كياني الغضب، والإثارة، والحب، والحنين إلى الماضي: الغضب من حقيقة اضطرارنا لمعاناة مثل ذاك الألم من أجل اكتشاف أجسادنا وجنسانيتنا؛ والإثارة لتذكر العمليّة الحميمة التي تمّ من خلالها تبادل خبراتنا وتجاربنا كنساء؛ والحب لكل صديقاتي وأولئك اللاتي لم أحظ حتّى بلقائهن وناضلن بشدّة لجعل عمليّة التبادل هذه ممكنة؛ والحنين لتلك الأيام التي كانت فيها طاقتنا في أوجها، وذلك الإحساس القوي بالتضامن الذي خلقته العمليّة، وتلك الشجاعة التي كنّا نتمتع بها. أذكر كم كان صعبا توزيع نشراتنا على صديقاتي، وصديقي، وأمّي، وأبي، وأشقائي. أذكر أيضا الخوف الذي تملكنا ونحن نجهّز "منصة العذريّة" في معرض الكتاب الوطني، وكيف وقفنا بفخر واعتزاز أمام شعاراتنا حول العذريّة والجنسانيّة وكيف قرأها وعلق عليها مئات الأشخاص خلال المعرض وبعد ذلك في الجامعة. ومع أنني اليوم أقوى بكثير، إلا أنني أتساءل: هل أملك الشجاعة الكافية لفعل نفس الشيء مرّة أخرى، والكتابة حول نشاطي الجنسي ودعوة العالم لمشاركتي به؟ في الحقيقة لا أدري.
تشكل أجسادنا خرائط للسلطة والهويّة في آن معا. السلطة لا تقوم فقط بقمعنا. فهي تعمل بصورة مؤثّرة على خلق هويتنا، وإحساسنا بأجسادنا، وجنسانيتنا. واختبارات العذريّة الإجبارية هي أفعال عنف، بغض النظر عمّا إذا فرضتها العائلة أو الدولة. وكما يذكر تقرير منظمة حقوق الإنسان، تعتبر انتهاكات جوهريّة لسيادة الإنسان على جسده وخصوصيّته. وينبغي علينا أن نبذل قصارى جهدنا للاحتجاج على البيئة القانونيّة التي تسمح بهذه الفحوصات والاختبارات. لكن في الوقت الذي نقدم فيه الأدلة والحجج ضد الاستخدام المباشر للسلطة على أجسادنا، نحن بحاجة لحل غموض/ومعارضة الطرق التي تقوم بها النساء ب"تذويت" هذه السلطة؛ وكيف نصبح غريبات عن أجسادنا في عمر مبكر؛ وكيف تحدّد وتعرف أفعالنا بالحاجة إلى حماية عذريتنا؛ وكيف أصبحنا نعطي قيمة لأنفسنا من خلال عذريّتنا؛ والاهم من كل ذلك، كيف يحدد مفهوم جنسانيتنا علاقاتنا بالرجال، وبالنساء الأخريات، وبكافة أشكال السلطة في المجتمع.
تشير كتابات نساء استنبول وأنقرة معا إلى الحاجة للإقرار بمركزانية العذريّة في عمليّة تحديد هوياتنا كنساء في تركيّا والتصرّف تبعا لها. لكن اللغة الضروريّة لتسييس القضيّة ليست متوفّرة وتتطلب الكثير من العمل والجهد. ويوافق معظمنا على عدم وجوب تقييم الحملات التي ننظمها بنتائجنا النهائيّة وحسب. ومثلما كتبت أكسو في مقالتها، فإنّ نجاح الحملة ضد اختبارات العذريّة يكمن في "مشاركة العديد من النساء فيها، وفي كونها تشكّل تجربة مهمّة في حياتنا". إنّ عمليّة تجمّع النسوة معا، وتشكيل شبكات من التضامن، والعمل على إيجاد لغتنا الخاصّة والقادرة على حل غموض الطرائق التي تحدّد عبرها هويتنا من قبل السلطة، تعادل في الأهمية والقدرة على تغيير النتائج النهائيّة الملموسة. ومن خلال هذه العمليّة التدريجيّة يصبح "الشخصي" "سياسيا" بالفعل.
نأمل بالمزيد من هذا التحوّل من "الشخصي" إلى "السياسي"، وبمزيد من التضامن في المستقبل.
هوامش
- من الصعب إيجاد ترجمة أدق لعبارة "Bedenimiz bizimdir" من "هذه أجسادنا" أو "أجسادنا ملك لنا".
- "حول العذريّة" (1992)، و"حول الجنسانيّة" (1993)، عنوانان لنشرتين أصدرهما في استنبول الجماعة النسائيّة في جامعة بوغازيتشي، ووزعت كلتاهما من قبل الأعضاء (ذكورا وإناثا)، كما بيعت في المكتبات الرئيسيّة في استنبول وخلال معرض الكتاب الوطني في دورتي نوفمبر 1992، ونوفمبر 1993. كافة عضوات الجماعة كن في العشرينات من العمر ومن طالبات الجامعة. ضمّت النشرتان حوالي عشرين مقالة، أمّا عدد المساهمات في إصدارهما فكان أكثر من ذلك. توجب علي انتقاء عدد من هذه المقالات وترجمة مقتطفات منها (إلى الانكليزيّة). كل ما أستطيع قوله هو أنّ الاختيار كان عمليّة بالغة الصعوبة، وأتحمّل وحدي مسؤوليّة العيوب فيما يتعلّق بالاختيار والترجمة.
- شاركت في حملة "لا لاختبارات العذريّة! هذا جسدي!" نساء من مختلف الأعمار (بمن فيهن بعض الأمّهات ) وأسهمن في إصدار الكتيّب (نوفمبر 1993، منشورات بريشيمبي) الذي ضمّ إحدى عشرة مقالة. قمت بنفسي بالاختبار والترجمة، وجميع الترجمات هي مقتطفات قصيرة من مقالات أطول.